ترامب صالح أم طالح في نظر إسرائيل؟
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
ما إن لاح في الأنباء الأميركية احتمال فوز دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس حتى أطلق قادة اليمين الإسرائيلي هتافات الترحيب والتهليل واعتبار هذا الفوز نصرا خالدا لهم، بل إن كثيرين داخل الكيان رأوا في إدارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الحرب واحدة من أسباب فوز ترامب وهزيمة المرشحة الديمقراطية.
وما إن بدأ ترامب في تشكيل إدارته الجديدة وإعلان تعيين عدد من أبرز المؤيدين المتعصبين لإسرائيل حتى انطلقت التصريحات من جانب قادة اليمين بقرب تحقيق طموحاتهم في ضم الأراضي الفلسطينية وفي هزيمة محور المقاومة وإيران.
وفي ضوء التعيينات المؤيدة لإسرائيل في مناصب رئيسية في السياسة الخارجية لإدارة ترامب (ماركو روبيو وزير الخارجية، ومايكل فالتز مستشار الأمن القومي)، صار المسؤولون في إسرائيل يتحدثون بلهجة أشد ثقة من أي وقت مضى حول فرص مهاجمة منشآت النفط والبرنامج النووي الإيراني.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن هؤلاء المسؤولين لم يعودوا قادرين على انتظار يوم 20 يناير / كانون الثاني لبدء حوار مع الإدارة الجديدة. حيث جرى منذ إعلان فوز ترامب في الانتخابات نقل الرسائل السياسية والأمنية (المسألة الإيرانية، تطبيق السيادة على الضفة الغربية، التسوية الإقليمية، الخ).
غير أن هذا التهليل لفوز ترامب والترحيب بتعييناته أصاب كثيرين داخل إسرائيل بالخيبة والنفور. فقد آمن هؤلاء أن هذا الفوز وهذه التعيينات ليست في صالح إسرائيل التي تحتاج إلى إدارة تنقذها أحيانا من خطرها على نفسها وتحميها من أخطار الآخرين. فقد كرست صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها يوم الخميس الماضي لهذا الأمر تحت عنوان: "يا سموتريتش، السفير الأميركي على يمينك".
وكتبت أن "سلسلة التعيينات التي أعلنها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يجب أن تقلق كل مهتم بمستقبل دولة إسرائيل. فالتأييد لمشروع الاستيطان وضم المناطق بسكانها ليس موقفا مؤيدا لإسرائيل. ومن اللحظة الأولى هدد مشروع الاستيطان بتوسيع دولة إسرائيل. والآن، مع إدارة أميركية مؤيدة للاستيطان، مؤيدة لضم المناطق بملايين سكانها، سيتسارع العد التنازلي لإسرائيل كدولة ديمقراطية".
وأضافت أن "وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قال إن انتصار ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية هو فرصة. 2025 سيكون عام السيادة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". وبالفعل فإن تعيينات ترامب تبدو كتحقيق الحلم الكبير لوزير المناطق: عضو الكونغرس مايكل بايتس سيتعين في منصب مستشار الأمن القومي، السيناتور ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية، عضو الكونغرس أليس ستفانيك سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، الإنجيلي ومحب الضم مايك هاكابي سيكون سفيرا في إسرائيل، بيت هاكست مقدم البرامج في "فوكس نيوز" المقرب من هاكابي والمعروف في علاقاته الوثيقة مع اليمين في إسرائيل مرشح لمنصب وزير الدفاع.
وخلصت إلى أنه "عندما لا يكون ممكنا التمييز بين سموتريتش والسفير الأميركي فهذا خطير لإسرائيل. إذ قال هاكابي في 2017 "لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، هذه يهودا والسامرة. كما لا توجد مستوطنات بل تجمعات أهلية. وأيضا لا يوجد شيء يسمى الاحتلال. وبالنسبة للإسرائيليين الذين يتطلعون للعيش في دولة لا تحكم شعبا آخر ولا يكون فيها حكم أبارتهايد فإن تعيين شخص كهاكابي ينذر بالشر".
وطوال الحرب كان جليا أنه لم يسبق أن وجدت في واشنطن إدارة متعاطفة مع إسرائيل مثل إدارة بايدن التي وفرت لحكومة نتنياهو درعا سياسيا واقيا في الحلبة الدولية ودفعت كل حلفائها لإظهار دعم غير مشروط لإسرائيل وحربها، وأمدت إسرائيل بقطار جوي وبحري منقطع النظير من الإمدادات العسكرية التي أفرغت حتى مخازن ذخائر أميركا في البر الأميركي وفي قواعدها في أوروبا، بل إن إدارة بايدن عمدت إلى تهديد المحكمة الجنائية الدولية من التعامل القانوني مع إسرائيل ومحاولة جلب جرائمها أمام القضاء الدولي.
ولكن كل ذلك لم يجعل إدارة بايدن مسموعة الكلمة عند حكومة نتنياهو وجرى التلاعب بها سياسيا وإعلاميا لدرجة أظهرت مقدار عجز هذه الإدارة التي يشهر رئيسها بايدن صهيونيته، ويتفاخر وزير خارجيته بأولوية يهوديته. وكان السبب الرئيس في الخلاف هو عدم تطابق موقف إدارة بايدن مع تطلعات حكومة نتنياهو بشأن طرق الحفاظ على مكانة إسرائيل كقوة إقليمية مؤثرة.
وفي "معاريف" يحاول المراسل المتخصص في الشأن الأميركي شلومو شامير، وضع النقاط على الحروف في هذا السياق. فكتب أن "التقارير التي تتداولها وسائل الإعلام في إسرائيل حول تعيينات دونالد ترامب في مناصب عليا في إدارته، تشير بحماس وإعجاب إلى أنها مؤيدة لإسرائيل. أحد الكتاب في أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة خرج عن طوره، متوجا إعجابه بالتعيينات بقوله "إسرائيل تستطيع أن تبتسم". رائع. في ظل هذا الحماس لتعيينات ترامب قد يظن المرء أن إسرائيل بكت وناحت وعانت في السنوات الأربع الماضية ممن شغلوا مناصب عليا في إدارة بايدن".
ويضيف شامير، "مهلا، هل كان أنتوني بلينكن الذي خدم في البيت الأبيض وزيرا للخارجية كارها لإسرائيل؟ وهل ضايقت السفيرة المنتهية ولايتها ليندا توماس غرينفيلد، إسرائيل؟ غرينفيلد دبلوماسية محترفة مخضرمة عملت في وزارة الخارجية الأميركية 35 عاما، ولم يُنشر الكثير عنها لأنها باعتبارها دبلوماسية كبيرة محترفة كانت تتجنب الانكشاف وتفضل العمل بهدوء. من خلال أسلوب عملها الدقيق والسري، منعت غرينفيلد وأحبطت كل المحاولات والمبادرات ومقترحات القرار لإدانة إسرائيل لحربها ضد حماس التي طرحت في مجلس الأمن.
وخلص شامير إلى أن "ما ينساه أو يتجاهله الكتاب المتحمسون والمذهولون من وجود أشخاص مؤيدين لإسرائيل في تعيينات ترامب المتوقعة لمنصب وزير الخارجية أو تعيين ستيفانيك في الأمم المتحدة، هو الحقيقة التاريخية المتمثلة في أنه لم تكن هناك إدارة على الإطلاق. متعاطفون وداعمون ومخلصون لإسرائيل مثل إدارة الرئيس جو بايدن. وأنه لا جدال في حقيقة أنه لم يكن هناك في التاريخ الرئاسي للولايات المتحدة رئيس يحب إسرائيل، ومخلص حقا لمصالح إسرائيل، ويهتم حقا، دون اعتبارات سياسية، بأمن إسرائيل، مثل بايدن".
ولا يبدو من الكلام عن إدارة بايدن مجرد رغبة في مدحها بقدر ما هي إشارة إلى الفارق بين ما يعتبره "الواقعيون" قراءة صحيحة وبين الرقص على وقع طبول وعود من جهات غير مضمونة وربما غير مستقرة. ويستذكر بعض هؤلاء حقيقة أنه في ولاية ترامب السابقة استقال أو أقيل 19 من كبار المسؤولين، بينهم 3 وزراء خارجية. ونظرا لقناعة "العقلانيين" بأن ترامب شخص نرجسي وغير مستقر فإنه يتدخل كثيرا في صلاحيات من يعينهم ويثير خلافات معهم قد ترتد سلبا على إسرائيل.
ويشير هؤلاء مثلا إلى أن سفيرة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي استقالت من منصبها بعد عامين أساسا بسبب غضبها على ترامب الذي كان يشهر الازدراء للمنظمة الدولية.
وعموما يرى كثيرون الفارق بين طبيعة التعيينات في عهد ترامب والتعيينات في عهد بايدن والإدارات الأخرى، فتعيينات بايدن كانت لأشخاص ذوي خبرات وتجارب، في حين تعيينات ترامب طائشة في نظر الكثيرين مثل تعيين وزير الدفاع الجديد الذي كان مجرد معلق سياسي، أو تعيين النائب العام المشهور بإيمانه بنظريات المؤامرة.
وربما هذا ما دفع يائير غولان وتشيك فرايلخ في "هآرتس" لاعتبار أن "عودة ترامب لا تبشر بالخير، حتى لليمين". وفي نظرهما فإن "هذه أيام حزينة وخطيرة للمجتمع الدولي، للولايات المتحدة ولإسرائيل. الولايات المتحدة انتخبت رئيسا شخصا يعتبر من قبل مقربيه فاشيا، لا يصلح أن يكون رئيسا، وتوجد لديه علامات على تدني المعرفة. وكنرجسي فإنه شخص متقلب ويرغب في الانتقام، ولا نعرف أي ترامب سنلتقي في هذه المرة، لا سيما عندما يكون متحررا من الاعتبارات السياسية والتوازنات والكوابح التقليدية. دونالد ترامب سيطر في السابق على المحكمة العليا وضمن له أغلبية في مجلس الشيوخ، كما في مجلس النواب، أي أن لديه سيطرة على السلطات الثلاث، وهذا هو حلم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو".
ويريان أنه "خلافا للرأي السائد، بشكل عام لا يتوقع أن تكون فترة ذهبية لإسرائيل مع ترامب. والمجالات التي ستحصل على فترة ذهبية كما يبدو، فإن الأمر لن يكون بالضرورة في صالحنا. فالتزامه لنتنياهو هو التزام نفعي بالأساس".
في كل حال أغلب المتشائمين في إسرائيل من فوز ترامب يشيرون إلى واقع نرجسيته وانعزاليته وانعدام المبدئية لديه.
عدا ذلك يرون في ترامب شخصية شعبوية متقلبة لا تقيم وزنا لمقتضيات العمل المؤسسي، وإذا ربط ذلك بواقع أن الإدارة الأميركية ليست حكومة تتخذ قرارات بالأغلبية وأن كل قرار فيها يعتمد على الرئيس فإن التعيينات على أهميتها تظل ضعيفة مقارنة بموقف الرئيس.
ولأن تجربة ترامب في ولايته الأولى كانت مليئة بالشكوك تجاه من قام بتعيينهم، فمن المتوقع أن تعييناته هذه المرة تستند إلى الولاء أكثر مما تستند إلى الخبرة والدراية. ويتوقع كثيرون ألا يحتمل ترامب هذه المرة أية مظاهر استقلالية أو ضعف ولاء من جانب من قام بتعيينهم.
وأيا تكن الحال فإن السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن داني أيالون قال في مقابلة مع يديعوت أحرونوت "لا تهرعوا لفتح زجاجات الشمبانيا لأنكم قد تواجهون خيبة مريرة". وأوضح أنه خلافا لتوقعات سموتريتش فإن "ضم الأراضي لن يتم لأن السعودية لن تقبل بذلك"، وأن "ترامب سيعطي الفلسطينيين في النهاية دولة حتى لو بعد سنين طويلة".
وأشار تحديدا إلى تعيين الكاهن الأنجيلي مايك هاكابي سفيرا في تل أبيب وماركو روبيو وزيرا للخارجية، معتبرا أنه "على النقيض مما يتصورون فإن هذه التعيينات قد تقيد المستوطنين لأنه إذا كان أعظم أصدقائهم، هاكابي وروبيو، يقولون لا لضم الأراضي، فإنهم لن يقدروا بعد ذلك أن يقولوا شيئا". وشدد على أن صاحب القرار في النهاية هو ترامب نفسه الذي "لا أعتقد أنه سيسمح بالضم لأنه ملزم بأن يترك للعرب خيار دولة فلسطينية بشكل أو بآخر، حتى لو بعد 50 عاما".
وخلص أيالون إلى أن المستوطنين واليمين يمكن أن يكسبوا الكثير من المعونات والميزانيات والتأييد من إدارة ترامب إذا "أعطوا العرب شيئا. ولن تقام دولة فلسطينية غدا، لكنهم ملزمون بعملية سياسية تقود في النهاية إلى انفصال، وربما إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح بعد سنوات طويلة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تعیینات ترامب دونالد ترامب إدارة بایدن فی إسرائیل فوز ترامب ترامب فی فی مجلس إلى أن
إقرأ أيضاً:
فايننشال تايمز: هكذا تستطيع أوكرانيا أن تفكك التحالف الغربي
قالت صحيفة فايننشال تايمز إن للولايات المتحدة وأوروبا وجهات نظر مختلفة جوهريا من التهديد الروسي وحماية الديمقراطية، وبالتالي إذا حاولت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الآن إجبار أوكرانيا على القبول بهزيمة جزئية، فستنظر أوروبا إلى ذلك على أنه مكافأة منها للعدوان الروسي.
وأوضحت الصحيفة -في مقال للصحفي غدعون راشمان- أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) قام عام 1949 بين الولايات المتحدة وكندا وبعض الحلفاء الأوروبيين بسبب الخوف من موسكو، وأن هذا الخوف نفسه الآن يهدد بتفكيك هذا الحلف.
ومع أن التحالف الأطلسي صمد في وجه العديد من الخلافات العميقة على مر الزمن، من أزمة السويس عام 1956 إلى حربي فيتنام والعراق، بفضل بقاء الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على الجانب نفسه، حسب الكاتب، فإن تحالفهم معرض الآن للخطر ما لم يستطيعوا الاتفاق على التهديد الذي يواجهونه، وكيفية التعامل معه.
وبالفعل أقيمت الشراكة الأميركية الأوروبية على أساس المصالح والقيم المشتركة، وكان الاهتمام طوال الحرب الباردة هو احتواء التهديد القادم من الاتحاد السوفياتي، والقيمة المشتركة هي الدفاع عن الديمقراطية، وحتى بعد انتهاء الحرب الباردة، كانت الحرب على الإرهاب وحماية الديمقراطيات الأوروبية الجديدة هدفا مشتركا، لكن هذا الفهم المشترك يتداعى الآن -حسب الكاتب- وأي نهاية كارثية للحرب في أوكرانيا سوف تنهيه تماما.
إعلانوها هي الولايات المتحدة وأوروبا تقدمان خطط سلام مختلفة لأوكرانيا لأن مفهوم الأمن الدولي ومصدر التهديد القادم لم يعد متفقا عليهما، إذ يعتقد الأوروبيون أن مكافأة العدوان الروسي في أوكرانيا ستزيد من احتمال مهاجمة بوتين بقية أوروبا، في حين ترى إدارة ترامب أن الولايات المتحدة يجب ألا تنجر في النهاية إلى حرب مباشرة مع روسيا.
معركة وجودوالحقيقة -حسب راشمان- هي أن الخلاف في الرؤى الأمنية يتجاوز الآن كيفية إنهاء حرب أوكرانيا، لأن حلفاء أميركا يواجهون تهديدا مباشرا من ترامب بضم أراضي عضوين في الناتو، وذلك بتحويل كندا إلى الولاية الـ51 من بلده، واحتلال غرينلاند التي هي جزء يتمتع بحكم ذاتي من الدانمارك.
وإذا جمعنا هذه الغرائز الاستبدادية لدى ترامب -كما يقول الكاتب- وتهديداته لحلفاء الناتو، وتعاطفه الواضح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فلن يكون هناك مجال للقول إن الناتو ما زال تحالفا قائما على قيم مشتركة لأن صراع القيم أصبح الآن جليا.
ومع أن الولايات المتحدة والأوروبيين يدعون أنهم يدافعون عن الديمقراطية، فإن كل طرف يعتقد أن الديمقراطية مهددة على الجانب الآخر، وقد اتهم جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي، في خطاب شهير ألقاه في مؤتمر ميونخ للأمن، الأوروبيين بقمع حرية التعبير والخوف من شعوبهم، وهو ما قابلته أوروبا بغضب شديد، مع استحضار جهود ترامب لإلغاء الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 وهجماته على القضاء ووسائل الإعلام والجامعات.
وتبشر إدارة ترامب وأووربا الآن برؤيتين متضاربتين للقيم الغربية، رؤية ترامبية قومية عرقية، محافظة ثقافيا وغير ليبرالية، مقابل رؤية أوروبية أممية تستند إلى القانون والمؤسسات الليبرالية، وكلا الجانبين يعتقد أن هذه معركة وجودية من أجل البقاء السياسي.
وتريد إدارة ترامب العمل مع الشعبويين القوميين في أوروبا من أمثال فيكتور أوربان في المجر وروبرت فيتسو في سلوفاكيا ونايجل فاراج في بريطانيا، كما تعقد أوروبا من جهتها الأمل على الحزب الديمقراطي في واشنطن، وهي الآن تحسب الأيام بفارغ الصبر في انتظار انتخابات التجديد النصفي الأميركية.
إعلان