فى رائعة أناتول فرانس، «الرجل الذى تزوج امرأة بكماء»، نجد أحد القضاة ذوى السمعة الحسنة والعقل الراجح قد تزوج بإحدى النساء ذوات الحسب الرفيع، لكنها للأسف كانت بكماء لا تنطق بكلمة، فتمنى من شغاف قلبه أن يعالجها، فقد كانت غاية فى الفتنة والأنوثة، وكل ما كان ينقصها هو صوتها الذى تخيله عذباً رقراقاً وكان على استعداد أن يضحى بالغالى والنفيس فى سبيل أن تستعيد قدرتها على التحدث، وبالفعل حقق الله أمنيته إذ عثر على مبتغاه فى صورة طبيب بارع استطاع أن يعالج تلك الزوجة الفاتنة.
ولكن -واأسفاه- فقد تبخرت أحلام الزوج فى السعادة، إذ فوجئ بأن زوجته الفاتنة تلك ما إن استعادت صوتها حتى تحولت إلى كائن ثرثار أنانى، إذ كل ما كان يشغل عقللها زينتها وملابسها وأحدث الصيحات.. إلخ. وطفقت تثرثر طوال الوقت فيما ينفع وما لا ينفع فبدت له كائناً أجوف يعذبه بالثرثرة الفارغة التى كاد يفقد عقله على أثرها!! ولم يجد حلاً لإنهاء عذابه هذا سوى بأن جعل الطبيب الذى عالج زوجته من قبل يعطيه دواء أصابه بالصمم، كى لا يسمع زوجته الثرثارة إلى الأبد!!
وبعيداً عن سخرية «أناتول» اللاذعة فى روايته تلك وإظهاره للمرأة فى تلك الصورة التى قد تغضب عزيزاتى ذوات تاء التأنيث، نجد أن المرأة كاىٔن محير منذ أن خلقه الله من ضلع آدم الأعوج، وبغض النظر عن أنها كانت سبباً رئيسياً فى خروج آدم من الجنة، فإنه لا يمكن أن تختزل كل مثالبها في مجرد الثرثرة.
فالمرأة قد تكون سبباً في أن يعيش الرجل حياة أشبه بالنعيم وتزخر بالنجاح بما حباه الله لها من الفطنة والعقل والذكاء يصدق فيها قول رسولنا الكريم: «خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة»، أو تكون على النقيض من ذلك، إذ تحول حياة الرجل إلى عذاب مقيم، فتكون سبباً فى شقاىٔه الأبدى، بكثرة طلباتها ونزواتها وغيرتها ممن حولها من النساء، وتكون غير قنوع بما رزقها الله به، للدرجة التى قد يجن معها الزوج، خصوصاً فى هذا الزمان الأغبر الذى طال فيه الغلاء كل شىء وتحول الرجل إلى مجرد كائن مسكين إزاء متطلبات المعيشة التى تكوى الجباه وتحنى الظهور، ما جعل حديث رسولنا الكريم «رفقاً بالقوارير» ينطبق على الرجال قبل النساء!!
وقد شاع العديد من النظريات والافتراضات الطريفة فى محاولة لفهم المرأة ومدى اختلافها عن الرجل، ولعل أطرفها ما تصوره الطبيب النفسى الأمريكى جون جراى من أن النساء قادمات من كوكب مغاير للذى جاء منه الرجال، فالنساء جئن من كوكب «الزهرة»، فى حين أن الرجال أتوا من «المريخ»، لذا فهما كائنان من كوكبين مختلفين صفاتهما مختلفة ومشاعرهما مختلفة رغم تشابههما فى نسق التكوين العام، فعقل المرأة يختلف كلياً عن الرجل ومشاعر المرأة جياشة تختلف تماماً عن الرجل الذى يميل إلى التفكير بعقله لا من خلال العاطفة، لذا يجب ألا تقاس الأمور من خلال منظور واحد لأى منهما، فهما كائنان مختلفان تمام الاختلاف ينتميان إلى كوكبين مختلفين، التقيا على كوكب ثالث وهى الأرض، لذا فكل منهما يجب أن يقدم على فهم الآخر باعتبار أنه كائن مغاير له فى كل شىء ومن هنا يتلاقيان فى نقطة مشتركة يسودها التفاهم والود والتعاطف ما يحقق السعادة لكل منهما على السواء.
لذا لا تجزع أيها الرجل، فبعيداً عن ثرثارة أناتول فرانس التى أفقدت زوجها عقله، فثمة فرصة سانحة كى تحيا بسعادة مع ذلك المخلوق الزهرى المحير المسمى بـ«المرأة» دون أن تصاب بالصمم!!
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
المعارضة في إيران ثمنها الاتهام بالجنون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
• أستاذة الطب النفسى الإيرانية نوشين رانجبار: استخدام الصحة العقلية وسيلة شائعة لقمع المعارضة في إيران بعد الثورة الإسلامية
• أستاذة علم الاجتماع الفرنسية الإيرانية أزاده كيان: هذا النهج الهستيري للنظام سيكون له عواقب أكثر خطورة لأن قضايا الصحة العقلية حقيقية في إيران
• الصحة العالمية: الأشخاص الذين يتعرضون «لظروف معاكسة» مثل الفقر أو العنف أكثر عرضة للإصابة بمشاكل الصحة العقلية
• مركز الإحصاء الإيراني: معدل البطالة بين النساء بلغ 27.8% نهاية 2023
بعد مرور عامين على وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، التي قُتلت خلال الاحتجاز بسبب ارتدائها حجابًا «بشكل غير لائق»، أصبحت آهو داريائي واحدة من الوجوه الجديدة لحركة «المرأة، الحياة، الحرية». لكن بالنسبة للنظام الإسلامي وممثليه، يمكن تفسير لفتته هذه بـ«الهشاشة النفسية».
وقبلها، كانت هناك الممثلة أفسانه بايجان، التي حكم عليها بالسجن لمدة عامين في يوليو 2023، وأجبرت على الذهاب إلى مركز نفسي مرة واحدة في الأسبوع «لعلاج اضطراب الشخصية المعادية للعائلة» لمجرد أنها ظهرت أمام الجمهور دون أن تغطي رأسها.
كما أعلن القضاة أن الممثلة آزاده صمدي تعاني من «اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع»، وأجبرتها على الخضوع «للعلاج» لأنها كانت ترتدي قبعة بدلًا من الحجاب في إحدى الجنازات.
وعلى الرغم من دعوات العاملين في مجال الصحة الدوليين الذين يدينون استغلال النظام لمجال الطب النفسي، فقد كانت هناك حالات أخرى، من بينها رؤيا ذاكري، المرأة التي نُقلت إلى مستشفى للأمراض النفسية في مدينة تبريز شمال غرب البلاد بعد انتشار مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهرها تصرخ «الموت للديكتاتور»، ولم يقتصر على النساء.
ولكن أيضًا رجال مثل سامان ياسين، مغني الراب الكردي الذي تم اعتقاله لدعم المتظاهرين المناهضين للنظام وتم احتجازه في مستشفى أمين أباد للأمراض النفسية في طهران حيث قيل إنه تعرض للتعذيب وأجبر على الاعتراف.
تقول الدكتورة الأمريكية من أصل إيرانى نوشين رانجبار، الأستاذ المشارك في الطب النفسي بكلية الطب بجامعة أريزونا، «إن إساءة استخدام مؤسسات الطب النفسي أو خبراته أو ممارساته ليس تكتيكًا جديدًا في الأنظمة السياسية التي تسعى إلى القضاء على الحقوق الأساسية للأفراد».
وتضيف أن استخدام الصحة العقلية هو وسيلة شائعة لقمع المعارضة في إيران ما بعد الثورة الإسلامية. ولكن مع حركة «المرأة، الحياة، الحرية»، أصبحت هذه الفظائع معروفة على نطاق أوسع بين عامة الناس وفى العالم كله.
وتؤكد نوشين رانجبار أنه «في إيران، لا يُسمح للعاملين في المجال الطبي والصحفيين بإجراء دراسة علنية لمساهمة تصرفات النظام وسياساته في زيادة مشاكل الصحة العقلية وحالات الانتحار بين الأطفال والبالغين. وهذا من شأنه أن يكون بمثابة مساءلة للسلطات، وبالتالي قد يعرض الشخص نفسه للخطر».
وتعلق أستاذة علم الاجتماع الفرنسية الإيرانية ومديرة مركز التدريس والتوثيق والبحث للدراسات النسوية في جامعة باريس سيتي، أزاده كيان، بقولها: إن هذا هو أسلوب النظام الشمولي.
حيث يهدف هذا التصنيف المرضي للمعارضة إلى تحديد الفرق بين أولئك الذين سيكونون «طبيعيين»، وبالتالي متفقين مع أفكار النظام الإسلامي، وبين الآخرين الذين يعتبرهم النظام «غير طبيعيين» لمجرد معارضتهم للنظام.
وتوضح أن النساء في إيران في كثير من الأحيان «هن الأهداف الرئيسية للمعايير التي يفرضها النظام الأبوي للملالي. وبالتالى، تعتبر المرأة التي لا تطيع- وهناك المزيد والمزيد منهن - أقل شأنًا، ويمكن التلاعب بها، ولا يمكن إلا أن تكون عرضة للاتهام بالجنون في نظر من هم في السلطة».
ووفقًا لأزاده كيان، فإن هذا النهج الهستيري للنظام سيكون له عواقب أكثر خطورة لأن قضايا الصحة العقلية حقيقية في إيران. «ولكن بسبب الخوف من إضافة الوقود إلى مطحنة النظام ودعايته المرضية، لم يتم القيام إلا بالقليل من العمل الجاد في البلاد حول تأثير القمع الذي يعاني منه الرجال والنساء الإيرانيون على حالتهم النفسية» وتحذر من أن الأهداف التي تتعرض للكثير من الضغط والعنف اليومي تحمل العديد من المخاطر المثبتة علميًا.
النساء «ضعيفات بشكل خاص»
في عام 2022، نشر اثنتان من طلاب الدكتوراه من أصل إيراني من جامعة كولومبيا البريطانية، شايدا سوان وبهارة آزادي، مقالًا على الموقع الإلكتروني لمركز أبحاث صحة المرأة التابع للمؤسسة، بعنوان «كيف يؤثر القمع في إيران على صحة المرأة».
وبتناول تقديرات دراسة نشرت عام 2014 في المجلة الإيرانية للصحة العامة، والتي تفيد بأن 25٪ من النساء الإيرانيات يعانين من اضطرابات عقلية (36٪ منهن في طهران)، رأى البحث أن «النساء الإيرانيات معرضات بشكل خاص لاضطرابات الصحة العقلية بسبب عوامل اجتماعية وثقافية، بما في ذلك تدني وضعهم الاجتماعي وحقوقهم المتدنية والقوانين الصارمة التي تحكم حياتهم اليومية».
وفي تقريرها عن الصحة العقلية لعام 2022، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون «لظروف معاكسة» مثل الفقر أو العنف أو حتى عدم المساواة هم أكثر عرضة للإصابة بمشاكل الصحة العقلية.
ومع ذلك، بدءًا من وجوب ارتداء الحجاب تحت طائلة القمع العنيف، إلى السلطة الأبوية، التي هي من اختصاص الرجل، حتى الطلاق، بما في ذلك الحق في الحضانة، الذي لا تستطيع الأم الحصول عليه إلا بعد أن يبلغ طفلها سبع سنوات، فإن الظلم والعنف يبتلي حياة المرأة الإيرانية.
و«على المستوى المهني، الأمر ليس أفضل بكثير. أصحاب العمل يفضلون توظيف الرجال لأنهم هم الذين من المفترض أن يضمنوا مستوى معيشة الأسرة. وبالتالي ليس لديهم أي وسيلة للسيطرة على حياتهم"، حسبما تقول أزاده كيان.
وفي إيران، تجاوزت نسبة النساء المتعلمات نسبة الرجال لأول مرة في عام 2016 - ومن بين جميع خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أصبحت النساء الآن 70٪.
ومع ذلك، أفاد مركز الإحصاء الإيراني، في نهاية عام 2023، أن معدل البطالة بين النساء بلغ 27.8% مقابل 13% للرجال خلال العام السابق.
ليست النساء وحدهن من يعاني من آثار قمع النظام. من الواضح أن الصحة العقلية للمرأة الإيرانية تتأثر، حيث يُفرض عليها سلوكها وتُنتهك حرياتها بشكل يومي.
ولكن، كما هو الحال في جميع البلدان التي يتعرض فيها السكان للقمع المنهجي، فإن ظهور أعراض مثل الاكتئاب والقلق «لا يقتصر على النساء" حسبما تقول الدكتورة نوشين رانجبار.
وتضيف: «تعاني صحة الإنسان ورفاهه أيضًا. يتم التعامل مع النساء والفتيات بشكل سيء للغاية، بينما يُحرم الرجال من تقديم قدوة ذكورية صحية، حيث يتسامح النظام مع العنف ضد المرأة.. كل هذا يترك بصماته على معنى هوية الرجال والصحة العقلية. ويكافح الكثيرون للتعبير عن مشاعرهم أو معالجتها بطرق صحية، أو غير صحية بتعاطي المخدرات، أو مشاكل الغضب، أو الانسحاب في محاولة للتعامل مع الموقف».
نظام صحي كارثي
تقول الطبيبة النفسية نوشين رانجبار متأسفًة: إن النظام الصحي الإيراني، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية، غير مجهز للتعامل مع انفجار أزمة الصحة العقلية. لا يستطيع الكثير من الناس تحمل تكاليف العرض على أخصائي. ومن غير المرجح أن يجدوا الدعم الذي يحتاجون إليه في العيادات المجتمعية، حيث الميزانيات هزيلة والعديد من الأطباء وغيرهم من المتخصصين في الرعاية الصحية يتركون وظائفهم أو يغادرون البلاد تمامًا.
ومع تشخيص المعارضة بأنها مرضية، يخشى العديد من الإيرانيين طلب المساعدة، وبالتالي فإن الوضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت وتكثيف القمع، ولهذا السبب نشهد المزيد والمزيد من حالات الانتحار بين الشباب بل وأكثر بين النساء ومثلى الجنس.
ومن الصعب قياس هذا الواقع بدقة. لكن دراسة حديثة بعنوان «خصائص محاولات الانتحار في شمال غرب إيران: مسح سكاني مدته خمس سنوات"، نشرت في مجلة BMC للطب النفسي في يناير 2024، حددت اتجاهًا تصاعديًا في معدل حدوث محاولات الانتحار في محافظة أردبيل شمال غرب إيران، بين عامي 2017 (99.49 لكل 100 ألف نسمة) و2021 (247.41 لكل 100.000 نسمة).
وهذا هو أعلى معدل بين دول الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، يواصل نظام الملالي ممارساته الدنيئة في التعامل مع الأصوات المعارضة.
مهسا أمينى