د. إبراهيم بن سالم السيابي

بعد الإعلان عن إعادة انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية رقم 47، تجلت مخاوف كثيرة ساقها البعض من إعادة الانتخاب؛ فالرجل قاد الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات في الفترة بين عامي 2016م وحتى عام 2020 والتي انتهت بهزيمته في الانتخابات على يد الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن، وهذا الأخير قرر في آخر لحظة وبناء على نصائح المقربين منه ولمصلحة حزبه الديمقراطي عدم خوض غمار الانتخابات أمام المرشح الجمهوري، بعد أدائه الكارثي في المناظرة العامة في شهر يوليو 2024، والتي تفوق فيها ترامب على بايدن وترك المنافسة لنائبته كامالا هاريس التي هُزِمَت هي الأخرى في الانتخابات، لأسباب عدة منها تأخرها في دخول السابق الرئاسي، وبالتالي عدم استطاعتها استكمال برنامجها الانتخابي.

دونالد ترامب وسياسته، ليست بجديدة ومعروفة للعالم أجمع، إضافة إلى تمرده على ما يسمى بالديمقراطية في الولايات المتحدة؛ حيث إن أنصاره حاولوا اقتحام المبنى الذي يتم فيه التصديق على رئاسة خلفه جو بايدن في يناير 2021، وكذلك ربما يعد هو الرئيس الأول في الولايات المتحدة الذي يُلاحَق بمجموعة كبيرة من القضايا الجنائية في المحاكم، بعضها يتعلق بإخفائه في مقر إقامته الشخصية لملفات تتلعق بالأمن القومي وقضايا أخرى تتعلق بالتهرب الضريبي إضافة إلى بعض القضايا الأخلاقية.

الكل ينظر إلى انتخابه فيما يخص الشغل الشاغل حاليا للعرب والمسلمين وهو وقف حرب الإبادة في قطاع غزة، وكذلك العدوان الغاشم على لبنان، والذي وعد بدوره بإغلاق صفحة الحروب، ليس حبًا في العرب والمسلمين ولكن كما يدعي أنه لا يريد حروبًا في ولايته الرئاسية، وأنها ستكون مخصصة للسلم والبناء والاقتصاد وإعادة الهيمنة الأمريكية والقيادة والسيطرة على اقتصاد وتجارة العالم.

وحتى لو افترضنا جدلاً بأنه سوف ينهي هذه الحرب التي يشنها هذا الكيان المجرم الغاصب والتي من الصعب إيجاد وصف أو تعبير لها من حيث عدد الشهداء من المدنيين وكذلك عدد وحجم القنبال التي أُلقيت على غزة بالذات، أو من حيث حجم التدمير الذي أصاب المدن والقرى، ولكن الخوف أنه يريد أن ينهيها بشروطه التي ستصب لمصلحة الكيان لا محالة، فهذا الرئيس صهيوني الميول والهوى، وسبق عصره عندما قرر أثناء فترة رئاسته نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس الشريف، وهذا القرار لم يستطع الرؤساء السابقون للولايات المتحدة من قبله ولمدة تزيد عن 30 سنة التوقيع عليه؛ بل إنه اعترف بضم الجولان السورية لدولة هذا الكيان!

هذا الرئيس نفسه، من روّج لصفقة القرن وهذه الصفقة باختصار عبارة عن تهجير الفلسطينيين من أرضهم وضياع القدس إلى الأبد.

أكتب هذا المقال، وأقرأ عن تسميته أسماء المسؤولين الذين سيتولون المناصب القيادية في أثناء فترة رئاسته التي تمتد لمدة أربع سنوات، هذه الشخصيات المختارة بدون استثناء كلهم من المتطرفين الصهاينة، وبالتالي لا أمل في انفراج للحلم الفلسطيني بحل الدولتين مع هذه المجموعة من العصابة والمجرمين، بل إن أصوات ضم الضفة الغربية للأبد بدت تعلو ومعها ما تبقى من أشلاء غزة.

وقبل أن أُعرِّج على الموضوع الأساسي، أهمس في آذان أولئك الذين لا يزالون يشككون في طوفان الأقصى وأسبابه، ماذا تقولون الآن والحديث أصبح في العلن ولم يعد الأمر مجرد مشروع؛ بل هو فرض واقع؟ ماذا تقولون الآن بعد أن اتضحت الصورة وأصبح الأمر في العلن وضم الضفة وضياع القدس وإعادة احتلال غزة لم يعد فقط مجرد أقاويل أو تكهنات؛ بل تصريحات من حكومة العدوان والاحتلال؟ هل لا زلتم مصرون على أقاويلكم بأن هذا الكلام مجرد أعذار ساقاتها المقاومة في هجومها الباسل على هذا الكيان المحتل المجرم؟ ماذا تقولون الآن وها هي حكومة الكيان تصرح وبكل ثقة تقول إن طرح حل الدولتين غير مقبول، فهل ما زلتم أيها المشككون في ضلالكم القديم؟!

أما عن تأثير دونالد ترامب على الاقتصاد، فإنني أتمنى أن أكون مخطئا؛ إذ إنه خلال سنوات حكمه الأربعة شهد الاقتصاد العالمي أداءً كارثيًا، وتراجعت أسعار النفط بأسعار قياسية غير مسبوقه، بسبب انخفاض الطلب، فمن المتوقع أن ينفذ ما صرح به، وسوف يفرض- كما صرح- رسومًا جمركية على جميع الورادت التي تدخل والولايات المتحدة أكبر مستهلك للسلع في العالم وهذا الرئيس كذلك يثير القلاقل بتصرفات وقرارات غير متوقعة مثل التدخل برفع أسعار الفائدة مما يربك العالم ويؤثر في القرارات الاقتصادية.

وإذا قرر وفرض رسوماً جمركية جديدة على الصين وكذلك على الورادات من دول أوروبا سيتسبب ذلك في انخفاض الطلب على هذه السلع وبالتالي يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في هذه البلدان هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه سوف يفتح مخزون النفط الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ويشجع النفط الصخري؛ مما يزيد المعروض ويقلل طلب الولايات المتحدة للنفط الخام، ولقد صرح أكثر من مرة بأنه لايحتاج النفط من الدول الأخرى، مما سوف ينعكس على أسعار النفط بشكل عام.

ختامًا.. نتمنى أن لا يحصل هذا السيناريو، ونتمنى أن تضع الولايات المتحدة مصالح الدول في الحسبان، وحتى لو تدخلت الدول المنتجة لخفض الإنتاج، فإن هذا التدخل سيكون محدودًا في ظل حاجة هذه الدول إلى مصادر مالية، خاصة اذا استمرت الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي الحاجة الماسة لروسيا لتغطية تكلفة الحرب؛ حيث إن الدول المنتجة للنفط جميعًا دون استثناء سوف تتأثر اقتصادياتها بسبب انخفاض مداخيلها وتتكبد عجزًا في ميزانياتها، وبالتالي تؤثر في مشاريعها ورفاهية شعوبها.

هذه الدول كذلك سوف ينخفض طلبها على السلع والخدمات، وبالتالي دخول العالم كله في ركود اقتصادي، خاصة إذا علمنا أن دول أوروبا كلها دون استثناء فقدت بعضًا من حصتها من السوق العالمي واقتصادياتها ليست في أفضل حالاتها.

وتحسبًا لمثل هذا السيناريو، على البلدان المنتجة للنفط على هذا البلدان أن تضع بدائل جاهزة، وعليها الترقب والاحتفاظ بالنقد قدر الإمكان، بحيث لا تُطلق العنان لأي مشاريع جديدة إلّا في حالة الضرورة، والانتظار وتقييم الموقف لمدة لا تقل عن 6 أشهر، بعد استلام الرئيس المثير للجدل للحكم وانتظار قراراته.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

FP: لماذا يعتبر انتخاب ترامب خبرا مفرحا بالنسبة إلى السيسي؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرا، أعدّته نسوموت غابادموسي، قالت فيه إنّ: "رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، سوف يستفيد من انتخاب دونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يصبح مرة أخرى ديكتاتوره المفضل".

وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن "ترامب لم يول اهتماما كبيرا لقارة أفريقيا في ولايته الأولى. ومع ذلك، هناك رابحون وخاسرون أفارقة، واضحون الآن، بعد أن أصبح على استعداد للعودة إلى الرئاسة". 

وتابع: "تعد جنوب أفريقيا وكينيا من بين الدول التي تشعر بالقلق إزاء العلاقات المتدهورة المحتملة، على عكس نيجيريا وأوغندا والمغرب ومصر، التي تتوقع زيادة التجارة وصفقات الأسلحة، بدون تلقي محاضرات عن حقوق الإنسان".

وبحسب التقرير: "كان السيسي من بين أول زعماء العالم الذين هنأوا ترامب على فوزه، حتى قبل أن تعلن وكالة أسوشيتد برس عن الانتخابات، في صباح يوم 6  تشرين الثاني/ نوفمبر".  

"نشر السيسي منشورا على مواقع التواصل الإجتماعي جاء فيه: "نتطلع إلى تحقيق السلام معا والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي". ولاحقا في مساء ذلك اليوم، اتّصل السيسي بترامب وقدم له المزيد من التهاني" وفقا للتقرير نفسه.

وأردف: "إن كلا الزعيمين يحترمان سياسة الرجل القوي. وأثار ترامب الجدل خلال ولايته الأولى عندما نادى بصوت عال في 2019: أين ديكتاتوري المفضل؟؛ بينما كان ينتظر وصول السيسي إلى اجتماع خلال قمة مجموعة السبع، التي عقدت في فرنسا؛ في ذلك الوقت، أشاد ترامب بالسيسي لكونه "رجلا قويا جدا" وأضاف: "لقد فهمنا بعضنا البعض جيدا". 


واسترسل التقرير: "كانت مصر سابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم من عام 2019 إلى عام 2023، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. استوردت القاهرة العديد من تلك الأسلحة من الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب، ولكن في السنوات الأخيرة، استوردت المزيد من روسيا وإيطاليا وألمانيا".

وأبرز: "تعرضت مصر لتدقيق كبير واتهامات بمحاولات التأثير على السياسة الأمريكية. فيما ذكر تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أن نظام السيسي عرض على ترامب 10 ملايين دولار لتعزيز حملته الرئاسية لعام 2016".

ووفق التقرير ذاته، "دعا بايدن إلى: "عدم منح المزيد من الشيكات الفارغة لـ"الديكتاتور المفضل" لترامب" خلال حملته الانتخابية في عام 2020. كما جمّد بعض أموال المساعدات في أيلول/ سبتمبر الماضي بسبب سجل مصر في مجال حقوق الإنسان".

وأردفت: "دور مصر كوسيط بين إسرائيل وحماس على مدار العام الماضي عزّز أهميتها كحليف للولايات المتحدة، مما دفع واشنطن إلى تجاهل النظام الاستبدادي للسيسي، حيث منحت القاهرة 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية هذا العام. وهناك الآلاف من السجناء السياسيين في مصر، بما في ذلك مواطنون أمريكيون، وفقا لتقرير وزارة الخارجية لعام 2023 عن البلاد".

وقالت وزارة الخارجية في أيلول/ سبتمبر الماضي إنّ: "واشنطن تدير حوارا صارما مع الحكومة المصرية بشأن إجراء تغييرات ملموسة لحقوق الإنسان والتي تعد حاسمة للحفاظ على أقوى شراكة ممكنة بين الولايات المتحدة ومصر".


وفي عهد ترامب، لا يمكن لمصر أن تتوقع مثل هذه التوبيخات بشأن حقوق الإنسان. من خلال التركيز على اتفاقيات -إبراهام- كمحرك رئيسي للسياسة الخارجية في المنطقة، يمكن لترامب أن يمنح مصر عن غير قصد حرية التصرف لتعزيز دورها كلاعب مهم في الجغرافيا السياسية في القرن الأفريقي. 

وتدعم مصر عسكريا ما يوصف بـ"مظالم" الصومال وإريتريا ضد إثيوبيا. كما تدعم الجيش السوداني وحربه ضد قوات الدعم السريع. ويأمل المسؤولون المصريون أن يؤدي أسلوب ترامب إلى نهاية حاسمة لحروب الاحتلال الإسرائيلي على غزة ولبنان، والتي أدت خلالها هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر إلى انخفاض مستوى الملاحة الدولية عبر قناة السويس وألحقت ضررا بالاقتصاد المصري.

مقالات مشابهة

  • هل تتغير خارطة العملات الرقمية في الاقتصاد العالمي بعد عودة ترامب مجددا للبيت الأبيض؟
  • خبير: الاقتصاد العالمي يشهد حالة من الهدوء بعد فوز ترامب
  • FP: لماذا يعتبر انتخاب ترامب خبرا مفرحا بالنسبة إلى السيسي؟
  • بعيون مليئة بالترقب..مليون مهاجر في الولايات المتحدة ينظرون إلى "حماية مؤقتة" قد ينسفها الرئيس ترامب
  • مسؤولة بريطانية: انتخاب ترامب يعزز مخاطر التضخم والحرب التجارية
  • بنك إنجلترا: انتخاب ترامب يعزز مخاطر التضخم
  • سلام وسع لقاءاته في واشنطن وبحث في تعزيز التعاون الاقتصادي والمشاركة في إعادة الاعمار
  • بينها يخص الاقتصاد العالمي.. 5 زلازل متوقعة في عهد ترامب الثاني
  • الرئيس الأمريكي الجديد وإيران وأوروبا.. معضلة طهران الدبلوماسية.. وهل يمكن أن يؤدي الاتفاق مع ترامب إلى التغيير؟