خبيران عسكريان يفككان تكتيك إسرائيل بتفخيخ المباني وتفجيرها
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
بيروت- أعلنت إسرائيل في 1 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن بدء عمليتها العسكرية البرية ضد لبنان شملت غارات جوية وقصفا مدفعيا واغتيالات، لكن قوات جيش الاحتلال لم تتمكن حتى الآن من التمركز في أي قرية أو بلدة دخلت إليها بسبب المقاومة التي تواجهها من قبل عناصر حزب الله.
ووفقا لما أعلنته غرفة العمليات في الحزب، فقد بلغت الحصيلة التراكمية لخسائر جيش الاحتلال، منذ بدء ما سماه "المناورة البرية في جنوب لبنان"، أكثر من 100 قتيل و1000 جريح من ضباطه وجنوده، كما تم تدمير 43 دبابة ميركافا، و8 جرافات عسكرية، وآليتي هامر، ومُدرعتين، وناقلتي جنود، وتم إسقاط 4 مُسيرات من طراز "هرمز 450"، ومسيرتين من طراز "هرمز 900".
وعلى الرغم من الحديث عن قرب التوصل إلى هدنة، فيبدو أن إسرائيل ما تزال مستمرة في التصعيد العسكري والضغط الميداني، وأعلنت عن بدء المرحلة الثانية من "التوغل البري" مستهدفة قرى لبنانية تقع خارج نطاق عمليتها الأولى في جنوب البلاد.
وفي هذا الصدد، قال خبراء عسكريون -للجزيرة نت- إن إسرائيل تفاجأت بشدة التصدي الذي واجهته في التوغل البري رغم نجاحها في اغتيال عدد كبير من القادة العسكريين على المستويين الأول والثاني، فإن النجاح الجزئي دفعها إلى تعديل إستراتيجيتها والتحول إلى تكتيك جديد يعتمد على الدخول إلى المناطق وتفخيخ المباني ثم تفجيرها، والانسحاب السريع لتفادي المزيد من الخسائر البشرية، خاصة بعد نجاح المقاومة في نصب الكمائن.
لماذا لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال أي قرية لبنانية رغم الحشود العسكرية على الحدود الشمالية منذ أكثر من شهر؟أكد الخبير العسكري العميد حسن جوني، للجزيرة نت، أن الحشود العسكرية الإسرائيلية، ورغم أنها شملت 5 فرق يبلغ عدد أفرادها بين 50 و60 ألف جندي بحسب الإعلام العبري، لم تتمكن من احتلال قرية واحدة. وأوضح أن هناك فرقا جوهريا في العلم العسكري بين مفهومي الإغارة والاحتلال.
وتُعرف الإغارة -وفق جوني- بأنها عملية تقدم نحو هدف محدد بهدف تفجيره أو تفخيخه أو تنفيذ مهمة أمنية أو عسكرية، مثل اعتقال أو تصفية شخص ما، يعقبها الانسحاب السريع. أما الاحتلال فيعني السيطرة على هدف معين والتمركز فيه مع إنشاء مراكز دفاعية لحمايته.
وفيما يخص الأحداث في الجنوب، اعتبر أن ما حدث كان عبارة عن عمليات إغارة متقدمة استهدفت قرى معينة بهدف تدميرها والانسحاب دون نية البقاء.
وأشار العميد جوني إلى أن القرار الإسرائيلي بعدم التمركز في تلك المواقع جاء نتيجة المقاومة الشرسة التي واجهتها قواتهم هناك، حيث أدركوا أن أي محاولة للبقاء ستجعلهم عرضة لهجمات مستمرة من قبل المقاومة التي كثفت استهدافها لتحركاتهم نحو القرى والبلدات الحدودية بالمدفعية والصواريخ.
هل يعكس هذا الوضع قوة المقاومة اللبنانية أم إستراتيجية عسكرية يتبعها جيش الاحتلال؟وفق العميد جوني، فإن العملية البرية المركزة كانت تهدف إلى التوغل العميق في الأراضي اللبنانية بحسب حجم القوات المتجمعة وإلى الوصول إلى نهر الليطاني، خاصة بعد الضربات القاسية ضد قيادة حزب الله. لكن إسرائيل، بعدما اعتقدت أن المقاومة قد أُنهكت، فوجئت بشدتها وصمودها مما دفعها إلى تعديل إستراتيجياتها. لذا، كان التوغل الفعلي أقل من المتوقع واقتصر على عمق لا يتجاوز 3 كيلومترات.
ما الدلالة العسكرية لإستراتيجية دخول جيش الاحتلال إلى القرى الحدودية وتفخيخها دون احتلالها بشكل كامل؟
يقول الخبير العسكري العميد علي أبي رعد، للجزيرة نت، إن الأهداف الرئيسية التي يسعى الإسرائيليون لتحقيقها من خلال تفجير المدن تتمثل في هدفين أساسيين:
الأول: هو تسهيل حركة قواتهم أثناء العمليات العسكرية، ففي المناطق التي تحتوي على مبانٍ، يصبح التقدم أصعب بسبب خطر وجود مقاومين داخلها، مما يضطرهم لتدمير هذه المباني لفتح المجال أمام تحركاتهم. الثاني: يتمثل في جعل هذه المناطق غير صالحة للحياة، خاصة تلك التي تُعتبر "بيئة للمقاومة"، مثل الجنوب اللبناني، ومن خلال تدميرها يعزل الإسرائيليون المحيط الذي يدعم المقاومة، ويعاقبون السكان الذين قد يكونون جزءا منها، وتُعرف هذه الإستراتيجية بـ"الردع العقابي".ويؤكد العميد أبي رعد أن هذه الإستراتيجية ليست جديدة، بل هي جزء من أسلوب الاحتلال الإسرائيلي في جميع المناطق التي يسيطر عليها، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان. وقد شهد هذا النهج في حروب عدة، بما فيها حرب 2006.
هل يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض واقع جديد عبر تحويل المناطق الحدودية إلى مناطق محروقة بدلا من أن تكون منزوعة السلاح؟أشار الخبير العسكري أبي رعد إلى أن الإسرائيليين يسعون إلى فرض أمر واقع من خلال استخدام أسلحة محظورة دوليا، مثل القنابل الفوسفورية والفراغية، وذكر أن القنابل من نوع "إم كيه 84" (MK84) قد استخدمت في عملية اغتيال حسن نصر الله أمين عام حزب الله، كما يتم استخدامها حاليا في قصف الضاحية الجنوبية وعدد من القرى اللبنانية الحدودية.
وأوضح أن آثار هذه القذائف واضحة حيث تسقط المباني بشكل كامل على الأرض وتتحول إلى رماد، وأن الحفر الناتجة عنها تصل إلى عرض 3 أمتار وطول من 7 إلى 8 أمتار، أو أكثر في بعض الحالات، مما يعكس حجم الدمار الكبير.
وبرأيه، تمثل هذه المشكلة تهديدا كبيرا، حيث إن الهدف من التدمير هو القضاء على الحياة في تلك المناطق على المدى الطويل، وأوضح أنه في حال توقفت الحرب الآن، من المتوقع أن تحتاج عملية إعادة الإعمار إلى ما لا يقل عن عامين، متسائلا عن كيف سيكون الوضع إذا استمر الدمار وتفاقمت الحرب؟.
هل تشكل هذه التكتيكات جزءا من إستراتيجية تهدف إلى دفع حزب الله بعيدا عن المناطق الحدودية؟
يقول الخبير العسكري العميد علي أبي رعد إن حزب الله يشكل جزءا من سكان الجنوب الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بأرضهم وإن هذه الحرب هي "دفاع عن أراضيهم"، فالشريط الحدودي قريب من المنازل التي تم بناؤها بتكاليف ضخمة مما يجعل من الصعب على الناس تركها بسهولة، وسيرجعون إليها مهما كانت الظروف. لذا، فإن فكرة إبعاد الحزب عن الجنوب أو منطقة جنوب الليطاني تبدو "غير واقعية".
على الصعيد السياسي، يرى أن الاتفاق قد يتوصل إلى عدم وجود سلاح لحزب الله في تلك المناطق، لكن المسألة لا تقتصر على نطاق 10 أو 20 كيلومترا فقط. وأوضح أن الموضوع يتعدى ذلك إلى نوعية الأسلحة التي يمتلكها الحزب والمناطق التي يوجد فيها، فعندما يمتلك صواريخ بمدى يصل إلى 100 أو حتى 250 كيلومترا، فإن إبعاده إلى شمال الليطاني لن يكون له تأثير يذكر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخبیر العسکری جیش الاحتلال حزب الله وأوضح أن أبی رعد
إقرأ أيضاً:
المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
صادق سريع
هذه الرواية تصف الحال بدقة: “تسقط قطرات المطر كدموع أهل غزة، الأطفال تصرخ من شدة البرد، والبطون تتألم من الجوع، والخيام تتطاير من عواصف الريح، وهكذا وضع كل من في غزة خائفا، جائعا، بردانا، متعبا، ومنهكا”.
ما يريد القائل قوله: “إن غزة تقاتل المستعمرين القدامى والجدد نيابة عن العرب والمسلمين المتفرجين، بينما عجز العالم عن تدفئة طفل رضيع يرتجف من البرد تحت خيام غزة!”.
وهكذا قالت نازحة – في حالة غضب: “إن رجفة الطفل برداً في غــزّة، أشرف وأكرم من رجفة عبداً متخاذل أمام سيّده!”.
في الخيمة المقابلة، لم تتمكن طفلة من إيجاد رغيف تسد به رمق الجوع، فرسمت قرص الخبز، لكن هل الرسم يُشبع!؟ يا الله ما هذا البلاء.
طفلة أخرى طلبت من أمها حبة فاكهة تأكلها، فردت الأم بحسرة – حاولت أن تخفي ملامحها عن الأبنة الصغيرة: “سنأكلها فى الجنة”، فأخرجت طفلتها قلما مكسورا، وقالت لأمها بلهجة براءة الطفولة: “بدي أكتب على الورقة كل الفواكه، وأطلبها من ربنا لمن نروح الجنة”، لا حول ولا قوة إلا بالله..
في غزة فقط، الناس تنصح أولادها: “يا بابا متلعبوش، وتجروا كثير، عشان ما تجوعوا”.. وتباع وتشترى الخضروات والطحين بالجرام، وينام الناس بالشوارع في برد الشتاء، وتحت سعير نيران القذائف التي تسقط في كل مكان، وتقام ولائم العزاء بلا توقف بكل الأوقات في كل البيوت المدمرة والخيام الممزقة ونحيب بكاء المدينة بأكملها، كأنها تعيش أكبر مآتم التاريخ.
كل شيء في غزة يدعوك للبكاء، نازحة في شمال غزة حصلت على كيس خبز ؛ يا الله ما هذه الفرحة التي غيرت ملامح وجهها العابس مُنذ سنة !؟ كأنها حصلت على كنز ثمين بعد عام كامل!!
يقول قائل من غزة، عن قول أمه (وأمه امرأة لا تكذب) إنها قالت له: “ستفرج ذات يوم”.
وهكذا يستغيث أهل غزة، أيها العالم الأصم : “تجمدنا في الخيام؛ هل تسمعون صرخات الأطفال والنساء؟”.
ويخاطبون أمة محمد – عليه الصلاة والسلام: “من يحمل الهم عنا، ومن يقاسمنا الثِقل؟ سامحونا -يا معشر المسلمين- فلن نسامحكم ولن نغفر خذلناك وخيانتكم وصمتكم يوم الحساب”.
وأنا أقول: “تحدثوا – يا أمة الإسلام – أن غزْة تُباد، تحدثوا ليكون كلامكم شاهداً لكم لا عليكم يوم الحساب”.
سلاماً على غزة حتى يطمئن أهلها، وتبرد نارها، ويدفأ بردها، وتطيب جراحها، وينتصر رجالها، ويخرج غزاتها.
* المقال يعبِّر عن رأي الكاتب