صلاح شعيب

الاختلافات التنظيمية التي خلقت استقطاباً حاداً داخل المؤتمر الوطني تتعلق بصراع مصالح قياداته أكثر من كونها تنم عن خلافات حول ما ينبغي أن يكون عليه العمل التنظيمي. ولم تكن الحرب هي العامل الأساس لبروز هذه الخلافات، وكذلك ما افرزته من اصطفافات الإسلاميين المناطقية. فأثناء فترة البشير لاحظنا التصدع الذي لحق ببنية التنظيم نتيجة لوصوله إلى الانغلاق السياسي التام بعد فشل تجربة أسلمة الدولة، وتحولها إلى ضيعة لتحالفات تستند على طفيليات اقتصادية عبر رباطات إقليمية.


ولما جاء السقوط المدوي للنظام الإسلاموي اكتملت دائرة تفتت المؤتمر الوطني إلى جماعات تتلاوم فيما بينها حول أسباب هذا السقوط الذي لم يتقبله الإسلاميون بسهولة، وشكل لهم ضربة سياسية، ونفسية، ما تزال تلقي بظلالها على كتاباتهم، وتصريحاتهم، وسياسة مجموعاتهم المتفرقة في التعامل مع المشهد السياسي.
وإذا كان المؤتمر الوطني يمثل جناحاً ضمن تشظي الحركة الإسلامية التي تفرقت أيدي سبا فإن جبهة الميثاق التي نشأت في الخمسينات ربما انتهت إلى نحو عشرة تنظيمات فرعية. كلُ طرف فيها يدعي أنه يمتلك الحق الأبلج، وأن الآخرين على خطأ فادح مبين. بل إن التخوين صار سمة لتصريحات بعضهم البعض لدرجة غير مسبوقة في تاريخ الإسلام السياسي السوداني.
الخلافات الجديدة للمؤتمر الوطني المنحل، والتي أبرزت أربعة أجنحة – أحمد هرون، كرتي، غندور، وإبراهيم محمود – لن تنتهي عند هذا الحد. فطبيعة المصالح الذاتية التي خرج بها قادة الحزب من الدولة ستفرض باستمرار الخلاف متى ما رأت هذه الأجنحة المتصارعة على هذه الجيفة الفكرية مساحة لإقصاء بعضها بعضاً من قيادة الإسلام السياسي في البلاد، ومن ثم الحفاظ على مصالح الجماعة بدلا عن المجموع.
البراجماتية التي تطبعت بها قيادات الموتمر الوطني، وهي أعلى درجات خيبة الربط بين السماء والأرض، تمثل نتيجة حتمية لتعزيز حفاظ هؤلاء القادة على نفوذهم السياسي والمالي، والسلطوي.
ففكرة تديين العمل السياسي في أصولها لا ترتطم – بالغ ما بلغت – إلا بحقيقة أن مجريات العمل السياسي غير ثابتة حتى تستوعبها حرفية النص الديني. وعندئذ يصبح الصراع بين المعتقد السلفي الثابت وفقاً لتفسيرات الإسلاميين وحراك السياسة المتحول هو العامل الأساس لتضارب مصالح هولاء القادة تحت وطأة الحالة السودانية الشديدة التعقيد.
وبرغم أننا لاحظنا محاولات التلفيقات الفقهية التي كان يعتمدها الإسلاميون في إطار ابتذالهم البراغماتية السياسية، ولكنها لم تستطع تحقيق نجاحات للإسلاميين في إثبات قدراتهم على تحقيق استقرار لتنظيمهم قبل الاستقرار في حيازة النجاح الحزبي. فنتيجة سقوط المشروع الحضاري أكدت عجزهم على تحقيق الاستقرار النسبي في احتكار الدولة، وقد قاد هذا التلفيق الفقهي، والذي وصفه أسامة بن بأنه خلط الجريمة بالدين لدى إسلاميي السودان، إلى تهديد وجود الكيان القطري.
والان عند اختلافهم في زمن الحرب تكسو عقول قادة الموتمر الوطني وعضويته غشاوة لا تبصرهم بأن السلطة الحزبية التي يصطرعون حولها بهذه الطريقة النفعية لا تسعف تمدد مستقبلهم، إن لم تنته حرب السودان بتلاشيه كوحدة جغرافية.
باختصار كل أطراف الحزب التي تتنازع الشرعية وسطها على حق ما دام يسهل للغاية تغليف الحراك المصلحي لكل طرف بصك الفقه. فالسياسي الذي يريد تحريك الدولة بناءً على مذهبيته مسلماً كان أم يهودياً أم مسيحياً لا يحتاج إلا إلى صب منفعته صباً عنيفا في الآي الحكيم والأحاديث النبوية، والتاريخ مليء بالشواهد سواء في عصور الإسلام الأولى أو في أواسطها أو حديثاً.
والعبرة من كل هذا أن صراع قادة الموتمر الوطني الأثرياء للحفاظ على مصالحهم الذاتية بقوة تنظيمهم المنحل يمثلون عينة دراسية خصبة لبوار فكرة تديين الدولة. ولكن في ذات الوقت ما يحير فعلاً هو مدى حرص كل طرف لينتصر على الآخر حتى يجني استثمار التنظيم في الحرب التي أوقد نارها.
في تاريخ الأمم تستشري الأفكار الاستبدادية بقوة دفع الدولة التي تتبناها، ولكنها تندثر آجلاً أم عاجلا لو أن مصالح النخب احتربت حول كيكة السلطة، أو النفوذ. وما نشاهده الآن في جبهة الموتمر الوطني نوع من بداية الاندثار لفاعلية حراك موثق في استخدام الدين كوسيلة للاستثمار في الجهل.

الوسومصلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صلاح شعيب المؤتمر الوطنی

إقرأ أيضاً:

المؤتمر الوطني الفلسطيني يواصل أعماله في الدوحة.. لسنا بديلا لأحد

تتواصل لليوم الثاني في العاصمة القطرية، الدوحة، أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني، بمشاركة نحو 400 شخصية من الضفة الغربية وقطاع غزة والجاليات الفلسطينية في الدول العربية والغربية.

ويناقش المؤتمر في يومه الثاني، الثلاثاء، تقارير متعددة عبر لجان متخصصة تشمل اللجنة السياسية، ولجنة خطة المئة يوم، ولجنة إعادة بناء منظمة التحرير، ولجنة دعم الصمود، ولجنة اللاجئين وحق العودة، واللجنة القانونية والتنظيمية. من المتوقع أن تقدم هذه اللجان توصيات وخططًا سينفذها المؤتمر بعد إقرارها، ثم يقرّ هياكله.

????يحدث الآن |

انعقاد الجلسة السادسة ضمن فعاليات #المؤتمر_الوطني_الفلسطيني، لعرض توصيات اللجان المتخصصة، ومناقشتها مع المشاركين، والتعديل عليها. pic.twitter.com/3aOlvQJVrl — المؤتمر الوطني الفلسطيني (@ncpalestine) February 18, 2025
جانب من فعاليات المؤتمر الوطني الفلسطيني، الذي بدأ أعماله في الدوحة اليوم الاثنين 17 فبراير 2025 ويستمر حتى يوم الأربعاء 19 فبراير 2025 وبحضور العديد من الشخصيات.#عرب_لندن#المؤتمر_الوطني_الفلسطيني pic.twitter.com/gDC6iWQ483 — Arab-London عرب لندن (@arablondon4) February 17, 2025
واختار المشاركون بالأغلبية المطلقة هيئة لرئاسة أعمال إدارة جلسات المؤتمر، تضم معين الطاهر رئيسًا، وبعضوية عوني المشني، وصابرين عبيد الله، وعدنان حميدان، وليلي فرسخ، وأحمد أبو النصر، وتنتهي مهمتها مع ختام أعمال المؤتمر يوم غدٍ الأربعاء.


واستمع المؤتمر الوطني الفلسطيني، الاثنين، في جلسات نقاشية مفتوحة، إلى آراء أعضائه حول الأوضاع الفلسطينية الراهنة وتطورات القضية وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية.

أكد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي في كلمته الافتتاحية أن المؤتمر يمثل مبادرة شعبية غير مسبوقة وحراكًا وحدويًا شعبيًا مستمرًا ومنظمًا ومتواصلًا للضغط من أجل تشكيل قيادة وطنية موحدة تقود النضال الوطني الفلسطيني، وتضمن وحدة القرار السياسي والكفاحي، وتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بنائها وتفعيلها على أسس كفاحية ديمقراطية لاستعادة دورها التحرري وحمايتها من محاولات التهميش والاحتواء والإضعاف.

أوضح البرغوثي أن المؤتمر ليس حزبًا ولا مؤسسة، ولا يسعى ليكون بديلاً لمنظمة التحرير، ويتقبل الآراء والتوجهات المتنوعة، ويكرس بنيانه لتشكيل قيادة وطنية موحدة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.


ممنوعون من السفر
منعت السلطة الفلسطينية نحو 33 من أعضاء المؤتمر الوطني الفلسطيني من السفر للمشاركة في فعالياته في الدوحة، وأعادت قوات الأمن بعضهم من أريحا ومنعتهم من المغادرة، كما هددت السلطة بعض المشاركين في المؤتمر بالاعتقال والفصل من العمل وإيقاف الرواتب عند عودتهم.
أسماء 33 فلسطينياً منعتهم السلطة الفلسطينية من السفر لحضور أعمال المؤتمر الوطني الفلسطيني وضعت على أماكنهم الخالية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي يستمر في أعماله بالعاصمة القطرية الدوحة#فلسطين pic.twitter.com/0e5gl459wG — بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) February 17, 2025
وضعت اللجنة التنظيمية للمؤتمر أسماء الأعضاء الذين مُنعوا من السفر على لافتات في قاعة المؤتمر مع عبارة "مُنع من السفر".

أفاد أحمد غنيم، القيادي في حركة فتح وعضو لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني الفلسطيني، أن جهات في السلطة الفلسطينية اتصلت بعشرة من الأعضاء المشاركين في المؤتمر الوطني الفلسطيني وهددتهم بالاعتقال وحجز جوازات سفرهم والفصل من العمل وإيقاف رواتبهم حال عودتهم إلى فلسطين.

تعرض المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة لموجة من التحريض والتخوين من المجلس الوطني الفلسطيني وحركة فتح وأعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حيث اتهموا المؤتمر بالسعي لاستبدال المنظمة والتنكر لتضحيات الشهداء والأسرى.


ردًا على ذلك، استهجن المؤتمر حملة "التخوين" ضده، وأكدت لجنة المتابعة فيه أن الهدف الأساسي والوطني للمؤتمر وآلاف المجتمعين والمنضوين تحت رايته هو الدفاع عن منظمة التحرير وجوهرها ودورها وشرعية تمثيلها، وإعادة الاعتبار لمكانتها ودورها الكفاحي واستعادة المجلس الوطني الفلسطيني، وإنهاء التهميش الذي طال هذه المؤسسات الوطنية التي بذل الشعب الفلسطيني الغالي والنفيس لتأسيسها والدفاع عن شرعيتها.

مقالات مشابهة

  • بين معاداة الإصلاح ونوايا المؤتمر الوطني الفلسطيني
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يختتم فعالياته في الدوحة
  • الأمم المتحدة: نتابع المشاورات الخاصة بمؤتمر الحوار الوطني بسوريا عن كثب
  • مشاهد من الجلسة الحوارية مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري التي جرت اليوم بمدينة إدلب
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني: إنقاذ قضية وشعب
  • حكومة المليشيا وحلفها السياسي هي تحدي سياسي جديد
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يواصل أعماله في الدوحة.. لسنا بديلا لأحد
  • الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني: البرهان تواصل مع تحالف “صمود” ومع رئيس حزبنا عمر الدقير
  • حزب العدل: نجاح مصر في استكمال الهدنة يؤكد ثقلها السياسي والدبلوماسي
  • مجموعة السبع: نؤكد التزامنا تجاه الشعب السوري وندعم الانتقال السياسي في البلاد