شاهد فوق العادة.. الانتصار للبودكاست
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
اللافت فـي نتيجة جائزة السلطان قابوس للفنون فرع البرامج الإذاعية التي أُعلنتْ يوم الأربعاء الماضي، انتصار أعضاء لجنة التحكيم الثلاثة، لفنّ البودكاست الذي انتشر فـي أثيرنا الإعلامي فـي السنوات الأخيرة، ويبدو الأمر صادِمًا بعض الشيء (بالمعنى الإيجابي للصدمة طبعًا) إذا ما علمنا أن الثلاثة مذيعون مخضرمون، وذوو تجربة طويلة فـي العمل الإذاعي أمام الميكروفون وخلفه (علي الجابري مدير عام إذاعة سلطنة عُمان الأسبق، وحنان الكندية مديرة البرامج السابقة فـيها، أما عبدالرحمن البسيوني فهو رئيس شبكة صوت العرب المصرية حاليًّا)، وأقول إن الأمر صادِم لأن المرء سيتوقع للوهلة الأولى بمجرد رؤية هؤلاء الثلاثة فـي لجنة التحكيم أن يفوز برنامج إذاعي من البرامج التقليدية التي لَطالَما قدمها هؤلاء المحكِّمون فـي إذاعاتهم أو أشرفوا عليها بحكم المنصب.
تُنسَبُ إلى بعض الإذاعيين المخضرمين مقولة ذات مغزى مفادها أن أفضل مقدمي البرامج الإذاعية هم رواةُ قصص. إنهم يُدركون أن وراء كل بث فرصة لإثارة الخيال والتواصل مع التجربة الإنسانية. القصة هي التي تَشُدُّ المستمع إليك ، وتجعله متشوِّقًا دائما لمعرفة إجابة سؤال: «ماذا بعد؟ إلى أين تذهب الأمور؟» وأظن أن هذا هو بالذات سبب فوز بودكاست زميلنا الإذاعيّ الموهوب أحمد الكلباني بالجائزة، رغم أن أطول حلقة فـي برنامجه لا تتجاوز اثنتين وعشرين دقيقة، فـي حين كان ينافسه على الجائزة – عدا البرامج الإذاعية التقليدية - برامجُ بودكاست عديدة بعضها تجاوزت مدة حلقة واحدة فـيه خمس ساعات! وهذا يقودني لسؤال ثانٍ أصعب من الأول: لماذا تفوقت الدقائق على الساعات؟!
لمحاولة الإجابة عن السؤال سأقول إن أحمد الكلباني لم يكتفِ فـي «شاهد فوق العادة» بالاتكاء على صوته الإذاعي القويّ والمعبّر، الذي يُعدّ اليوم من أهم الأصوات الإذاعية فـي عُمان، بل جمع أيضًا فـي البودكاست الذي أَعَدَّه بنفسه كُلَّ مواهبه ومهاراته الأخرى التي اكتسبها عبر تجربته الحياتية. أُذكِّر هنا أن الكلباني شاعر موهوب، وقاص ذو لغة رفـيعة، وممثل مسرحيّ يجيد تقمص الشخصيات التي يؤديها، ومذيع متمكّن حقق خلال عشر سنوات فقط من عمله الإذاعي عدة جوائز عربية ومحلية، وهو أيضًا صاحب أداء مميز فـي قراءة الكتب الصوتية فـي منصة عين، فإذا ما أضفنا إلى هذا كله أن له رسالة إعلامية عميقة تجمع بين الثقافة والوعي وملامسة قضايا المجتمع، عرفنا لماذا يبدو اشتغاله الإذاعيّ مختلفا. فـي حواره مع الزميل هلال البادي فـي البرنامج الإذاعي «المشهد الثقافـي» بُعَيْد إعلان فوزه، عبّر أحمد عن إيمانه بأن الإعلامي «بإمكانه أن يعيد ابتكار المجتمع» من خلال ما يقدمه، وأن يؤثر عميقًا فـي أفكار الناس وسلوكياتهم، وفـي بنى الأجيال المتعاقبة، بل إنه يرسم أحيانًا الطريق للمستقبل.
جاء «شاهد فوق العادة» إذن انعكاسًا لطموحات الكلباني الإعلامية، وشغفه بالبحث عن التفاصيل الدقيقة، ومحاولة فهم المعاني العميقة وراء الظواهر والتجارب الإنسانية. مُقدِّمًا للمستمع وجبة دسمة عبر نصّ أدبي جميل، يتخلله حوارات درامية باللهجة العامية، ومعلومات شيقة، ومؤثرات صوتية أبدع فـي إخراجها المخرج المتمكّن أسعد الرئيسي. يُطِلّ «الشاهد» على وطنه – كما يحلو له أن يقول - ليختبر تجاربه، ويفكر فـيما يراه وما يشعر به، ويطرح تساؤلات تفتح آفاقًا جديدة للتفكير.
فـي حلقة «الخيال العُماني» يتحدث أحمد عن فائض الخيال الجامح فـي الذاكرة العُمانية، مُذكِّرًا أن الكثير من أساطيرنا رائع وفاتن، وأننا نسمع من جداتنا يوميًّا قصصًا وحكايات عن كائنات أسطورية أشد تشويقًا من هاري بوتر الذي يسافر فـي الزمن ويبهر العالم بسحره. وفـي حلقة «الحَرّ» يخبرنا أن حكاية المناخ شديد الحرارة فـي عُمان قديمة، مستشهِدًا بكلام عجيب كتبه المؤرخ عبدالرزاق السمرقندي، الذي زار عُمان قبل 600 عام، مفاده أن الحرارة الشديدة فـي قريات «تحرق الياقوت فـي المنجم، والنخاع فـي العظام، وتذيب السيوف فـي أغمادها، وتحول الأحجار الكريمة التي تزين مقابض الخناجر إلى فحم»، إلى درجة أنه – أي السمرقندي - اضطر إلى الهرب منها إلى صُور. أما فـي حلقة «الشاشة» فـينبهنا إلى هيمنة الشاشات علينا وتحكّمها فـي نمط حياتنا، ابتداء من شاشة التلفزيون وليس انتهاء بشاشة الهاتف النقال، مناقِشًا ضرورة ألا نكون مجرد مستقبِلين لما يُعرَض على هذه الشاشات، وإنما علينا أن نعمل على أن يكون لنا محتوانا الخاص بنا الذي يُشبهنا ونطمئنّ إليه.
تبدو خلال الحلقات الخمس المعروضة فـي منصة عين سعة اطلاع أحمد الكلباني، فلا تكاد تخلو واحدة من استشهادٍ بهذا الكتاب أو ذلك المقال، أو تلك العبارة البليغة. غير أن ما شَدَّني أكثر هو توظيفه لتجارب أدباء وكُتّاب وفنانين عُمانيين لإثراء موضوع الحلقة، بعضهم ظهر بصوته مثل الباحث خميس العدوي فـي حلقة «ني صلت»، ومخرج الأفلام الوثائقية علي البيماني فـي حلقة «الشاشة»، وبعضهم اكتفى أحمد بالاستشهاد بنصه الإبداعي، كما هي الحال فـي توظيفه قصيدة للشاعر عوض اللويهي فـي حلقة «الغاف»، ولقطة سردية من رواية «لا يُذكَرون فـي مجاز» للروائية هدى حمد فـي حلقة «الخيال العُماني».
وإذا كنتُ قد بدأتُ هذا المقال بالقول إن فوز برنامج بودكاست فـي مسابقة برامج إذاعية هو انتصار لهذا الفن، فإنني أختمه بالتأكيد أن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال حطًّا من شأن البرامج الإذاعية التقليدية (وأنا أحدُ مقدميها) التي أتصوّر أنه لن تستطيع أية فكرة أو موضة أو تقليعة جديدة زحزحتها عن مكانتها لدى المستمعين، كما لا يعني فوز بودكاست «شاهد فوق العادة» تحديدًا، والذي يعتمد على النصّ المكتوب فـي المقام الأول، تقليلًا من شأن أنواع أخرى من البودكاست تعتمد على الحوار بين المذيع والضيف، بل إن هذا النوع الثاني هو المنتشِر بكثافة فـي عُمان فـي الآونة الأخيرة، ويُبلِي بلاء حسنًا فـي تقديم محتوى إعلامي هادف، ولعل هذا الانتشار هو ما أتاح للجنة التحكيم الوقوف على العمل الذي قدمه الكلباني. وقد استشهد أحمد فـي إحدى حلقاته بعبارة آينشتاين البليغة: «أثمن ما فـي العالم هو الحدس أو الفكرةٌ اللامعة»، ومن هنا أستطيع القول إن «شاهد فوق العادة» قبض على هذه الفكرة اللامعة مستندًا إلى حدس مُعِدِّه ومقدمه، الذي آمن أن الاشتغال غير التقليدي هو ما يصنع الفرق فـي عالم المنافسة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البرامج الإذاعیة فـی حلقة الذی ی
إقرأ أيضاً:
عمل يجمع بين الكوميديا والواقع.. موعد عرض مسلسل ابن النادي الحلقة 7
حقق مسلسل ابن النادي تفاعلًا جماهيريًا واسعًا منذ انطلاقه، بفضل أحداثه المتصاعدة وأداء أبطاله المتميز، الذى جمع بين الكوميديا والواقع، ليحجز مكانه بين أنجح الأعمال التي تعرض حاليًا على منصة شاهد.
موعد عرض مسلسل ابن النادي الحلقة 7وتستعد منصة شاهد لعرض مسلسل ابن النادي الحلقة 7 اليوم الأربعاء الموافق 22 أكتوبر في تمام الساعة 11:59 مساء، وسيتم طرح الحلقة الثامنة معها، حيث أن منصة شاهد توفر حلقتين جديدتين من العمل أسبوعيا.
مسلسل ابن الناديوينتمي مسلسل ابن النادي لعالم المسلسلات القصيرة التي تعرض خارج الموسم الرمضاني «off season» حيث إنه مكون من 10 حلقات فقط بما يسمح للجمهور بمتابعة أحداث مكثفة.
أبطال مسلسل ابن النادييشارك في بطولة مسلسل ابن النادي مجموعة من النجوم، أبرزهم: الفنان أحمد فهمي في دور لاعب كرة قدم ضمن فريق نادي «الشعلة»، ويشاركه البطولة كل من: حاتم صلاح، سيد رجب، محمد لطفي، جلا هشام، وأحمد عبد الحميد، بالإضافة إلى النجمة سينتيا خليفة، والمسلسل من تأليف مهاب طارق، وإخراج كريم سعد، ومن إنتاج طارق الجنايني.
أحداث مسلسل ابن الناديتدور أحداث مسلسل ابن النادي في إطار كوميدي اجتماعي، ويُجسد أحمد فهمي خلال العمل شخصية «عمر»، الشاب الذي يرث ناديًا رياضيًا لكنه يرفض تولي منصب المدير، لينخرط في سلسلة من المفارقات الكوميدية مع أبطال العمل أحمد عبد الحميد وحاتم صلاح، أبرزها فقدانه لدرع الدوري في مشهد لافت ضمن البرومو، إذ يتناول العمل أجواء صراعية خفيفة تجمع بين اللاعبين والإداريين وسط مواقف طريفة، في إطار اجتماعي رياضي يحمل طابعًا ساخرًا.
ويضعه ذلك الميراث في مواجهة مسؤولية جسيمة لم يكن مستعدًا لها، ليصبح المسؤول الأول عن النادي وما يترتب على ذلك من تحديات يومية ومواقف معقدة تمزج بين الكوميديا والدراما.
اقرأ أيضاً«شاهد» تطرح البرومو التشويقي لمسلسل «ابن النادي» لـ أحمد فهمي
أحمد فهمي يعيش مواقف معقدة.. موعد عرض مسلسل ابن النادي الحلقة 7
بطولة أحمد فهمي.. موعد مسلسل ابن النادي الحلقة 3 والقنوات الناقلة