القمر الصناعي العُماني.. انطلاقة علمية واقتصادية واعدة
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
أظهرت وسائلُ الإعلام مشاهدَ إطلاق سلطنة عُمان صاروخا يحمل أول قمر صناعي مسجّل باسمها؛ ليكون بمثابة القفزة التقنية في مسار التطوّر التقني وتعزيز موقع سلطنة عُمان في نطاق الفضاء والتنافس العالمي فيه. يأتي هذا المشروع الفريد من نوعه الذي أطلقته شركة «عدسة عُمان» ليستعرض الطموح العُماني الرامي إلى تحقيق الرؤى العلمية والتقنية بوسائلها المتقدمة، وليقود عُمان إلى مصاف الدول الساعية إلى تعزيز وجودها في الفضاء واستغلاله لخدمة مشروعات التنمية المستدامة، وليُعبّر عن الرؤية الوطنية المتطلعة نحو تحقيق إنجازات كبيرة في عالم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بُعد، وسبق هذه الخطوة توجّه سلطنة عُمان عبر جهازها الاستثماري في الاستثمار في شركة «Space X» الأمريكية التي يملكها الملياردير الأمريكي «أيلون ماسك» تأكيدا على وجود الإرادة العُمانية القوية في مواكبة التقدم العلمي وتفعيله في نطاق الاستثمار والبناء الاقتصادي والعلمي.
بجانب ما يمكن أن تضيفه هذه الخطوة من تقدم عُماني في مجال علوم الفضاء؛ فإنها تعكس أيضا القدرات العُمانية في الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل متقدّم يتجاوز الأطر الوظيفية المألوفة؛ حيث تستطيع أجهزة الاستشعار المتصلة بالقمر الصناعي من جمع البيانات، ويأتي بعده دور أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر فعالية من النماذج التقليدية. يسهم حضور مثل هذه التقنيات المتقدمة في تقديم حلول مستدامة للتحديات البيئية والاقتصادية عبر توفير معلومات دقيقة تُسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على أسس علمية واقعية.
يتجاوز الطموح الذي يظهره هذا المشروع المظاهر التقليدية العلمية الفارغة من الغايات الوطنية المتعددة؛ فنجده يعكس الرؤية العُمانية الاستراتيجية المتعلقة برفد قدرتها على مراقبة مواردها الطبيعية وإدارة مشروعاتها التنموية، وفي مراقبة التغيرات المناخية والبيئية، ورصد الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، واتخاذ قرارات عملية استباقية للتقليل من تأثيراتها السلبية؛ فسيسهم تفعيل هذه الأنظمة التقنية في حماية البيئة وضمان استدامة الموارد الطبيعية الذي سيتلاءم بدوره مع «رؤية عُمان 2040» التي تضع التنمية المستدامة في صُلب أولوياتها.
كذلك يُمثّل هذا القمر الصناعي أداة فعّالة لدعم مشروعات التخطيط العمراني في السلطنة عن طريق توفير بيانات دقيقة تتعلق بالبنية التحتية وتوزيع المناطق الحضرية، ويُمكن للجهات المختصة التخطيط بشكل أفضل للمشروعات المستقبلية وتطوير المدن بما يواكب احتياجات السكان المتزايدة، ويمكن أن يساهم في رصد الأراضي الزراعية وتقويم مستويات خصوبتها مما يساعد في تحسين الإنتاج الزراعي ورفع معدلات استدامة الأمن الغذائي العُماني ورفع درجات الاكتفاء الذاتي؛ ليبرز هذا المشروع أبعادا علمية واقتصادية كبيرة.
في نطاق البحث العلمي والابتكار، يعزز هذا المشروع مسارات التعاون الدولي خصوصا مع شركات التقنية العالمية المتخصصة في علوم الفضاء؛ ليعكس الطموح العُماني والتزامه بتبني أحدث التقنيات والاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير الكفاءات الوطنية، وسيوفّر هذا التعاون فرصَ تبادلِ الخبرات والمعرفة وأدواتها؛ ليرفد الكفاءات العُمانية ويرفع من قدراتها على إدارة مشروعات الفضاء وتشغيلها. في الجانب الاقتصادي، وفق التجارب العالمية في إطلاق الأقمار الصناعية والنشاطات الفضائية؛ فإن هذا المشروع يمكن أن يسهم في رفد الاقتصاد الوطني واستدامته عبر عدة منطلقات منها تطوير صناعات جديدة وفتح مجالات استثمارية في قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة، و يمكن لهذه التطورات أن تقود إلى توفير فرص عمل جديدة غير معهودة سابقا مثل الصناعات الإلكترونية الدقيقة المعنية بأنظمة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التخصصات العلمية؛ فنأخذ مثلا ما نشرته الحكومة البريطانية في موقعها الرسمي أن نشاطات الفضاء ومحطاتها في المملكة المتحدة قادت إلى إيجاد فرص عمل جديدة في مناطق مثل اسكتلندا.
من الممكن أن تظهر بعض الآراء التي لا ترى ضرورة لهذه النشاطات، ولا ترى فيها ملامحَ اقتصادية واستثمارية مجدية، ولكن الإحصاءات الواقعية من تجارب بعض الدول أكدت واقعية البعد الاستثماري والمردود الاقتصادي في قطاع الفضاء؛ فنجد -مثلا- شركة «Rocket Lab» الأمريكية تؤكد حدوث زيادة في إيراداتها بنسبة تصل إلى 55٪ في ربعها الثالث لعام 2024م، وبلغت ما يقرب من 104.81 مليون دولار كما يُشير موقع «Investopedia». كذلك تظهر هذه الملامح المتعلقة بجدوى الاستثمار في مشروعات الفضاء في دول أخرى مثل الهند التي تعمل على تصنيع أقمار صناعية صغيرة بتكاليف معقولة تقودها إلى التمكّن من الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق إطلاق الأقمار الصناعية الذي يُتوقع أن تصل إلى 14.54 مليار دولار بحلول عام 2031م استنادا إلى ما نشره موقع «رويترز». تقودنا مثل هذه النماذج -التي لا أظن أنها كانت غائبة عن صنّاع القرار المعنيين بمشروعات الفضاء العُمانية- أننا لابد من تجاوز الأنماط التقليدية في نشاطاتنا الاقتصادية، وأن علينا أن نواكب التقدم العلمي ونتعلم من تجارب الدول الأخرى في تحويل المنظومات العلمية إلى مخرجات اقتصادية واعدة تحقق الاستدامة المطلوبة، ولا أجد في حاضرنا أفضل من مثل هذه النطاقات العلمية التي نحتاج أن نلمَّ بها ونفعّلها في اقتصاداتنا؛ فبجانب ما سبق أن ركّزنا على أهمية الاستثمار فيه مثل الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي؛ فإن مشروعات الفضاء تأتي في مرتبة عالية، وسيعزز النجاح فيها مسيرة اقتصادنا الرقمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مشروعات الفضاء القمر الصناعی هذا المشروع الع مانیة الع مانی ع مانی
إقرأ أيضاً:
الدخيري يشارك في الندوة العلمية حول تشجيع الزراعة المستدامة والزراعة العضوية في آسيا الوسطى
قدم البروفيسور إبراهيم آدم أحمد الدخيري، المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، مداخلة في الندوة العلمية حول تعزيز الزراعة المستدامة والزراعة العضوية في منطقة آسيا الوسطى، والتي عُقدت يوم 15 نوفمبر في جناح البنك الإسلامي للتنمية في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية (COP29)، المنعقد في العاصمة الأذربيجانية باكو، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر 2024.
وأكد في مداخلته على أهمية تبني الزراعة المستدامة كاستراتيجية رئيسية لتعزيز المرونة الاقتصادية والتنمية التجارية في آسيا الوسطى، مشيرًا إلى أوجه التشابه والتآزر بين جهود المنظمة العربية للتنمية الزراعية في الدول العربية وبرنامج TCCA+ الذي ينفذه البنك الإسلامي للتنمية في منطقة آسيا الوسطى. وأوضح أن كلا المبادرتين تسعيان إلى تحقيق أهداف مشتركة، تتمثل في تعزيز الأمن الغذائي، وتحسين كفاءة الموارد الطبيعية، ودعم الزراعة العضوية كوسيلة لتحقيق تنمية مستدامة.
كما استعرض البروفيسور الدخيري التحديات والعقبات التي تواجه نمو الزراعة المستدامة والزراعة العضوية في المنطقة، والتي تتضمن ضعف البنية التحتية، وشح الموارد المالية، وتأثيرات التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي. ودعا إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة هذه التحديات، مع التركيز على بناء القدرات المحلية، نقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتطوير سياسات داعمة لقطاع الزراعة.
وعلى هامش الندوة، أكد حرص المنظمة العربية للتنمية الزراعية على تبادل الخبرات مع الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، مشددا على أهمية توسيع الشراكات بين المنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار الجهود المشتركة لتعزيز التكامل بين الأقاليم المختلفة في مجالات الزراعة والتنمية الريفية، ودعم التحول نحو أنظمة زراعية مستدامة تساهم في الحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية العالمية.