موقع 24:
2025-02-21@11:35:57 GMT

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

من يراجع تاريخ العلاقة بين الدولة والمجتمع اللبنانيّين وبين ميليشيا «حزب الله»، والتي بات عمرها يتعدّى الأربعة عقود، يلاحظ أنّ كلفة الميليشيا على هذين المجتمع والدولة سلكت مسلكاً تصاعديّاً في احتدامه، وأنّ تصاعديّته بالكاد عرفت التقطّع. فبدل وعد الانتقال من حماية إلى تحرير فإلى ثراء وازدهار، اتّجه الانتقال بنا إلى انكشاف أكبر واحتلال أكثر وبؤس أعظم.

وليس معقولاً بأيّ معيار كان أن تنتهي بنا الحال، بعد ذاك الزمن المديد على انطلاق المقاومة، و»تحصيننا» الذي نُسب إليها، إلى ما نعيشه راهناً، حيث يمضي في نهشنا توحّش إسرائيليّ لا يرتوي طلبه لدمنا وخرابنا. أمّا الحجّة التي تقول إنّ هذه أكلاف التحرير فيمتنع قائلوها عن اقتراح مدّة زمنيّة، ولو تقريبيّة، لتحقُّق ذاك الوعد بالجنّة الأرضيّة، أو اقتراح محطّات إنجازيّة نصعد من واحدتها إلى واحدة أعلى على الطريق إلى تلك الجنّة. وهذا ما دفع أكثريّة من اللبنانيّين، يتنامى عددها يوماً بيوم، إلى افتراضين يعزّزهما طوفان من الوقائع والمعطيات التجريبيّة: أوّلهما أنّ التحرير المقصود ليس شيئاً محدّداً يتحقّق، بل هو مزيج من فكرة لا تتحقّق وطريقة حياة تمتدّ على العمر كلّه، بل على أعمار أجيال متعاقبة. أمّا الافتراض الثاني فأنّ التضحيات الهائلة التي تُبذل إنّما تُبذل مازوشيّاً، أي لإنزال ألم «لذيذ» بالذات، بحيث يقلّ القليل المتبقّي في اليد أو يُفقَد كلّه تباعاً.
فالأمر، بالتالي، أقرب إلى طقس علينا نحن أن نخدمه لمجرّد أنّه طقس، من دون أن نطالبه، في المقابل، بخدمتنا.
وما يزيد طين الميليشيات بلّةً، هي التي تدعو إلى تحرير وطنيّ ما، ارتباطها بمصالح أجنبيّة تتقدّم على مصالح الوطن نفسها، وهذا إن لم تكن تلك المصالح الأجنبيّة علّة وجودها الأولى والأهمّ. وفي ذلك ما يمعن في إضعاف مزاعم المقاومة المنتفخة في صدد فلسطين وقضيّتها إذ يتبدّى أنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ شيئاً آخر، تحيط به الشبهات، هو ما يملي عليها حركاتها وسكناتها.
والراهن أنّ ما من شعب، إلاّ إذا كان مصاباً بمرض جماعيّ، يمكن أن يوعَد بهذا «التحرير»، وأن يُطالَب بالاستماتة في طلبه! فالطبيعيّ الذي يحصل، والحال هذه، شعورٌ عميق بالخيبة والخذلان يدفع أصحابه إلى مراجعة حسابات الأكلاف الهائلة ومقارنتها بالمنافع المعدومة ثمّ الوصول إلى النتائج المنجرّة عن ذلك.
وما نشهده في لبنان، ممثّلاً بـ «حزب الله»، واحد من أفدح أشكال الظاهرة الميليشيويّة، وهو بالتأكيد أعرقها في المشرق العربيّ، إلاّ أنّ لبنان ليس المسرح الوحيد لاشتغالها الكارثيّ. فها نحن نلاحظ مثلاً كيف يعلن سكّان البوكمال في شرق سوريّا بَرَمهم بالميليشيا وعجزهم عن تحمّل الأكلاف المتعاظمة التي يرتّبها وجودها ونشاطها. وعلى نطاق أعرض تتعالى أصوات عراقيّة متزايدة تلحّ على إشهار خوفها من سياسة التوريط بالموت التي تتسبّب بها الميليشيات. ذاك أنّ الأخيرة، وفي كلّ مكان من المشرق تقريباً، توسّع رقعة انتهاكها التي تشمل التمييز السياسيّ بين السكّان، ورفض تطبيق القانون، وتوسيع هوامش الفساد، وفرض ضرائب تصاعديّة على الحياة الاقتصاديّة، وهذا فضلاً عن التجرّؤ على الأعراف الأهليّة والتقاليد الشعبيّة.
هكذا يُلاحَظ أنّ تداعي الميليشيات القويّة يشبه تداعي الأنظمة الإمبراطوريّة، أو ذات الادّعاء الامبراطوريّ، حيث التجرّؤ واسع وشامل يمسّ أوجه الحياة كلّها. وفي سياق كهذا يسود التشكيك الشعبيّ المشوب بسخرية لا ترحم، سخريةٍ تطال كلّ شيء طالته رواية تلك الميليشيا عن نفسها وعن عالمها المحيط، فيما روايتها تطال كلّ شيء تقريباً. فانكشاف الوعد المزغول خطير على الواعد، وكلّما كان الوعد متضخّماً تضخّمَ انكساره واتّخذ شكلاً فضائحيّاً. وفي عداد ما يتداعى تأويلٌ كاذب للتاريخ وللوقائع جعلته الميليشيا تأويلاً سائداً، مقلّدةً بهذا ما تصنعه الأنظمة التوتاليتاريّة حين تعيد كتابة التاريخ فتمحو منه ما تمحو وتضيف إليه ما تضيف. وبين ما يتداعى أيضاً لغةٌ غالباً ما تعني عكسها، حيث الهزيمة انتصار والانتصار هزيمة والقوّة ضعف والضعف قوّة، توشّيها تعابير شبه وثنيّة يُراد للجماعة كلّها أن تردّدها طرداً منها للأرواح الشريرة. وبالطبع فإنّ الرواية هذه تجد حارسها المنزّه في رجل ساحر أُوكلت إليه مهمّة السير بنا، فيما أعيننا مغلقة، نحو المجد والسؤدد.
لكنْ فجأةً، وفيما ينهار هذا كلّه انهيار جبل من كرتون، يبدأ الناس بقول الكلام الصحيح والدقيق في الوقت عينه، حيث تحضر الأرقام لتعزيز الرأي أو لنفيه، كما يحضر ما تراه العين بدلاً من دفع العين لأن ترى ما لا يُرى. وبين نهار وليلة يجد الناس أنفسهم وجهاً لوجه أمام مسؤوليّاتهم عن ذواتهم وعن أوطانهم: كيف يدبّرونها من دون سحر وساحر ومن دون رواية تريد تلقينهم، كما يُلقّن الأطفال، أنّ الأسود ابيض والأبيض أسود. والمشرق العربيّ، وسط صعوبات هائلة وقسوة استثنائيّة، ربّما كان اليوم أمام امتحان المسؤوليّة الكبير هذا.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله

إقرأ أيضاً:

يا ناس: تساؤلاتٌ عن عالم ضائع

إسماعيل سرحان

هل يمكن للعقل أن يستوعب أن القمة الإفريقية قد أطلقت صرخاتها المدوية بوجه “إسرائيل”، مدانةً العدوان على غزة، ومتهمةً إياها بجريمة الإبادة الجماعية وسط مذابح إنسانية تتوالى؟ يا لها من مفارقة! هل يمكن أن نقول إن الدول التي تعيش في نصف الكرة الغربي، من كولومبيا إلى فنزويلا، قد قرّرت وضع خط أحمر أمام التآمر الإسرائيلي، بل وطرد بعضهم من أراضيها؟ هل هذه حقائق أم مُجَـرّد أوهام في زمن تبدلت فيه معايير الوضوح؟

أليست إيرلندا، تلك الدولة التي لطالما عانت من ويلات الاستعمار، قد أغلقت سفارة العدوّ وأعلنت من على منابر العالم أن للإرهاب رأس يحمل اسم إسرائيل؟

ولكن السؤال: أين العرب وماذا صنعوا بقممهم وقمائمهم.

لماذا نرى هذه الشجاعة وهذه المواقف تُفتقد من قماش حكوماتنا العربية؟

هل تختلف الأحداث في زمن تتحَرّك فيه الدول اللاتينية بعزم بينما تبقى الدول العربية مُجَـرّد مشاهدين؟

ألا تعتقدون أن الأمر بدأ يقترب من مرحلة القفز عبر حلقات النار؟ ألا يؤلمكم أن بعض حكام العرب يتجرؤون على اتّهام المقاومة الفلسطينية بأنها سبب الكارثة، وكأن الاحتلال لم يكن، وكأن حقوق البشر لا تعنيهم؟ هل يعقل أن تُطلب من المقاومة أن تتخلى عن سلاحها، بينما تُترك الأراضي لمصير دامٍ؟

لماذا لا تُغلق دولة واحدة عربية سفارتها في تل أبيب، بشكل يساوي ما يحدث في عالمٍ يُحتم علينا أن نكون أبطاله؟ أين هي الدولة التي ستجرؤ على رفع صوتها في وجه أمريكا، مطالبةً بالتوقف عن دعم الظلم؟ أليس هذا هو دورنا كأمة تسعى للحرية والكرامة؟

ويلٌ لنا، نحن العرب، من شر اقترب، ولن ينقذنا حكامٌ يبدو أنهم لا يعرفون رأسًا من ذيل. هل نحن في حالة صمتٍ مميت، أم أن ضمائرنا قد انتقلت إلى عوالم أُخرى، بعيدًا عن الآلام التي تتسرب من كُـلّ منفذ؟

هل نكتفي بالمشاهدة، برفع حواجب الاستغراب، والحديث عن عواطفنا المنسية؟ هل هذا هو القدر الذي نختار أن نعيشه، أبطال بلا أبطال؟ أم أنه حان الوقت لنقف ونرفع أصواتنا في وجه السخافات، وندعو للتغيير في عالمٍ بحاجة لترسيخ قيم الحق والعدالة؟

إلى متى نبقى نكرّر التساؤلات دون إجَابَة، وإلى متى سنظل نشير بأصابع الاتّهام دون اتِّخاذ خطوات جادة نحو التغيير؟ تُطرح الأسئلة، بينما الإجابات تائهة في عالمٍ يُفترض به أن يتنفس حريته.

ألا يكفي؟ ألا يرى أحدكم أن تطبيعنا مع هذا العدوّ بات يسمم حياتنا؟ لماذا لا نسمع دولةً واحدةً تقول لأمريكا: كفى! كفى من الازدواجية وكفى من القتل؟ كيف نجرؤ على المضي قدمًا بينما حكامنا مُجَـرّد زمر بلا قاعدة تُسندهم؟

لكن، إلى أصحاب القمم القادمة.. إذَا كان مضمون محتوى مخرجات القمة هي تنفيذ الخطة البديلة الصهيوأمريكية فهذا مرفوض من الآن جُملةً وتفصيلًا، والجلوس في المنازل أشرف لكم من إهانة شعوبكم وأمتكم الإسلامية..

ترفعون أعينكم في وجوهنا بينما تتخذون قرارات تخدم الأعداء أكثر من مصالحنا؟

وأي مخرجٍ سننتظره إذَا كنتم ستخرجون بتنفيذ خطة تُسجل في التاريخ كخيانة جديدة؟ أليس من الأجدر أن تساندوا. وتدعموا وَتروا كيف يمكن للمقاومة في فلسطين واليمن ولبنان وإيران والعراق أن تُجبر الكيان على التفاوض؟

لماذا الانتظار ليتحدّد مصيركم بيد من لا يعرف لون الحق؟ أمريكا و”إسرائيل”.

ألم تنبهكم أشباح الأمنيات إلى أن أفضل النتائج تتجلى في قوة التصدي وإرادَة الصمود، بدلًا من الانصياع لسياسات تروّج للذل والهوان؟

اعلموا أنه كلما كانت المخرجات ترفع الرأس فَــإنَّها في مصلحتكم قبل غيركم؛ لأَنَّكم المستهدَفون بعد فلسطين بتصريحات اليهود أنفسهم..

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: اتفاق غزة لن ينهار رغم عدم إعادة جثة شيري بيباس
  • العودة للدولة ونهاية الميليشيات!
  • مصطفى بكري: الجيش السوداني يرفض الميليشيات ويعمل على الاستقرار
  • وظائف شاغرة في عالم المغامرات
  • الإعيسر: الإرادة السودانية قادرة وعازمة على هزيمة الميليشيات “حتى آخر مرتزق”
  • «القلب المكشوف» تحتفي بـ 20 عاماً
  • الميليشيا، تصنع الأزمات والمآسي بيد، وتقدّم الحلول المسمومة باليد الأخرى
  • يا ناس: تساؤلاتٌ عن عالم ضائع
  • إعلان الحكومة الموازية من قبل الميليشيات يعد إعلان هزيمة واعتراف بسقوط مشروع اسقاط السودان نهائيا
  • بيتر ثيل.. ملياردير يكره الديمقراطية وهكذا يرى العالم