يمانيون – متابعات
يصفُ المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندر كينج، بأن قضية صرف الرواتب “صعبة- مستحيلة- معقَّدة”، بينما يبدو سهلاً جِـدًّا عليه حرمانُ مليون وثلاثمِئة آلاف موظف يمني من راتبه.

منذ تعيين ليندر كينج مبعوثاً أمريكياً إلى اليمن في 2021م وإلى اليوم لم يفصُحْ عن الأسباب التي جعلت قضيةً إنسانية هي أولى أولوياته بهذا القدر من الصعوبة، لكنه اكتفى بالقول، مؤخراً لصحيفة الاتّحاد الإماراتية: “صرفُ الرواتب ستكون له آثارٌ مستقبلية”.

اليمني محرومٌ من راتبه منذ نقل وظائف البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن في أغسطُس /آب 2016 وحتى اليوم. لا يعرف -بحسب توصيف الأمم المتحدة-: “من أين يوفر قيمة الوجبة التالية” ويعيش بتوصيفها أيضاً: “أسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم”. أما الخارجية الأمريكية قد أقرّت أخيرًا أن “يمنيين يأكلون الأشجار كوجبة غذائية”.

المرتباتُ ورقةٌ سياسية:

يجدُرُ بنا أن نسألَ ليندر كينج:- ما هي الآثارُ المستقبلية التي يخشاها من صرف مرتبات أكثر من مليون موظف يمني، يعولون ما لا يقل عن 10 ملايين إنسان “دخلوا مرحلة الفقر الشديد” أين الصعوبة، أين المستحيل، أين التعقيد؟!

سنضطرُّ للإجَابَة بالنيابة عن المبعوث الأمريكي ليندركينج؛ فالتعقيد في قضية الرواتب يكمن بحرمان صنعاء من تحقيق انتصارٍ سياسي يضافُ إلى رصيدها الثري من الانتصارات العسكرية. فصنعاء أول من بادرت إلى فتح قضية الرواتب، وربطت المرتبات بمِلف المفاوضات بوساطة أممية ثم عُمانية، ورفضت على إثرها توقيعَ اتّفاق تجديد الهُدنة التي بدأت مطلع نيسان/ أبريل 2022م. وبالتالي ستكونُ صنعاءُ على المستوى الشعبي صاحبةَ الفضل في استئناف صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة؛ وهو ما تخشاه الإدارة الأمريكية التي عجزت بكل الوسائل عن تقويض شعبيّة صنعاء خلال ما يزيد عن 8 أعوام من العدوان على اليمن.

وتمثل قضيةُ المرتبات في أبعادها الاستراتيجية واحدةً من أهم أوراق الضغط التي يستخدمها أعداء صنعاء في إخضاعها للاستسلام. أما إذَا ذهبنا إلى جذور تاريخية أبعد فستظهر النتيجةُ جليةً؛ بكون علاقة السعوديّة باليمن كانت منذ بداية الحكم الجمهوري في 1962م علاقةً تبعيةً مطلقة تقتضي أن يبقى اليمن وشعبه بمستوى اقتصادي محدود، وبالتالي أي نظام يحكم اليمن خارج منظومة التبعية فيعني أن الفقرَ يجب أن يصل إلى أدنى مستوى له في اليمن. لكن ما هي الخطوات التي أَدَّت إلى توقف صرف مرتبات الموظفين في اليمن، ومن وجه بها؟

خطواتُ انقطاع الرواتب:

إن أولى خطواتِ انقطاع الرواتب بدأت ينقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن؛ ما يعني توجيه نحو 70 % من إيرادات الدولة إلى خزينة البنك المنقول. وقد كشف الرئيس المعزول هادي الموالي للسعوديّة في حوار مع صحيفة “القدس العربي” في الثاني من فبراير-2017م، أن “خطوة نقل وظائف البنك من صنعاء برعاية أمريكية”.

ما يعزز أن قضية انقطاع المرتبات مدروسة من رعاة العدوان، أنها لم تدخل قط ضمنَ بنود المفاوضات السياسية التي أعدتها الأمم المتحدة، ففي مطلع نيسان/ أبريل 2022، عقدت هُدنةٌ عسكرية لمدة شهرَين، بناءً على مبادرة من الأمم المتحدة، ركزت على توقف المعارك والسماح بدخول سفن النفط إلى ميناء الحُديدة وتسيير عدد من الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء، لكن الأممَ المتحدة في بنود هدنتها لم تتطرق إلى قضية صرف الرواتب؛ رغم كونها أهمَّ قضية إنسانية في اليمن، وأولى برعاة الهُدنة البدءُ من نقطتها.

مطلع أغسطُس أعلنت صنعاء 2023م أن مفاوضاتِها مع السعوديّة التي بدأت في مايو المنصرم مع مجيء السفير السعوديّ إلى صنعاء، توقفت عند نقطة الرواتب. ذلك أن الرياض -بحسب صنعاء- اشترطت تسليم الرواتب عبر البنك الأهلي السعوديّ؛ وهو ما رفضته صنعاءُ، مطالبةً بتسليم الرواتب من الثروة النفطية والغازية وعبر بنك اليمن المركزي.

حُجُجٌ متواصلة:

تدفعُ السعوديّة وأمريكا بعملائهما في اليمن فيما يُعرَفُ بـ “المجلس الرئاسي” المشكَّل سعوديّاً إلى مطالَبة صنعاء بصرف الرواتب وتحميلها مسؤولية انقطاعها. من بين ما يسوّقه عملاءُ السعوديّة وأمريكا أن صنعاء قادرة على صرف المرتبات من موارد ميناء الحديدة فقط. بينما يرفض العملاء صرفَ الرواتب من إيرادات نحو 7 موانئ يمنية تحت سيطرتهم؛ وهو ما اضطرَّ صنعاء بعد أن استنفدت كافة خياراتها السلمية، إلى توجيه ضربة عسكرية لميناء الضبة أوقفت على إثرها تصدير النفط والغاز اليمني إلى الخارج، واشترطت لاستئناف التصدير تخصيص موارد النفط والغاز إلى بند المرتبات. عقب الضربة أعلن عملاء السعوديّة عن عجزهم عن دفع مرتبات الموظفين الواقعين تحت سيطرتهم نتيجة توقف تصدير النفط؛ وهو ما يتناقض مع ما طرحه مجلس العملاء “الرئاسي” عن إمْكَانية صنعاء تسليم الرواتب من موارد ميناء الحديدة فقط.

تجدُرُ الإشارةُ إلى أنه قبل منع تصدير الغاز والنفط اليمني، لم تكن حكومة العملاء تدفعُ رواتبَ الموظفين الواقعين في نطاق سيطرة صنعاء الذين يشكِّلون نحو 70 % من سكان اليمن. وبالتالي يؤكّـد ذلك أن إيقافَ صرف الرواتب لا يتعلق بسيطرة طرف دون آخر على موارد البلاد، بقدر ما هو سياسةٌ اقتصادية متعمدة أمريكيًّا وسعوديّاً؛ لخنق هذه الكتلة السكانية وإرغامها على الاستسلام.

إن نحو 70 % من الإيرادات تُحصَّلُ من العملاء و30 % تحصل من قبل حكومة الإنقاذ بصنعاء؛ بمعنى أنها تدير الدولة بثلث موازنة العام 2014/؛ أي أن المواردَ الطبيعية حقٌّ مشروع لكل الشعب، ولا يحق لقوى العدوان ومرتزِقتها الاستحواذ على حق الشعب. هكذا تقولُ صنعاء. وهكذا برّرت إيقاف تصدير النفط، لكنه بدلاً عن أن تسعى الأمم المتحدة ومعها أمريكا والسعوديّة إلى حَـلِّ هذه المعضلة الإنسانية، سعتا مطلعَ أغسطُس الجاري، إلى رفد عملائها بوديعة قدرها مليار دولار، حتى يقوم المرتزِقة بوظائفهم وصرف مرتباتهم، ولا يلجؤون لمفاوضة صنعاء على استئناف النفط، وبالتالي يصل الجميع إلى توافق على صرف المرتبات.

يقول الأمريكيون المكلَّفون بالمِلف اليمني كلماتٍ إنسانيةً متشابهة، لكنهم في حقيقة الأمر يعنون نقيضَها. وبالتالي ليس على اليمني المحرومِ من رواتبه أن ينتظرَ خيراً من الكواليس الأمريكية التي لا يخرُجُ منها إلا الشرُّ المحض.

صحيفة المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الأمم المتحدة صرف الرواتب السعودی ة فی الیمن ة صنعاء ة التی وهو ما

إقرأ أيضاً:

من الميدان اليمني إلى طهران.. رسائل ومخاطر الضربات الأمريكية على الحوثيين

ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”

المصدر: مجلة إيكونوميست

طاردت أمريكا وحلفاؤها الحوثيين، المتمردين اليمنيين المدعومين من إيران، مرارًا وتكرارًا منذ أن بدأوا مهاجمة السفن في البحر الأحمر في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومع ذلك، كانت الضربات التي شنتها أمريكا في 15 مارس/آذار الأولى في عهد دونالد ترامب. أسفرت الانفجارات عن مقتل أكثر من 50 شخصًا واستهدفت قادة الجماعة، بما في ذلك، وفقًا لشبكة فضائية عربية، بعض عملاء إيران. بعد إعاقة إسرائيل لحزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران في لبنان، والإطاحة ببشار الأسد في سوريا، بدا الجنرالات الأمريكيون واثقين من أن عضوًا آخر في “محور المقاومة” الإيراني سيكون الهدف التالي.

لأمريكا ثلاثة أهداف رئيسية من خلال هذه الهجمات. أولًا، تسعى إلى وقف ضربات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. لقد قصف الحوثيون أكثر من 130 سفينة احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية في غزة وحصارها على السفن. توقفوا مؤقتًا بعد توقيع هدنة في يناير/كانون الثاني، لكن عندما منعت إسرائيل مؤخرًا المساعدات إلى غزة وأغلقت الكهرباء فيها، هدد الحوثيون باستئناف الهجمات. ردًا على ذلك، أمر السيد ترامب بشن ضربات استباقية.

ثانيًا، يعتقد الرئيس أنه يستطيع زيادة الضغط على آيات الله الإيرانيين إلى أقصى حد من خلال إضعاف وكيل آخر لهم، وإجبارهم على قبول صفقة للحد من برنامجهم النووي. ثالثًا، يريد أدميرالاته التباهي بحاملات الطائرات باهظة الثمن قبل مراجعة الإنفاق الدفاعي. يقول ديفيد دي روش، المحلل العسكري في واشنطن: “البحرية بحاجة إلى استعادة كبريائها، لا يمكن أن تُرى معركة انتهت بالتعادل أمام عصابة من الحوثيين الذين لا يرتدون أحذية”.

صنعاء بعد القنابل الأميركية.. خوف السكان وتحدي الحوثيين إدارة ترامب.. فشل العقوبات على الحوثيين يحرك القوات الأمريكية سياسة ترامب.. استخدام المطرقة ضد الحوثيين لضرب إيران بالهراوات

ومع ذلك، فإن الهجمات على الحوثيين من قبل أمريكا وحلفائها في العام الماضي كانت غير فعالة بشكل لافت. لا يزال الحوثيون يسيطرون على منطقة أكبر بنحو 30 مرة من تلك التي يديرها حزب الله. إنهم يحكمون 25 مليون شخص، أي 15 ضعف عدد السكان في مناطق الميليشيات اللبنانية، ومشجعيهم أكثر بكثير.

مثل حزب الله، يقود الحوثيين رجل الدين عبد الملك الحوثي. لكن على عكس حزب الله، فإنهم يديرون أيضًا حكومة الأمر الواقع التي ستستمر، حتى لو قُتل قادة من الحوثيين. بعد عقد من الزمن في السلطة، أعيد تعليم العديد من اليمنيين في “معسكرات ثقافية” ليروا العالم على طريقة الحوثيين. يبدو أن القنابل الأمريكية تؤكد ما تعلموه: الكافر يقتل المسلمين مرة أخرى. احتشد المؤيدون في الشوارع للهتاف وتأييد تحدي زعيم الحوثيين في خطاب مصور بعد الضربات الأمريكية، معلنًا استئناف هجماته على السفن.

هذا التحدي يزيد أيضًا من المخزون الإقليمي للحوثيين. إن انتقاد زعيمهم للقادة العرب باعتبارهم مرتزقة لتخليهم عن الفلسطينيين ودعم عمليات التدمير الإسرائيلية يتردد صداه من الجزائر إلى أفغانستان. في المملكة العربية السعودية المجاورة، مع الأقلية الشيعية الكبيرة، يحظى ببعض الدعم القوي. عقدان من القتال شديد المخاطر – أولًا ضد الحكومة اليمنية، ثم ضد السعوديين والإماراتيين، ومؤخرًا أمريكا وإسرائيل – رفعهم من ميليشيات رثة إلى قوة إقليمية. يقول فارع المسلمي، المحلل اليمني في مركز أبحاث تشاتام هاوس: “الحوثيون هم العضو الوحيد في المحور الإيراني الذي شهد تعزيز موقفهم خلال العام الماضي”.

تحليل معمق- زعيم الحوثيين يقود “محور المقاومة”.. أكثر مركزية في استراتيجية إيران؟! ترامب: إيران “ستتحمل مسؤولية” أي هجوم يشنه الحوثيون

قد تتفاقم العاصفة. سيستمر الحوثيون في إطلاق صواريخهم وطائراتهم المسيرة (في 20 مارس/آذار والأيام اللاحقة أطلقوا صواريخ على تل أبيب تم اعتراضها قبل وصولها إلى إسرائيل). قد تضر بعض هذه الهجمات بحاملة طائرات – وسمعة أمريكا، كما يحذر السيد دي روش. بحثت إدارة بايدن عن وكلاء محليين للتعاون معهم، لكنها اعتبرت أن منافسي الحوثيين العديدين في اليمن فاسدون وغير كفؤين للغاية بحيث يصعب المجازفة بتسليحهم. في وقت لا يزال البعض يحاول إظهار الرغبة، وإشعال الحرب الأهلية في اليمن.

يوسع ترامب تهديداته، ووعد بمحاسبة إيران على هجمات الحوثيين وحذرهم من عواقب “وخيمة”. ومع ذلك، فإن نهجه لا يؤدي إلا إلى تصلب قلوب قادة الملالي في إيران. قد ينتهزون الفرصة لحشد شعبهم الغاضب ضد عدو مشترك ويذهبون إلى المواجهة والقنبلة النووية. قد تنضم إسرائيل بعد ذلك إلى المعركة. ثم يأتي الحوثيون لمساعدة راعيهم ويطلقون النار مرة أخرى على مدن الخليج ومحطات النفط. من السهل جدًا تخيل الأسوأ.

تحليل- ما بعد الهجمات على الحوثيين.. الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة شاملة تجاه اليمن إرباك التُجار في صنعاء.. كيف تؤثر العقوبات الأمريكية على القطاع الخاص؟! تحقيق حصري- تمردات وصراع نفوذ.. فشل الهيكلة يشلّ مؤسسات صنعاء

مقالات مشابهة

  • المحكمة تبرئ متهم في قضية «خلية الماريوت»
  • قائد عسكري أردني سابق: ترامب تورط في اليمن وعليه أن يفكر كيف يخرج من المستنقع
  • استكمال محاكمة المتهم في قضية خلية الماريوت.. غدًا
  • المالية الاتحادية تكمل تدقيق قوائم الموظفين وتنتظر تسلم الإيرادات من الإقليم
  • لاطلاق الرواتب.. المالية الاتحادية تكمل تدقيق قوائم الموظفين وتنتظر تسلم الإيرادات من الإقليم
  • ماذا وراء تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط التي قال فيها إن مصر مفلسة والنظام مهدد بالسقوط؟
  • من الميدان اليمني إلى طهران.. رسائل ومخاطر الضربات الأمريكية على الحوثيين
  • صنعاء :بدء صرف المرتبات من اليوم
  • المجلس الأطلسي: النجاح اليمني كشف ضعفًا استراتيجيًا في البحرية الأمريكية
  • وردنا الآن من صنعاء.. بيان هام من وزارتي المالية والخدمة المدنية بشأن صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة