54 عامًا من النهضة
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
تحتفل سلطنة عُمان هذه الأيام بالعيد الوطني الرابع والخمسين المجيد، وسط مؤشرات تنموية متصاعدة؛ حيث استطاعت أن تُحقق معدلات نمو قياسية، خاصة بعد الأزمة المالية التي أثَّرت على اقتصاد الدولة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبلغ مُعدل الدين مستويات لم يسبق أن وصل إليها، وهو ما شكل أزمة حقيقية واجهتها الحكومة وأثرت سلبًا على خطط التنمية لفترة محدودة، ولكن بفضل من الله وبالتخطيط السليم وجهود أبناء الوطن تخطت سلطنة عُمان هذه الأزمة.
لقد تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم وسط هذه الأزمة وبدايات جائحة "كوفيد-19" التي أصابت اقتصاد العالم بالشلل وهو ما زاد الطين بلة، وضاعف من تأثير الأزمة الاقتصادية، وقد يكون السيناريو الذي حدث هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي دولة تحاول التعافي من أزمتها ولا تملك وسائل كثيرة لتخطي هذا الوضع، ولكن- وكما عرف عن العُماني- فإنَّ الأزمات تزيده قوة ورباطة وعزيمة، والأزمات في تاريخ الأمم هي فرص لابتكار حلول مستدامة وتعلم الدروس للمستقبل.
وبالعودة إلى مسار خمس سنوات من عهد النهضة المتجددة وبقراءة سريعة للمؤشرات المالية المتحققة وخطة التعافي الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة بتوجيهات سامية من جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- نرى أن ما تحقق يعد مُعجزة بمعنى الكلمة، فمن وضعٍ بلغ فيه الدين العام إلى نسبة الناتج المحلي 67.9% في العام 2020 وهي نسبة كبيرة، إلى نسبة بلغت 34.5% في العام 2024، فإنَّ التحسن لم يكن وليد صدفة؛ بل تحقق بفضل سياسات ناجعة وخطط عمل حازمة ووعود مُخلصة بالعمل على خفض هذه النسبة.
وساهم انخفاض الدين العام في زيادة النمو الاقتصادي وتحسُّن المؤشرات المالية وارتفاع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان، كما إن ثقة المستثمرين الأجانب ارتفعت نتيجة تحسن هذه الأرقام؛ مما ساعد على جلب استثمارات أجنبية مباشرة، وتنفيذ مشاريع ذات قيمة عالية، وهو ما مكَّن من تحقيق نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب تحقيق فوائض في الميزانية العامة للدولة، عززت من حجم الإنفاق، وساهمت في تحقيق العديد من الأهداف، وقد وُجِّهَت هذه الفوائض المالية في عدة مجالات سوف نُعرِّج على بعضها.
إن أبرز ما وُجِّهَت إليه الفوائض المالية يتمثل في خفض الدين العام الخارجي، وبالتالي انخفاض بند خدمة الدين العام في الميزانية، فبعد أن بلغ الدين العام في العام 2020 نحو 21 مليار ريال انخفض إلى 14 مليار ريال في هذا العام، وهو انخفاض كبير جدًا، واقترب من نقطة التوازن المُستهدفة، كما وجهت الحكومة ما يقارب 750 مليون ريال لتعزيز الموازنة المرصودة للمشاريع التنموية في الخطة الخمسية العاشرة، ووجه ما يقرب من مليار و310 ملايين ريال لمنظومة الحماية الاجتماعية التي وضعتها الحكومة ضمن روية "عُمان 2040" والتي تهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه للمواطن.
ومن ضمن المجالات التي وجهت إليها الفوائض المالية المتحققة في الميزانية العامة للدولة تخصيص ما يصل إلى ملياري ريال لدعم السلع الأساسية والمنتجات النفطية وزيادة الإنفاق الإنمائي، وهذا دعم غير مباشر لتحسين النمو الاقتصادي وتحريك عجلته بشكل عام، كما كان للمحافظات نصيب من هذه الفوائض؛ حيث خصص ما مجموعه 220 مليون ريال لتنميتها وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعم التنمية جميع ربوع الوطن العزيز وينعم بها المواطن في كل جزء منه.
لم تتوقف الخطط على ماذكر أعلاه فقد شهدت الفترة الماضية من عمر النهضة المتجددة العديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تُساهم في تحقيق التنمية الشاملة على غرار مدينة السلطان هيثم ومصفاة الدقم والمدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية وإنشاء 7 مستشفيات واعتماد إنشاء 3 مستشفيات مرجعية و20 مدرسة جديدة ومجمع عُمان الثقافي، والعديد من المنجزات التي تحققت ومازالت تتحقق على أرض الوطن العزيز، وهذا الأمر ما كان ليُصبح حقيقة على أرض الواقع لولا التخطيط السليم من لدن القائد المفدى- حفظه الله- ورويته الحكيمة التي كانت هي الفيصل في هذا التحول التاريخي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حي الشيخ محي الدين يضج بالحياة في العشر الأخير من رمضان
دمشق-سانا
تتزاحم الأقدام هذه الأيام بحي الشيخ محي الدين في الصالحية بدمشق، ما بين من يسارع الخطى في استكمال إقامة صلاة التراويح في شهر رمضان، ومن يتسوق لشراء تجهيزات عيد الفطر، ومن يجتهد في عبادته ما بعد منتصف الليل وحتى الفجر.
الحي الذي لا ينام أبداً في شهر الصيام، فما إن يثبتُ القمر دخول رمضان حتى ينتفض الناس لإقامة صلاة التراويح، حسب ما أوضحه البائع مروان صباغ أبو علي لـ سانا، حيث تعج البسطات في سوق الجمعة فوراً ببضاعة تخص هذا الشهر فقط، كالناعم والمعروك وخبز حجارة القلعة والمشروبات الجاهزة كالعرقسوس والتمر هندي والليمون، وصور ومجسمات مدفع رمضان والمسحراتي والطربوش، هكذا لما قبل آذان المغرب بقليل لينتشر عددٌ من الأطفال بالسوق ويوزعون “صرة تمر” أو كأس لبن على المارة المتسارعين للحاق بالإفطار.
بيوت الله في الحي حسب ربة المنزل إيناس قاوقجي أم يزن، تميزت بحضور بعض العائلات التي عادت من الغربة وفي مخيلات أطفالها الكثير من قصص الشام وصلاة التراويح الخاصة برمضان، والتي تتنوع تفاصيل أدائها بين جامع وآخر، فجامع الشيخ محي الدين الذي يقرأ جزءاً كاملاً كل يوم، وجامع الجديد الذي يجعل المقرئين الشباب يشاركون في قراءة القرآن لكل ركعة، وجامع الحنابلة الذي يقيم صلاة الوتر ركعتين فركعة، وجامع أبو النور الذي يفصل بين ال٢٠ ركعة ب١٥ دقيقة موعظة دينية.
وما بين منازل الحي حديث آخر في هذا الشهر وفقاً لأم يزن، حيث لا تزال “السكبة” تدور بين الجيران، حتى أحياناً تكون على شكل إبريق عصير مصنوع في المنزل حسب إمكانيات كل عائلة، جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلفها النظام البائد على سوريا ككل.
ولفت الخياط عبد الرزاق نفيس أبو شاكر إلى أن الزينة الكثيرة لرمضان في الحي، وضحكات قلوب الناس، وغناء الأطفال لأناشيد الثورة، وازدياد التكبيرات والتهليلات التي تصدحُ بالمساجد بكل حرية، وصور أعلام سوريا، هي ما ميز الشيخ محي الدين هذا العام، فلم يعد يخشى المصلون والمعتكفون أعين المخابرات والأمن، كما ظهر الفرح جلياً في أدق تفاصيل الحياة هناك، وحتى في توزيع الحلويات والسكاكر على المصلين ابتهاجاً بالنصر على الطغيان والظلم.
وبالوقت نفسه ظهرت معالم الحزن والترحم على جميع الشهداء ومن فُقد أثره في معتقلات النظام البائد، وخاصةً من أبناء الحي، وذلك في دعاء القنوت وتوزيع وجبة إفطار ومصاحف وأوراد ذكر على أرواح الضحايا، وفقاً للحاجة أم طلال قباني.
لكن بركة أيام العمر في حي الشيخ محي الدين حسب ما وصف العم عبد الغني دلعو أبو علاء تتجلى في ليلة القدر، حيث تبقى أبواب المساجد مشرّعةً أمام الرجال والنساء والأطفال وفق برنامج محدد حتى بزوغ الفجر، فيما تزداد وتيرة توزيع الصدقات ووجبات الطعام وملابس العيد من الجمعيات وأصحاب الأيادي البيضاء وفي تكية الحي على الفقراء والمحتاجين قبل وقفة العيد، لنشر المحبة بين الجميع في سوريا الحرة.