أظهرت وسائلُ الإعلام مشاهدَ إطلاق سلطنة عُمان صاروخا يحمل أول قمر صناعي مسجّل باسمها؛ ليكون بمثابة القفزة التقنية في مسار التطوّر التقني وتعزيز موقع سلطنة عُمان في نطاق الفضاء والتنافس العالمي فيه. يأتي هذا المشروع الفريد من نوعه الذي أطلقته شركة «عدسة عُمان» ليستعرض الطموح العُماني الرامي إلى تحقيق الرؤى العلمية والتقنية بوسائلها المتقدمة، وليقود عُمان إلى مصاف الدول الساعية إلى تعزيز وجودها في الفضاء واستغلاله لخدمة مشروعات التنمية المستدامة، وليُعبّر عن الرؤية الوطنية المتطلعة نحو تحقيق إنجازات كبيرة في عالم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بُعد، وسبق هذه الخطوة توجّه سلطنة عُمان عبر جهازها الاستثماري في الاستثمار في شركة «Space X» الأمريكية التي يملكها الملياردير الأمريكي «أيلون ماسك» تأكيدا على وجود الإرادة العُمانية القوية في مواكبة التقدم العلمي وتفعيله في نطاق الاستثمار والبناء الاقتصادي والعلمي.

قبل أن نتناول القراءة العلمية والاقتصادية لهذا المشروع العُماني؛ فنحن بحاجة إلى تعريف موجز بهذا هذا القمر الصناعي العُماني الذي يحمل الاسم «OL-1»، وتحديد ملامحه العلمية والتقنية بوظائفها العامة؛ إذ يمتلك هذا القمر الصناعي تقنيات رقمية متعددة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستشعار المتطوّرة، وليعمل بمنزلة المنظومة الرقمية الذكية القادرة على جمع البيانات والصور وتحليلها في الوقت الفعلي والمباشر دون الحاجة إلى التدخل البشري نظرا إلى ارتباطه بأجهزة استشعار متقدمة وذكية تعمل على تصوير تفاصيل دقيقة للمظاهر الطبيعية والبنية التحتية لعموم المساحات الجغرافية في سلطنة عُمان.

بجانب ما يمكن أن تضيفه هذه الخطوة من تقدم عُماني في مجال علوم الفضاء؛ فإنها تعكس أيضا القدرات العُمانية في الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل متقدّم يتجاوز الأطر الوظيفية المألوفة؛ حيث تستطيع أجهزة الاستشعار المتصلة بالقمر الصناعي من جمع البيانات، ويأتي بعده دور أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر فعالية من النماذج التقليدية. يسهم حضور مثل هذه التقنيات المتقدمة في تقديم حلول مستدامة للتحديات البيئية والاقتصادية عبر توفير معلومات دقيقة تُسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على أسس علمية واقعية.

يتجاوز الطموح الذي يظهره هذا المشروع المظاهر التقليدية العلمية الفارغة من الغايات الوطنية المتعددة؛ فنجده يعكس الرؤية العُمانية الاستراتيجية المتعلقة برفد قدرتها على مراقبة مواردها الطبيعية وإدارة مشروعاتها التنموية، وفي مراقبة التغيرات المناخية والبيئية، ورصد الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، واتخاذ قرارات عملية استباقية للتقليل من تأثيراتها السلبية؛ فسيسهم تفعيل هذه الأنظمة التقنية في حماية البيئة وضمان استدامة الموارد الطبيعية الذي سيتلاءم بدوره مع «رؤية عُمان 2040» التي تضع التنمية المستدامة في صُلب أولوياتها.

كذلك يُمثّل هذا القمر الصناعي أداة فعّالة لدعم مشروعات التخطيط العمراني في السلطنة عن طريق توفير بيانات دقيقة تتعلق بالبنية التحتية وتوزيع المناطق الحضرية، ويُمكن للجهات المختصة التخطيط بشكل أفضل للمشروعات المستقبلية وتطوير المدن بما يواكب احتياجات السكان المتزايدة، ويمكن أن يساهم في رصد الأراضي الزراعية وتقويم مستويات خصوبتها مما يساعد في تحسين الإنتاج الزراعي ورفع معدلات استدامة الأمن الغذائي العُماني ورفع درجات الاكتفاء الذاتي؛ ليبرز هذا المشروع أبعادا علمية واقتصادية كبيرة.

في نطاق البحث العلمي والابتكار، يعزز هذا المشروع مسارات التعاون الدولي خصوصا مع شركات التقنية العالمية المتخصصة في علوم الفضاء؛ ليعكس الطموح العُماني والتزامه بتبني أحدث التقنيات والاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير الكفاءات الوطنية، وسيوفّر هذا التعاون فرصَ تبادلِ الخبرات والمعرفة وأدواتها؛ ليرفد الكفاءات العُمانية ويرفع من قدراتها على إدارة مشروعات الفضاء وتشغيلها. في الجانب الاقتصادي، وفق التجارب العالمية في إطلاق الأقمار الصناعية والنشاطات الفضائية؛ فإن هذا المشروع يمكن أن يسهم في رفد الاقتصاد الوطني واستدامته عبر عدة منطلقات منها تطوير صناعات جديدة وفتح مجالات استثمارية في قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة، و يمكن لهذه التطورات أن تقود إلى توفير فرص عمل جديدة غير معهودة سابقا مثل الصناعات الإلكترونية الدقيقة المعنية بأنظمة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التخصصات العلمية؛ فنأخذ مثلا ما نشرته الحكومة البريطانية في موقعها الرسمي أن نشاطات الفضاء ومحطاتها في المملكة المتحدة قادت إلى إيجاد فرص عمل جديدة في مناطق مثل اسكتلندا.

من الممكن أن تظهر بعض الآراء التي لا ترى ضرورة لهذه النشاطات، ولا ترى فيها ملامحَ اقتصادية واستثمارية مجدية، ولكن الإحصاءات الواقعية من تجارب بعض الدول أكدت واقعية البعد الاستثماري والمردود الاقتصادي في قطاع الفضاء؛ فنجد -مثلا- شركة «Rocket Lab» الأمريكية تؤكد حدوث زيادة في إيراداتها بنسبة تصل إلى 55٪ في ربعها الثالث لعام 2024م، وبلغت ما يقرب من 104.81 مليون دولار كما يُشير موقع «Investopedia». كذلك تظهر هذه الملامح المتعلقة بجدوى الاستثمار في مشروعات الفضاء في دول أخرى مثل الهند التي تعمل على تصنيع أقمار صناعية صغيرة بتكاليف معقولة تقودها إلى التمكّن من الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق إطلاق الأقمار الصناعية الذي يُتوقع أن تصل إلى 14.54 مليار دولار بحلول عام 2031م استنادا إلى ما نشره موقع «رويترز». تقودنا مثل هذه النماذج -التي لا أظن أنها كانت غائبة عن صنّاع القرار المعنيين بمشروعات الفضاء العُمانية- أننا لابد من تجاوز الأنماط التقليدية في نشاطاتنا الاقتصادية، وأن علينا أن نواكب التقدم العلمي ونتعلم من تجارب الدول الأخرى في تحويل المنظومات العلمية إلى مخرجات اقتصادية واعدة تحقق الاستدامة المطلوبة، ولا أجد في حاضرنا أفضل من مثل هذه النطاقات العلمية التي نحتاج أن نلمَّ بها ونفعّلها في اقتصاداتنا؛ فبجانب ما سبق أن ركّزنا على أهمية الاستثمار فيه مثل الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي؛ فإن مشروعات الفضاء تأتي في مرتبة عالية، وسيعزز النجاح فيها مسيرة اقتصادنا الرقمي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مشروعات الفضاء القمر الصناعی هذا المشروع الع مانیة الع مانی ع مانی

إقرأ أيضاً:

انطلاقة قوية لبرنامج «هي تقود» بجامعة حلوان لتعزيز دور الفتاة الجامعية في ريادة الأعمال


في خطوة جديدة تعكس اهتمام الدولة المصرية المتزايد بتمكين المرأة وتعزيز أدوارها القيادية في مختلف المجالات، انطلقت فعاليات برنامج "هي تقود للجامعات" بجامعة حلوان، في إطار التعاون البنّاء بين الجامعة والمجلس القومي للمرأة، وبالتنسيق مع مؤسسة شباب القادة، وذلك من خلال وحدة مناهضة العنف ضد المرأة التابعة لقطاع شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.

جاء تنفيذ البرنامج بالجامعة تحت رعاية  الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان،  الدكتور وليد السروجي، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وتنظيم وإشراف الدكتورة سماح ربيع، مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة وأستاذ الطب النفسي بكلية الطب.

وقد شهد التدريب مشاركة فعالة من الطالبات بمختلف كليات الجامعة، اللاتي حرصن على التفاعل والاستفادة من ورش العمل والأنشطة المقدمة.

وتضمن البرنامج جلسات تدريبية قدمتها الأستاذة روان دسوقي، مشرف برنامج "هي تقود للجامعات" بمؤسسة شباب القادة، والمدرب أيمن الشربيني من المؤسسة ذاتها، وركّزت على تنمية المهارات الأساسية لريادة الأعمال والعمل الحر، من خلال محتوى تدريبي شامل ضم موضوعات مثل إعداد خطة العمل، وإدارة المشروعات، والتسويق، والتمويل، وسبل جذب الاستثمارات.

كما تم تدريب الطالبات على كيفية تقديم أفكار مشروعاتهم بشكل احترافي، بإشراف مجموعة من الخبراء ورائدات الأعمال الناجحات في مجالات متعددة.
وأكد  الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، أن دعم وتمكين المرأة يأتي على رأس أولويات الجامعة، التي تسعى إلى توفير برامج تدريبية نوعية للطالبات، تسهم في تأهيلهم للقيادة والإبداع في المجتمع وسوق العمل.

وأوضح أن الجامعة حريصة على أن تكون منصة داعمة للفتيات، تفتح لهن آفاقًا جديدة في مجالات ريادة الأعمال والتنمية المجتمعية.

من جانبه، أشاد الدكتور وليد السروجي، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، بالجهود المبذولة في هذا البرنامج، مؤكدًا أن الجامعة ملتزمة بتقديم كل أشكال الدعم لتعزيز دور الطالبات وتمكينهم من خلال وحداتها ومبادراتها المجتمعية.

وأضاف أن هذا التدريب يمثل فرصة حقيقية لبناء قدرات الطالبات وربطهن بمنصات العمل الحر وريادة الأعمال.

كما شمل البرنامج تدريبًا متخصصًا في كيفية كتابة الملف التعريفي "السيرة الذاتية" للطالبات على منصات العمل الحر، بهدف مساعدتهم في إيجاد فرص عمل تتناسب مع تخصصاتهم العلمية، مع توزيع نموذج إلكتروني يُمكّن الطالبات من تقديم خطط مشاريع في مجال ريادة الأعمال ضمن آلية تقييم عملية تؤهلهم للاندماج في سوق العمل.

وتجسد مشاركة طالبات جامعة حلوان الواسعة في فعاليات البرنامج حجم التفاعل والإقبال على المبادرات التي تستهدف تمكين الفتاة الجامعية، وتنمية مهاراتها لتكون قادرة على قيادة المستقبل بثقة واقتدار.

مقالات مشابهة

  • انطلاقة قوية لبرنامج «هي تقود» بجامعة حلوان لتعزيز دور الفتاة الجامعية في ريادة الأعمال
  • كامل الوزير يبحث سبل تحقيق انطلاقة كبيرة في التكامل الصناعي بين مصر والسعودية
  • ​إليك 10 مهارات لتخطي المساقات الإلكترونية العلمية والمعرفية بسلاسة
  • رائد فضاء روسي يكشف عن توقعاته حول مشروع المحطة القمرية
  • أحمد موسى: مصر والكويت توقعان اتفاقيات سياسية واقتصادية مع توافق إقليمي شامل
  • ملفات حياتية واقتصادية أساسية بين الراعي وحيدر
  • برلماني: زيارة الرئيس السيسي للخليج تعكس انطلاقة جديدة للتكامل العربي
  • المنفي يبحث ملفات سياسية واقتصادية مع سفراء قطر وفرنسا والاتحاد الأوروبي
  • تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
  • القمر أم المريخ؟ صراع الأولويات يشتعل داخل أروقة ناسا