يمانيون – متابعات
جاءت التحذيراتُ التي وجّهها قائدُ الثورةِ، السيدُ عبدُ الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، منسجمةً مع حقيقة الوضع الراهن على الواقع، بوصفه وضعَ حرب مُستمرّة مع جميع أطراف العدوان، وعلى رأسها النظام السعوديّ الذي حرص طيلة الفترة الماضية على أن يرسُمَ صورةً مغايرةً حاول أن يستثمرَ فيها غيابُ العمليات العسكرية؛ ليصنعَ انطباعًا زائفًا لدى الجمهور بأنه قد تم تجاوز مرحلة الحرب، حتى ولو لم يعنِ ذلك التوجُّـهَ نحو السلام؛ وهي محاولة خطيرة لتهيئة الرأي العام للقبول والتعايش مع حالة اللا سلم واللا حرب، وبالتالي صرف النظر عن الأولويات وفتح المجال أمام كُـلّ محاولات التلاعب بالمزاج الشعبي وتوجيهه نحو مساراتٍ تخدُمُ توجُّـهاتِ الأعداء.

بين “خفض التصعيد” و “السلام”:

الصورةُ المغلوطة التي كانت دول العدوان، وعلى رأسها السعوديّة، قد حاولت رسمَها طيلة الفترة الماضية، اعتمدت على عدة أفكار وفرضيات مزيفة رئيسية، أهمها فكرة أن التهدئة الراهنة تعتبر في ذاتها أهمَّ إنجاز دبلوماسي إيجابي وأكبر خطوة جوهرية على طريق تحقيق السلام الشامل، وبعبارة أُخرى: أن توقف العمليات العسكرية هو الأهم والباقي مُجَـرّد تفاصيل؛ وهو أمرٌ غير دقيق؛ لأَنَّه وبالنسبة لصنعاء فَــإنَّ العمل العسكري كان ولا زال ضرورةً لمواجهة الاعتداءات على البلد والشعب وممارسات الحصار والتجويع والاحتلال وانتهاك السيادة، وبالتالي فَــإنَّ وقف العمليات العسكرية مع استمرار تلك الاعتداءات والممارسات لا يمكن أن يكون حتى قريباً من مفهوم السلام الفعلي.

قائدُ الثورة كان قد حرص منذ البداية على إعطاء التوصيف الحقيقي والعملي للوضع الراهن من خلال عنوان “خفض التصعيد”، وقد استمر في مختلف خطاباته خلال الفترة الماضية بالتأكيد على هذا العنوان وتوضيحه؛ بهَدفِ إزالة أي التباس، والتحذيرات التي وجّهها خلال الخطاب الأخير من شأنها نسفُ كُـلّ ما تبقى من تضليل أَو مبالغة مقصودة في توصيف الوضع الراهن؛ لأَنَّها تحذيرات انطلقت بوضوح من واقع معركة لم تنته، لا في جانبها العسكري ولا في بقية جوانبها، بل إن القائد حرص على تأكيد حقيقة أن القوة العسكرية لا زالت تمثل ضامنًا رئيسيًّا لانتزاع الحقوق وتحرير البلد، وأن صنعاء عملت على استغلال فترة التهدئة لتنمية هذه القوة؛ استعداداً لاستكمال المعركة ضد عدو كُـلّ التجارب والمعطيات والمؤشرات تستمر بالتأكيد على أنه لا يريد السلام الفعلي مهما كانت الأعذار والمبرّرات التي يروِّجها.

ولهذا لا يمكن القول إن التحذيراتِ الأخيرة، جاءت مفاجئة، أَو أنها انطلقت فقط لمُجَـرّد تحقيق ضغط لحظي في مسار المفاوضات، فهذه من جهة ليست طريقة القيادة الوطنية في التعاطي مع الأمور، ومن جهة أُخرى فَــإنَّ قائدَ الثورة كان قد أعطى سابقًا توضيحاتٍ مهمةً بخصوص الوضع الحالي تنسجمُ تماماً مع التحذيرات الأخيرة، ومن تلك التوضيحات حديثه عن “الهامش” الذي سمحت به أمريكا لدول العدوان؛ مِن أجل الدخول في تهدئة، والذي أكّـد فيه أن دولَ العدوان أرادت من خلال الهُدنة وما تبعها من خفض للتصعيد أن تتفرَّغَ لتنفيذ مشاريعَ عدوانية أُخرى ضد الشعب اليمني؛ وهو ما يعني أن السلام لم يكن في حساباتها أصلاً.

الموقفُ السعوديّ بين دعايات “الوساطة” وأعذار “الضغوط”:

من الفرضياتِ المغلوطة الرئيسية التي حاولت دول العدوان ترويجَها خلال الفترة الماضية، والتي نسفتها تحذيراتُ قائد الثورة الأخيرة: أن السعوديّةَ قد غيَّرت موقفَها من اليمن؛ وهي فرضيةٌ تم الاعتمادُ عليها في مسارَينِ للتضليل: الأول مسار الادِّعاء بأن المملكة تقوم بدور “الوساطة بين الأطراف اليمنية”، والثاني: ما تحدث عنه نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان، في مايو الماضي عندما قال: إن دول العدوان تتحدث عن تعرضها لضغوطات، معتبرًا ذلك أمراً “غير منطقي”.

في المسارَينِ حاولت السعوديّة أن تكرِّسَ فكرةَ أنها قد تجاوزت مرحلة “تعمد” استهداف اليمن، وأن دخولها في حالة التهدئة وخفض التصعيد جاء عن اقتناع بالسلام، وليس كتكتيك مخادع، لكن الواقع لم يكن كذلك، وكما واجه قائد الثورة هذه الفكرة المضللة سابقًا من خلال توضيح طبيعة الهامش الأمريكي، فَــإنَّ تحذيراته الأخيرة قد تضمنت تأكيدات واضحة على أن دول العدوان وعلى رأسها السعوديّة تخضع بشكل طوعي (ومع وعي كامل بالكلفة والتبعات) للتوجّـهات والرغبات الأمريكية، وتصر على تنفيذها في اليمن تحت غطاء التهدئة؛ وهو ما يعني أن الموقف السعوديّ لم يتغير عمليًّا، وهذا كُـلّ ما يهم؛ لأَنَّ صنعاء غير معنية بانتظار اكتمال تأثر الرياض معنوياً ووجدانيًّا بالحقائق التي أدركتها.

وفي هذا السياق أَيْـضاً، فَــإنَّ حديثَ قائد الثورة عن بلوغ الفرصة المتاحة للوسطاء “قدراً كافياً” يأتي في إطار التعاطي مع معطيات الواقع الحقيقي، وإزاحة المبالغات والتضليلات عن المشهد؛ فالقائد هنا يؤكّـدُ أن حالةَ خفض التصعيد استمرت فقط؛ لمنح الوسطاء فرصةَ البحث عن تقاربات وتفاهمات يمكن البناء عليها في مشوار الوصول إلى السلام، من باب الحرص، وليس لأَنَّه تم تجاوز مرحلة الاقتتال العسكري إلى الأبد.

المعادلاتُ الأَسَاسية ثابتة: الاقتصادُ بالاقتصاد:

في محاولاتِ تحالف العدوان ورعاته لرسم صورة مغلوطة عن واقع حالة خفض التصعيد، حرصوا على تناوُلِ مطالِبِ الشعب اليمن؛ باعتبارها مِلفاتٍ “سياسية” شائكة، تتطلب فقط مواصلة النقاشات إلى أجل غير مسمى، بل ذهبوا بعيدًا إلى حَــدّ الحديث عن ضرورة التفاوض بين صنعاء والمرتزِقة فقط، ويمكن بسهولة ملاحظة أن هذا التصور المستفز اعتمد بشكل رئيسي على الفرضيات المضللة السابقة: أنه قد تم تجاوز مرحلة الحرب، وأن السعوديّة لم تعد طرفاً.

لكن تحذيرات قائد الثورة الأخيرة جعلت هذه الصورةَ تتبخَّرُ تماماً، وأعادت كُـلَّ شيء إلى أجواء واقع الحرب المُستمرّة، وذلك من خلال التذكير بمعادلة “السن بالسن” التي يبدو بوضوح أن العدوّ ظن أنه لن يسمعَ عنها مرة أُخرى، حَيثُ حرص القائد بوضوح في تحذيراته على ربط الوضع الاقتصادي والمعيشي في اليمن بنظيره في دول العدوان وفي المملكة بشكل خاص لإزالة أي أوهام يمكن أن تكون قد عششت في رأس النظام السعوديّ بأنه قد غيَّر مسار المواجهة.

لقد جرّب تحالفُ العدوان مواجهةَ مفاعيل هذه المعادلة من قبل فيما يتعلق بالموانئ والمطارات؛ والأمر لن يكونَ أخفَّ وَقْعاً فيما يتعلق بالمرتبات والثروات، بل سيكون أقسى؛ نظراً لتطور القدرات ولأن فشل جهود الوسطاء سيعني ضرورة اللجوء إلى مستوى أعلى من الردع؛ وهو ما حرص القائد على الإشارة إليه من خلال التأكيد على جهود بناء القدرات القتالية، والحديث عن الطموحات الاستثمارية السعوديّة في نيوم وغيرها.

إجمالًا، يمكن القول إن التحذيراتِ الأخيرةَ لقائد الثورة لم تنسفْ فقط الصورةَ المغلوطةَ التي حاول العدوُّ تسويقَها للجماهير بخصوص الوضع الحالي، بل أَيْـضاً التصوُّرات الخاطئة التي حاول تسويقها لنفسه، وخيارات العدوّ الآن هي: إما النظرُ في معادلات الواقع والتعاطي وفقًا لها؛ (لأنها هي المؤثرة على أية حال)، أَو اختلاقُ أوهامٍ وتصوراتٍ مغلوطةٍ جديدةٍ إلى أن تأتي صدمةٌ أُخرى وتبعثِرُها.

المسيرة | ضرار الطيب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الفترة الماضیة خفض التصعید قائد الثورة دول العدوان السعودی ة من خلال ف ــإن

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه

2024-11-25Zeinaسابق الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً انظر ايضاً الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً

دمشق-سانا يطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة لتصبح أدنى من معدلاتها لمثل هذه الفترة من …

آخر الأخبار 2024-11-25قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه 2024-11-25الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً 2024-11-25قوات الاحتلال تعتقل 16 فلسطينياً في الضفة الغربية 2024-11-25وزارة الثقافة تعلن أسماء الفائزين بجوائزها الأدبية لعام ٢٠٢٤ 2024-11-25المزيد من دمار المنازل وتهجير الأهالي جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان 2024-11-25الصين تطلق قمرين صناعيين جديدين 2024-11-25المكسيك.. مقتل ستة أشخاص في هجوم مسلح جنوب شرق البلاد 2024-11-25ارتفاع أسعار الذهب عالمياً 2024-11-25البرازيل: مصرع 17 شخصاً جراء سقوط حافلة في واد 2024-11-25متنبئ جوي لـ سانا: المنخفض الجوي مستمر حتى الغد وذروته اليوم في مختلف المناطق

مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها عدوان إسرائيلي يستهدف معبر جوسية على الحدود السورية اللبنانية 2024-11-23 القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18صور من سورية منوعات الصين تطلق قمرين صناعيين جديدين 2024-11-25 شابة سورية تدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لأطول مسافة “سبليت” على دراجتين معاً 2024-11-24فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة متوالية الأحداث الصعبة… بقلم: منهل إبراهيم 2024-11-22 استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2525 تشرين الثاني 1992 -الموافقة على تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين 2024-11-2424 تشرين الثاني 1989- انتخاب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية 2024-11-2323 تشرين الثاني 1989- هدم جدار برلين بالكامل 2024-11-2222 تشرين الثاني عيد الاستقلال في لبنان 2024-11-2121 تشرين الثاني-اليوم العالمي للتلفاز 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”: اليمن يثبت قدرته على تغيير معادلات القوة البحرية
  • رئيس لجنة شؤون الأسرى لـ “الثورة نت”: مستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الامم المتحدة دون قيد أو شرط
  • قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه
  • قائد القوات البحرية يحضر الملتقى البحري السعودي
  • شاعر الأهازيج الشعبية أحمد حسين هبة لـ ” الثورة “: نعيش في مرحلة ذهبية بالنسبة للشعر والشعراء والسيد القائد منحني هدية بإشارته إلى قصيدة “بورت “
  • 22 نوفمبر خلال 9 أعوام.. أكثر من 20 شهيدًا وجريحًا في جرائم حرب لغارات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
  • قائد العسكرية الثالثة: نحن مع السلام وجاهزون للمواجهة في ظل التصعيد الحوثي
  • هيئة مستشفى الثورة بأمانة العاصمة تنظم فعالية بالذكرى السنوية للشهيد وتكرِّم أسر شهداء منتسبيها
  • هيئة مستشفى الثورة بالأمانة تنظم فعالية خطابية وتكريمية لأسر الشهداء من منتسبي الهيئة
  • مجازر البقاع دليل على مضي إسرائيل في التصعيد وجيش العدو يتقدم نحو الليطاني