لجريدة عمان:
2024-11-16@18:56:13 GMT

العرب أمام تحديات وجود!

تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT

لقد أشاع إعلامنا وساساتنا موجة هائلة من الترحيب والاحتفاء بمقدم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وقد راح الإعلام العربي يبشر بمقدم (السوبر مان) القادر على حل كل مشاكل العالم بما فيها القضية الفلسطينية، ولم نكلف أنفسنا إلى العودة لتجربة ترامب خلال الفترة التي حكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية (٢٠١٦-٢٠٢٠) ، فهو الرئيس الأمريكي الذي قرر نقل سفارة بلاده إلى القدس العربية، وهو الرئيس الذي زار إسرائيل ووقف أمام ما أسماه الإسرائيليون بحائط المبكى، وقد راح يمارس الطقوس الدينية اليهودية، وهو الرئيس الذي أعلن بكل بجاحة أن جغرافية إسرائيل تستحق أن تتوسع، جميعها رسائل توشي بأن ترامب يضع في مقدمة اهتماماته خلال الفترة القادمة أمن إسرائيل ومستقبلها، وقد لاحظنا تلك الزيارات المكوكية للساسة الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوعين الماضيين، وخصوصا وقد شاهدنا استقبال الرئيس الأمريكي بايدن لرئيس دولة إسرائيل (إسحاق هرتسوج)، والشعور بالامتنان للرئيس بايدن، وتصريحات الرئيس الإسرائيلي الذي أعلن صراحة بأن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن قد وقفت في وجه المناهضين للسامية.

لقد دعمت أمريكا إسرائيل طوال عام كامل بأحدث الأسلحة الفتاكة التي أحالت غزة إلى كومة من الأنقاض، استشهد على أثرها مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء ولم يجد بايدن حرجا من التصريح بأنه لا ينبغي أن تكون يهويا لكي تكون صهيونيا! طوال عام كامل من الدعم الأمريكي عسكريا وسياسيا وماليا لدرجة أن أمريكا لم تقدم طوال تاريخها دعما لأية دولة بقدر ما قدمت لإسرائيل خلال العام الماضي، وأعتقد أن هذا الدعم سيستمر وربما يزداد في ظل حكم الرئيس ترامب، فالمستقبل القريب ينبئ بسياسات أمريكية جديدة لاستكمال مشروع ترامب في المنطقة (الشرق الأوسط الجديد)، الذي لا نعرف ملامحه وإن كنا نعتقد أنه مشروع قائم على فكرة تتجاوز الجغرافيا، باقتطاع أراض واختراق حدود لا مكان فيها للدولة الفلسطينية التي يطالب بها العرب، وهو ما يُنذر بأن مستقبل الفلسطينيين قد أصبح على حافة الهاوية، ليس هذا فقط بل قد تكون الدول العربية المجاورة لإسرائيل جزءا من مشروع ترامب.

رغم كل هذا الخطر الذي يُنذر بمستقبل بائس لأوطاننا إلا أن ساستنا وحكامنا قد راحوا يجتمعون ويصدرون البيانات. التصريحات الخالية من أي محتوى، مجرد تصريحات اعتدنا عليها واعتاد عليها الإسرائيليون، الجديد هذه المرة أن القضية المحورية التي اعتبرناها قضيتنا المركزية لم تعد في أولويات سياستنا، بل أصبحت عبئا ثقيلا يود الجميع لو تم التخلص منه بأي ثمن، حتى ولو كان الثمن هو حق الفلسطينيين في العودة إلى بيوتهم وإقامة دولتهم في ظل حياة كريمة وإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل، وهو حلم لا نعرف ملامحه ولا تركيبته السكانية ولا أي مظهر من مظاهر استقلال الدولة الجديدة، وهو الحلم الذي يراود الساسة العرب، رغم أن ساسة أمريكا وإسرائيل لم يصرحوا ولو لمرة واحدة بعزمهم على قيام هذه الدولة البائسة التي يحلم بها الفلسطينيون.

انتشرت في الفضاءات العربية الترويج لمشروع الدولة الفلسطينية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧، لم يصاحب ذلك الحديث عن أية آلية لتنفيذ هذا الحلم، بما في ذلك المؤسسات العربية التي بشّرت بقيام هذه الدولة الوليدة، لكن السؤال: ماذا فعلنا من الدبلوماسية والضغط الاقتصادي والسياسي لكي تكون القضية حاضرة في أي مفاوضات أمريكية أو إسرائيلية؟ هل نملك من وسائل الضغط ما يحقق هذا الحلم؟ هل استطعنا توظيف ثرواتنا وبترولنا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية التي انفردت بمستقبل العالم كله؟

إذا كان الرئيس الأمريكي (ترامب) قد جعل قضية الصراع الروسي الأوكراني في مقدمة أولوياته في المرحلة القادمة والتضحية بحلم أوكرانيا في سبيل حسم هذا الصراع، إلا أنه لم يصرح أبدا خلال حملته الانتخابية عن عزمه على قيام الدولة الفلسطينية كوسيلة لحسم هذا الصراع التاريخي، ولا أعتقد أن الرجل لديه رؤية لإنهاء هذا الصراع بطريقة عادلة، بل ربما يُفرض على الفلسطينيين ما تقترحه إسرائيل وهو ما يفسر الزيارات المكوكية التي يقوم بها الساسة الإسرائيليون منذ الإعلان عن نجاح تراكب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بينما اكتفينا بالحديث عن أحلامنا وبحسم الصراع بما يحقق المصالح الفلسطينية، وهو حلم لم نسع لدفع ثمنه، مكتفين بالتهليل والترحيب بمقدم ترامب الذي يملك كل الحلول، في الوقت الذي يعلن فيه أن في مقدمة أولوياته عقب تسلمه مقاليد الحكم زيارة المملكة العربية السعودية، ولعلنا نتذكر زيارته للمملكة في بداية حكمه في الدورة السابقة وتصريحاته الفجة التي افتقدت إلى كل القيم الدبلوماسية والثمن الهائل الذي حصل عليه، لكن كل ذلك لم يقربنا من حل الصراع، وقد انتهت فترة حكمه لكي يدخل الصراع بعدها في أُتون دورة جديدة من حكم الرئيس بايدن الذي قدم لإسرائيل ما فاق كل الدعم الذي حصلت عليه طوال تاريخها.

السؤال الآخر: هل نملك رؤية متكاملة لحل الصراع؟ هل لدينا أوراق ضغط لم نستثمرها بعد؟ هل لدينا القدرة على تقديم تضحيات تتناسب وحجم الخطر الذي ينتظرنا؟ هل تخلصنا من أمراضنا وهزائمنا ونحن نواجه خطرا داهما لا يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية فقط، بل ربما يهدد الكثير من دولنا وأوطاننا؟ هل لدينا الشجاعة لكي نعترف بهزائمنا وأمراضنا؟ ألم يحن الوقت لكي نتدارس الأمر من كل جوانبه بعد أن يعكف الخبراء والساسة لإعداد مشروع نستطيع أن نقدمه إلى العالم؟ فليس من المعقول أن يكون مجرد الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧، بمثابة مشروع متكامل، بل الأمر يستوجب الحديث عن الحدود والاقتصاد وشكل الدولة من الناحية القانونية، وقضية اللاجئين والأمن، وجميعها قضايا معقدة لا يجوز أبدا أن نختزل كل هذا في الإعلان عن دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وإلا سوف يفاجئنا الإسرائيليون والأمريكان بإقحام قضايا تبدد كل حلم مرتقب في مشروع الدولة المقترح، وخصوصا وأن إسرائيل كما نتابع اليوم ليس في برنامجها الحديث عن أية حقوق للفلسطينيين، بل هي تسعى نحو المزيد من تحقيق طموحاتها المجنونة، دون أي اعتبار لحق الفلسطينيين، وأعتقد أن إسرائيل قد اقتربت كثيرا من استكمال حلمها، بعد أن جعلت من غزة وطنا بائسا يفتقد إلى كل مقومات الحياة في ظل غياب عربي وعالمي، وقد اكتفينا بمجرد تقديم معونات غذائية وصحية لكي يبقى المريض على قيد الحياة، انتظارا لموته إكلينيكيا.

هل يمكن للعرب أن يخرجوا من عالمهم الخاص لكي يخوضوا معركة سياسية واقتصادية ودبلوماسية من أجل ـــ لا أقول دفاعا عن حقوق الفلسطينيين وإنما دفاعا عن حقوقهم ومستقبل أوطانهم، وإلا فالمستقبل خطير يُنذر بضياع أوطان وحقوق شعوب أسلمت مقاليد أمورها إلى حكامها، نحن بجد أمام خطر داهم، بل نحن أمام تحديات وجود.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الرئیس الأمریکی الذی ی

إقرأ أيضاً:

أصعب تحديات ترامب

عاد دونالد ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض، في عودة ليست كأي عودة، وصفتها مجلة «نيوزويك» الأمريكية بأنها «أعظم عودة في تاريخ السياسة الأمريكية».

وفسرت ذلك بأنه «لم يتم انتخاب رئيس أمريكي لفترتين غير متتاليتين منذ «غروفر كليفلاند عام 1892»، وبأن ترامب حقق هذا الإنجاز «ليس من خلال استراتيجية حشد قاعدته الانتخابية فقط، بل وأيضاً من خلال توسيع الخريطة الانتخابية للحزب الجمهوري»، ما يعني أن فوز ترامب هذه المرة لم يجئ بأفضال القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب الجمهوري فقط، بل جاء بالأساس بفضل ترامب الذي وسّع القاعدة الانتخابية للحزب، بضم شرائح كثيرة من الناخبين الجدد للحزب الجمهوري، خاصة من الرجال من أصل إسباني أو الرجال السود، ودخول رموز مجتمعية جديدة، وقفت إلى جانب ترامب، ستضيف حتماً قوة جديدة للحزب الجمهوري، من أمثال إيلون ماسك، وروبرت ف. كنيدي (المنشق عن الحزب الديمقراطي) وتولسي جابارد وغيرهم.
الأمر الذي جعل ويليام بينيت يكتب على موقع «فوكس نيوز» متسائلاً: كيف غيّر ترامب الحزب الجمهوري؟
مثل هذه الآراء والأفكار، ترجح أن أهم تأثيرات وأدوار دونالد ترامب خلال السنوات الأربع القادمة التي سيحكم فيها الولايات المتحدة سوف تتركز على الداخل الأمريكي، وأن أي أداء لإدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية سيكون محصلة لنجاحات أو لفشل ترامب في إنجاز مشروعه السياسي المحوري الذي يلخصه شعاره الانتخابي «فلنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، وهو ذات الشعار الذي حملته الحركة السياسية التي يتزعمها ترامب، والتي جرى منها توليد مفهوم «الترامبية السياسية» التي بدأ الحديث عنها مجدداً بأنها «أضحت عقيدة سياسية» لترامب شخصياً ومن يلتفون حوله، وأولهم بالطبع نائبه الذي اختاره هذه المرة بعناية من بين عشرات الأشخاص الذين كانوا على قائمة الاختيار لهذا المنصب، وهو السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو جيمس ديفيد فانس، الذي يؤكد اختياره من جانب ترامب لهذا المنصب عزم ترامب ليس فقط على فرض «الترامبية السياسية» كقاعدة للحكم خلال السنوات الأربع القادمة، بل وعلى توريثها كعقيدة جديدة للحزب الجمهوري الذي بات خاضعاً تماماً لسيطرته.


وبفوز هذا السيناتور الشاب البالغ 39 عاماً بمنصب نائب الرئيس إلى جانب ترامب، فإنه من المرجح أن يكون الأوفر حظاً لخوض السباق الانتخابي الرئاسي الجديد عام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلا في عام 2037 إذا فاز مرتين بالرئاسة، وبذلك ضمن ترامب ل «الترامبية السياسية» عمراً سياسياً مديداً يصل إلى 12 عاماً كاملة يفترض أن تكون كافية لترسيخ مكانة «الترامبية السياسية» كأساس للحكم في واشنطن تحت شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، وعندها لن يكون هناك مجال جديد لوصف تلك «الترامبية السياسية» على أنها «مجرد ظاهرة صوتية» على نحو ما تردد في السنوات الأربع السابقة لحكم ترامب في البيت الأبيض (2016- 2020)، أو أنها مجرد «رد فعل غاضب» لمن ساءهم (خاصة من الأمريكيين بيض البشرة) انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة لمدة ثماني سنوات (2008 – 2016) بل ستفرض نفسها بقوة كأساس للحكم بعد الفوز الهائل الذي حققه ترامب هذه المرة يوم الثلاثاء الماضي (2024/11/5). فترامب لم يفز في هذه الانتخابات بالعدد الأكبر من الأصوات في «المجمع الانتخابي» فحسب، مثلما حدث في انتخابات عام 2016 التي تفوق فيها على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي خسرت الأصوات في المجمع الانتخابي رغم فوزها بالنصيب الأوفر من الأصوات على المستوى الشعبي، بل فاز أيضاً بالتصويت الشعبي (أي عدد أصوات الناخبين)، وإضافة إلى ذلك جاء فوزه كرئيس مقروناً باستعادة الحزب الجمهوري للأغلبية داخل مجلس الشيوخ، بحيث بات في مقدور ترامب أن يحكم مدعوماً من مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ).
رغم ذلك، سيبقى الاختبار صعباً أمام ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانس، وبالتحديد اختبار «جعل أمريكا عظيمة مجدداً». هل سيستطيع ترامب جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؟
الاختبار سيكون صعباً بمقاييس ترامب نفسه التي سبق أن أعلنها متحدياً إدارة غريمه الرئيس الحالي جو بايدن. فترامب هو الذي أعلنها صراحة أن «الولايات المتحدة أصبحت مزبلة العالم» نتيجة لعدم كفاءة الرئيس جو بايدن، وهو الذي تعهد ب «تحرير أمريكا المحتلة» من المهاجرين غير الشرعيين، واعتبر أن عودته إلى البيت الأبيض «ستكون تحريراً لأمريكا المحتلة»، وقال إن «أمريكا معروفة اليوم في كل أنحاء العالم بأنها أمريكا المحتلة.. نحن محتلون من جانب قوة إجرامية»، وهو الذي تعهد بأنه «سينتقم من كل معارضيه إذا وصل إلى الحكم»، خاصة الرئيس الحالي جو بايدن والقضاة وغيرهم من الخصوم السياسيين خاصة اليساريين والليبراليين.
هل سينجح ترامب في هذا الاختبار الصعب؟ وهل سيتركه الديمقراطيون ليفعل بهم ما يشاء، أم ستتمرد الولايات الديمقراطية، عندها يمكن أن تتحول «الترامبية السياسية» إلى «كابوس يهدد وحدة الولايات المتحدة»؟

مقالات مشابهة

  • فريق ميراث يواجه تحديات مثيرة بمدينة بورصة
  • عضو بـ«الشيوخ»: مصر تواجه تحديات كبيرة والشائعات لن تنال من عزيمة المواطنين
  • عزالدين: مصر تغلبت على تحديات الصناعة في عهد الرئيس السيسي
  • كاتب صحفي: مصر تغلبت على تحديات الصناعة في عهد الرئيس السيسي
  • أصعب تحديات ترامب
  • محمد الباز: جبهة الإعلام هي حائط صد أمام الشائعات التي يتم ترويجها ضد الدولة المصرية
  • أسباب وخفايا الصراع بين فرعي العائلة الملكية في قطر وقصة الجوهرة الماسية التي فجرت الخلافات
  • عاد شتاء آخر… تعرف على تحديات فصل البرد والأمطار التي يتوقع أن يواجهها أهل غزة؟
  • باحث في العلاقات الدولية لـ«الأسبوع»: «مايك هاكابي» ينفذ الأجندة الأمريكية التي تخدم إسرائيل