الإفتاء تكشف عن الآداب والضوابط الشرعية لتنظيم معاملات الناس
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصربة، إن الشريعة الإسلامية أباحت كلَّ معاملة تقوم على الحقِّ والعدل والصدق وتحقيق مصالح الناس في حدود ما أحلَّهُ الله تعالى لهم، ولكنها في الوقت ذاته قد حَرَّمَتْ كل معاملة يخالطها الظلم أو الغش أو الربا أو غير ذلك من الرذائل.
وأوضحت الإفتاء أن شريعة الإسلام حرمت الاحتكارأي شراء الشيء وحبسه ليقِلّ بين الناس فيزيدُ سعره عن حدود الاعتدال، فتضطرب أحوال الناس، ويلحقهم الضرر والعنت، وفي الحديث الصحيح: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» أي: فهو بعيد عن الحق والعدل، وفي حديث آخر: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، وفي حديث ثالث: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» رواه الإمام ابن ماجه في "السنن".
كما حرمت الشريعة الإسلامية الغَرَر أي المعاملة التي يشوبها الخداع والجهالة التي تؤدي إلى المنازعة.
وحرَّمت الغِش والحلف الكاذب من أجل ترويج السلع، وفي الحديث الصحيح: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» أي: ليس على ديننا الكامل من استعمل الغش في معاملاته، وفي حديث آخر: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه"، أي: احذروا كثرة الحلف في بيعكم وشرائكم؛ فإنَّ الحلف قد يؤدي في الظاهر إلى رواج التجارة إلا أنَّه بعد ذلك يزيل بركتها.
وحرَّمت التطفيف في المكيال والميزان وأمرت بالقسط فيهما؛ قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3]، وعندما مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ برجل يَزِنُ للناس بالأجر قال له: «يا وَزَّانُ، زِنْ وَأَرْجِحْ» رواه الإمام ابن ماجه في "سننه".
وحرَّمت النَّجْش بإسكان الجيم، وهو أن يزيد الشخص في ثمن السلعة لا ليشتريها وإنما لِيَخْدَع غيره.
وحرَّمت شراء الشيء المغصوب أو المسروق؛ لأن شراءه يمثل لونًا من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الحديث الشريف: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ اشتركَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا» رواه الإمام الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وشبيه بذلك في الحرمة: أن يبيع الإنسان العنب لمن يعلم أنه سيتخذه خمرًا، أو يبيع السلاح لمن يعلم أنه يستعمله في الأذى أو في القتل ظلمًا؛ وذلك لأنَّ البيع في هذه الحالات وأمثالها يؤدي إلى الفساد والضرر.
روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» رواه الإمام أبو داود في "السنن" وأحمد في "المسند"، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع السلاح في أيام الفتن" رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" والبيهقي في "السنن الكبرى"، وشبيه بذلك في الحرمة والإثم بيع أو شراء كل ما يؤدي إلى إفساد الأخلاق ويعين على نشر الرذائل.
وقالت الإفتاء إنه إذا كانت شريعة الإسلام قد نهت عن كل معاملة يشوبها الغش أو الظلم أو الاحتكار أو الغرر؛ فقد أمرت أتباعها بآداب معينة في معاملاتهم:
- أمرتهم بالتيسير على الـمُعْسِر والرأفة به، وتأجيل ما عليه من ديون حتى يوفقه الله تعالى لسدادها؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، ومن الأحاديث النبوية التي وردت في ثواب الذين ييسرون على المعسر ما جاء في "الصحيحين" عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».
- تحري الحلال وبالبعد عن الشبهات؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168].
- الحرص على العمل النافع الذي يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير، ويكفي في هذا المعنى قوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
- أداء الحقوق إلى أصحابها دون مماطلةٍ أو تسويفٍ؛ ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى»، وفي حديث آخر: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإفتاء الاحتكار ضوابط السلع صلى الله علیه وآله وسلم رواه الإمام وفی حدیث رضی الله ى الله ع ه وآله حدیث ال الله عن
إقرأ أيضاً:
دار الإفتاء المصرية تطلق مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش
أعلنت دار الإفتاء المصرية عن إطلاق مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش، حيث تمَّ عرض فيلم تسجيلي تعريفي بالمركز، تناول رؤيته وأهدافه ومجالات عمله، مسلطًا الضوء على دَوره في تعزيز قيم التعايش والوسطية، وذلك في ختام فعاليات الندوة الدولية الأولى لدار الافتاء المصرية.
ويهدُف المركز إلى إحياء تراث الإمام الليث بن سعد عبر نشر أعماله وتنظيم ندوات تناقش أفكاره ومنهجه، إلى جانب تعزيز الفقه الوسطي المصري وترسيخ مبادئ التعايش والسلام.
كما يركز المركز على مكافحة خطاب الكراهية من خلال برامج تدريبية ودراسات متخصصة، وتشجيع البحث العلمي حول فقه التعايش عبر مسابقات للشباب، بالإضافة إلى تنظيم ندوة سنوية تحمل اسم الإمام الليث لمناقشة قضايا الفكر الإسلامي المعاصر.
ويتضمن برنامج المركز للعام المقبل إطلاق مكتبة رقمية تتيح تراث الإمام الليث للعالم، وتنظيم دورات تدريبية للشباب والمفتين حول مفاهيم التعايش ومكافحة الكراهية. كما سيعمل المركز على إطلاق منصات رقمية تقدم محتوًى علميًّا يعزز منهج الوسطية، بجانب نشر دراسات وأبحاث متخصصة.
ويشرف على المركز مجلس استشاري يترأسه مفتي الديار المصرية، ويضم نخبة من العلماء والخبراء من داخل مصر وخارجها. كما يضم المركز عدة أقسام إدارية تشمل الأبحاث والنشر، الفعاليات والإصدارات، والتدريب والتطوير. ويهدُف إلى بناء شراكات مع الجامعات والمؤسسات العالمية، وتطوير منصات رقمية لنشر الدراسات والدورات التدريبية على نطاق عالمي.
ويُعد مركز الإمام الليث بن سعد خطوة نوعية تهدُف إلى مواجهة خطاب الكراهية وتعزيز القيم الوسطية، ليكون منارة علمية تسهم في نشر قيم التسامح والتعايش في العالم.