قائد المسيرة القرآنية والرئيس الصماد.. شهيدان على طريق الحق
تاريخ النشر: 17th, November 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تحلُّ علينا الذكرى السنويةُ للشهيد هذا العام وبلادنا والمنطقة تعيش في مرحلة حساسة وخطيرة جراء استمرار العدوان الأمريكي الصهيوني على لبنان وغزة، واشتراك اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” المساندة لهما.
وعادةً ما نستذكر في هذه المناسبة حكايات من الكفاح والنضال والتضحية للشهداء العظماء، وفي مقدمتهم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رحمه الله- والرئيس الشهيد صالح علي الصماد -رحمه الله- وغيرهما من الشهداء الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، ونصرة الحق، والمظلومين.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 20 عامًا على انطلاق المشروع القرآني، فَــإنَّ المسيرة القرآنيةَ لا تزال تتصدر المشهد، مخترقة الحواجز الجغرافية وقيودها، لتصل إلى العالمية بصفائها، ونقائها، وحيويتها، في ظل عجز كبير للأعداء للقضاء عليها، وعلى المشروع الذي أسَّسه الشهيد القائد، الذي هو حيٌّ في القلوب والوجدان.
كذلك نستذكر رئيسنا الشهيد صالح الصماد، الذي لقَّبه السيد القائد -حفظه الله- بـ “رجل المسؤولية” لما رآه ورأينا فيه من همةٍ ومسؤوليةٍ وإخلاص، وقد جسّد الرئيس الشهيد -سلام الله عليه- مقولةَ الشهيد القائد: “جندي الله مهامُّه شاملة” فقد كان ثقافيًّا وخطيبًا بليغًا حافظًا للقرآن وعسكريًّا وسياسيًّا محنكًا ومتواضعًا انجذب الجميع إلى فصاحة بيانه وحُجّـة لسانه ورجاحة عقله وسعة صدره وإخلاصه لكل أبناء وطنه، وحَظِيَ باحترام وتقدير كبير من كافة الفرقاء السياسيين والقوى الوطنية.
نهضةٌ فكرية ثورية سياسية:
وفي هذا السياق يقول الناشط السياسي طالب الحسني إنه “لا يمكن تلخيصُ ما أحدثه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي من نهضة فكرية وثورية وسياسية في بضع صفحات”.
ويؤكّـد أن ما وضعه الشهيد القائد “كان ثورة استنهضت جيلًا كاملًا ولا تزال تؤثر وستبقى كذلك للأجيال المقبلة”، مضيفًا: “هذه الصحوة التي يتابعها كُـلّ العالم في اليمن هي جزء بسيط من حركته الثورية”.
ويوضح الحسني أن “ذلك النصر الذي أحرزته اليمن في مواجهة التحالف الأمريكي السعوديّ لم يكن ليحدث لولا تضحيات ودماء الشهداء المؤمنين بالسيد الشهيد وفكره”، مؤكّـدًا أن “ذلك ما كان يريده عندما كان يحاضر”.
ويرى أن “الفكر الثوري خالد، يعاصر كُـلّ الأجيال؛ فهو ينظر اليوم بعد أكثر من 1400 عام إلى خطابات وسيرة الإمام علي -عليه السلام- وجهاده ودولته كنموذج لا يمكن أن تمر دون تأثير لمن يريد أن يضع دولةً بالمقاييس التي وضعها”.
دروسُ الشهيد القائد سفينة النجاة:
من جانبها تؤكّـد الكاتبة والناشطة بشرى الصارم أن “الذكرى السنوية للشهيد تأتي لتذكرنا بالقائد الشهيد، الذي أسّس مسيرتنا ورسم لنا دربَ النضال والولاء بعد أن كنا في زمن كُممت فيه الأفواه، وقُيِّدت فيه الأيدي”، موضحة أن “الشهيد القائد -رضوان الله عليه-، كان وما يزال آية في قلب كُـلّ مجاهد، وعطرًا فوَّاحًا في دم كُـلّ شهيد، وشُعلةً متوقدةً في قلب كُـلّ يمني ثائر”.
وتضيف: “فقد نهج لنا منهجَ الحق، وبنى لنا مدرستَنا القرآنية، وشيَّد لنا صروحَ البصيرة والوعي، من خلال ملازمه ودروسه التي كشفت كُـلّ حقائق العصر، وعرّت كُـلّ دعايات الفتنة المتمثلة بالفكر الوهَّـابي، وأظهرت كُـلّ مصطلحات الخيانة والعمالة، وأنقذت المجتمع من الحروب الناعمة التي كانت تحيطه من كُـلّ اتّجاه وصوب”، لافتة إلى أنه “دروس من هديّ قرآني، زكَّت النفوس، وأنارت القلوب، وطهّرت الأفئدة مما علق فيها من ثقافات مغلوطة، ومن فكر وهَّـابي، ومن أباطيل كاذبة جعلت من مجتمعنا ووطننا كحديقة خلفية للغرب الكافر”.
وشبهت الصارم ملازم ودروس الشهيد القائد بمثابة “سفينة النجاة التي من ركب فيها نجا وأفلح، ومن تخلى عنها ضاع وغرق في بحر هواه وغيه، وكانت كالنور الساطع في نهاية النفق الذي ما إن يصل إليه اهتدى وأضاء، وكالشمس التي أنارت دياجير الظلام، وأنقذت الضالين من التيه والضياع”.
وتؤكّـد أن دروس وملازم الشهيد القائد “متجددة بتجدد المنهج الذي أُسست منه، وهو القرآن الكريم؛ فهي متجددة بتجدده، ومعاصرة كعصره، تحاكي كُـلّ زمان ومكان، وتخاطب كُـلّ فئات المجتمع بكل مسؤوليه، كباره وصغاره، رجاله ونسائه”، مواصلة: “دروس لا يمسها نصب أَو زيغ، محتواها إعجازي فيها من البلاغة ما يبصر العقل، وفيها من الحقائق ما يكشف الواقع بكل زواياه الخفية، وفيها من الآيات والعبر ما تجعل المهتدي يقر في قرارة نفسه أنه اهتدى وأبصر بعد أن كان في ضلالة وتيه”.
رَجُلُ مسؤولية في ظروفٍ معقدة:
وفي السياق يؤكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله حزام الأسد أن “الشهيد الرئيس صالح الصماد مثّل النموذجَ الراقي للمشروع القرآني والذي عكس من خلال قيادته للبلاد وإدارته للدولة توجّـه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وما سطّره الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في محاضرات الثقافة القرآنية التي تمثّل اليوم طوقَ النجاة للأُمَّـة”.
ويشير إلى أن “الشهيد الصماد كان على المستوى الشخصي بما حمله من وعي ثقافي قرآني انعكاسًا حقيقيًّا لنقاوة وصفاء وطهارة المشروع القرآني”.
ويقول الأسد: “لقد تحمّل الشهيد الصماد مسؤوليةَ إدارة البلاد بجدارة واقتدار وفي ظروف بالغة التعقيد والحساسية في أوج التصعيد العسكري والاقتصادي والأمني الأمريكي السعوديّ الإماراتي على بلادنا”، مؤكّـدًا أنه “استطاع -بفضل الله- تجاوز الكثير من التحديات والتهديدات لا سِـيَّـما قبل وأثناء وبعد إخماد فتنة عفاش من ردم الفجوات الاجتماعية والسياسية التي حاول العدوّ خلقها، وكل ذلك عائد لمعية الله تعالى وتسليمه للسيد القائد الذي مَثَّلَ امتداده الواعي والمستنير”.
أولُ رئيس بقرارٍ يمني:
بدوره يوضح رئيس المركز الإعلامي لأنصار الله مازن هبة أن الرئيس الشهيد صالح الصماد كان “أول رئيس يمني يتقلد هذا المنصب بقرار يمني خالص بدون تدخل السفارات”.
ويبين أن الرئيس الشهيد هو “أول رئيس يجسّد شخصية السياسي القرآني، وهذا يظهر بوضوح في جميع خطاباته المليئة بالاستشهاد بآيات القرآن الكريم، ويظهر أَيْـضًا في تحَرّكه وفق تعاليم الدين الحنيف”، مُضيفًا أنه “سياسي بدرجة رئيس، وعابد بدرجة عالم دين، ولكنه بعيد عن التمظهُر بالتدين الزائف؛ فكان شكله كعامة الناس وخُلُقُه خُلُقَ العلماء الزهاد”.
ويلفت هبة إلى أن “الشهيد الصماد الذي استلم منصب الرئاسة وغادره شهيدًا نزيهًا كما قال عنه السيد القائد “الشهيد الصماد لقيَ الله نزيهًا لم يسرق على هذا الشعب لا فلسًا ولا قطعة أرض ولم يجنِ من موقعه في المسؤولية أية مكاسب مادية على حساب هذا الشعب، ولم يسعَ لأن يمتلكَ من موقعه هذا في السلطة حتى منزلًا عاديًّا لأُسرته وأطفاله” وهذه سابقة في تاريخ اليمن بل هي سابقة في تاريخ كُـلّ الرؤساء”.
ويضيف أن “الصماد نموذجٌ لمخرجات المدرسة القرآنية التي يتميز خريجوها من القادة بتواضعهم وقربهم من الناس وأُنسهم بجبهات العز والشرف، وهذا كان بارزًا في مسيرة الصماد المليئة بمشاهد لقاءاته مع المجاهدين في مختلف الجبهات وحضوره العديد من العروض العسكرية في تخرج دفعات المقاتلين”، مؤكّـدًا أنه “تميّز بسعة صدره وسعيه الدائم لاحتواء بقية التيارات السياسية الوطنية وتقريب وجهات النظر؛ بما يعزّز تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان”.
ذكرى الشهيد فرصةٌ لمواصلة السير في دربهم:
وفي الصدد تشير الإعلامية والصحفية زينب عبدالوهَّـاب الشهاري إلى ما تعيشُه الأُمَّــة الإسلامية عبر الأزمان من صراعٍ محتدمٍ مع أئمة الطغيان، وفي وقتنا الحاضر مثّلث الشر المتمثل بأمريكا و”إسرائيل” ومن دار في فلكهم بشنهم حربًا واسعةً مستعرة ضد المسلمين”.
وتضيف قائلة: “ولأن أبناء اليمن يمتلكون الهُويةَ الإيمانية ويتحَرّكون على أَسَاس الثقافة القرآنية في ظل المشروع القرآني الذي أطلقه السيد حسين -رضوان الله عليه-، فقد انطلقوا في ميادين القتال وساحات الجهاد بكل قوة وصلابة، وارتقى من هذه الأرواح المؤمنة التقية الكثيرُ من الشهداء الذين اصطفاهم الله ونالوا وسامَ الشهادة”.
وتشير الشهاري إلى أن “ما تعيشه المناطقُ الحرة اليوم من حُرية وأمان واستقلال هو بفضل الله ثم بفضلِ الشهداء العظماء -سلام الله عليهم جميعًا-“، موضحةً أن “اليمنيين خصّصوا مناسبة الذكرى السنوية للشهيد تقديرًا وتكريمًا واعترافًا بمنزلة الشهداء الكبيرة وبعظمة ما قدَّموه في سبيل الله ودفاعًا عن الحق وذودًا عن ثرى الوطن”.
وتؤكّـد أنه “عندما تأتي هذه المناسبة فهي فرصةٌ للجميع لاستذكار مآثر وصفات الشهداء وتعريف الناس بما قدموه، وحث الناس على الاقتدَاء بهم ومواصلة السير في دربهم، خُصُوصًا وأن العدوان لا يزال قائمًا على بلادنا”، مضيفةً أن “الذكرى السنوية للشهيد التي يحييها الشعب اليمني رسميًّا وشعبيًّا، تدل على أن هذا الشعب وفيٌّ مع الشهداء ومع أسرهم”.
———————————–
المسيرة – أصيل نايف حيدان
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: بدر الدین الحوثی الذکرى السنویة الرئیس الشهید الشهید القائد الشهید الصماد الله علیه الذی أ إلى أن
إقرأ أيضاً:
نص مقابلة جواد حسن نصر الله مع قناة “المسيرة”
يمانيون../
أجرت قناة المسيرة مقابلة، أذاعتها يوم أمس الثلاثاء مع جواد نصر الله، نجل سماحة شهيد الأمة السيد حسن نصر الله، وتناولت المقابلة جوانب من شخصية وحياة الشهيد السيد نصر الله، وجهادة وقيادته للمقاومة في حزب الله، ومواقفة تجاه عدد من الملفات السياسية الداخلية اللبنانية، والقضايا التي تهم الأمة وعلى راسها القضية الفلسطينية، ونظرته للشعب اليمني بقيادة السيد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.
فيما يلي نص المقابلة:
– نبذة مختصرة عن هذا السيد العظيم ما الذي تستحضره ذاكرتك عن بداية العمل الجهادي، العمل المقاوم، عن دور الشهيد السيد حسن نصر الله في تلك المرحلة؟
بداية التحية والسلام إلى شعب اليمن الحر الأبي الشجاع، المقاوم، وإلى السيد العزيز أبو جبريل ، “يحفظه الله” ويطول بعمره، إن شاء الله، ولهم كل الحب، كل ما في القلوب، وأكيد أكبر مما تسع القلوب، وفي ما يتعلق بحياة السيد الجهادية، الكل يعلم بأن الجنوب اللبناني تأثر بالاحتلال الإسرائيلي لأرضنا المقدسة في فلسطين، وعلى مر التاريخ هناك شخصيات غير الشخصيات التي برزت في الجانب العلمي والفقهي في جنوب لبنان، أيضاً هناك شخصيات كانت بارزة مثل السيد عبدالحسين شرف الدين، وشخصيات جهادية مثل صادق حمزي، وأدهم خنجر، الذي سعى المحتل أن يظهرها على أنها قوى من قطاع الطرق واللصوص، وفي واقعهم كانوا طلاب حرية وأحراراً؛ فهذا الجنوب تاريخه مقاومة، ثم في عهد إمام المقاومة السيد موسى الصدر بدأت تترسخ هذه المفاهيم أكثر فاكثر، لأن العمل كان حينها على الوعي، وعلى الدعم بكل ما أوتي من قوة، بالتبيان بجمع السلاح، وسبق أن تحدث الشهيد السيد عنها مرة، عن كيف كان يجمع السيد موسى الصدر البندقية من المنازل، كل الضيعة “القرية” يكون فيها 3 – 4 بنادق، فبالتالي سماحة الشهيد السيد نصر الله هو أثر لهذه البيئة ولهذه الأرض المعطاءة، والمقاومة، والمجاهدة منذ زمن.
نشأ في بيئة الاحتلال يقهر أهلها ويقتل أهلها، يحتل مدنها، يفسد زرعها وشجرها، ثم بعد النشأة، بعد 15 عاماً، بدأ مرحلة تكوين الشخصية، والانخراط العملي والفعلي في العمل المقاوم والتعبوي والتبليغي، والانتساب إلى حوزة النجف، وبعد بزوغ ثورة الإمام الخميني، وانتصارها في الجمهورية الإسلامية إيران، بدأ مع إخوانه تحت إشراف سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي، بتكوين النواة الأولى للمقاومة، كما كان تكوين النواة الأولى للحوزة العملية في مدينة بعلبك، وطبعاً إخوان آخرون منهم من استشهد ومنهم ما زال على قيد الحياة حتى الآن، بأنه لا ينفك العمل التبليغي عن العمل الجهادي، فأساس العمل الجهادي هو عقائدي، وهو إلى الله وفي سبيل الله، فحكماً الانطلاق كان من واقع، البعد العقائدي، وبدأ المشوار المعروف، بالعتاد القليل، والعدد القليل، من الفئة المستضعفة، من مدينة بعلبك، إلى الجنوب، إلى الضاحية الجنوبية، مروراً بكل هذه السنين إلى الانتصارات والإنجازات التي تحققت والتي شهدتها الأجيال في آخر 20 عاماً، على قاعدة، إن تنصروا الله ينصركم، المبدأ في حياة الشهيد حسن نصر الله ، في الموضوع الجهادي والموضوع التعليمي كله أنه كان في سبيل الله، وقرآني المبدأ.
– في الحقيقة استحضار البدايات، تحتاج إلى الكثير من الوقت، ولكن أشرتم إلى نقطة في هذا السياق حياة الشهيد الأسمى والأبرز شهيد الإسلام والإنسانية الحياة الشخصية؟ تفاصيل عن حياته الشخصية ونضرته التربوية في التعامل مع الأهل مع الأبناء ع، وأبرز وصاياه لهم؟
سماحة السيد لا أريد الحديث في هذا الجانب، بعض الناس ممكن تستعجب، لأنه بعض السنين أخيراً أجلس بيني وبين نفسي في مقطع من عمري لا أذكر والدي، في الطفولة احتملت أني قد مسحت ذاكرتي، بفعل العمل ومرور السنوات فسألت والدتي: قلت لها أنا في بعض هذه السنوات لا أذكر ملامح لوجه أبي، مشكلة في ذاكرتي أم أن سماحة السيد لم يكن يتواجد، قالت: السيد كان معظم وقته في القرى، وفي المحاور، وفي المعسكرات، كانت حياته المسجد والمعسكر والقرى والحسينيات، هي تنشئة وتهيئة هذه المجتمع، الأجيال لبناء النواة الأولى لهذه المقاومة التي وصلت إلى ما وصلت إليه.
أما في الشق العائلي التربية تحدثت مسبقاً أن سماحة السيد كان يربي بفعله وتصرفه وسلوكه، وكان محباً، ويوقر والديه بشكل كبير جدًّا، وكان يتعاطى بحنان ولباقة بارزين ولطافة معهما، ويسأل عن حالهما دوماً، حتى وإن لم يكن حاضراً عندهم، عبر التواصل أو عبر الإخوة الذين دائماً ما يعتنون بالسيد والأقارب، من عمي وعماتي، وكان دائماً يسأل عن إخوته وأخواته، ويقف على أحوالهم، وعلى أمورهم، ونحن في البيت كان اللافت في المرحلة الأولى، هو ربطنا بالله سبحانه وتعالى، وكان يقول، الله هو المحور في حياة الإنسان، ثم يقول لك افعل ما تشاء ولكن أنت من تبني آخرتك وتحدد الطريق الذي تسلكه، من صلاتك إلى معاملة الوالدين، الذي كان يقول إن كرامة أي بني آدم بين يدي والديه، لا يوجد أي اعتبار، بمعنى الذوبان، العمل بخدمتهما ما استطعت.
وفي حيز كبير كان يوليه في احترام خصوصيات الآخرين، ويربي على احترام خصوصيات الناس، عدم التدخل في أمور الناس، عدم نقل الكلام بين الناس، وعدم أذية الناس، حتى موضوع الثرثرة، كان لا يحبذه أبداً، واحترام الناس، والقيام بالواجبات، بغض النظر عن أي موقعيه وشانية لأي إنسان، فاحترام الإنسان هو واجب، وهذه من الاخلاقيات.
– نحن نتخيل السيد حسن نصرالله بمستوى المسؤوليات التي عليه قد يغفل عن الجانب التربوي، لكن كما أشرت هذا البعد التربوي حاضر؟
نعم، ليس في المنزل فقط بل في العمل, وورد على لسان الكثيرين ممن زاروه على طوال مدة تصديه، حتى يشعرك أنك صاحب الدار وهو الضيف عندك، مستمع جيد، وقور، مهتم، ويحترم الصغير والكبير، الدماثة في الأخلاق فوق الوصف، ويوقر العلماء بشكل كبير جدًّا، وكان يتعمد زيارتهم، ممكن كان يأتي إلى لبنان أو ممن كان يذهب إليهم إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.
– حدثنا عن جانب الإحسان في شخصيته، وحرصه على أن يكون كبقية الناس؟
أصلاً هو كبقية الناس وأجزم من أيام معرفتي به منذ سكنى في مدينة بعلبك، لم يكن تحت الأضواء، ولكن كان محبوباً، لكلامه صدى في قلوب الناس، حيث يحضر، قبل تشكيل حزب الله وهو لا يزال في القرية، وكان يصعد المنبر وعمره 16 عاماً، ويأسر قلوب الناس، ويسأل الناس من هذا السيد الصغير صاحب البلاغة العالية والفصاحة الكبيرة.
وما أقوله بمنأى عن التنظيم وعن الأضواء والمسؤوليات السيد حسن نصر الله في بيته وحياته وعمله منذ الثمانينيات عندما أصبحت مميزاً للأمور، حتى الاستشهاد، السيد هو هو إنما كان يتسامى في خط تصاعدي في أخلاقه وفي تواضعه، وفي تعاملاته، وفي منطقه، في روحيته، وفي إنكاره لذاته، وفي الإخلاص لله سبحانه وتعالى، حتى في الجزئيات، موضوع الإحسان متشعب، لا يمكن حصر الإحسان بعنوان واحد، الكلمة الطيبة، أن تكون دالاً على الخير، الصدقة .. كان يقول الستر على الناس هو من الإحسان، وهذه مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه، ومدرسة عمه الحسن وهو سيد الإحسان، السيد كان بكل وجوده هو محسن لنفسه، ولغيره في أداء النعمة التي وهبه الله في التبيان والنصح والإرشاد، والدلالة على الله والآخرة، لكل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
– في سبيل أداء مهماته وما كان يتطلبه هذا الدور مع ما نعرفه من حجم الضرر الذي تعرض له العدو منه؟
سألته مرة إنك تحضر المحاضرة مسبقاً وتكتب رؤوس الأقلام، فلما تكتب رؤوس الأقلام وأنت ما شاء الله ممسك بالخطاب؟ أو بالنص والموضوع الذي تريد طرحه؟ يقول من باب احترام المستمع، أن أضع النقاط حتى أكون متدرجاً وإذا ما نسيت شيئاً فهو موضوع أمامي فكان يغذي نفسه بكل المواضيع، كان يأخذ كتباً أكاديمية، من الجامعات وغيرها، من الطلاب الدارسين الذين هم من العائلة، مثلاً فلان يدرس المالية، فلان يدرس علم اجتماع، فلان يدرس الاختصاص الفلاني، كان يأخذ ويقرأ، كان يعتبر أن من حق نفسه عليه أن يزودها بالعلم، ومن حق هذه المسيرة أن يذخر شبابها وأجيالها بالمعرفة لينير طريقهم، لأن الأساس عندنا هو البصر والبصيرة، وليس مجرد شعارات فارغة، بدون أي خلفية علمية، وعقائدية، ونحن حركة عقائدية، أما في ما بذله لأداء واجباته يكفيك الالتزام بكل حذافيره حتى في أقسى المراحل حتى يوم استشهاده.
– كم مرة تتذكر أنك التقيت بالوالد؟
آخر سنة ست مرات وهذا عدد قياسي، إذا كنت ألتقيه في السنة 6 مرات هذا عدد قياسي، ولكن كان هناك تواصل عبر الشبكة الداخلية، كنا نسعى لتخفيف العبء عليه، وكان يكفينا أن نسمع صوته ونتصل به، لتتزود أرواحنا ونكمل حياتنا.
-استشهد هادي نصر الله كان هذا الابن الشهيد في الحقيقة شاهداً على نفسية العطاء للشهيد السيد حسن نصرالله، ما لم يقل في هذا الباب عن خفايا القائد المضحي؟
سماحة السيد كان دائماً يتعامل مع شهادة السيد هادي على أنه مثلُ أي شهيد من الشهداء في المقاومة الإسلامية، وكان يسعى إلى أن لا يكون له حيز إضافي في الانتاجات الإعلامية عن الشهداء، أو أن لا يكثر الحديث عنه في الخطب، وأن لا يكون ممن إذا صح التعبير، أن يتبعوا صدقاتهم بالمن والأذى، لا يوجد أي تمايز، بل بالعكس، هو أخذ هذا المنحى ليقول لعوائل الشهداء، إني أصبحت أقل خجلاً في وقوفي بين أياديكم، وإني شاركتكم حتى في المنزل، كان يتعاطى بشكل طبيعي، وعادي لكي يشد العواطف ولا يقوم بتأجيجها حول موضوع هادي، بل بالعكس كان يتحدث عن أن هادي هو من سعى لهذا الخط، وكان هو مقتنع تماماً، ولن يكون هناك أي إظهار علني، نحن مرة واحدة شاهدته بكى وقت استشهد هادي، غير ذلك ولا مرة، خلاص عادي طبيعي.
– أتذكر خطابه في مرة قال لدينا مشاعر وأحاسيس ونتألم ونحزن لفراق هؤلاء؟
قبل كم ساعة كان عارفاً أن هادي استشهد في المجموعة، ولم يتعمد الاتصال، لكي لا يشعر أحد بأنه يتعمد الاتصال بسبب أن ابنه بين المجموعة، ولم يكن هناك أي محاذير على مشاركة هادي في أي نوع من الدوريات، حتى هادي كان يطلب من والده أن تحدث إلى الإخوة بأن لا يمنعوني لكوني ابنك، عندما أكون في المحور للمشاركة، في أي دورية أو في أي دخول إلى أي موقع من المواقع، أريد أن أشارك مثلي مثل أي باقي الشباب والإخوة في المقاومة.
– منظوره -سلام الله عليه- لتحرير الأراضي الفلسطينية؟ ما الذي كان يبنيه ويعده؟ رؤيته للدور الإسلامي والعربي الممكن في هذا الخصوص أيضاً؟
كان يقول دائماً إن أمريكا هي ليست إلهاً فلا تخشوها ولا تهابوها، وفي المعركة الأخيرة في طوفان الأقصى، هو ذكر عدة نقاط، أن الانتصار على إسرائيل هو بالنقاط، وليس بالضربة القاضية، لإن إسرائيل هي مجموعة عقد، وتجمعت في هذا المكان، وكل العالم تناوب على إعطائها ودعمها، وبالمقابل تخاذل من تخاذل، وباع من باع، وكان دائماً يقول إن ثمن المقاومة والمواجهة أقل بكثير من ثمن الاستسلام، والانصياع للمحتل، وبشكل أكيد عندما نتحدث عن إسرائيل نحن نذهب إلى القرآن، والوعد الإلهي بأن الله سبحانه وتعالى، ينصر المظلومين، ولكن على المظلومين أن يقاوموا ويجاهدوا، ويعدوا المقدمات، وليس أن يجلسوا في زوايا البيوت، ويسألون الله أن ينزل عليهم النصر.
وكان يدعو إلى الوعي، ونرجع إلى معركة الوعي والبصيرة، هناك أوقات عندما تصبح الشعوب خاملة مستسلمة، يائسة تقتل في صدور المجاهدين الحماسة، الأمل، عندما ينظر المجاهدون إلى أنهم بإعدادات قليلة في المحيط من يقف معهم، ومن ينصرهم، ومن يؤازرهم، فيأخذوا روح، والأساس في الشغل الأمريكي والواضح جدًّا هو المعركة الإعلامية، ونحن الآن في لبنان في فلسطين في العراق في اليمن لا يتركون نعتاً إلا ويلصقونه بالمجاهدين والمضحين، لأن هذا هو الاستكبار، الباقي عنده كلهم عبيد، وبيع الأرض وقتل الأنفس لا قيمة لها، فالأساس في المعركة، دائماً كان يقول هو الوعي، في أي درب تمضي وتسير، وفي أي ذات شوكة تمضي، الطريق صعب، ما هو طريق سهل، وهذا كان واضحاً من خلال كلماته ومحاضراته المختلفة.
– اليمن وشهيد الإسلام والإنسانية.. اليمن في سيرة الشهيد -رضوان الله عليه- توسمه لبدايات المشروع في اليمن في بواكيره؟
بلا شك أن سماحة السيد الشهيد كان متابعاً حصيفاً لموضوع اليمن، بما أعلمه وبما لا أعلمه، لا ادّعي المعرفة لكل الأمور، سماحة السيد كان حريصاً جدًّا على أن يقوم بأعماله بعيداً عن الكلام لأي أحد، إلا لمن له علاقة بالعمل الفلاني، أو الموضوع الفلاني، وهذا كان من أسرار نجاح المقاومة، حتى من أسرار عمل الإخوة في اليمن، ولكن ما صرح به في الإعلام وأنه الموقف المشرف الذي يفتخر به يوم القيامة، هو الخطاب الذي ألقاه اليوم التالي من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وهذا كان من قلبه ومن روحه، وهذا كان يقوله لنا، حتى كان يحدثنا عن كيفية إذا صح التعبير، جنون البعض؛ لأنه كيف لهؤلاء اليمنيين الحفاة الفقراء، الذي ينظر إليهم البعض بالفوقية، أنهم اليوم يصنعون كل هذه التكنلوجيا، أو الأسلحة، أو هذا الصمود الأهم، الذي صنعه أبطال اليمن، وكان السيد منذ زمن بعيد مهتماً بإظهار النسب، الذي ننتسب إليه من السادة، والذي يعود إلى الشهيد زيد ابن الإمام زين العابدين سلام الله عليهما.
– في كلمته يوم تعزية والدته وضح ذلك نعم؟
كان مهتماً بموضوع النسب وكان يحب اليمن، وكان يفتخر، أنت تستطيع أن ترى المحبة حينما تنظر في عينيه، عندما يكون يشاهد العمليات في اليمن أو يتحدث عن الأبطال في اليمن الذين لهم عند مجاهدي المقاومة، من السيد إلى كل الصفوف حب وعشق، وانقياد للقلوب بشكل منقطع النظير، أول ما تقول اليمن، تذكر اليمن قلوبنا تكبر، ونحس بوسع السماء، لما فيه من بطولة ومن تمريغ لأنوف الطغاة، في مدرسة خاصة باليمن، هي أن هؤلاء الحفاة مرغوا أنوف الطغاة، العنجهية والتكبر على أهل اليمن والنظرة الدونية التي كان ينظرها الأعداء تجاه اليمن، إلى درجة أن سماحة السيد الشهيد تحدث عنها؛ لأنه هناك ناس غير متحملة عقولهم أن العقل اليمني ينتج ويصنع ويبتكر.
– نظرته للسيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي؟ ما الذي يمكن قوله في هذا الجانب؟
كان يهتم لسماع كلمات سماحة السيد عبدالملك، حتى أن الكثيرين كانوا يظنون أن الاستديو هو نفسه، حتى بالشكل والترتيب والظهور، متشابهين، أذكر شيئاً علمته مرة من المرات، بعد الحصار القاسي الذي تعرض له اليمن، وظهور السيد عبدالملك قد نحل جسمه، كان متأثراً جدًّا إلى درجة أنه بكى رقة لحال السيد، وتحدث عن عظمة هذا السيد، الذي واسى شعبه وناسه ومجاهديه حتى بهذه الجزئية، وكان ينظر له بمنظار التقدير على الشجاعة، والإيمان والالتزام العالي بالمفاهيم القرآنية، والأخلاقية، بعض الجماعات عندما يصبح الضغط عليها عالياً، قد تتفلت من بعض الضوابط الأخلاقية، إنما في اليمن كما في لبنان، رغم كل التفلت الأخلاقي للعدو الذي واجهناه، كان العنوان القرآني والأخلاق النبوية حاكمة في هذا التصرف، لا ادّعي أني أسكن في قلب سماحة السيد لأصف لك مدى الحب، ولكنه كان حباً منقطع النظير للسيد ابو جبريل، واقعاً وكان يسعد غاية السعادة، عندما تأتيه هدايا أهل اليمن العقيق، حتى آخر مرة، هو جمع لي بعض الفصوص، وقال: جواد أنا اخترتها بنفسي، لتصنع منها الخواتم ليهدي منها، كان أبعد من نطق الموقف هو هذه العاطفة، والانقياد والانشداد، واللهفة في نصرة ومحبة الشعب اليمني، والاهتمام بالقضية اليمنية، وكل تفاصيلها.
– سؤال في غاية الأهمية على مستوى المحور الجهاد الذي كان يقوم به لاستنهاض الأمة في مواجهة الأعداء، بما في ذلك تواصلهم مع الزعماء والقادة أيضاً؟
سماحة السيد كان يرى من بدء معركة طوفان الأقصى، أن من واجبه استعمال مقبوليته العالية، وصوته المسموع، ومكانته في العالم العربي والإسلامي، أن يبين ويوضح ويساند بالكلمة والموقف والشواهد مظلومية القضية اليمنية؛ لأن بعض الإعلام الخبيث كان يتحدث عن المحاور والطوائف، وعن الانقسامات لشد العصب، وقد تحدثنا سابقاً عن استعمال العدو للعامل الطائفي البغيض، والعناوين السيئة، لأجل إضفاء ثورة ما، أو سلب قضية ما أحقيتها وعناوينها، وهذا أهم عنوان، فيك تقول سماحة السيد كان يحرص على أن يقوم به لمساندة القضية اليمنية، كما فعل مع فلسطين، وكما فعل في العراق ضد الدواعش، وما صنعته أمريكا، للأسف العالم هذه الأيام يتأثر بشكل عجيب وبسيط وفظيع حتى بالأخبار الساذجة، ويوكد اللعب على الوتر الطائفي، وبالأخص اليمن كان بعيداً عن اللغة الطائفية، حتى عندما وجدت في العراق مع داعش وسوريا مع داعش، كانت بعيدة كل البعد عن الطائفية، لكن البعض أراد أن يلبسها هذه الثياب، وهي بعيدة كل البعد عن الثياب الدينية.
– بعض عواقب تفريط العرب في التجاوب مع الشهيد السيد حسن نصر الله، ونحن نعرف أن خطاباته لم تكن تخلو من الكثير من دعوات الاستنهاض للشعوب وللقيادات فيما يتعلق بطبيعة المسؤولية تجاه قضايا الأمة؟
ممكن حسب ما سمعت أن الكثير من الناس تأثروا بعد الشهادة، وهذا فعل الدم، وبركات الاستشهاد، أما السيد قام بما يمليه عليه واجبه، وقام بأداء تكليفه، أما من لم يسمع ولم يطع ومن تخاذل ومن باع ومن سكت ومن نأى بنفسه جانباً، سيسأل هو عن ذلك التقصير قبل أن يدفع ثمنه في هذه الدنيا، على قاعدة التخاذل والانصياع لأمريكا سعره أعلى من الذل والهوان، مقابل المقاومة والصمود، نحن غير مسؤولين عن تصرفات وتخاذل البعض، إنما عندما تكون في مكان المسؤولية ومقامها هو مقام الدعوة والحث والجهاد بكل ما أوتيت من قوة وبيان، حتى تستنصر لقضيتك، وتناصر الحق، أما الباقي كان يتحدث عنه، أنه جهزوا أجوبتكم أمام الله سبحانه وتعالى، ماذا ستقولون لله سبحانه وتعالى، في الآخرة، وأشار إلى خطورة المسألة وأهمية تحمل الموقف، وما يريده العدو منهم.
– اسمح لي بالعودة إلى شخصية السيد، كان حازماً وقوياً في مواقفه تلك التي لاحظناها وكل ما واجهه على صعيد موقفه تجاه ما يتعلق بالعدوان على اليمن، لكن هذه المواقف كانت نابعة من خلفية إنسانية، كيف تفسر هذا البعد في شخصية السيد الشهيد بأن يقف في صف المظلومين؟
نحن حسينيون، مبدأ الحركة الحسينية هي نصرة المظلوم، النموذج الأعلى للتضحية كان الإمام الحسين -سلام الله عليه- الذي ضحى بكل شيء لأجل الدين ولأجل رفض الظلم، عندما يكون عندك هذا النموذج الموجود في صلب عقيدتك، ولا زال دمه منذ 1400 عام يسري حتى اليوم يلهم المظلومين ويلهم الثوار، أقل شيء من ينتسب إلى هذه المدرسة، أن يناصر كل مظلوم، وأن يكون للظالم خصماً حسب وصية الإمام علي -سلام الله عليه- لولديه الحسن والحسين -عليهم السلام- “كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً”، بالأساس هذا المبدأ القرآني هو رفض الظلم، من ظلم النفس إلى ظلم العبد للعبد، إلى ظلم الأخ لأخيه، فأنت عندما تكون سوياً، وفي منطق الحق، وتنظر بعين الله سبحانه وتعالي، ستنهض وتنحاز للحق، وإلى المظلوم، أمام ما نشهده في عصر أمتنا بالحد الأدنى من مظلومية وعنجهية وطاغوتيه.
فكان الجانب الإنساني فيما يتعلق بما يجري اليوم في غزة حاضراً في نفس السيد الشهيد، كما كان حاضراً على مستوى العالم، لاحظنا كيف كان تفاعل الشعوب والعالم أجمع بما فيه العالم الغربي.
– كيف تفاعلت مع نبأ استشهاد السيد الأسمى والأقدس شهيد الإسلام والإنسانية؟ وبعد الإعلان الرسمي ما الذي تغير في نفس السيد جواد؟
في اللحظة الأولى سعيت لأرى الجثمان، وواقعاً في تلك الليلة أول ما حضر في بالي شخصان، أولهما الإمام صاحب الأمر -سلام الله عليه- واعتقد أنه حالي حال الكثيرين الذين اقتادت قلوبهم إلى صاحب الأمر -سلام الله عليه- ثم حضر في بالي الإمام زين العابدين -سلام الله عليه- وكان الخيال أمامي هو خيمة الإمام في ليلة العاشر من محرم، والإمام الحسين -سلام الله عليه- ممدد، وما كان حال قلب الإمام زين العابدين في تلك اللحظات، “دغري” الله سبحانه وتعالى، أخذ قلبي إلى كربلاء، ثم لحقني اليقين بأننا أهل إيمان ويقين بالله سبحانه وتعالى، وهو من علمنا هذا اليقين، رغم الشهادة ورغم قسوة الموقف والمفاجأة والصدمة، نحن أهل يقين بالله، نحن أهل القرآن، نحن أهل الوعد الإلهي الذي لن يتزلزل إن شاء الله.
– ما أكثر ما خفتم عليه بعد نبأ استشهاد السيد؟ ما الذي يواسي السيد جواد نصر الله وإخوته بعد رحيل هذا القائد العظيم؟
أولاً: الكل كان يدعو للمجاهدين وللمقاومة، ورغم أننا دعينا لأكثر من مرة، للمغادرة إلى خارج لبنان، فلم نقبل، وطبعاً الوالدة كانت في المقدمة، والأولى في رفض المغادرة، وأن نبقى مع الناس، إما نستشهد مع الناس أو ننتصر مع الناس، وهذا ديدن وفعل سماحة السيد في حياته واستشهاده، حتى في اللحظة الوجدانية كانت هذه هي أمنيته، وبالبعد الواقعي البعيد عن فلسفة الأمور، الله سبحانه وتعالى، من يربط على القلوب، مهما كنت صبوراً ومؤمناً ومقتنعاً بقضيتك، في شغل إلهي، الله يمسح على قلبك، ولا يدع للشيطان عليك من سبيل، حتى كلمة لا شيء بفضل الله ما طلعت من أحد من البيت، مسلمين الحمد لله، في أعز قضية، في أشرف قضية، في ساحة مواجهة، كما يقولون أجمل ختام، البعض كان يقول لماذا قلت بأن الله كرمه، بأن الجسد بقي مثل ما هو، نحن كلنا نتمنى الشهادة مقطعي الأوصال، حتى سماحة السيد كانت هذه من أمنياته، حتى الحاج قاسم كان دعاءه هكذا، ونالها هكذا، وما قلته كان بسبب كم الحقد الذي تم رميه على السيد قرابة 84 طناً، فبعد هذا الغل والوحشية والحقد الذي رمي على سماحة السيد أن يخرج جثمانه مثل ما هو، هذه مكرمة، هي حالة بذاتها، ما تدحض أي أمنية، أو أي رغبة بأنواع الشهادة، أو أشكال الشهادة الأخرى، ولا تنتقص من أجلها حتى.
– رسالة أخيرة توجهها سيد جواد ونحن على مقربة من يوم التشييع للشهيدين السيدين؟
إن شاء الله، بعد التشييع وهذا من السنن بأن تسكن نفوس وقلوب المحبين، وأن لا يطول الوقت لنرى آثار هذه الدماء الزكية، التي سالت على مدار السنة والأشهر القليلة التي تبعتها من طوفان الأقصى إلى الحرب على لبنان، وأن نكون من الأوفياء لهذه الدماء، بالتمسك بخط المقاومة الإسلامية والذوبان في هذه الخط أكثر؛ لأننا أصبح لنا سهماً في الدم وسهماً في الثائر، وإن شاء الله المنهج الذي سارت عليه المقاومة، يورثها هذا الدم عزاً ونصراً وإصراراً وشموخاً أكثر مما قبل؛ فدم الشهيد عباس، وقبله الشيخ راغب، والحاج عماد، وكل القادة والشهداء، إلى سماحة السيد يكون إن شاء الله، يكون الدم دافعاً لسنوات انتصارات وصمود أكبر، خاصة مع التحولات، وإن شاء الله تكون إلى خير؛ فعندما يقول السيد عندما يسكن في البيت الأبيض رجل أحمق فهذه بشارة، وكل ما طغوا، الله سبحانه وتعالى يحب أن يذل الطواغيت، وبالعكس أقول للناس استبشروا خيراً.