طالب يقتل زميله فى بورسعيد.. وولى أمر يقتل معلماً.. والبقية تأتى
أولياء الأمور يطالبون بوجود نقاط شرطة لحماية أبنائنا
خبراء: أسباب أسرية ومجتمعية أدت إلى تفشى العنف والبلطجة داخل دور التربية.. وعودة القدوة ضرورة
كانت المدرسة مِحرابًا للعلم تسبق فيه التربية التعليم، وكانت علاقة المعلمين بالطلاب تقوم على الاحترام والتقدير، وكان للمدرسة دور فعال فى عملية تنشئة الأبناء، إلا أن هذا الأمر تغير تماما فى وقتنا الحالى، وأصاب المدرسة ما أصاب الأمة من تفسخ أخلاقى فضاعت هيبة المعلم وسقطت مكانته من القلوب والأذهان، ومن هنا سقطت منظومة التعليم وأصبح المدارس لا تقوم بدورها فى التربية ولا التعليم، والأكثر من ذلك هو انتشار وقائع العنف بين طلاب المدارس وبين المعلمين وأولياء الأمور.
وخلال الساعات الماضية انشغل الرأى العام بواقعة وفاة مدرس على يد ولى أمر، حيث قام مدرس اللغة الإنجليزية بعقاب الابنة فقرر والدها التوجه إلى المدرسة لعتاب المعلم، دون أن يدرى أن هذا سيورطه فى جريمة قتل، حيث تعدى على المعلم بالضرب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وفى مدينة بورسعيد قام طالب بطعن زميله بسلاح أبيض فى دورة المياه داخل مدرسة بورسعيد الثانوية الصناعية الميكانيكية، ما أدى إلى وفاة الطالب محمد عمر مهران.
الواقعة أثارت تفاعلاً، وأعادت الحديث عن جرائم مشابهة، منها ما شهدته محافظة سوهاج قبل أيام، من إصابة طالب بالصف الأول الثانوى بجرح قطعى بالرقبة إثر تعدى زميله عليه بسلاح أبيض «كتر» إثر مشادة كلامية لوجود خلافات سابقة بينهما.
وخلال يوليو الماضى، قام طالب بمحافظة بورسعيد بطعن زميله داخل إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، لعدم السماح له بالغش، وتكررت الواقعة للسبب نفسه خلال شهر أبريل الماضى، عندما طعن طالب ثانوى بالإسكندرية زميله بآلة حادة عقب الخروج من لجنة الامتحان لعدم تمكينه من الغش.
ومن قبلها فى شهر مارس، قُتل طالب على يد زميله بسلاح أبيض «كتر» أمام مدرسة ثانوية بمحافظة القليوبية بسبب معاكسة فتاة.
من أمن العقاب
ونتيجة لتكرار هذه الجرائم خلف أسوار المدارس تخوف عدد من أولياء الأمور من ذهاب أبائهم للمدارس وهو ما أكدته منة الله محمد ولية أمر لطفلين، مشيرة إلى أنها باتت تخاف من نزول أبنائها للمدرسة، لأن الفصول تشهد مشاكل ومشاجرات دائمة ينتج عنها حدوث خدوش وكسور للأطفال فى غياب تام لإدارة المدرسة، وعند سؤال الإدارة يكون ردهم لا نعلم السبب «الفصل محتاج يتبخر»، لافتة إلى أن أولياء الأمور يشعرون بالخطر على مستقبل أبنائهم.
وشارك فى الحوار، أحد أولياء الأمور رفض ذكر اسمه قال «لقيت السواق بيقول لى ماتوديش ابنك المدرسة تانى، لأنه تعرّض للضرب ولكنه خائف من إخباركم بذلك، وأكد أن طلاب المرحلة الإعدادية يمارسون أعمال عنف وبلطجة ضد زملائهم، ومع الأسف لا يوجد حزم من إدارة المدرسة، مطالبة بوجود أمن أو نقطة شرطة قريبة من المدارس لتفادى أى حوادث أو كسور قد يتعرض لها الطلاب».
وطالبت رشا إمام، ولية أمر، بضرورة وجود آليات لتفريغ طاقة الطلاب من خلال تفعيل الأنشطة الرياضية داخل المدارس، فهذا أفضل لبناء شخصية الطلاب وغرس القيم والأخلاق فيهم، مع ضرورة عودة الدور الفعال للإخصائيين الاجتماعيين فى المدارس لتعديل السلوكيات غير المنضبطة، على أن يكون هناك تواصل بين الأخصائيين والأسر لمعالجة الخلل.
افتقاد الأفراد مهارات الضبط الانفعالى
وللخبراء والباحثين الاجتماعيين آراء مختلفة فى هذا الأمر، حيث أكد الدكتور تامر شوقى، أستاذ علم النفس والتقويم التربوى بكلية التربية جامعة عين شمس: أن كثرة حوادث العنف والاعتداء داخل المؤسسات التعليمية يعد من المؤشرات الخطيرة التى تهدد بفشل العملية التعليمية فى تحقيق أهدافها، ويمكن عزو تلك المشكلة إلى عديد من الأسباب أهمها: الضغوط النفسية التى يعانى منها كافة أطراف العملية التعليمية، وافتقاد الأفراد لمهارات الضبط الانفعالى بشكل فعال، وضعف العقوبات الموقعة على أصحاب المخالفات سواء من الطلاب أو المعلمين مما يشجع غيرهم على ارتكاب مثل تلك المخالفات، وغياب التربية الدينية الصحيحة والتى من شأنها إكساب الأفراد قيم إيجابية مثل التسامح والعفو والصفح، وغياب النماذج والقدوة الأخلاقية فى المجتمع، وانتشار مشاهد العنف فى الدراما ووسائل التواصل الاجتماعى، ووجود ميول طبيعية للعنف لدى بعض الشخصيات.
وعن انتشار العنف بين الشباب ووصول الأمر لحد القتل، أشار «شوقى» إلى أن ذلك يرجع لمجموعة من العوامل منها: طبيعة مرحلة المراهقة التى تتميز بالاندفاعية وعدم تفكير المراهق فى عواقب أى سلوك يقوم به، وضعف الوازع الدينى والأخلاقى لدى كثير من الشباب، وشعور الشاب بفقدان الأمل والعجز عن توفير مستقبل آمن لنفسه من خلال العمل، وعدم وجود فرص أمام الشباب لممارسة الأنشطة سواء فى الأندية أو مراكز الشباب لإخراج طاقاتهم المكبوتة بدلا من العنف، وأنماط التعليم والمناهج التى تركز فقط على النواحى العقلية والمعرفية لدى الطلاب وتهمل تماما إكسابه القدرة على ضبط وجدانه والسيطرة على نفسه.
وعن دور وزارة التعليم فيما يحدث، لفت "شوقى" إلى أن الوزارة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تحكم السيطرة على جميع الطلاب فى كل المدارس والذين يفوق عددهم ٢٥ مليون طالب، ولكنها تسعى إلى تحقيق الانضباط من خلال إصدار لائحة التحفيز التربوى والانضباط المدرسى، كما أنها تحيل أى جريمة إلى النيابة العامة والنيابة الادارية بشكل فورى، لذا لا شك أن وجود رجال الأمن فى نطاق المدارس حل جيد ولكنه ليس كافيا، ومن ثم لا بد أن تكون الحلول لمشكلات العنف فى المدارس هى حلول تربوية ونفسية سليمة قبل أن تكون حلولا أمنية من خلال معالجة الأسباب المؤدية إلى العنف بشكل جذرى، وتتضمن هذه الحلول: التقليل من ضغوط الامتحانات والتقييمات فى المدارس، وإتاحة الفرصة للطلاب لممارسة الأنشطة والهوايات داخل المدرسة واكتشاف الموهوبين منهم ورعايتهم، وكذلك تفعيل دور الاخصائى النفسى داخل المدرسة والذى يمكنه التعرف على الطلاب ذوى الميول العدوانية ووضع برامج علاجية لهم، وتفعيل لائحة الانضباط المدرسى وتطبيقها بشكل حازم، وعقد ندوات ثقافية يتم فيها استضافة رجال الدين والمتخصصين فى علم النفس والصحة النفسية، وكذلك الاهتمام بالإذاعة المدرسية للتوعية بخطورة سلوكيات العنف.
التعليم وحده لا يكفى
ومن الناحية الفكرية والدينية تحدث الدكتور أحمد الطباخ كاتب وباحث فى قضايا الفكر واللغة لدى الأزهر الشريف، قائلًا: إن التعليم أصيب فى مقتل لما ساد العلاقة بين المعلم والطالب سوء الأدب وسوء الأخلاق لذلك كانت التربية والتعليم أمرين لا مناص منهما، ولا بد من وجودهما لأن تعليما دون تربية وأدب سيجلب لصاحبه الدمار والهلاك، ولن يجدى نفعا.
وتابع «الطباخ»: لقد صار المعلم يفتقد الأخلاق التى هى الدافع إلى العطاء والبذل ونقل المعارف للطلاب وإعطاء القدوة الحسنة لهم، وغدا الطلاب لا يتعلمون تعليما يقوم سلوكهم أو يغير فى ثقافتهم أو يدفعهم إلى الاستعداد للبذل والعطاء فأصاب المعلم الخلل والطالب الوهن.
وطالب «الطباخ» بضرورة عودة العقاب داخل المدرسة، قبل أن يأتى يوم يعزف المسئولون والمدرسون عن العمل بهذه المهنة الشريفة، وعلى أولياء الأمور أن يعلموا أولادهم أن المعلم أب حتى ولو قسا عليه، وأن له هيبة وعندما تتكلم عن المعلم أمام أولادك تكلم عنه باحترام حتى لا تفسد ولدك وهو على أوائل درجات السلم التعليمى، كما يجب على كل معلم وإدارى ومسئول أن يعاملوا الطلاب كأبنائهم فى الفصول والتلطف معهم قبل القسوة عليهم، واستدعاء ولى الأمر وعرض أخطاء الطالب أمامه بهدوء.
عوامل عديدة
وتحدث الدكتور محمود علام استشارى الإرشاد النفسى والأسرى قائلًا إن: «الجرائم التى تحدث فى المدارس من طلاب وأولياء أمور ومعلمين تعد نتاجا طبيعيا لتراكم عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، بالاضافة إلى بيئة المدرسة نفسها غير الآمنة أحيانًا بسبب قلة أو انعدام الرقابة والتوجيه، وكذلك غياب دور بعض الأسر وافتقارها للبعد النفسى وعدم تقديم الدعم العاطفى لأبنائهم مما يجعل منهم أكثر عدوانية داخل المدرسة».
وعن انتشار العنف بين الطلاب ووصوله لحد القتل، قال «علام» إن له عدة أسباب، منها التفكك الأسرى، وإدمان السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية خاصة ذات المحتوى العنيف، والتواجد فى بيئات لا تشجع على التفاهم ولا الحوار، الأمر الذى يعزز الحلول العنيفة فى التعامل مع المواقف. كل ذلك دعم وساعد على أن يصبح العنف متأصلا فى ردود الفعل المختلفة، لذا وجب على وزارة التربية والتعليم وضع سياسات مشددة لمنع العنف فى المدارس، بما فى ذلك تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع هذه الحالات، فالوزارة متحملة جزءًا ليس بقليل من المسؤولية، لما ينبغى ويتطلبه من توفير مناخ وبيئة تعليمية آمنة من خلال دعم برامج توعية وتعليمية تهدف وتنمى القيم الإنسانية الصحيحة لدى التلاميذ.
وأكد الخبير الأسرى أن المدارس تحتاج إلى أمن ونقاط شرطة، فأصبح من الضرورى والمُلح زيادة عناصر الأمن فى المدارس، سواء شرطة نظامية مدرسية أو عن طريق دوريات شرطة من وزارة الداخلية تكون بالقرب من المنشآت التعليمية، خاصة فى الأماكن ذات الأجواء الأكثر توترًا وتشهد أعمال عنف متزايدة، كل ذلك يسبقه أو يصاحبه توعية شاملة لتلاميذ المدارس حول ضرورة نبذ أعمال العنف وما ينجم عنها من نتائج وآثار مفزعة، كما أن هناك دور على الأسرة فهى الركيزة الأساسية لتربية الأبناء وتشكيل هويتهم الشخصية، لذا إذا لم توفر الأسرة بيئة صالحة عمودها الحب والاحترام والتفاهم، فسيتجه أبناؤها إلى السلوكيات العدوانية، وهناك بعض بل الكثير من الأسر سلبيين ومهملين فى تربية أبنائهم وتوجيههم بالشكل السليم، بسبب الانشغال الزائد نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التى جعلت الشغل الشاغل لمعظم الأسر هو إطعام البطون وسد حاجتها دون إطعام العقول.
وفى النهاية، يجب التوعية بأهمية الأخلاق، وتنظيم حملات توعوية داخل المدارس بصفة دورية، وعمل برامج تثقيفية حول أضرار الأفعال وردود الأفعال العنيفة، والحث على أهمية الحوار والتسامح، فهناك عدد لا بأس به من المدارس تفتقر إلى هذه البرامج، وان وجدت فتكون شكلية فقط، الأمر الذى ساهم جدا فى تفشى السلوكيات العنيفة.
غياب القدوة
أما الدكتور أحمد توفيق، أستاذ إدارة الأزمات، فيرى إنّ انتشار العنف بين الشباب ووصوله لحد القتل يرجع لعدة أسباب تبدأ من عوامل داخلية فى الأسرة كالعنف الأسرى أو انفصال الأب والأم وغيرها من المشكلات التى تنشأ فردا عدوانيًا، وهناك أسباب خارجية مثل: المسلسلات والأفلام التى تتضمن مشاهد العدوانية وغياب صورة القدوة للشباب وانحصارها فى صورة البلطجى.
ويشير «توفيق» إلى أن المدارس لا تحتاج إلى نقاط شرطة قدر ما يحتاج إلى القدوة فلم تكن هذه الممارسات موجودة من قبل، بل هى ممارسات دخيلة على المنظومة التعليمية، فمع تواجد القدوة من المدرس تنحصر مثل هذه الممارسات، مؤكدًا أن مكوث الأبناء داخل المنازل ليس الحل الأمثل بل يجب أن تعود هيبة المدرس الذى يجب أن يراعى ضميره فى عمله ويقدم التربية قبل التعليم، وبذلك تنحصر مثل هذه الممارسات وتنعدم تماما.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دماء المدارس أسوار المدارس التربية التعليم هيبة المعلم مدرس اللغة الإنجليزية محافظة سوهاج
إقرأ أيضاً:
هل يُعيد وزير التربية والتعليم عقارب الساعة إلى الوراء؟
تُثير سياسات وزير التعليم الحالي قلقًا بالغًا واستياءً واسعًا في الأوساط الليبية، ويُنظر إليه على أنه غير مُكترثٍ بمصلحة الطلاب، وأنّ قراراته فاشلة بكل المقاييس، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فالمخرجات التعليمية للمدارس تُظهر انحدارًا مُطردًا في مستوى الطلاب، ما يُثير شكوكًا جدية حول قدرتهم على اكتساب المعارف الأساسية.
المثير للاستغراب هو إعادة إحياء قوانين قديمة كانت سائدة في عهد النظام السابق، وهو ما يُعدُّ نكوصًا وتراجعًا عن التطور المنشود. ففي الوقت الذي تُقدّم فيه الدول المتقدمة، كالدول الأوروبية، دروسًا خصوصية مدعومة من الدولة للطلاب الذين يُعانون من صعوبات في التعلّم أو لديهم قدرات استيعابية مُنخفضة، نجد وزيرنا يتخذ إجراءات تُعيق العملية التعليمية بدلًا من دعمها، هذا التناقض الصارخ يُثير تساؤلات جدية حول مدى إدراكه لأُسس التعليم الحديث وأهدافه.
إنّ تعطيل الدراسة المُتكرر لأسباب مختلفة، كتأخر توفير الكتب المدرسية، وعدم إتمام صيانة المدارس، والظروف الأمنية التي أدّت إلى تعليق الدراسة في بعض المناطق، يُعدُّ شاهدًا واضحًا على سوء الإدارة والتخبط في اتخاذ القرارات، إضافة إلى ذلك، فإنّ ازدواجية المناهج الدراسية بين شرق ليبيا وغربها تُفاقم من حالة عدم الاستقرار وتُؤثر سلبًا على وحدة النظام التعليمي في البلاد، بل تُهددُ مستقبلَ وحدةِ الوطنِ.
وبدلًا من التركيز على تحسين جودة التعليم الأساسي، نجد الوزير يُضيف أعباءً جديدة على الطلاب بإدخال لغات أجنبية إضافية كالصينية والفرنسية والإيطالية، في حين أن مستوى الطلاب في اللغة العربية، وهي لغتهم الأم، مُتدنٍّ، هذا التوجه يُعدُّ تجاهلًا صارخًا لأولويات التعليم الأساسية وإهدارًا للوقت والجهد والموارد.
بناءً على كل ما سبق، نُطالب وزير التعليم بمراجعة شاملة لسياساته واتخاذ إجراءات جادة وفاعلة لتحسين الوضع التعليمي المُتردي، بدلًا من المُضي قُدمًا في قرارات تُهدد مستقبل أجيال بأكملها، كما نُطالبُ بفتحِ حوارٍ مجتمعيّ واسعٍ يُشاركُ فيه الخبراءُ والمُعلّمون والأهالي لوضعِ رؤيةٍ شاملةٍ لإصلاحِ التعليمِ في ليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.