المؤتمر الوطني..خلافات ذاتية لا علاقة لها بالدين
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
صلاح شعيب
الاختلافات التنظيمية التي خلقت استقطاباً حاداً داخل المؤتمر الوطني تتعلق بصراع مصالح قياداته أكثر من كونها تنم عن خلافات حول ما ينبغي أن يكون عليه العمل التنظيمي. ولم تكن الحرب هي العامل الأساس لبروز هذه الخلافات، وكذلك ما افرزته من اصطفافات الإسلاميين المناطقية. فأثناء فترة البشير لاحظنا التصدع الذي لحق ببنية التنظيم نتيجة لوصوله إلى الانغلاق السياسي التام بعد فشل تجربة أسلمة الدولة، وتحولها إلى ضيعة لتحالفات تستند على طفيليات اقتصادية عبر رباطات إقليمية.
ولما جاء السقوط المدوي للنظام الإسلاموي اكتملت دائرة تفتت المؤتمر الوطني إلى جماعات تتلاوم فيما بينها حول أسباب هذا السقوط الذي لم يتقبله الإسلاميون بسهولة، وشكل لهم ضربة سياسية، ونفسية، ما تزال تلقي بظلالها على كتاباتهم، وتصريحاتهم، وسياسة مجموعاتهم المتفرقة في التعامل مع المشهد السياسي.
وإذا كان المؤتمر الوطني يمثل جناحاً ضمن تشظي الحركة الإسلامية التي تفرقت أيدي سبا فإن جبهة الميثاق التي نشأت في الخمسينات ربما انتهت إلى نحو عشرة تنظيمات فرعية. كلُ طرف فيها يدعي أنه يمتلك الحق الأبلج، وأن الآخرين على خطأ فادح مبين. بل إن التخوين صار سمة لتصريحات بعضهم البعض لدرجة غير مسبوقة في تاريخ الإسلام السياسي السوداني.
الخلافات الجديدة للمؤتمر الوطني المنحل، والتي أبرزت أربعة أجنحة – أحمد هرون، كرتي، غندور، وإبراهيم محمود – لن تنتهي عند هذا الحد. فطبيعة المصالح الذاتية التي خرج بها قادة الحزب من الدولة ستفرض باستمرار الخلاف متى ما رأت هذه الأجنحة المتصارعة على هذه الجيفة الفكرية مساحة لإقصاء بعضها بعضاً من قيادة الإسلام السياسي في البلاد، ومن ثم الحفاظ على مصالح الجماعة بدلا عن المجموع.
البراجماتية التي تطبعت بها قيادات الموتمر الوطني، وهي أعلى درجات خيبة الربط بين السماء والأرض، تمثل نتيجة حتمية لتعزيز حفاظ هؤلاء القادة على نفوذهم السياسي والمالي، والسلطوي.
ففكرة تديين العمل السياسي في أصولها لا ترتطم – بالغ ما بلغت – إلا بحقيقة أن مجريات العمل السياسي غير ثابتة حتى تستوعبها حرفية النص الديني. وعندئذ يصبح الصراع بين المعتقد السلفي الثابت وفقاً لتفسيرات الإسلاميين وحراك السياسة المتحول هو العامل الأساس لتضارب مصالح هولاء القادة تحت وطأة الحالة السودانية الشديدة التعقيد.
وبرغم أننا لاحظنا محاولات التلفيقات الفقهية التي كان يعتمدها الإسلاميون في إطار ابتذالهم البراغماتية السياسية، ولكنها لم تستطع تحقيق نجاحات للإسلاميين في إثبات قدراتهم على تحقيق استقرار لتنظيمهم قبل الاستقرار في حيازة النجاح الحزبي. فنتيجة سقوط المشروع الحضاري أكدت عجزهم على تحقيق الاستقرار النسبي في احتكار الدولة، وقد قاد هذا التلفيق الفقهي، والذي وصفه أسامة بن بأنه خلط الجريمة بالدين لدى إسلاميي السودان، إلى تهديد وجود الكيان القطري.
والان عند اختلافهم في زمن الحرب تكسو عقول قادة الموتمر الوطني وعضويته غشاوة لا تبصرهم بأن السلطة الحزبية التي يصطرعون حولها بهذه الطريقة النفعية لا تسعف تمدد مستقبلهم، إن لم تنته حرب السودان بتلاشيه كوحدة جغرافية.
باختصار كل أطراف الحزب التي تتنازع الشرعية وسطها على حق ما دام يسهل للغاية تغليف الحراك المصلحي لكل طرف بصك الفقه. فالسياسي الذي يريد تحريك الدولة بناءً على مذهبيته مسلماً كان أم يهودياً أم مسيحياً لا يحتاج إلا إلى صب منفعته صباً عنيفا في الآي الحكيم والأحاديث النبوية، والتاريخ مليء بالشواهد سواء في عصور الإسلام الأولى أو في أواسطها أو حديثاً.
والعبرة من كل هذا أن صراع قادة الموتمر الوطني الأثرياء للحفاظ على مصالحهم الذاتية بقوة تنظيمهم المنحل يمثلون عينة دراسية خصبة لبوار فكرة تديين الدولة. ولكن في ذات الوقت ما يحير فعلاً هو مدى حرص كل طرف لينتصر على الآخر حتى يجني استثمار التنظيم في الحرب التي أوقد نارها.
في تاريخ الأمم تستشري الأفكار الاستبدادية بقوة دفع الدولة التي تتبناها، ولكنها تندثر آجلاً أم عاجلا لو أن مصالح النخب احتربت حول كيكة السلطة، أو النفوذ. وما نشاهده الآن في جبهة الموتمر الوطني نوع من بداية الاندثار لفاعلية حراك موثق في استخدام الدين كوسيلة للاستثمار في الجهل. الوسومصلاح شعيب
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح شعيب المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود الدولة لتوطين صناعة الدواء
أشاد الدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس جامعة الأزهر لفرع البنات، بجهود الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، نحو الاهتمام بالصحة العامة للمواطنين في مختلف محافظات الجمهورية.
جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي الأول الذي تنظمه كلية طب الأسنان بنين جامعة الأزهر بالقاهرة، تحت عنوان: (ماض عريق وحاضر رائد ومستقبل مشرق) برئاسة الدكتور وائل المهندس، عميد الكلية رئيس المؤتمر، والدكتور معتز الخواص، سكرتير عام المؤتمر، والدكتور أيمن حجاب مقرر عام المؤتمر.
ورحَّب نائب رئيس الجامعة لفرع البنات بالحضور جميعًا في المؤتمر من داخل جمهورية مصر العربية ومن مختلف أنحاء العالم.
ونقل للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث.
تخصص طب الأسنان ليس مجرد مهنةوعبر نائب رئيس الجامعة عن سعادته بهذا التجمع العلمي الكبير، الذي يُعد ثمرة لجهود مخلصة تهدف إلى تعزيز البحث العلمي وتطوير مهنة طب الأسنان، وتحقيق التواصل بين الخبراء والباحثين من مختلف أنحاء العالم، موضحًا أن تخصص طب الأسنان ليس مجرد مهنة، بل رسالة إنسانية تهدف إلى تحسين جودة حياة الناس، لافتًا أن هذا المؤتمر يعكس إيمان جامعة الأزهر العميق بأهمية البحث العلمي والتطور المهني المستمر الذي يدعونا جميعًا للبقاء على اطلاع دائم بكل ما هو جديد وحديث.
وبيَّن نائب رئيس الجامعة أنه انطلاقًا من رسالة الطب فإن هناك قولًا مأثورًا يقول: إن (الطب بلا إنسانية كالصلاة بلا وضوء) مؤكدًا أن هذا المؤتمر ليس فقط فرصة لاستعراض أحدث ما توصل إليه العلم في مجالات طب الأسنان، بل هو أيضًا منصة لتعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات العلمية محليًّا ودوليًّا، نهدف من خلاله لتمكين أطباء الأسنان من الشباب، وتعزيز مهاراتهم ومعارفهم، بما ينعكس إيجابيًّا على مجتمعاتنا، مضيفًا أن المؤتمر ليس مجرد مناسبة علمية عابرة، بل فرصة حقيقية لالتقاء العقول، وتلاقح الأفكار، وابتكار الحلول.
مواكبة التطور العلميوبيَّن خضر أننا اليوم أمام لحظة تاريخية تؤكد التزام كلية طب الأسنان بجامعة الأزهر بمواكبة التطور العلمي المستمر، وسعيها الحثيث إلى الريادة في التعليم والبحث وخدمة المجتمع، واستعرض فضيلته رؤية جامعة الأزهر في تحقيق التميز من خلال الجمع بين الأصالة والحداثة، بين إرثنا العلمي العريق وقيمنا الراسخة وأحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا؛ ولهذا جاء شعار مؤتمرنا معبرًا بصدق عن رسالتنا السامية، التي نطمح من خلالها إلى بناء جيل جديد من أطباء الأسنان، يمتلكون العلم والكفاءة، ويتمسكون بالقيم الأخلاقية والإنسانية.
وأكد نائب رئيس الجامعة على أهمية خلق بيئة تفاعلية ومثمرة تتيح أمام الجميع فرصًا للتعلم والتطور والتي من شأنها أن تسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية التي نقدمها لمرضانا، وليس هذا فحسب بل يعد فرصة ذهبية لتبادل الخبرات.
وأوضح أن بناء شبكات مهنية قوية يعتبر من أهم أهداف هذا الحدث؛ حيث يمكنكم التفاعل مع رواد المجال واستكشاف فرص التعاون وتبادل الأفكار التي تسهم في نمو وتطور مهنتنا، وإتاحة الفرصة للتبادل العلمي والمعرفي والتطوير المهني؛ وكذا التواصل والتعاون بين المهنيين الأكاديميين، والصناعيين لفتح آفاق جديدة للتعاون وتسليط الضوء على أحدث التطورات التكنولوجية في مجال طب الأسنان وكيفية تطبيقها لتحسين ممارساتنا، وبين أن مشاركتكم في هذا المؤتمر ليست فقط إضافة علمية قيمة، بل هي دعم لرؤيتنا المشتركة نحو النهوض بمهنة طب الأسنان، وتعزيز دورها في خدمة المجتمع وتخفيف معاناة المرضى.
ووجه خضر الشكر الجزيل لنائب رئيس الوزراء الدكتور خالد عبد الغفار؛ لنشاطه الكبير واهتمامه بإنشاء مصانع لخامات وأدوات طب الأسنان، وهذا الحديث ليس منا ببعيد حيث افتتاح مصنع لغرسات الأسنان، وكذلك ايضًا أشكره على اهتمامه وتشجيعه للأساتذة في هذا المجال، وأشاد بالجهود العلمية التي نتج عنها كتاب الدكتور إبراهيم القلا، أستاذ طب الأسنان، لاستصدار كتابه: (حقوق الانسان الصحية)، وكتاب: (أخلاقيات طب الأسنان) وهما يقدمان المبادئ الأساسية للقيم الأخلاقية وتطبيقاتها والعلاقة بين المبادئ الأخلاقية وإتقان العمل ومبادئ البحث العلمي وحقوق الإنسان. كما أشاد نائب رئيس الجامعة لفرع البنات بدعم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف حفظه الله، لهذا المؤتمر، مؤكدًا أنه يعكس رؤيته العميقة لدور العلم في بناء المجتمعات وخدمة الإنسانية، وفى هذا رسالة واضحة من فضيلته تؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه الأزهر الشريف في توجيه العالم الإسلامي نحو العلم والمعرفة، وفي بناء جسور التعاون الدولي لخدمة الإنسانية جمعاء، واستثمار العلم في خدمة القيم الإنسانية، وتعزيز مكانة مصر كقلب العالم الإسلامي وموطن العلم والمعرفة.