جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-17@16:47:08 GMT

حدود الحرية في قانون الإعلام الجديد!

تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT

حدود الحرية في قانون الإعلام الجديد!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

أثمن وأغلى ما في هذه الحياة هي حرية التعبير التي تعد مقياسًا حقيقيًا للعلاقات السليمة بين السُلطة الحاكمة في أي بلد والفرد أو المجتمع الذي يعيش في كنف تلك السلطة التي تُشرِّع له القوانين وتُنظِّم له مختلف أوجه الحياة؛ كالحقوق المدنية التي يجب أن يكتسبها ويتعرف عليها، وكذلك الواجبات المُلزمة والحدود التي يجب أن يُدركها الجميع من الرعية نحو الوطن، والتي تُشكِّل من وجهة نظر الحكومة "الخطوط الحمراء" التي لا يجب أن يتجاوزها المواطن الصالح، حتى وإن كان المجتمع يمثل الحلقة الضعيفة على وجه الخصوص في المجتمعات التي يُعتقد بأنها غير قادرة على التفريق بين الحق والباطل، وبالتالي تقوم الحكومات بالتصرف نيابة عن الشعب.

وإذا كان حديثنا الذي بدأ بحرية التعبير الذي هو اشمل واعم من الحريات الأخرى التي تعد فروعًا لها، فإن التركيزهنا سوف يتمحور حول حرية الإعلام، وخاصة الصحافة التي هي في الأساس رسول المظلومين وضمير الانسانية؛ لما تتحمله من مسؤوليات كبيرة عن تنوير الناس وتعريفهم بحقوقهم؛ بل في الوقوف أمام المتسلطين عبر التاريخ؛ فالصحفي الحر مثل الشمعة التي تحترق من اجل تُضيء الدروب المظلمة للجماهير. بدايةً بنضال الأوائل من المؤسسين الذين تزامن ظهورهم مع الصحافة في أوروبا أمثال جان جاك روسو مؤلف كتاب "العقد الاجتماعي" الذي يُعد من أهم كتاب عصر التنوير في فرنسا. ومن المؤسف حقًا أن نجد عددًا قليلًا من حكومات العالم لا يتجاوز عددها أصابع اليد الوحدة التي تحترم حرية الصحافة في هذا العالم المترامي الأطراف؛ فأكبر كذبة سمعتُها هي الزعم والافتراء بأن هناك سلطة رابعة اسمها الصحافة، خاصةً في المجتمعات النامية التي يُفترض أن يُراقب فيها الإعلام كل السُلطات، خاصة السلطة التنفيذية، فضلًا عن السلطتين التشريعية والقضائية. وفي حقيقة الأمر هناك صراع أبدي بين الحكومات والإعلام والأخير هو الضحية.

الفكرة التي اريد إيصلها للجميع عبر هذه السطور هي القوانين والأنظمة التي وُضِعَت لحماية الصحفي، والتي تستمد قوتها من الدساتير الموضوعة للأمم، وسرعان ما قد يتم تجاوزها عندما تشعر السلطات بأنها في خطرٍ يُهدد وجودها؛ فتجد الكل يتجاهل القوانين والتشريعات التي وُضِعت في وقت السلم والوئام.

فعلى سبيل المثال اضطترت بعض الحكومات في الشرق الأوسط في اعقاب "الربيع العربي" إلى إغلاق صحفها المشاغبة وتقييد حرية الصحفيين، دون النظر إلى نصوص قوانين الإعلام التي لا تُجيز مصادرة حرية الصحافة إلّا بأمر قضائي.

في المقابل، عرفت سلطنة عُمان عبر تاريخها 3 تشريعات تُنظِّم العلاقة بين الحكومة والإعلام، وإن كان القانون الأول الذي صدر في عام 1975 يتضمن 55 مادة، وقد مَنحت المادة رقم (9) من قانون المطبوعات والنشر لوزير الإعلام صلاحيات واسعة في إيقاف إصدار الصحف ومصادرتها دون الرجوع إلى أي سلطة قضائية، لكن لم يكن القانون الثاني الذي يحمل رقم (49/ 1984) والذي صدر في فترة الازهار الاقتصادي والاستقرار الأمني  للبلاد أفضل حالًا مما قبله، على الرغم من استمراره أكثر من 40 سنة.

لكن يجب الاعتراف بأنه خلال السنوات الأخيرة شهدت الصحافة العُمانية وكذلك الإعلام الإذاعي الخاص حريةً نسبيةً معقولةً لا تقل عن غيرها من دول الخليج العربية؛ بل أزعم أننا افضل حالًا من جيراننا في سقف الحرية، التي هي في واقع الأمر تعود بشكل كبير إلى الإرادة السياسية، وليس للقوانين المنظمة للإعلام فقط. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن جميع أمورنا على ما يرام؛ بل في الواقع هناك بعض المقالات وكذلك برامج إذاعية قد تم إيقافها خلال السنوات الماضية، رغم أن ذلك لم يتم إلّا على مستوى ضيق، وقد تكون هناك مُبرِّارات للرقابة الذاتية، وكذلك لمقص الرقيب من وجهة النظر الرسمية.

وقبل أسبوع، صدر قانون الإعلام الجديد بعد طول انتظار امتد لاربع عقود، وتضمن القانون 60 مادة، وحملت المادة رقم (3) العديد من النقاط المُهمة التي نتوقع منها- إذا ما تم تطبيقها بحسن النية من المسؤولين- أن يكون لها الأثر الطيب في حل مشكلة مُزمِنة تتمثل في الحق في الحصول على المعلومات من مصادرها، وتداولها بشكل مشروع، كما إن حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام قد أقرها القانون الجديد كحق مكتسب لا لبس فيه، وهذا تطور إيجابي كبير. والأهم من ذلك كله حق الصحفي الاستقصائي، الحفاظ على سرية مصادر المعلومات التي يحصل عليها، فقد نصت المادة (21) على أنه "لا يجوز إجبار الإعلامي على إفشاء مصادر أخباره أو معلوماته، وذلك دون الاخلال بمقتضيات الأمن الوطني، والدفاع عن الوطن".

وتزامنًا مع نشر القانون الجديد، تواصلتُ مع الزملاء رؤساء التحرير ومديري الإذاعات الخاصة الذين تربطني بهم علاقات عمل، واستطلعت وجهات نظرهم حول القانون، فكانت إجاباتهم موحدة ومختصرة في كلمتين مفادهما "غرامات ومحظورات". وبالفعل القانون لا يخلو من بعض التحديات؛ فالعقوبات أُفرِدَ لها 20% من مواد القانون ممثلة في 12 مادة من اجمالي 60 مادة، كذلك الارتفاع الكبير في الغرامات التي تصل إلى 200 ألف ريال عُماني كحد اقصى، وكذلك عقوبة السجن التي تمتد في بعض النصوص إلى 3 سنوات، وكل ذلك يُشكِّل قلقًا وهاجسًا للأسرة الإعلامية، نتيجة ما يمكن أن تتعرض له المؤسسات والإعلاميين من عقوبات رادعة.

والسؤال المطروح الآن: ماذا نتج عن عمل المشرعين في مجلس عُمان خلال المداولات الماضية؟ فقد استبشرنا خيرًا بالأخبار التي وردتنا من مجلس الشورى بعد مناقشة مشروع القانون، والمتمثلة في إلغاء النصوص المتعلقة بالسجن، ولكن سرعان ما تم عرقلة مشروع القنون في بوابة أخرى حسب التسريبات، ثم نسمع عن توافق بين المختصين في مجلس عُمان حول النصوص المختلف عليها. لكن ما حصل من تباين في الآراء حول التعديلات المقترحة على مشروع قانون الحماية الاجتماعية يبدو أنه حدث مع قانون الإعلام، الذي كُنَّا نطمح أن يخلو من العقوبات غير المبررة التي تؤثر بصورة غير إيجابية على مكانة سلطنة عُمان في المؤشرات والمحافل الدولية.

وفي الختام.. كنا نأمل أن تكون مسألة إيقاف المؤسسات الإعلامية- سواء مؤقتًا أو دائمًا- متروكة برُمتها للقضاء والمحاكم وليس للحكومة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جلسة "المحتوى الصحفي المأمول بين الحرية والمسؤولية" في نقابة الصحفيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عُقدت في نقابة الصحفيين اليوم الأحد، جلسة بعنوان "المحتوى الصحفي المأمول بين الحرية والمسؤولية"، بمشاركة عدد من أبرز الشخصيات الإعلامية والصحفية، على رأسهم الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، والكاتب ماجد منير، وأشرف مدبولي. 

تناولت الجلسة أبعاد التحديات التي تواجه الصحافة في ظل التحولات الرقمية والسياسية، وسبل تحقيق التوازن بين الحرية الصحفية والمسؤولية المهنية.

عبد الله السناوي

أكد  الكاتب الصحفي عبدالله السناوي أن الصحافة تواجه أزمة هوية في العصر الرقمي، حيث أصبحت مصادر المعلومات متعددة، مما يضع عبئًا إضافيًا على الصحفيين للبحث عن المصداقية والدقة. وشدد على أن "حرية الصحافة ليست ترفًا، بل ضرورة لتطوير المجتمع وضمان تدفق المعلومات بشفافية".

 وأضاف "السناوي" أن المسؤولية الصحفية لا تعني فرض قيود على الحرية، بل الالتزام بأخلاقيات المهنة لتجنب نشر الشائعات.

ماجد منير

تحدث منير عن دور الصحافة في تشكيل الوعي المجتمعي، وأشار إلى أن الصحفيين يجب أن يراعوا الأولويات الوطنية في معالجتهم للقضايا. 

وأكد أن "الحرية لا تعني الفوضى"، داعيًا الصحفيين إلى التركيز على القضايا التنموية والمساهمة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

أشرف مدبولي

ركز مدبولي على العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة وصناعة المحتوى الصحفي، مشيرًا إلى أن الإعلام التقليدي يجب أن يواكب الثورة الرقمية لضمان استمراريته. وأكد على أهمية تدريب الصحفيين على استخدام الأدوات الرقمية بشكل احترافي، قائلاً: "المستقبل للصحافة التي تفهم جمهورها وتستخدم التكنولوجيا لخدمته".

شهدت الجلسة تفاعلاً كبيرًا من الحضور، حيث تم طرح العديد من الأسئلة حول مستقبل الصحافة الورقية في ظل هيمنة الإعلام الرقمي، ودور المؤسسات الصحفية في حماية حقوق الصحفيين وسط الضغوط الاقتصادية. كما تم التطرق إلى القوانين المنظمة للعمل الصحفي، ودعا الحضور إلى تحديثها لتتناسب مع تطورات العصر.

توصيات الجلسة

تعزيز تدريب الصحفيين على تقنيات الصحافة الرقمية.

المطالبة بتحديث القوانين الصحفية لضمان مزيد من الحماية والاستقلالية.

التأكيد على أهمية الالتزام بالمهنية والمسؤولية في صناعة المحتوى.

تُعد هذه الجلسة خطوة مهمة نحو حوار بناء يهدف إلى تطوير الصحافة المصرية، مع الحفاظ على توازن بين الحرية والمسؤولية، بما يخدم المصلحة العامة.

وانطلقت أمس السبت فعاليات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين بحضور ومشاركة واسعة من المتخصصين والجمعية العمومية.

وفي وقت سابق أعلنت نقابة الصحفيين المصريين بالتنسيق مع الأمانة العامة للمؤتمر السادس للصحافة المصرية برنامج المؤتمر، الذي ينعقد خلال الفترة من 14 إلى 16 ديسمبر الحالي، ويشارك فيه نخبة واسعة من المتحدثين المصريين والعرب، وممثلو الاتحاد الدولي للصحفيين.

ويتضمن برنامج المؤتمر جلسات لأبرز القضايا والموضوعات الملحة، التي تهم الصحفيين المصريين، وأوضاع الصحافة المصرية، بالإضافة لإعلان نتائج الاستبيان الخاص بالمؤتمر، الذي شارك فيه أكثر من 1500 صحفي.

ودعت الأمانة العامة للمؤتمر جموع الصحفيين المصريين للمشاركة في المؤتمر، ومناقشة كل القضايا المتعلقة بمهنة الصحافة، وأوضاعها وتحدياتها للوصول لتوصيات معبرة عن الصحافة المصرية وأوضاع الصحفيين.  

مقالات مشابهة

  • وكيل نقل البرلمان: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يعالج تشوهات القانون الحالى
  • وزير المالية: قانون الاستثمار الجديد سينقل اليمن نقلة نوعية في البناء والتنمية
  • أمينة النقاش: لن يوجد تطوير لمهنة الصحافة بدون حرية
  • جلسة "المحتوى الصحفي المأمول بين الحرية والمسؤولية" في نقابة الصحفيين
  • جلسة حرية الصحافة بالصحفيين تناقش التدخلات التشريعية
  • مادونا تتحدّى.. تجاوزت حدود الحرية مع البابا فرنسيس
  • محمد الشافعي: الصحفي مثل الجندي الذي يقف على حدود البلاد
  • نجاد البرعي: سقف حرية الصحافة ارتفع خلال العامين الماضيين
  • عبدالفتاح الجبالي: حرية الصحافة تبدأ من تطوير الأوضاع المادية
  • شروط في عقد العمل يجب توافرها بمشروع القانون الجديد.. تفاصيل