يمانيون – متابعات
تحلُّ علينا الذكرى السنويةُ للشهيد هذا العام وبلادنا والمنطقة تعيش في مرحلة حساسة وخطيرة جراء استمرار العدوان الأمريكي الصهيوني على لبنان وغزة، واشتراك اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” المساندة لهما.

وعادةً ما نستذكر في هذه المناسبة حكايات من الكفاح والنضال والتضحية للشهداء العظماء، وفي مقدمتهم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- والرئيس الشهيد صالح علي الصماد -رحمه الله- وغيرهما من الشهداء الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، ونصرة الحق، والمظلومين.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 20 عامًا على انطلاق المشروع القرآني، فَــإنَّ المسيرة القرآنيةَ لا تزال تتصدر المشهد، مخترقة الحواجز الجغرافية وقيودها، لتصل إلى العالمية بصفائها، ونقائها، وحيويتها، في ظل عجز كبير للأعداء للقضاء عليها، وعلى المشروع الذي أسَّسه الشهيد القائد، الذي هو حيٌّ في القلوب والوجدان.

كذلك نستذكر رئيسنا الشهيد صالح الصماد، الذي لقَّبه السيد القائد -حفظه الله- بـ “رجل المسؤولية” لما رآه ورأينا فيه من همةٍ ومسؤوليةٍ وإخلاص، وقد جسّد الرئيس الشهيد -سلام الله عليه- مقولةَ الشهيد القائد: “جندي الله مهامُّه شاملة” فقد كان ثقافيًّا وخطيبًا بليغًا حافظًا للقرآن وعسكريًّا وسياسيًّا محنكًا ومتواضعًا انجذب الجميع إلى فصاحة بيانه وحُجّـة لسانه ورجاحة عقله وسعة صدره وإخلاصه لكل أبناء وطنه، وحَظِيَ باحترام وتقدير كبير من كافة الفرقاء السياسيين والقوى الوطنية.

نهضةٌ فكرية ثورية سياسية:

وفي هذا السياق يقول الناشط السياسي طالب الحسني إنه “لا يمكن تلخيصُ ما أحدثه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي من نهضة فكرية وثورية وسياسية في بضع صفحات”.

ويؤكّـد أن ما وضعه الشهيد القائد “كان ثورة استنهضت جيلًا كاملًا ولا تزال تؤثر وستبقى كذلك للأجيال المقبلة”، مضيفًا: “هذه الصحوة التي يتابعها كُـلّ العالم في اليمن هي جزء بسيط من حركته الثورية”.

ويوضح الحسني أن “ذلك النصر الذي أحرزته اليمن في مواجهة التحالف الأمريكي السعوديّ لم يكن ليحدث لولا تضحيات ودماء الشهداء المؤمنين بالسيد الشهيد وفكره”، مؤكّـدًا أن “ذلك ما كان يريده عندما كان يحاضر”.

ويرى أن “الفكر الثوري خالد، يعاصر كُـلّ الأجيال؛ فهو ينظر اليوم بعد أكثر من 1400 عام إلى خطابات وسيرة الإمام علي -عليه السلام- وجهاده ودولته كنموذج لا يمكن أن تمر دون تأثير لمن يريد أن يضع دولةً بالمقاييس التي وضعها”.

دروسُ الشهيد القائد سفينة النجاة:

من جانبها تؤكّـد الكاتبة والناشطة بشرى الصارم أن “الذكرى السنوية للشهيد تأتي لتذكرنا بالقائد الشهيد، الذي أسّس مسيرتنا ورسم لنا دربَ النضال والولاء بعد أن كنا في زمن كُممت فيه الأفواه، وقُيِّدت فيه الأيدي”، موضحة أن “الشهيد القائد -رضوان الله عليه-، كان وما يزال آية في قلب كُـلّ مجاهد، وعطرًا فوَّاحًا في دم كُـلّ شهيد، وشُعلةً متوقدةً في قلب كُـلّ يمني ثائر”.

وتضيف: “فقد نهج لنا منهجَ الحق، وبنى لنا مدرستَنا القرآنية، وشيَّد لنا صروحَ البصيرة والوعي، من خلال ملازمه ودروسه التي كشفت كُـلّ حقائق العصر، وعرّت كُـلّ دعايات الفتنة المتمثلة بالفكر الوهَّـابي، وأظهرت كُـلّ مصطلحات الخيانة والعمالة، وأنقذت المجتمع من الحروب الناعمة التي كانت تحيطه من كُـلّ اتّجاه وصوب”، لافتة إلى أنه “دروس من هديّ قرآني، زكَّت النفوس، وأنارت القلوب، وطهّرت الأفئدة مما علق فيها من ثقافات مغلوطة، ومن فكر وهَّـابي، ومن أباطيل كاذبة جعلت من مجتمعنا ووطننا كحديقة خلفية للغرب الكافر”.

وشبهت الصارم ملازم ودروس الشهيد القائد بمثابة “سفينة النجاة التي من ركب فيها نجا وأفلح، ومن تخلى عنها ضاع وغرق في بحر هواه وغيه، وكانت كالنور الساطع في نهاية النفق الذي ما إن يصل إليه اهتدى وأضاء، وكالشمس التي أنارت دياجير الظلام، وأنقذت الضالين من التيه والضياع”.

وتؤكّـد أن دروس وملازم الشهيد القائد “متجددة بتجدد المنهج الذي أُسست منه، وهو القرآن الكريم؛ فهي متجددة بتجدده، ومعاصرة كعصره، تحاكي كُـلّ زمان ومكان، وتخاطب كُـلّ فئات المجتمع بكل مسؤوليه، كباره وصغاره، رجاله ونسائه”، مواصلة: “دروس لا يمسها نصب أَو زيغ، محتواها إعجازي فيها من البلاغة ما يبصر العقل، وفيها من الحقائق ما يكشف الواقع بكل زواياه الخفية، وفيها من الآيات والعبر ما تجعل المهتدي يقر في قرارة نفسه أنه اهتدى وأبصر بعد أن كان في ضلالة وتيه”.

رَجُلُ مسؤولية في ظروفٍ معقدة:

وفي السياق يؤكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله حزام الأسد أن “الشهيد الرئيس صالح الصماد مثّل النموذجَ الراقي للمشروع القرآني والذي عكس من خلال قيادته للبلاد وإدارته للدولة توجّـه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وما سطّره الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في محاضرات الثقافة القرآنية التي تمثّل اليوم طوقَ النجاة للأُمَّـة”.

ويشير إلى أن “الشهيد الصماد كان على المستوى الشخصي بما حمله من وعي ثقافي قرآني انعكاسًا حقيقيًّا لنقاوة وصفاء وطهارة المشروع القرآني”.

ويقول الأسد: “لقد تحمّل الشهيد الصماد مسؤوليةَ إدارة البلاد بجدارة واقتدار وفي ظروف بالغة التعقيد والحساسية في أوج التصعيد العسكري والاقتصادي والأمني الأمريكي السعوديّ الإماراتي على بلادنا”، مؤكّـدًا أنه “استطاع -بفضل الله- تجاوز الكثير من التحديات والتهديدات لا سِـيَّـما قبل وأثناء وبعد إخماد فتنة عفاش من ردم الفجوات الاجتماعية والسياسية التي حاول العدوّ خلقها، وكل ذلك عائد لمعية الله تعالى وتسليمه للسيد القائد الذي مَثَّلَ امتداده الواعي والمستنير”.

أولُ رئيس بقرارٍ يمني:

بدوره يوضح رئيس المركز الإعلامي لأنصار الله مازن هبة أن الرئيس الشهيد صالح الصماد كان “أول رئيس يمني يتقلد هذا المنصب بقرار يمني خالص بدون تدخل السفارات”.

ويبين أن الرئيس الشهيد هو “أول رئيس يجسّد شخصية السياسي القرآني، وهذا يظهر بوضوح في جميع خطاباته المليئة بالاستشهاد بآيات القرآن الكريم، ويظهر أَيْـضًا في تحَرّكه وفق تعاليم الدين الحنيف”، مُضيفًا أنه “سياسي بدرجة رئيس، وعابد بدرجة عالم دين، ولكنه بعيد عن التمظهُر بالتدين الزائف؛ فكان شكله كعامة الناس وخُلُقُه خُلُقَ العلماء الزهاد”.

ويلفت هبة إلى أن “الشهيد الصماد الذي استلم منصب الرئاسة وغادره شهيدًا نزيهًا كما قال عنه السيد القائد “الشهيد الصماد لقيَ الله نزيهًا لم يسرق على هذا الشعب لا فلسًا ولا قطعة أرض ولم يجنِ من موقعه في المسؤولية أية مكاسب مادية على حساب هذا الشعب، ولم يسعَ لأن يمتلكَ من موقعه هذا في السلطة حتى منزلًا عاديًّا لأُسرته وأطفاله” وهذه سابقة في تاريخ اليمن بل هي سابقة في تاريخ كُـلّ الرؤساء”.

ويضيف أن “الصماد نموذجٌ لمخرجات المدرسة القرآنية التي يتميز خريجوها من القادة بتواضعهم وقربهم من الناس وأُنسهم بجبهات العز والشرف، وهذا كان بارزًا في مسيرة الصماد المليئة بمشاهد لقاءاته مع المجاهدين في مختلف الجبهات وحضوره العديد من العروض العسكرية في تخرج دفعات المقاتلين”، مؤكّـدًا أنه “تميّز بسعة صدره وسعيه الدائم لاحتواء بقية التيارات السياسية الوطنية وتقريب وجهات النظر؛ بما يعزّز تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان”.

ذكرى الشهيد فرصةٌ لمواصلة السير في دربهم:

وفي الصدد تشير الإعلامية والصحفية زينب عبدالوهَّـاب الشهاري إلى ما تعيشُه الأُمَّــة الإسلامية عبر الأزمان من صراعٍ محتدمٍ مع أئمة الطغيان، وفي وقتنا الحاضر مثّلث الشر المتمثل بأمريكا و”إسرائيل” ومن دار في فلكهم بشنهم حربًا واسعةً مستعرة ضد المسلمين”.

وتضيف قائلة: “ولأن أبناء اليمن يمتلكون الهُويةَ الإيمانية ويتحَرّكون على أَسَاس الثقافة القرآنية في ظل المشروع القرآني الذي أطلقه السيد حسين -رضوان الله عليه-، فقد انطلقوا في ميادين القتال وساحات الجهاد بكل قوة وصلابة، وارتقى من هذه الأرواح المؤمنة التقية الكثيرُ من الشهداء الذين اصطفاهم الله ونالوا وسامَ الشهادة”.

وتشير الشهاري إلى أن “ما تعيشه المناطقُ الحرة اليوم من حُرية وأمان واستقلال هو بفضل الله ثم بفضلِ الشهداء العظماء -سلام الله عليهم جميعًا-“، موضحةً أن “اليمنيين خصّصوا مناسبة الذكرى السنوية للشهيد تقديرًا وتكريمًا واعترافًا بمنزلة الشهداء الكبيرة وبعظمة ما قدَّموه في سبيل الله ودفاعًا عن الحق وذودًا عن ثرى الوطن”.

وتؤكّـد أنه “عندما تأتي هذه المناسبة فهي فرصةٌ للجميع لاستذكار مآثر وصفات الشهداء وتعريف الناس بما قدموه، وحث الناس على الاقتدَاء بهم ومواصلة السير في دربهم، خُصُوصًا وأن العدوان لا يزال قائمًا على بلادنا”، مضيفةً أن “الذكرى السنوية للشهيد التي يحييها الشعب اليمني رسميًّا وشعبيًّا، تدل على أن هذا الشعب وفيٌّ مع الشهداء ومع أسرهم”.

———————————–
المسيرة – أصيل نايف حيدان

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: بدر الدین الحوثی الذکرى السنویة الرئیس الشهید الشهید القائد الشهید الصماد الله علیه الذی أ إلى أن

إقرأ أيضاً:

نص المحاضرة الرمضانية الـ 20 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 22 رمضان 1446هـ

الثورة نت/..

نص المحاضرة الرمضانية الـ 20 لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، 22 رمضان 1446هـ/ 22 مارس 2025م

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نستكمل في هذه المحاضرة الحديث عن غزوة بدرٍ الكبرى، على ضوء بعض الآيات القرآنية المباركة، التي وردت عن هذه الغزوة، مع مراعاتنا للاختصار؛ لأن الحديث في القرآن الكريم عن غزوة بدرٍ واسع:

(سورة الأنفال) بكلها، قدَّمت غزوة بدرٍ الكبرى، مع الدروس والعبر المهمة، والعظيمة، والمتكاملة، التي تحيط وتُلِم بالموضوع من كل جوانبه وأبعاده: على المستوى العقائدي، على المستوى الروحي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الثقافي، على المستوى الاجتماعي… من كل الجوانب، وتعتبر (سورة الأنفال) مدرسةً متكاملة، في الدروس اللازمة في التحرك في الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وضد أعداء الله.
كما أن الحديث أيضاً عن غزوة بدرٍ الكبرى ورد في (سورة الحج).
ووردت أيضاً آياتٌ عن غزوة بدرٍ في (سورة آل عمران).
والإشارة إليها في (سورة الروم)… وغيرها في القرآن الكريم.
لكن على سبيل الاختصار، تحدثنا على ضوء بعض الآيات المباركة، وكنا تحدثنا أيضاً على ضوء الكثير من الآيات في (سورة الأنفال) في مواسم ماضية من شهر رمضان المبارك، وتحدثنا كذلك في العام الماضي، ونتحدث؛ للأهمية، ولحاجتنا جميعاً إلى الاستفادة من هذه الآيات المباركة.

كُنَّا تحدثنا بالأمس عن: بعضٍ من رعاية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي رعى بها أولئك المؤمنين المجاهدين مع رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وكيف أنهم حينما استغاثوا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}[الأنفال:9]، استجاب لهم وأمدَّهم:

أولاً بالملائكة: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[الأنفال:9]:
وأدوار الملائكة هي أدوار متعددة، في مُقَدِّمتها ومن أهمها: الإسناد المعنوي، والتأثير المعنوي، والأهمية كبيرة جدًّا للروح المعنوية في القتال في سبيل الله تعالى، في الثبات في الميدان، في الإقدام باستبسال وشجاعة، وهذا جانبٌ مهمٌ جدًّا.

نجد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في قوله تعالى حينما قال: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:10]، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يخاطب المؤمنين: أن هذا المدد لهم، أن هذه المعونة والتأييد من الله لهم كمؤمنين، وهذا درسٌ مهمٌ جدًّا؛ لأن البعض قد يتصور أن الرعاية الإلهية، بمثل هذا المستوى من الرعاية والمدد بالملائكة، قد يكون- مثلاً- خاصاً برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”.

رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” في مقامه العظيم، في مهمته الكبيرة، هو جديرٌ ويحظى بالتأكيد برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أكثر من غيره؛ لأن مقامه عظيم، منزلته رفيعة عند الله، وفي نفس الوقت مهمته عظيمةٌ جدًّا… وغير ذلك، لكن القرآن الكريم يبيِّن لنا أن هذه الرعاية الإلهية ممتدةٌ للمؤمنين، ومتَّجهةٌ إليهم كمؤمنين؛ لِيُبيِّن لنا أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لن يخذل عباده المؤمنين، ولا أوليائه المستجيبين له، الواثقين بوعوده التي قدَّمها لكل عباده المؤمنين في كل زمن، في كل عصر، ولم تكن منحصرةً بعصرٍ معيَّن، أو مرحلةٍ معينة؛ لأن الكل بحاجة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في أمسِّ الحاجة إلى معونته، إلى نصره، إلى تأييده، إلى رعايته؛ على المستوى المعنوي، وعلى المستوى العملي.

ولـذلك نجد أن الوعود في القرآن الكريم، التي وعد الله بها عباده المؤمنين، هي وعودٌ مفتوحة للمؤمنين إلى آخر أيام الدنيا، ليست مُزَمَّنةً بزمن الانتهاء، ليست مثل المُعَلَّبات، التي لها تاريخ ابتداء وتاريخ انتهاء، وصلاحيتها محدودة فقط إلى تاريخ كذا وكذا.

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، هذا الوعد ليس مؤقَّتاً في عصر الرسالة الأول، ومنحصراً على المسلمين في بداية عصر الإسلام، هذا وعد مفتوح للذين آمنوا في كل زمانٍ ومكان، إلى آخر أيام الدنيا.

حينما قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، كذلك هو وعدٌ والتزامٌ منه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعدٌ مؤكَّد إلى آخر أيام الدنيا، وهكذا هي بقية وعود الله، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جعل وعوده ورعايته مفتوحة لعباده المؤمنين؛ لأن الكل بحاجة إلى الله، بل- مثلاً- نجد في هذا الزمن، وهذه المراحل التاريخية، التي وصل فيها وضع الأعداء إلى إمكانات كبيرة جدًّا: على المستوى المادي، على مستوى الوسائل القتالية، التكتيكات العسكرية، التمكُّن المادي… وغير ذلك، المؤمنون بحاجة مُلِحَّة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى معونة الله، إلى رعاية الله، إلى تأييد الله، إلى هداية الله وتوفيقه، إلى كل ما يدخل ضمن عنوان (رعايته الشاملة الواسعة).

فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما وَجَّهَ الخطاب للمؤمنين في هذه الآيات المباركة؛ لِيُبَيِّن أنَّه وعدٌ مفتوحٌ للمؤمنين، وأنَّها رعاية موجَّهةٌ منه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إلى عباده المؤمنين: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:10].

في الآيات المباركة أيضاً تَبَيَّن لنا جوانب من رعاية الله المتنوعة:
في قصة النُّعَاس، الذي أتت معه السكينة والاطمئنان، وهو النوم الخفيف المتقطع، وفي نفس الوقت الانتعاش، التخفيف من حالة التوتر النفسي والعصبي والذهني.
قصة المطر، الذي يستفاد منه للطهارة، الطهارة للوضوء للصلاة، للنظافة، للانتعاش والنشاط والحيوية، يعني: كل ما يفيدهم، للشرب… لغير ذلك، حتى في التخلُّص من وساوس الشيطان، التي قد يُثِير بها حالة القلق، [لو كان الماء منعدماً ولم يكن متوفراً، والأعداء سيطروا على آبار المياه].
فكيف كانت رعاية الله واسعة، تلحظ الجانب النفسي، تلحظ حتى ما يُفَكِّرون به، الهواجس، ما يبعث القلق، وتُقدِّم المعالجة لذلك.

بل نجد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما قال: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الأنفال:43]، إلى هذا المستوى من الرعاية، التي فيها مراعاة للجانب النفسي، وما قد يؤثِّر عليه، ويسبب القلق له، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أرى النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في منامه أراه الأعداء (جيش قريش) وهم بشكل قليل، فعندما قصّ رؤياه على المؤمنين، كان هذا أيضاً مما شجَّعهم، وطمأنهم، وحفَّزهم، كان هذا من المُحَفِزات.

ولـذلك نلحظ أن من الأشياء المهمة، ضمن هذا الدرس المهم، في إطار المهام الجهادية في سبيل الله تعالى، في إطار حركة الأُمَّة المؤمنة لمواجهة أعداء الله، هو: التركيز على التقليل والتبسيط من مسألة النظرة إلى العدو، النظرة إلى العدو لها تأثير على المستوى النفسي في حركة الناس لِلتَّصَدِّي للعدو.

العدو أحياناُ يَشُنّ الحرب النفسية، ومعه المرجفون، والمنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمُهَوِلُون، الذين يحاولون أيضاً أن يزرعوا في نفوس الناس اليأس من إمكانية مواجهة العدو، أو التصدي له؛ لـذلك من المهم:

كشف كل نقاط الضعف لدى العدو.
أيضاً التأكيد على قوة الموقف بقوة المعونة الإلهية، الرعاية الإلهية، قيمة الاعتماد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما يمثِّله ذلك من عونٍ كبيرٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالصورة التي ترتسم في ذهنية الناس عن العدو، وعن إمكاناته… وفيها تهويل، وفيها إرجاف، وفيها محاولة لزرع اليأس في نفوس الناس، ينبغي أن تُحَطَّم كصورة ترتسم في ذهنية الناس، وأن يكون هناك ما يُرَكِّز في نفوس الناس، ويُرَسِّخ في أنفسهم وفي تفكيرهم، نقاط الضعف لدى العدو، الجوانب التي تُمثِّل إشكاليةً عليه، أحياناً قد يكون ما يخيف الناس به قد يمكن أن يتحول هو إلى عبءٍ عليه.

يعني مثل: قصة حاملة الطائرات الأمريكية، الأمريكي يُخِيف بها الآخرين، أمكن في المواجهة مع اليمن أن تتحول إلى عبء على الأمريكي، وأن تكون في حالة تتحول وضعيتها في البحر إلى حالة خطر عليها، وعلى من عليها، وتتحول في وضعية ضعيفة، وضعية ضعيفة ومقلقة؛ ولهـذا أعلن الأمريكي الآن أنه سيرسل حاملة طائرات أخرى؛ لأن تلك فشلت يعني، فشلت، وهي في وضعية ضعيفة، هذا إعلان عن فشل، إرساله لحاملة طائرات أخرى إعلان عن فشل، ويشهد على فشل حاملة الطائرات تلك، وهو كان يكتفي أن يهدد بها دولاً كبرى في إمكاناتها المادية الضخمة، كالصين… وغيرها، وهو الآن يشهد على نفسه بالفشل.

فيما يتعلق أيضاً بمجريات المعركة، بدءاً من اصطفاف الجيشين، والتقاء الجيشين، يُبَيِّن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هذه المجريات، بقوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:42]، كُلٌّ منهما تموضع في جهة:

المؤمنون والمسلمون: كان تموضعهم العسكري، وتمركزهم العسكري، في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى جهة المدينة.
وجيش المشركين: كان تمركزه وتموضعه في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى مَكَّة، والأبعد عن المدينة.
وهناك كان هذا اللقاء في منطقة (بدر)، وهذا اللقاء كما يتبين لنا مما قد قرأناه من الآيات القرآنية، ويتبيَّن للإنسان عندما يتلو القرآن الكريم، كيف كان تدبير الله فيه؛ لأنه بيَّن أن إحقاق الحق وإبطال الباطل لابدَّ فيه من موقفٍ حاسم، لابدَّ من توجيه ضربة كبيرة للعدو، تساعد على تغيير الوضع بكله، وصناعة فارق في الظروف والواقع، وهذه مسألة مهمة، كما سبق لنا في الحديث عن الخيارات الأكثر تأثيراً على العدو وأهميتها. الحق واضح، لكن يحتاج إلى إحقاق، لابدَّ من الجهاد في سبيل الله؛ لإحقاق الحق، لفرض هذا الحق.

نجد- مثلاً- في ظروفنا في هذا العصر، من الحق الواضح الجلي جدًّا هو: الحق في القضية الفلسطينية، شعب مظلوم، معتدىً عليه، أتى الأعداء اليهود الصهاينة ليحتلوا أرضه، ليغتصبوا ممتلكات هذا الشعب، ليقتلوا هذا الشعب في أرضه، في وطنه، في بلده، ليحتلوا، ويقتلوا، ويدمِّروا، وينهبوا، فالحق واضحٌ في هذه القضية مع الشعب الفلسطيني، ومظلوميته واضحةٌ تماماً، لكن لم يكن ذلك كافياً أن الحق في هذه المسألة واضحٌ تماماً، لم يكن ذلك كافياً.

الأمم المتحدة اتَّخذت قراراً بمصادرة أربعة أخماس فلسطين لليهود (أراضي عام ٤٨)، ولم يكتفِ اليهود بذلك، يعني: لم تكن الأمم المتحدة- مثلاً- جهة مُنْصِفة، تُنْصِف الشعب الفلسطيني في حقه الواضح.

ما يقال عنه: (المجتمع الدولي)، لم يكن منصفاً للشعب الفلسطيني، في قضيته الواضحة، في حقه الواضح، في مظلوميته الواضحة، ولم يكن هناك من أحد إطلاقاً لينصف هذا الشعب، لا مجلس أمن، لا محاكم دولية… ولا غيرها.

معنى ذلك: أنه لابدَّ من الجهاد في سبيل الله؛ لإحقاق هذا الحق، تثبيت هذا الحق كحالة واقعة قائمة، والعمل بمقتضى هذا الحق؛ ليحصل أصحاب هذا الحق على حقهم، وليتثبَّت هذا الحق كحالة واقعة قائمة؛ لابدَّ من الجهاد، ليس هناك بديل آخر.

المفاوضات ليست بديلاً، وثبت هذا، كم بقيت السلطة الفلسطينية تفاوض؟ عقوداً من الزمن، والنتيجة أين هي؟ الإسرائيلي صريحٌ وواضحٌ، وسنَّ قوانين بأنه لا يمكن أبداً السماح بإقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين، الموقف الأمريكي واضحٌ، وهو الذي على أساس أنه كان راعياً للسلام وللاتفاقيات، وهو ينقلب عليها.

ثم حتى على مستوى قطاع غزَّة، والضفة الغربية: كيف يتصرف الأمريكي؟ وكيف يتصرف الإسرائيلي؟

في القدس، عمل مستمر على تهويد المدينة.
في الضفة الغربية، استيطان منتشر، ومتوسع، ومستمر.
يعني: برنامج سيطرة، برنامج واضح، البرنامج العملي يقول ويدل بكل وضوح على أنه: ليس هناك استعداد أمريكي ولا إسرائيلي بالسماح بدولة فلسطينية بالإذن منهم، أو بالرضا منهم، لا يكون ذلك إلاَّ إذا كان بالقوة بالجهاد في سبيل الله.

التهجير، التهجير بشكل ممنهج في الضفة الغربية، بعشرات الآلاف، يعني: بشكل متدرِّج، ونسف لمناطق بأكملها، وتدمير، اعتقالات، الانتهاكات التي هي: قتل، واعتقالات، اختطافات، ضرب، تدمير للممتلكات، نهب للممتلكات… ممارسات يومية يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني بشكلٍ يومي، ما من يومٍ إلا وهو يقتل الفلسطينيين المواطنين العاديين، ما من يوم إلا وهناك اغتصابات، انتهاكات، قتل، نهب… كل الممارسات العدوانية، ومع ذلك الموضوع وكأنه شبه طبيعي في العالم، الأوروبيون يدعمون الإسرائيلي، الأمريكي يشترك معه، ويتكفل بحمايته… وهكذا.

الحق الواضح كذلك في لبنان، الشعب اللبناني معتدىً عليه، ومظلوم، العدو الإسرائيلي يعتدي، ينتهك أجواءه، ينتهك السيادة، يحتل ويتمركز في مواقع داخل لبنان، يعتدي بالقصف، بالقتل… كل أشكال الاعتداءات، ومع ذلك ليس هناك إنصاف، لا من جهة أمريكا، ولا من جهة غيرها.

ما يعمله الأمريكي والإسرائيلي تجاه أُمَّتنا عدوانٌ واضح، وظلمٌ واضح؛ ويقابله الحق الواضح لِأُمَّتنا، في أنها مظلومة، وأنها مضطهدة، وأنها مستهدفة، ولها الحق أن تتحرَّك لتتصدَّى للعدو.

فإحقاق الحق وإبطال الباطل لابدَّ فيه من الجهاد في سبيل الله تعالى، والتحرُّك في سبيل الله تعالى؛ وإلَّا- كما قلنا- لكان أولى الناس بألَّا يُحَمَّل هذا العبء، الذي يراه الناس عبئاً كبيراً، هو رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، أن يحقق الله له التمكين، ويدفع عنه وعن المسلمين كل الشَّرّ، وكل الأخطار، بدون عناء، بدون جهاد، بدون تعب؛ أو أن يتحقَّق له ذلك بالوسائل التي يراها الآخرون أنها وسائل مجدية، مثلاً: بالمفاوضات، وهو سيكون مفاوضاً ناجحاً أكثر من غيره؛ بما يمتلكه من رشد، وحكمة، وقدرة على الإقناع، كان يقنعهم بالحق الذي يصل إلى أعماق نفوسهم، {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:33]، وهكذا بقيَّة الأساليب لو كانت مجدية.

على كُلٍّ، في مجريات المعركة يقول الله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[الأنفال:44]، كان هذا أيضاً من المُحَفِّزات للمعركة: عند اللقاء، وقبل الاشتباك، كُلٌّ منهما يرى الطرف الآخر قليلاً؛ مما يُشَجِّعه على المعركة، في إطار هذا التدبير الإلهي العجيب، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قديرٌ على ذلك، لكن بعد الاشتباك تغيَّرت الحالة، أصبح المشركون يرون المؤمنين كثيراً، مثلما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، لكن هذا كان فيما يتعلق بقبل الاشتباك.

في بداية الأمر، قبل أن يبدأ الاشتباك الكامل بين الطرفين، في بداية المعركة خرج من صف المشركين ثلاثةٌ من أبطالهم: (عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد)، هؤلاء كانوا من أبطال المشركين، ومن قادتهم، عتبة- بنفسه- من كبارهم، من الشخصيات البارزة فيهم، الشخصيات المؤثِّرة فيهم، له مكانته الكبيرة في أوساطهم، خرج يتحدى ويدعو للمبارزة للقتال، هو وأخوه وابنه؛ في المقابل أخرج رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” لمبارزتهم: (عليّاً “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب)، وبدأ القتال بين هؤلاء في ساحة المعركة، قبل أن يشتبك الجيشان.

وكان لهذا القتال، لهذه المواجهة وهذا الاشتباك، أهمية على سير المعركة في نتيجته؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” نصر المؤمنين (عليّاً “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وحمزة، وعبيدة)، عبيدة استشهد، وقُتِل الذين خرجوا من المشركين بكلهم الثلاثة؛ بينما المؤمنين استشهد عبيدة، ولم يستشهد الإمام علي “عَلَيْهِ السَّلَامُ” ولا حمزة، كانت هذه البداية مهمة؛ لأنها بداية انتصار للمسلمين، ورفعاً لمعنوياتهم، وانعكس ذلك على الأعداء، قذف الله في قلوبهم الرعب، وقد وثَّق القرآن هذا الاشتباك، بقول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج:19]، يُبَيِّن حتى ما هي القضية، قضية كٌلٍّ من الطرفين، قضية تعود إلى هذا المستوى من الأهمية:

قضية المؤمنين هي: إرساء المبادئ الإلهية في الأرض، التعليمات الإلهية في الأرض، إرساء قيم الحق والعدل في الأرض، وهذا أمرٌ مرتبطٌ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تحرُّكهم على هذا الأساس بأمرٍ من الله، بتوجيهٍ من الله، بتعليماتٍ من الله.
أمَّا أعداء الحق فهم: موالون للطاغوت، يريدون أن يُثَبِّتوا سيطرة الطاغوت في الأرض بظلمه، وظلامه، وعدوانيته، وإجرامه، وفساده.
ثم كان أن التحم الجيشان، وبدأت المعركة.

منذ بداية المعركة، اشتدَّت المعركة باستبسال من الطرفين، ولكن أتت المتغيرات العجيبة مع الالتحام والاقتتال، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أعان المؤمنين؛ فقاتلوا ببسالة، هيأ لهم التنكيل بالكافرين، وكان مسار المعركة فيه مؤشرات النصر للمؤمنين واضحة، بالقتل الذريع، والتمكين بالقتل والجرح في الكافرين، وهذه الحالة التي عبَّر عنها القرآن: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، يرونهم وكأنهم يتكاثرون ويزدادون في المعركة، فثبَّت الله المؤمنين، ونكَّل بأعدائهم، وكثر القتل في أعدائهم، وحينما حمي الوطيس، يعني اشتدَّت المعركة، قام رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” بأخذ كفٍّ من الحصى، ملأ كفه من الحصى، ورمى به المشركين، وقال: ((شَاهَتِ الوُجُوه))، فاستحرَّ القتل والجرح فيهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وهربوا.

في تلك الحالة، كان المسلمون يقتلونهم، ويأسرون منهم، وتحقَّق الانتصار الكبير والعظيم والمفاجئ، والذي كان على عكس كل التوقعات، يعني: ما لم يكن يتوقعه الكافرون، ولا يتوقعه أيضاً أكثر المسلمين، وقال الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[الأنفال:17-18].

تحقَّق الانتصار، وكان للصبر، وللجهود التي بذلها النبي “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” والمؤمنون معه، هذه النتيجة العظيمة، عندما بذلوا جهدهم في الأخذ بأسباب النصر، وتحرَّكوا وقاموا بمسؤوليتهم؛ تحقَّق هذا الانتصار العظيم، الذي كان خارجاً عن الحسابات والتقديرات، قُتِلَ عددٌ مهمٌ من قادة الأعداء وأبطالهم: (سبعين مقاتلاً)، أُسِر منهم مثل ذلك العدد، انهزم البقية، وفيهم الكثير من الجرحى الذين انهزموا، انهزموا هزيمةً قبيحة، وهربوا مذعورين مفجوعين صوب مَكَّة، ومصدومين مما لم يكونوا يتوقعونه من الهزيمة المُرَّة.

النتائج التي تحقَّقت لهذا الانتصار كانت نتائج عظيمة ومهمة، كما قلنا: على ضوء التسمية القرآنية له بـ(يوم الفرقان)، أسَّس لمرحلة جديدة في واقع المسلمين، أصبح لهم هيبتهم وعِزُّهم، وكان له أهمية كبيرة في طمأنة الكثير من المترددين، والمضطربين، والقلقين؛ فاطمأنوا إلى مستقبل الإسلام، وأعزَّ الله المؤمنين بذلك النصر بعد أن كانوا مستضعفين جدًّا؛ ولهـذا يقول الله في القرآن: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123].

كان لهذا الانتصار أثره في التحاق آخرين بالجهاد في سبيل الله، وتَشَجُّعِهِم، من المسلمين أنفسهم، البعض كذلك يلتحقون بالإسلام فَيُسْلِمون، فانطلق للجهاد أعدادٌ إضافية، بالمئات من المسلمين.

في هذه المعركة كان لأمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” دورٌ بارزٌ جدًّا في المواجهة، وهذا مُثَبَّتٌ في كُتِبَ التاريخ والسِّيَّر، وكذلك لحمزة بن عبد المطلب، وللأنصار أيضاً الذين كانوا مستبسلين ومتفانين.

لأهمية غزوة بدرٍ الكبرى، وثَّقها الله مع دروس متكاملة ومهمة عن الجهاد في سبيل الله، وأهميته، وضرورته، وفضله، وعظمته، وما يترتب عليه من نتائج، وعن أسباب النصر (ما هي، وكيف هي)، وأسباب الهزيمة وما يتعلق بذلك، في (سورة الأنفال)، وهناك أيضاً حديثٌ عنها في (سورة الحج)، وفي (سورة آل عمران).

بَشَّرت بغزوة بدرٍ الكبرى (سورة الروم) قبل أن تأتي بسنوات، بالانتصار نفسه، الانتصار الذي تحقَّق في غزوة بدر، كانت (سورة الروم) بشَّرت به قبل أن يأتي بسنوات: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:4-5]، متزامناً مع أحداث دولية وإقليمية.

ما بعد غزوة بدرٍ الكبرى استمرَّت الجولات العسكرية، بين رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” وقريش، وصولاً إلى فتح مَكَّة في السنة الثامنة، غزوة بدرٍ الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وفتح مَكَّة في السنة الثامنة للهجرة، وكان فتحاً عظيماً، أزاح أكبر عقبة في الساحة العربية من العرب (قريش)، كان هم أكبر عائق، واستعاد مَكَّة بقدسيتها وأهميتها، وأقبل الناس بعده إلى دين الله أفواجاً.

في مسيرة النبي “صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” وجهاده، له:

مواجهاته مع اليهود، عِدَّت مواجهات وجولات، منَّ الله فيها بانتصارات حاسمة، وعظيمة، ومهمة.
جولات في مواجهة الروم.
جولات في الساحة العربية واسعة.
مسيرة حافلة بالجهاد؛ بل كان الجهاد في سبيل الله من أبرز اهتمامات النبي، وأعماله، وأنشطته، حقَّق فيه انتصارات عظيمة، وأحقّ الله الحق، وأزهق الباطل.

المسلمون في إزاء التحديات الخطيرة من قِبَل أعدائهم، وفي مقابل التَّعَنُّت والطغيان الأمريكي والإسرائيلي، لابدَّ لهم من الجهاد، لن يُشَكِّل حمايةً لهم من الاستعباد، والذُّلّ؛ من هتك الأعراض، واحتلال الأوطان، ونهب الثروات؛ من الإذلال، وطمس الهوية… من كل هذه المخاطر من قِبَل أعدائهم؛ إلَّا الجهاد في سبيل الله، وفق تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • الاستناد للباطل يُحوِّلُ القوةَ إلى ضعف
  • ماذا نعرف عن الشهيد القائد صلاح البردويل؟
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية العشرون للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 20 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 22 رمضان 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (20) للسيد القائد 1446
  • الفنانة "رأفة صادق" تسلط الضوء على دورها في مسلسل "طريق اجباري" الذي تبثه قناة "بلقيس"
  • علي عبد الله صالح.. القائد الذي صنع تاريخ اليمن الحديث
  • الزعيم علي عبد الله صالح.. قائد الإنجازات وصانع التحولات التاريخية في اليمن
  • أخبار الوادي الجديد.. المحافظ يسلم عقود تعويضات موط القديمة.. وتكريم الأسر القرآنية وحفظة كتاب الله
  • الشهادة في فكر الإمام علي “عليه السلام”