كيف يشكل التحالف بين أمريكا وأوروبا ركيزة أساسية لمواجهة الصين؟
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
في وقت يتسارع فيه التأثير الصيني على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا التحدي المشترك، إذ يمثل الجانبان معاً القوى الاقتصادية الأكبر في العالم، ومن خلال تحالفهما، يمكن لهما تشكيل جبهة موحدة لمواجهة السياسات الاقتصادية الصينية المهيمنة.
ويقول الباحثان كوش أرها وجورن فليك في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتبارهما الاقتصادين الحرين والمنفتحين الوحيدين القادرين على مواجهة النزعة التجارية الصينية، هما شريكان لا غنى لأحدهما عن الآخر في التغلب على الصين.
ويضيف الباحثان أن حصة الاتحاد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكبر قليلاً من حصة الصين. وتبلغ قيمة الاستثمارات المتكاملة عبر الأطلسي أكثر من 5 تريليونات دولار، مع أكثر من 2.7 تريليون دولار من الاستثمارات الأمريكية في أوروبا، وأكثر من 2.4 تريليون دولار من الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة.
وتشكل اقتصادات ضفتي الأطلسي أكبر وأقوى تجمع اقتصادي في العالم، وتحتاج إلى الاستفادة من ميزتها الجماعية في مواجهة الخصوم العالميين المشتركين الذين يسعون بعزم إلى تقسيمهما.
???????? The EU wants to impose sanctions against China because it has allegedly started supplying weapons to Russia, the German publication FAZ reported on Friday, citing sources. pic.twitter.com/Eeq9oW3v21
— Sprinter III (@SprinterIII) November 15, 2024 توحيد الجهودويقول الباحثان إنه ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توحيد جهودهما لتعزيز مصالحهما المشتركة، غير مبالين بمحاولات خصومهما المشتركين لإلهائهما. ويعكس التصويت الأخير لدول الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة التي تغزو الأسواق الأوروبية، إدراك التهديد الصيني والتحديات التي تواجه توحيد الدول الأوروبية المختلفة لاتخاذ إجراءات حاسمة. ويجب على الولايات المتحدة أن تعي هذا التقارب عبر الأطلسي وأن تركز على الجهود المشتركة والمنسقة لدعم هذا التحالف المتزايد، رغم هشاشته.
وتتبنى الصين استراتيجية مشابهة لروسيا، لكنها تمتلك أدوات اقتصادية أكبر بكثير. وتهدف بكين إلى خلق انقسامات، ليس فقط بين دول الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً بين الولايات المتحدة وأوروبا. وسيكون تجاهل أو دعم خطط الخصوم لتفريق الصف تصرفا غير حكيم. وعلى العكس، ينبغي على القادة الأمريكيين والأوروبيين إظهار فهم وصبر استثنائيين تجاه التحديات الداخلية لكل جانب لضمان تعزيز التضامن عبر الأطلسي في مواجهة الخصمين المشتركين، الصين وروسيا.
ويقول الباحثان إن اتخاذ إجراء جماعي ضد الصين في أوروبا أثبت أنه أشبه بمحاولة "جمع القطط"، كما يظهر من التصويت الأخير حول فرض رسوم جمركية محتملة على السيارات الكهربائية الصينية.
وعلى الرغم من أن التصويت قد أقر في المفوضية الأوروبية، فإن غالبية دول الاتحاد الأوروبي إما امتنعت عن التصويت "12 دولة من أصل 27" أو كما في حالة خمس دول بقيادة ألمانيا والمجر، عارضت الإجراء. وصوتت عشر دول فقط، بما في ذلك دول البلطيق وبولندا وبلغاريا والدنمارك وهولندا وإيطاليا وفرنسا وإيرلندا، لصالح القرار.
????NATO CHIEF: RUSSIA GIVES NORTH KOREA MISSILE TECH THAT THREATENS THE US
“Russia working together with North Korea, Iran, and China, is not only threatening Europe…but also the Indo-Pacific and North America.
We must stand together: Europe, North America, and our global… pic.twitter.com/zN8XooBvJe
وامتنعت دول بارزة في حلف الناتو عن التصويت، مثل رومانيا وجمهورية التشيك، إلى جانب الأعضاء الجدد في الناتو فنلندا والسويد، كما فعلت إسبانيا والبرتغال واليونان وعدد من الدول الأصغر مثل كرواتيا وقبرص والنمسا وبلجيكا ولوكسمبورج. ويعطي هذا النمط في التصويت أربع رؤى رئيسية للقادة الأمريكيين، لا سيما أولئك الذين يركزون على الصين.
أولاً وقبل كل شيء، يمتلك الاتحاد الأوروبي وحده، وليس أي دولة أوروبية منفردة، القوة الاقتصادية الكافية لمواجهة الصين. ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هي القائدة الأوروبية الوحيدة التي زارت بكين وأرسلت رسالة قوية قائلة: "الهدف الواضح للحزب الشيوعي الصيني هو إحداث تغيير جوهري في النظام الدولي، بحيث تكون الصين في مركزه".
وفي المقابل، أرسل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسائل متباينة بشأن تايوان في محاولة لإبعاد فرنسا عن الولايات المتحدة. ويبدو أن المستشار الألماني أولاف شولتس مهتم أكثر بالحفاظ على السوق الصينية للسيارات الألمانية. أما بالنسبة للمجر، فإنها تتلقى استثمارات صينية تفوق تلك التي تتلقاها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة، مع خطط لإنتاج السيارات الكهربائية الصينية محلياً لتجنب الرسوم الجمركية الأوروبية.
ويرحب العديد من القادة والأحزاب السياسية في أوروبا، خصوصاً أولئك المتحالفين مع المحافظين الأمريكيين في القضايا الثقافية، غالباً بمبادرات روسيا والصين، رغم أنها تتعارض مع المصالح الوطنية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.
ثانياً، تنظر أورسولا فون دير لاين، المدعومة من المجموعة الأساسية من الدول التي صوتت لصالح فرض الرسوم على الصين، باستثناءات ملحوظة مثل فرنسا وإيرلندا، إلى الصين وروسيا كتهديدين متكاملين. وعلى عكس الآخرين، لا تسعى هذه المجموعة للحصول على ضمانات أمريكية لحلف الناتو بينما تعرب عن استيائها من التورط في منافسة أمريكية-صينية.
ويرى الباحثان أن التحدي الصيني للمصالح الأمريكية يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ أن الدعم المادي الذي تقدمه الصين لروسيا يعد أمراً أساسياً لاستمرار حربها الوحشية ضد أوكرانيا.
كما أن القوات الكورية الشمالية تقاتل نيابة عن روسيا على الجبهات الأوكرانية. ويدرك القادة الواقعيون في كل من أمريكا وأوروبا حجم التحدي العالمي الذي تمثله الصين ويعرفون أن التصدي له يتطلب تحركاً جماعياً.
وفي هذا الجهد، تتولى فون دير لاين قيادة أوروبا متفوقة على أي قائد وطني آخر.
ثالثاً، انتقل محور سياسة أوروبا تجاه الصين من برلين إلى بروكسل. فلم تتمكن برلين من عرقلة التحرك الأوروبي ضد السيارات الكهربائية الصينية، كما فعلت سابقاً مع الألواح الشمسية الصينية منذ نحو عقد من الزمن. وأصبحت المفوضية الأوروبية تحت قيادة أورسولا فون دير لاين تقود سياسة أوروبا تجاه الصين.
واستثمرت فون دير لاين رصيداً سياسياً كبيراً لمواجهة بلدها الأم والحفاظ على هذا المسار. وإن شراكة أمريكية-أوروبية بشأن الصين ستدعم موقفها، مما يساعدها على إبقاء الدول الأعضاء ثابتة على هذا النهج، وسيتيح للولايات المتحدة شريكاً اقتصادياً قوياً للحد من السلوك الاستغلالي للصين.
ورابعاً، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تظهران قدراً من التضامن والوحدة لا يقل عن ذلك الذي يظهره خصومهما. فقد تغلبت الصين وروسيا، في شراكتهما "بلا حدود"، على اختلافات هيكلية كبيرة للاتحاد ضد التحالف الأطلسي.
وهذا التوحد يزداد وضوحاً مع انضمام إيران وكوريا الشمالية. وإن استجابة عبر الأطلسي مدفوعة بالمصالح المشتركة والهدف الملح ليست مجرد ترف، بل ضرورة. ويعد الناتو المعزز والتحالف القوي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الركائز الدفاعية والاقتصادية التي لا غنى عنها في مواجهة "محور الأربعة" بقيادة الصين.
ويخلص الباحثان إلى أنه يجب على الإدارات الأمريكية والأوروبية المقبلة أن تعطي الأولوية لإيجاد أرضية مشتركة في مواجهة النزعة التجارية الصينية. وأي نزاع تجاري عبر الأطلسي بشأن الرسوم الجمركية من شأنه أن يضعف التقارب الهش بشأن التهديد الصيني، ويؤدي إلى ضغط الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المفوضية لاتخاذ تدابير انتقامية ضد أمريكا.
وفي الوقت نفسه، سيظل التحدي الأكبر الذي تشكله الصين دون معالجة، مما يعزز محور الصين-روسيا من خلال إضعاف مرونة وإرادة الحلفاء.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين الأمريكية الصين أمريكا أوروبا الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی السیارات الکهربائیة الصینیة الاتحاد الأوروبی فون دیر لاین عبر الأطلسی فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
تحليل: سياسة ترامب أمريكا أولا تدفع الصين بسرعة نحو الزعامة العالمية
شدد تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" البريطاني، إلى أن سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الشؤون الخارجية، والتي تحمل شعار "أمريكا أولا"، قد تعجل بتقدم الصين بسرعة نحو زعامة العالم.
وأوضح معد التحليل ويليام ماتيوس، وهو باحث بارز في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في المعهد، أن ترامب لم يخفِ نيته في اتخاذ موقف صارم تجاه الصين، مشيرا إلى تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة على الواردات الصينية، بالإضافة إلى تعيين مسؤولين مناوئين للصين في إدارته.
وقال الباحث إن هذه السياسات قد تسبب مشكلات للصين في علاقاتها الثنائية مع واشنطن، لكنها أيضا تمثل فرصة كبيرة لها لتعزيز نفوذها على الصعيد الدولي.
وأضاف أن سياسة "أميركا أولا" التي انتهجتها إدارة ترامب قد تؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة كليا أو جزئيا من المنظمات والمبادرات الدولية التي كانت تشكل حجر الزاوية لهيمنتها، موضحا أن هذا الانسحاب قد يخلق فراغا تسعى بكين إلى استغلاله لترسيخ دورها كزعيمة عالمية وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب بما يخدم مصالحها.
وأشار إلى أن رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ للنظام الدولي تتمثل في بناء نظام مستقر وليس فوضويا، ولكنه يختلف عن النظام القائم على القيم العالمية المشتركة. وبدلا من ذلك، يعتمد النظام الذي تسعى إليه الصين على شراكات مرنة قائمة على المصالح المشتركة، وهو ما يمنحها نفوذا كبيرا نظرا لحجم اقتصادها وقوتها التكنولوجية والعسكرية المتنامية.
وبحسب التحليل، فإن بكين تسعى لتحقيق هذه الرؤية من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة ودفع مبادراتها العالمية مثل "مبادرة التنمية العالمية"، و"مبادرة الأمن العالمي"، و"مبادرة الحضارة العالمية".
ولفت الكاتب إلى أن هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز دور الصين كقائد عالمي، مع التركيز على القضايا التي تتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
وأوضح أن الأمم المتحدة أصبحت أداة رئيسية تسعى الصين من خلالها إلى ترسيخ دورها كوسيط عالمي، مؤكدا أن مبادرات مثل "مبادرة الأمن العالمي" تعد تطورا لمبادرة الحزام والطريق، إذ توفر إطارا للتعاون الأمني الدولي يركز على المصالح الأمنية المشتركة بعيدا عن التحالفات العسكرية التقليدية التي تقودها الولايات المتحدة.
وأشار ماتيوس إلى أن خفض التزامات الولايات المتحدة في المجال الأمني قد يتيح للصين نشر معاييرها الأمنية وحماية مصالحها الاقتصادية، مستشهدا بمثالين بارزين: تعزيز التعاون الأمني بين الصين وباكستان، أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن من خارج حلف الناتو، وتزايد الحديث عن إمكانية استبدال مصر لمقاتلاتها الأمريكية بطائرات صينية.
السلاح الأقوى للصين
قال ماتيوس إن التكنولوجيا تمثل أحد أهم أدوات الصين لتوسيع نفوذها العالمي، مشيرا إلى أنها حققت ريادة في مجالات مثل التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي.
وأوضح الكاتب أن هيمنة الصين على سلاسل التوريد الخاصة بالتكنولوجيا الخضراء، من الطاقة المتجددة إلى المركبات الكهربائية، قد تجعل العالم أكثر اعتمادا عليها.
وأشار إلى أن مبادرة الحزام والطريق لم تقتصر على القضايا الاقتصادية فحسب، بل أصبحت أداة لتعزيز قيم ومفاهيم سياسية بديلة للنظام القائم على حقوق الإنسان الذي تقوده الدول الغربية.
وبحسب التحليل، فإن الصين تعمل على وضع معايير دولية للذكاء الاصطناعي من خلال التعاون مع دول الجنوب العالمي، خاصة في مشاريع المدن الذكية، ما يمنحها دورا قياديا في هذا المجال في غياب منافسة جادة من الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أشار ماتيوس إلى أن تراجع الدور الأمريكي على الساحة العالمية في عهد ترامب أتاح للصين فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها، مشيرا إلى أن استراتيجية "أميركا أولا" ساهمت في تعزيز ديناميكية النظام العالمي المتعدد الأقطاب، ما يسمح لبكين بتشكيل المعايير العالمية بما يتناسب مع مصالحها.
اختتم ماتيوس تحليله بدعوة حلفاء الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم للتعامل مع النفوذ الصيني المتزايد. وشدد على ضرورة بناء علاقات جديدة قائمة على المصالح المشتركة مع دول الجنوب العالمي، والعمل على حماية القيم والمعايير التي يرونها أساسية في النظام العالمي الجديد.
وأشار إلى أن "أميركا أولا" لم تقوض فقط زعامة الولايات المتحدة، بل ساهمت أيضا في إعادة صياغة الديناميكيات العالمية بطريقة تتماشى مع مصالح الصين، ما يفرض على المجتمع الدولي التكيف مع حقائق عالم متعدد الأقطاب، على حد قوله.