بقي للسودان سنة واحدة لترفع راية استقلاله وتمردت حامية توريت ، وبعد رفع العلم بسنتين وثب العسكر علي السلطة لتبدأ الدورة الخبيثة : انقلاب ، انتفاضة ، انقلاب ، انتفاضة وتطور الأمر الي انقلاب يلد انقلابا وكل هذه الفوضي نتج عنها هذه الحرب اللعينة العبثية

المؤرخ ليس من مهامه أن يحكي لنا عن طيبة الفريق ابراهيم عبود هذه الطيبة التي افتقدها الشعب يوم ثار نفس هذا الشعب عليه ووضعوا حدا لتسلطه في أكتوبر من العام ١٩٦٤ وقد غني لاكتوبر الاخضر نفس المطرب الذي مجد انقلاب نوفمبر علي أساس أنه ثورة ( في نوفمبر بعثت ثورة ثورتنا الشعبية ، جيشنا الباسل هب وعلا راية الجمهورية ) !!.

. وزميل لهذا المطرب مدح قائد الانقلاب بأنه جبل حديد جاءنا بالراي السديد ... ليس من وظيفة المؤرخ أن ينقل لنا بعد أن تنحي الرئيس عبود ولزم داره كيف أن جمهرة من المواطنين التفوا حوله وهو يتسوق الخضروات والفواكه وملأوا عربته بما لذ وطاب منها وهم يهتفون مليء حناجرهم :
( ضيعناك وضعنا معاك ياعبود ) !!..
عبود هذا الذي بكيتم عليه يوم ذهب مع الريح وطواه النسيان كان قائدا للجيش وكان الجيش في أحسن حالاته وعبود نفسه كان مهندسا وعسكريا منضبطا يفهم في مجال عمله الكثير لما توفر له من دراسة في كلية حربية هي الأجود في كل المنطقة العربية وتدريب عالي المستوى بالخارج ولكن عندما طلب منه عبدالله خليل أن يستلم البلد نفذ المطلوب بكل بساطة وكأنه يستلم خطاب سلمه له ساعي البريد !!.. هذا التصرف من الجهتين يسمونه عطاء من لايملك لمن لايستحق ...
قلنا إن الجيش كانت له هيبة وشوكة وكان بعيدا تماما عن السياسة وعاكف علي الأمانة الملقاة علي عاتقه وهي حراسة الحدود والدستور ...
كان يجدر بالفريق عبود وقد واتته هذه الفرصة وهو صاحب شوكة أن يدير البلاد لفترة محددة يضع فيها الأمور في نصابها الي أن يعود السياسيون الي رشدهم ويتحلوا بالمسؤولية ومن ثم يسلمهم الأمانة ( أمانة الحكم المدني ) ويعود لثكناته ومهامه الموكلة إليه في حراسة الحدود والدستور ... ولكن أن يستمريء عبود اللعبة و ( بي وشو يواصل ) وكأنه منتخب من أهل البلد للرئاسة فهذا طمع وجشع في شيء لايحق له وبالمقام الاول هو عمل غير دستوري ومخالف للقانون ويستحق عليه أن يقدم للعدالة بتهمة اغتصاب السلطة ...
واكبر دليل علي أن عبود وقد تسلم السلطة من عبدالله خليل علي أن عمله هذا كان منذ ضربة البداية إنذار بشر مستطير ونهاية للديمقراطية ولحرية الفرد والجماعة اول ما عمد إليه هو حل الأحزاب السياسية وتعطيل الدستور ومعني هذا أن البلاد بعد ذلك ستنزلق الي هوي الحاكم وتصرفاته التي مهما بدت بعيدة عن القانون والنظام فلن يجرؤ أحد من الرعية أن يرفع عقيرته بالاحتجاج أو الشكوي لأن مثل هذه الأشياء تحت تلك الظروف الاستثنائية عقوبتها التعليق علي رؤوس المشانق أو الضرب بالرصاص الحي أو غياهب السجن أو في احسن الأحوال التشريد والمضايقة والفصل من الخدمة للصالح العام ...
طبعا كما تعرفون فإن نظام مثل هذا يلتف حوله المطبلون والزمارون وماسحو الجوخ ولاعقو الأحذية العسكرية الثقيلة وعن الإعلام فحدث ولا حرج فإن معظم المواد المقدمة تجتهد في إظهار الحاكم ونظام حكمه في ابهي صورة واجمل رونق وتضخيم المنجزات وكيل السباب للمعارضين وتهديدهم بالويل والثبور وعظايم الأمور ...
ليس من مهمة المؤرخ أن يتحفنا بكتاب ألف ليلة وليلة عن المشير جعفر نميري ( ابو عاج ) وعن فروسيته وكيف أنه قفز فوق حائط طوله ( متران ) وكثير وكثير من سرديات العامة والجمهور عن حكايات شخصية بطلها هذا الانقلابي الذي عطل الدستور وادخل البلاد في نفق مظلم لمدة سبعة عشر عاما بدأت بنظامه الاحمر القاني وانتهت بتنصيبه أميرا للمؤمنين ...
وحكايات وحكايات عن معسكر ود ( الحليو ) وترحيل الفلاشا وخاشجوقي ولقاء معه في طائرة قابعة في مدرج بمطار الخرطوم ومع ذلك ورغم كل هذه المغامرات يقولون لنا أن بطل انقلاب مايو مات فقيرا ولايملك شروي نقير .
ستة وستون عاما مضت منذ أن وثب العسكر للسلطة لاول مرة وجلسوا فيها لمدة ستة سنين كانت فيها تنمية كثيرة ودموع أكثر والشعب افتقد الحرية والعدالة فلم يصبر وانتفص واقتحم كوبر كما اقتحم الفرنسيون الباستيل وكانت انتفاضة حتي النصر وكانت انتفاضة حتي القصر .
وبعد مايو جاءت شقيقتها يونيو عام ١٩٨٩ وتلخيصا لفترة حكم المؤتمر الوطني التي استمرت لمدة ثلث قرن مع وقت اضافي بعد أن قضت اللجنة الأمنية علي انتفاضة الشعب في ديسمبر ٢٠١٩ ويمكننا القول إن نظام المخلوع لم يغادرنا وقد تم تثبيته بالانقلاب الثاني للفلول في أكتوبر ٢٠٢٣ وبعودة رموزهم الواحد تلو الأخري وصارت اجتماعاتهم علي رؤوس الأشهاد وبالأمس تم انتخاب أحمد هارون رئيسا لحزبهم المقبور وكان الشعب ينتظر من حكومة الأمر الواقع أن تسلمه للمحكمة الجنائية الدولية ولكن الأمور لم تمضي كما تشتهي وغدا يظهر المخلوع ويقولون إنه كان في استراحه محارب ومعه ذراعه اليمنى وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين وكلاهما سيطالب بالتعويض وان تسلم لهما السلطة في الحال ليس كمن بل كحق تم انتزاعه منهما بثورة شبابية عارمة ...
هذه الانقلابات خاصة انقلاب يونيو هي التي اقعدت بالسودان عن كل تنمية وخير وسلمته للمحاور من الشرق والغرب ونشرت فيه الفساد وطمعت فيه الآخرين والنهاية والضربة القاضية جاءت بالحرب العبثية المنسية الملعونة .
لهفي علي شعبنا الأبي الكريم فقد فقد ذهبت ٥٤ عاما من حكم العسكر بعافيته وهو اليوم ينازع لإخراج الروح والعسكر مازالت نفسهم مفتوحة لحكم الجماجم والاطلال !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

«راية الراشدي» تلغي هدف السعودية أمام أستراليا

معتصم عبدالله (أبوظبي)
اتخذ الحكم عادل النقبي، والذي قاد طاقم التحكيم الإماراتي لمباراة منتخب السعودية أمام مضيفه أستراليا قراراً مثيراً، بإلغائه هدفاً لـ «الأخضر» سجله سلطان الغنام في الدقيقة (90+4)، ليفرض «التعادل السلبي» على المواجهة التي أقيمت اليوم على استاد ملبورن ريكتانجولار، ضمن «الجولة الخامسة» من منافسات المجموعة الثالثة في الدور الثالث من التصفيات الآسيوية - الطريق إلى كأس العالم 2026.
وغلفت الإثارة والندية العنوان دقائق اللقاء الأخيرة، بعدما نجح البديل السعودي سلطان الغنام في هز الشباك من تسديدة أرضية من حافة المنطقة هزت الشباك، قبل أن يرفع الحكم أحمد الراشدي «راية التسلل» ويؤكد حكم الفيديو المساعد إلغاء الهدف (90+4).
وقاد النقبي طاقم تحكيم إماراتي لمباراة السعودية وأستراليا، والذي ضم إلى جانبه مساعديه أحمد الراشدي وسبت عبيد، إضافة إلى أحمد عيسى درويش «حكم رابع»، فيما تواجد يحيى الملا على تقنية الفيديو «الفار»، بمهاونة عيسى خليفة.
وتعادل منتخب السعودية خارج ملعبه مع أستراليا 0-0 اليوم، بعدما تبادل الفريقين المحاولات الهجومية خلال المباراة، من دون أن ينجح أي منهما في الوصول إلى المرمى.
وقاد «الصقور الخضر» المدرب الفرنسي هيرفي رينارد العائد إلى تشكيلة «الأخضر» بدلاً من الإيطالي روبرتو مانشيني المقال بسبب سوء النتائج.

أخبار ذات صلة تعادل السعودية وأستراليا.. «الكنجارو» يتراجع! قمصان ميسي تتحدى «حظر باراجواي»!

مقالات مشابهة

  • الميليشيا الحوثية تكثف من نشر الجواسيس وسط حالة عارمة من السخط الشعبي
  • شلقم: أخطر الحروب هي التي يشنها الشعب على نفسه
  • مدرب البحرين يرفع راية التحدي: سنتأهل إلى كأس العالم 2026
  • عبود: حركة السفر من لبنان وإليه خجولة جداً
  • راية لتكنولوجيا المعلومات تشارك في الدورة 28 من معرض "Cairo ICT"
  • «راية الراشدي» تلغي هدف السعودية أمام أستراليا
  • وزير الخارجية: مصر حريصة على وقف إطلاق النار في السودان لرفع المعاناة عن الشعب
  • النظرة الموضوعية لمصاعب وتحديات العمل خلال انتفاضة 1985) (8/15)
  • قضية واحدة.. وزير النقل الفلسطيني يشكر الرئيس السيسي على فتح المعابر