قالت وكالة بلومبيرغ إنه وفي ظل التراجع الملحوظ للدعم الأميركي والأوروبي لاقتصادات أميركا الجنوبية، أصبحت الصين الوجهة الاقتصادية الأكثر جذبًا للمنطقة، حيث استثمرت بكثافة في مشاريع البنية التحتية والتجارة لتعزيز وجودها.

وكشف تقرير حديث نشرته الوكالة عن تفاصيل هذه الديناميكية المتغيرة، مشيرًا إلى دور الصين المتزايد في تحويل مسار التجارة والتنمية الاقتصادية في القارة الجنوبية.

يأتي هذا التحول الإستراتيجي في وقت يتبنى فيه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سياسات حمائية تهدد التبادل التجاري العالمي، مما دفع دول المنطقة إلى إعادة التفكير في شراكاتها الاقتصادية التقليدية.

مشروعات عملاقة

وأثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى بيرو للمشاركة في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (آبيك) (APEC)، افتتح ميناء تشانكاي الحديث بقيمة استثمارية تبلغ 1.3 مليار دولار.

الصين أصبحت الشريك التجاري الأول للبرازيل متفوقة على الولايات المتحدة منذ عام 2009 (غيتي)

وتقول بلومبيرغ إن هذا الميناء يعد مثالًا للتكنولوجيا المتطورة التي تفتقر إليها الموانئ الأميركية، حيث يهدف إلى تقليص أوقات الشحن بنسبة كبيرة عبر توفير خط مباشر مع شنغهاي، مما يقلل تكاليف اللوجستيات بشكل كبير.

وفي البرازيل، تسعى الصين إلى إنشاء شبكة متكاملة من الطرق والسكك الحديدية التي يمكن أن تقلل زمن شحن السلع إلى الصين بمقدار 10 إلى 12 يومًا.

هذه المشروعات -وفق بلومبيرغ- تهدف إلى دعم التجارة الثنائية التي شهدت نموًا هائلًا على مدار العقد الماضي، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للبرازيل متفوقة على الولايات المتحدة منذ عام 2009.

وفي ولاية باهيا بالبرازيل، تعمل شركة "بي واي دي" الصينية على تحويل مصنع سيارات قديم تابع لشركة فورد إلى منشأة متطورة لإنتاج السيارات الكهربائية، وفق الوكالة.

ويُتوقع أن تلعب هذه الخطوة دورًا رئيسيًا في دعم التحول نحو التكنولوجيا النظيفة، وتعكس إستراتيجية الصين لتوسيع نفوذها في قطاع السيارات بالمنطقة.

الصين تعزز العولمة

وفي مواجهة تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 20% على الواردات من جميع الدول، تعمل الصين على تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الجنوب العالمي.

وقال الرئيس الصيني أثناء زيارته: "تقسيم عالم مترابط هو خطوة إلى الوراء في التاريخ"، مؤكدًا التزام بكين بفتح أبوابها أمام التجارة الدولية.

تأتي هذه التصريحات في ظل سياسات ترامب الحمائية التي تعزز المخاوف من تراجع التجارة العالمية، مما يدفع دول جنوب أميركا إلى البحث عن شركاء أكثر استقرارًا، مثل الصين. ووفقًا لما ذكرته بلومبيرغ، فإن هذه التحولات تشير إلى تحول كبير في توجهات المنطقة الاقتصادية.

ميناء تشانكاي الصيني المفتتح حديثا في بيرو يعد مثالا للتكنولوجيا المتطورة التي تفتقر إليها الموانئ الأميركية (رويترز)

وتتجاوز بلومبيرغ البرازيل للحديث عن الأرجنتين، فعلى الرغم من تصريحات الرئيس الأرجنتيني اليميني الجديد خافيير ميلي، الذي وصف الصين بأنها "قاتل"، فإن الواقع الاقتصادي أجبره على تعزيز العلاقات التجارية مع بكين.

وفي خطوة لافتة، بدأت الأرجنتين هذا العام تصدير الذرة إلى الصين لأول مرة منذ 15 عامًا. ولم تُلغ الحكومة الأرجنتينية حتى الآن عقد الإيجار الصيني لمدة 50 عامًا لمحطة فضائية في باتاغونيا، وهي منشأة أثارت مخاوف أمنية لدى الولايات المتحدة.

تحديات مرتبطة بالاستثمارات الصينية

ورغم أن الاستثمارات الصينية تعزز البنية التحتية في دول أميركا الجنوبية، فإنها تأتي مع تحديات ملحوظة.

في الإكوادور على سبيل المثال، تسبب خلل في محطة كهرومائية تم إنشاؤها بتمويل صيني في انقطاع واسع للكهرباء، مما أثار تساؤلات حول جودة واستدامة هذه المشروعات.

وأشار تقرير بلومبيرغ إلى أن بعض المشروعات الصينية في الدول النامية تواجه مشكلات الديون أو تفشل في تحقيق الأهداف المرجوة، وهو ما يثير المخاوف بشأن الاعتماد الكبير على التمويل الصيني.

أبعاد جيوسياسية

ومن المتوقع أن تؤدي استثمارات الصين في أميركا الجنوبية إلى تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي، خاصة مع تركيزها على تطوير البنية التحتية والمشروعات الضخمة.

وفي هذا السياق، قال فيليبي هيرنانديز، المحلل الاقتصادي في بلومبيرغ: "الصين أصبحت شريكًا رئيسيًا لدول مثل البرازيل والأرجنتين، لكن المكسيك ستواجه ضغوطًا أميركية لتقليل اعتمادها على بكين".

لكن ومع انشغال أوروبا بأزماتها الأمنية والسياسية وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، تبدو الصين الشريك الأكثر جاذبية لدول القارة الجنوبية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة أمیرکا الجنوبیة

إقرأ أيضاً:

واشنطن تدعو لمحاسبة إيران وتتهمها بالوقوف خلف هجمات الحوثيين التي صارت "أكثر تعقيدا"

دعت الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم الأربعاء، لمحاسبة إيران التي تتهمها بالوقوف خلف الهجمات الصاروخية للحوثيين على الملاحة الدولية وإسرائيل والتي وصفتها بأنها صارت "أكثر تعقيدا".

 

وقالت نائبة الممثل الدائم لأمريكا لدى الأمم المتحدة السفيرة دوروثي شيا، في كلمة لها أمام مجلس الأمن: "حان الوقت للرد على التهديد الحوثي المتزايد من خلال محاسبة إيران على تمكين الحوثيين من شن هجمات صاروخية بعيدة المدى على الشحن الدولي وعلى إسرائيل وهي هجمات ندينها بشدة".

 

وأضافت: "يستمر الوضع في التدهور. ففي الأيام الأخيرة، وسع الحوثيون حملتهم لاحتجاز اليمنيين الأبرياء، مستهدفين المزيد من موظفي السفارة السابقين الذين يحاولون ببساطة القيام بوظائفهم".

 

وأوضحت أن جماعة الحوثي تواصل "احتجاز موظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين والمنظمات غير الحكومية الذين اعتقلوهم خلال الصيف، بالإضافة إلى طاقم السفينة جالاكسي ليدر - الذين أصبحوا الآن رهائن بحكم الأمر الواقع منذ أكثر من عام".

 

وأردفت السفيرة الأمريكية: "قبل بضعة أسابيع فقط، سمعنا رواية مباشرة من أحد مقدمي التقارير الذي وصف التفاصيل المروعة لاختطافه واحتجازه غير المبرر من قبل الحوثيين. لقد تحدث نيابة عن كل أولئك الذين يقبعون حاليًا في سجون الحوثيين، غير قادرين على رؤية أحبائهم ويتعرضون لانتهاكات مروعة".

 

وأشارت إلى إنهاء خبراء الإنقاذ للتو عملهم "على متن السفينة سونيون، بعد أشهر من هجوم الحوثيين الذي ترك تلك السفينة طافية ومشتعلة، مليئة بملايين البراميل من النفط".

 

وخاطبت المندوبة الأمريكية أعضاء مجلس الأمن بالقول: "إن هذا يتركنا أمام سؤال لا مفر منه: هل سيستمر هذا المجلس في الوقوف مكتوف الأيدي في خضم مثل هذه التصعيدات؟ لا يمكننا ببساطة أن نوجه المزيد من الدعوات التي يتم تجاهلها".

 

وفي سياق الحديث عن الهجمات الحوثية على إسرائيل والملاحة الدولية، أرجعت السبب لدعوة واشنطن لإعادة "صياغة الصياغة التي تتطلب أن تتضمن التقارير الدورية التي يقدمها الأمين العام إلى هذا المجلس معلومات عن توفير الأسلحة المتقدمة المستخدمة في الهجمات التي أصبحت أكثر تعقيدا".

 

وطالبت المجلس، بـ "إتخاذ إجراءات لحرمان الحوثيين من الإيرادات غير المشروعة التي تستخدمها لتمويل هجماتهم، والاعتراف بالعلاقة المتنامية بين الحوثيين والجماعات الإرهابية الأخرى مثل حركة الشباب، بما في ذلك من خلال استخدام العقوبات المستهدفة".

 

وشددت على ضرورة توقف هجمات الحوثيين حتى يتمكن اليمن من تجنب أسوأ السيناريوهات. مؤكدة أن الحوثيين "هم العائق الرئيسي أمام المزيد من الدعم الدولي ويعرضون إمكانية السلام في اليمن للخطر".

 

وأوضحت أن واشنطن تواصل العمل من أجل "عملية سياسية يمنية داخلية بقيادة الأمم المتحدة تهدف إلى إنهاء الصراع في اليمن".

 

ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تواصل اتخاذ إجراءات ردًا على تهديدات الحوثيين، مشيرة إلى أنه وفي "الثامن من يناير/كانون الثاني، نفذت القوات المسلحة الأميركية ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة للحوثيين تستخدمان لشن هجمات ضد السفن الحربية والسفن التجارية التابعة للبحرية الأميركية".

 

ودافعت عن الإتهامات الروسية لأمريكا بخصوص الغارات الأمريكية في اليمن، حيث قالت: "وعلى الرغم مما تقوله روسيا عن هذه الإجراءات وغيرها من الإجراءات السابقة، فإن الحقيقة هي أن هذه الضربات كانت متسقة مع القانون الدولي، وتم اتخاذها في ممارسة الحق الأصيل للولايات المتحدة في الدفاع عن النفس".

 

وتطرقت للمعاناة المستمرة التي يعيشها اليمنيون، بسبب العراقيل التي يفرضها الحوثيون وتقييد وصول المساعدات الإنسانية، خصوصا "الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي وغير ذلك من التحديات المذهلة"، مؤكدة أن نصف اليمنيين لا يزالون في حاجة إلى مساعدات إنسانية.

 

وجددت المندوبة الأمريكية، تعهدها بمواصلة بلادها دعم عمل الأمم المتحدة وشركاء واشنطن في المجال الإنساني الذين يقدمون المساعدات الحيوية في مجالات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية للشعب اليمني، مشددة على بذل "المزيد من الجهود الجماعية لدعم الاستجابة الإنسانية في اليمن".

 

ودعت الولايات المتحدة المجتمع الدولي إلى تقديم المزيد من الدعم المالي للتخفيف من الأزمة الإنسانية المروعة في اليمن، وممارسة الضغوط "على الحوثيين لضمان قدرة المنظمات الإنسانية على العمل دون عوائق، ودون تدخل الحوثيين أو تهديداتهم باحتجاز موظفيها".

 

كما دعت "إلى دعم تعزيز الحكم الفعال خلال زيارة رئيس الوزراء اليمني والوفد المرافق له إلى نيويورك الأسبوع المقبل".


مقالات مشابهة

  • الرئيس الصيني يرسل مبعوثاً لحضور حفل تنصيب ترامب
  • نائب الرئيس الصيني وشخصيات يمينية أوروبية تحضر حفل تنصيب ترامب
  • بلومبيرغ تفكك التأثير الاقتصادي الحقيقي للمهاجرين في أميركا
  • الصين تتطلع إلى إعادة الإعمار في غزة
  • واشنطن تدعو لمحاسبة إيران وتتهمها بالوقوف خلف هجمات الحوثيين التي صارت "أكثر تعقيدا"
  • رئيس وزراء الصين: مستعد للسفر إلى اليابان وعقد قمة ثلاثية مع كوريا الجنوبية
  • الرئيس الصيني يؤكد دعم بلاده لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي
  • كوريا الجنوبية تدين إطلاق جارتها الشمالية صواريخ قصيرة المدى.. حذرت من رد ساحق
  • الصين تناقش خيار بيع تيك توك أميركا إلى إيلون ماسك
  • الصين تدرس بيع “تيك توك أميركا” لإيلون ماسك تفادياً لحظره