الكتاب: "الدولة الغنائمية والربيع العربي"
الكاتب: أديب نعمة
الناشر: دار الفارابي ـ بيروت ـ لبنان  ـ 2014


بعد أن يستعرض الباحث أديب نعمى مختلف أنواع الأنظمة العربية من الناحية السياسية، يتطرق تباعًا إلى الجانب الاقتصادي، ويتطرق إلى الأنظمة الريعية.

فماهي الدولة الريعية؟

يدخل مفهوم الدولة الريعية (النظام الريعي) من باب الاقتصاد، ولكنه يتجاوزه إلى الاجتماع والسياسة.

الريع في الاقتصاد هو ذاك العائد (الدخل) الذي ينتج من وضعية من يحصل عليه بحكم ملكيته، أو موقعه، أو أفضلية يتمتع بها من دون انخراطه المباشر في عملية الإنتاج. ويعتبر الريع العقاري من الأمثلة التقليدية على هذا النظام، على شكل بدلات إيجار وعائدات تأجير الأراضي الزراعية، وكذلك المساح باستثمار النفط والموارد المنجمية، والفوائد المصرفية.. الخ. وكذلك يمكن أن يؤدي احتلال شخص أو جهة موقعاً مؤثراً في بلد ما إلى القدرة على الاستفادة من هذا الموقع لتحقيق منافع جديدة كلياً. أو منافع تفوق ما هو مفترض بحسب المنطق الاقتصادي البحث، من خلال إجراءات احتكارية أو ملكية حقوق، أو من خلال التحكم بالإجازات أو الإجراءات، أو فرض المشاركة بالأعمال أو الأرباح، أو الدخول كشريك مباشرة في ملكية المشروع: ريع الموقع، ومصدر هذا الريع قد يكون خارجياً أو داخلياً على السواء، ولن تتوسع في هذا الجانب هنا.

بناء عليه فإن الدولة الريعية هي التي يلعب الريع فيها دوراً حاسماً في اقتصادها ومواردها، وتستخدم السلطة فيها على نحو ريعي، وتشكل الدول النفطية المثال الأكثر جلاء، وكذلك يشكل القطاعان العقاري والمالي مجالين رئيسين للريع إلى جانب القطاع الاستخراجي.

إن السمة الريعية، الاقتصادية والسياسية، قوية في الدول العربية، وهي تبرز في طبيعة الاقتصاد تارة، وفي أداء جهاز الدولة تارة ثانية، وفي جانب من علاقة الحاكم بالمحكوم تارة ثالثة: التوزيع المبني على إرادة الحاكم خارج منطق الضريبة التي يقابلها الحق.يقول الباحث أديب نعمة في هذا الصدد:"يتجاوز مفهوم الدولة الريعية البعد الاقتصادي، ليشمل أبعاداً أخرى من وظائف الدولة ومجالاتها، ومن العلاقات المجتمعية، ويستخدم تعبير الدولة الريعية أيضاً للإشارة إلى نمط العلاقات النفعية ــ المادية الذي يسود بين الحاكم والرعايا: الدولة تجبي الريع لزيادة ثروة الحكام. وتوزع حصة منه على الرعايا بحسب درجة القرابة والصلة والولاء مع مركز القرار أو الحاكم، أو بما يخدم تأمين استقرار الحكم وتجديد السلطة من خلال ضمان ولاء المنتفعين من التوزيع.

يقوم النظام الريعي بالضرورة على وجهين: جبائي وتوزيعي، يستخدم التوزيع لإعادة إنتاج علاقات الولاء والتبعية، واستبعاد إمكان بناء علاقات مواطنة قائمة على الحق والرقابة والمساءلة. إن فكرة الريع/التوزيع هي نقيض فكرة العمل المنتج/الضريبة من حيث هما شكلان لعلاقة الحاكم بالمحكوم، حيث الضريبة ركن من أركان النظام الديمقراطي والمساءلة في الدولة المدنية الحديثة، أما توزيع حصص من الريع على الرعايا فهو عكس ذلك. الضريبة تشكل أساس حق المواطن في ممارسة الرقابة والمساءلة على الحاكم، وتوزيع حصة من الريع يجده تبعية الرعايا للحاكم، ويعتبر توزيع المنافع على نطاق واضح وبشكل ممأس، بمثابة تعميم للسلوك الريعي في المجتمع، ما يعني أن المواطن بإمكانه الحصول على منافع لقاء ولائه أو انتمائه الضيق، أو انتمائه العام إلى الدولة، دون أن بذل جهداً محدداً مقابل ذلك"(ص94).

وبشكل عام، فإن السمة الريعية، الاقتصادية والسياسية، قوية في الدول العربية، وهي تبرز في طبيعة الاقتصاد تارة، وفي أداء جهاز الدولة تارة ثانية، وفي جانب من علاقة الحاكم بالمحكوم تارة ثالثة: التوزيع المبني على إرادة الحاكم خارج منطق الضريبة التي يقابلها الحق.

بعد أن يتناول الباحث أديب نعمة في تحليله البعدين السياسي والاقتصادي في توصيف الدولة والنظام، يحلل فيما طبيعة الدولة من منظور اجتماعي، حيث توصف الدولة بأوصاف ترتبط بانعكاس خصائص المجتمع الذي تعبر عنه الدولة. أي أن الصفات هنا تصح على النظام والدولة، والمجتمع أيضاً.

الدولة الأبوية والبطريركية

من أبرز المصطلحات المستخدمة في وصف الدول العربية وأنظمتها في هذا المجال، هما مصطلحا البطريركية والأبوية. ويحيل هذان المصطلحان إلى صيغة من العلاقة التقليدية بين الحاكم والمحكوم لا تنطبق عليها مواصفات علاقات المواطنة. بل هي علاقات رعائية وسلطوية تقليدية، يشكل نمط العلاقات داخل القبيلة أو العشيرة أو العائلة نموذجها الاجتماعي -الثقافي. وعلى الرغم من أن المعنى اللغوي واحد، فهناك تمايز في المضمون عند استخدام هذين المصطلحين في التحليل السوسيولوجي أو الساسي. ويقترح  الباحث  أديب نعمة استخدام تعبير الأبوية بما يوحيه من تركيز على البعد الرعائي والحمائي، باستيحاء علاقة الأب بأسرته الضيقة، في حين يقترح استخدام مصطلح البطريركية من أجل التركيز على البعد السلطوي الأكثر ارتباطاً بالمجال العام، الذي يستوحي علاقة رأس القبيلة أو العشيرة أو العائلة الموسعة بأفرادها وبالقبائل أو التشكيلات الأخرى.

يقول  الباحث أديب نعمة في توصيفة للنظام البطرياركي: "يفسر تشارك النظامين السياسي والاجتماعي في الصفة البطريركية أو الأبوية، استمرار التمييز ضد النساء والشباب والمراهقين والأطفال، وهو من خصائص الثقافة الذكورية اللصيقة بالبطريركية. ففي المجتمعات التقليدية على نحو خاص، تساهم الثقافة البطريركية إسهاماً مباشراً في تكوين مشروعية السلطة السياسية وتشكلها من خلال آليات انتخابية حديثة شكلاً، ولكن يمكن التحكم بنتائجها من خلال التحكم البطريركي بأصوات أعضاء العائلة من قبل زعيمها. وهذا يفسر المقاومة العتيدة لإطلاق طاقات المرأة والشباب. ومشاركتهم الفعلية والفعالة في تشكيل مؤسسات الحكم، كما تشكل هذه الثقافة البطريركية أساساً اجتماعياً وثقافياً للثورة السياسية المضادة. بما في ذلك في حالة الحراك الثوري العربي الراهن، إذ غالباً ما تشكل عاصر هذه الثقافة وسيلة لتغليب خيارات سياسية غير ديمقراطية من بوابة إثارة رفض كل إصلاح عميق يتعلق بحقوق المرأة في المجال الخاص، والنفاذ من ذلك إلى تعطيل التحول الديمقراطية بمجمله"(ص12)..

بشكل عام، فإن المجتمعات العربية والأنظمة السياسية في الدول العربية لها طابع بطريركي قوي، تتفاوت أهميته بتفاوت درجة قوة التشكيلات الاجتماعية التقليدية والثقافة التقليدية في المجتمع، ومستوى التحول الحداثي الذي بلغه المجتمع خلال تاريخه الحديث، وشكل تفعله مع العالم ومع العولمة.

الدولة القبلية والعشائرية والعائلية

تحيل صفات القبلية والعشائرية والعائلية على نمط النظام الذي يستند في تشكله أو نفوذه إلى هذه التشكيلات الاجتماعية التقليدية التي كانت مصدر السلطة والمشروعية قبل تشكل الدولة الوطنية الحديثة اعتباراً من بدايات القرن العشرين، وفي التصور النظري البسيط، فإن بناء الدولة الوطنية "الحديثة" يفترض تشكل رابطة وطنية قوية تتفوق في أهميتها على الرابطة القبلية أو العشائرية أو العائلية، وينتج منها تراجع في الأدوار السياسية لهذه التشكيلات مع بقائها كتشكيلات اجتماعية تستمر وتتطور بمقدار الحاجة إليها من دون افتعال، ولكن من دون أدوار سياسية مباشرة، هذا وفق مفهوم الدولة الحديثة، لكن ذلك لم يحصل في البلدان العربية، وفي العالم الثالث عموماً، حيث للتشكيلات الاجتماعية التقليدية (ما قبل الرأسمالية) دور كبير في بناء مؤسسات الدولة الوطنية "الحديثة" نفسها، وفي ضمان استمرار النظام ولعل الأمثلة الأكثر جلاء للدول القبلية هي دول مجلس التعاون الخليجي حيث السلطات الحاكمة هي عائلات مالكة على أساس قبلي، وكذلك اليمن حيث تشكل القبلية أحد مرتكزات بناء الدولة والجيش والسلطة، وكذلك التشكيل الاجتماعي السائد في المجتمع أيضاً، إضافة إلى وجود عناصر قبلية أو عائلية في معظم الدول العربية.

إن المجتمعات العربية والأنظمة السياسية في الدول العربية لها طابع بطريركي قوي، تتفاوت أهميته بتفاوت درجة قوة التشكيلات الاجتماعية التقليدية والثقافة التقليدية في المجتمع، ومستوى التحول الحداثي الذي بلغه المجتمع خلال تاريخه الحديث، وشكل تفعله مع العالم ومع العولمة.يقول الباحث أديب نعمة في هذا السياق أيضاً :"لا نعتقد أن هناك حاجة للإشارة إلى أن العائلية هنا لا تمت بصلة إلى تحول بعض الأنظمة عن أشكالها الأصلية، الجمهورية، عند نشوتها إلى "حكم عائلة"، أي استحواذ شخص الحاكم وعائلته على مراكز القرار وتوارثها أو السعي إلى ذلك، مثل حكم أسرة بن علي وزوجته في تونس، أو أسرة مبارك في مصر، أو القذافي وأولاده في ليبيا، وآل الأسد في سوريا.. وهذه ظاهرة مختلفة عن العائلية والقبلية بما هي نسق علاقات اجتماعية ممتد إلى السياسة وبناء الدولة، ومختلف عن النظم الملكية التي هي عائلية وراثية بالتعريف"(ص 99).

الدولة الطائفية

في موضوع الطائفية، نحن إزاء تشكيل اجتماعي ذي طابع ديني أيضاً، باعتبار أن الطائفة هي مذهب أو تشكيل ضمن الديانة العامة المسيحية أو الإسلامية في منطقتنا، يمكن أن يتخذ النظام الطائفي طابعاً مباشراً مهيكلاً في مؤسسات النظام نفسه بشكل صريح، استناداً إلى السياق التاريخي ـ الاجتماعي للبلد المعين، كما في حالة لبنان حيث الطوائف، بما هي تشكيلات اجتماعية فاعلة في ذلك في الشأن العام السياسي أيضاً، سابقة على تشكيل الدولة اللبنانية تحت الانتداب عام 1920، وهو ما يعرف في لبنان باسم "الطائفية السياسية".

يقول الباحث أديب نعمة في استعراضه لنماذج الطائفية السائدة في المنطقة العربية:"يمكن أن تتخذ الطائفية شكلاً صريحاً وإن كان غير معلن عنه، بصفته نظاماً طائفياً بقدر ما هو تقاسم سياسي، كما هو الحال في العراق بعد 2003، حيث للنظام شكل كونفدرالية سياسية ــ طائفية ــ إثنية (نميزه عن لبنان حيث الطائفية تسبق السياسة في تحديد طبيعة النظام وسياق تشكله). أو يكون هناك مضامين طائفية قوية في النظام وبناء الدولة من خلال الاعتماد على طائفة معينة بصفتها قوة اجتماعية وشعبية موالية، وغالباً ما ينتمي إليها شخص الحاكم، كما هي الحال بالنسبة إلى سوريا حيث يوصف الحكم بأنه حكم حزبي: بعثي، وعائلي: آل الأسد، وطائفي: الطائفة العلوية: التي ينظر إليها باعتبارها سنداً وداعماً أساسياً للنظام على أساس طائفي .أيضًا ثمة سمات طائفية مضمرة وكامنة، تبرز على السطح في لحظات التأزم، كمثل المظهر  السني ـ الشيعي للأزمة في البحرين، وفي دول الخليج الأخرى و إن كان مما هو في البحرينأقل حدة  "(ص100)..

إقرأ أيضا: الدولة الغنمائية وكرٌ للفساد في العالم العربي.. قراءة في كتاب

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب لبنان لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاجتماعیة التقلیدیة فی الدول العربیة بناء الدولة فی المجتمع من خلال فی هذا

إقرأ أيضاً:

مجزرة الكامب الخامس – الوجه الحقيقي للحرب

لقد كشف انسحاب قوات الدعم السريع من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، الوجه الحقيقي للحرب الذي ظل الطرف المعتدى عليه يصرف النظر عنه، طمعاً في تماسك اللحمة الاجتماعية، وذلك بارتكاب مليشيات الاخوان المسلمين المختبئين خلف راية الجيش، لأبشع المجازر البشرية في تاريخ السودان الحديث والقديم، بذبح المواطنين ونحرهم نحر البعير في الكامب الخامس، واطلاق النار على المدنيين العزل ورميهم في النهر، في إعادة للسيناريو الأكثر قسوة لجريمة فض الاعتصام، بربط أقدام المعتصمين بالطوب البلوك واسقاطهم في مياه النيل الأزرق، فالقوم هم القوم لم يتبدلوا ولم يخرجوا من نفق الإرهاب والقتل خارج نطاق القانون، وهذا المسلك المتجاوز لأبسط قواعد الاشتباك في الحروب قد لفت انتباه الكثيرين ممن غيب وعيهم الإعلام المضلل لفلول النظام البائد، لخطورة التماهي مع من نصبوا أنفسهم حماة للوطن في حربهم المنزوعة الكرامة، ومن أهم ردود الأفعال الغاضبة التي سوف تقلب الطاولة على وجه حراس النظام القديم، فقدان المختطفين لسيادة الدولة للسند السياسي والأخلاقي، للمضي قدماً في الادعاءات والمزاعم التي خدعوا بها البسطاء من الناس، فجرائم الحرب المرتكبة من قبل المليشيات التابعة لهم بود مدني، سحبت البساط من تحت أقدامهم وعرّت مشروعهم الجهوي المستهدف لقطاعات اجتماعية عزيزة، من المواطنين السودانيين الذين فرض عليهم الظرف الاقتصادي الاستقرار في أواسط البلاد، من أجل العمل وكسب العيش، ومن ارهاصات هذا الاستهداف الجهوي أنه لا أحد يمكنه أن يضمن سلامة المقيمين في الجغرافيا التي قدم منها سكان الكامب الخامس بالجزيرة، فالنظام القديم السارق لجهاز الدولة قد دشن حملات الكراهية منذ اندلاع الحرب، وختمها بالمذابح العرقية قصداً منه مع سبق الإصرار والترصد جر الناس للصراع العرقي والجهوي الصارخ.
مجزرة الكامب الخامس أرسلت رسالة واضحة المعالم للحركات المسلحة الخارجة عن الحياد، والمقاتلة جنباً إلى جنب مع كتائب الاخوان المسلمين المختطفين لقرار الحكم، وأحرجتهم مع مناصريهم ومستنيريهم الذين ينتمي جلهم لحركات البان أفريكانزم والآفريكان سنترزم، وما يثير قلقهم المشروع الاستئصالي الصريح الذي يسوقه فلول النظام البائد، وهو التطهير العرقي للمجموعات الزنجفونية القاطنة لمراكز المشاريع الزراعية بوسط البلاد – الجزيرة، وهذا المشروع بالضرورة يصب في المشروع الأمني والاستراتيجي الكبير لمصر داعمة فلول النظام البائد في حربهم ضد السودان، فإنّ الكيانات الاجتماعية المتمسكة بإرثها الإفريقي، غير الخاضعة للتعريب والاستلاب، تمثل أكبر عائق يقف أمام أطماع الجارة الشمالية في حصة السودان من مياه النيل، وخططها المستقبلية لتكريس بقاء البلاد كمزرعة خلفية (جبراكة)، ومن الرسائل الأكثر بلاغة من جريمة التطهير العرقي لسكان الكامب الواردة في بريد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، انقشاع السحابة الرومانسية التي كانت تظلل هذا التحالف المدني، وتساقط زخات مطر الفرز العرقي الذي يباركه بعض ممن طرحوا أنفسهم أيقونات لتحقيق هدف دولة المواطنة، فانسحاب قوات الدعم السريع من مركز الجزيرة نقل الحرب لمربعها الأخير، والآن أمسى الحياد عار وخطيئة لكل فاعل سياسي، فالطرق جميعها التقت عند طريقين لا ثالث لهما، الأول طريق التحرير والاستقلال، والثاني الركون وإعادة انتاج الدولة الثيوقراطية الراديكالية الداعشية القديمة، لو تخاذل أنصار الطريق الأول، فظهور كتائب الإرهاب وهي تحمل رايات الوعيد والانتقام السوداء، أنهى جدوى الأحزاب والتنظيمات القديمة الساكتة عن الحق.
كرنفالات الفرح الأسطوري التي عمت قرى وحضر وشتات الذين (كانوا) يتمتعون بامتيازات جهاز الدولة حصراً، وهم بالضرورة رموز دولة السادس والخمسين، من العاضين بالنواجذ على إرث الدولة القديمة، والمكرّسين للطبقية والممكّنين للبرجوازية وسطوة الأقليات والرأسمالية الطفيلية، ودخول الفلول عاصمة الجزيرة بعد انسحاب الأشاوس منها يؤرخ لمرحلة قاتمة من مراحل الحرب، ويؤكد على جديّة الحرب لا هزلها، وأن الواقع لن يكون كما يحلم المناصرون لقوات الدعم السريع، بأن الحمامة البيضاء سوف يطلق سراحها، وأن بيارق السلام سترفرف قريباً على أسطح المنازل، وأن اللحمة المجتمعية ستعود على أقل تقدير لما كانت عليه، فعلى عكس ذلك تماماً قد بدأ فصل جديد من فصول الحرب، الذي الغى كل الخطوط الحمراء المرسومة رأفة بالناس والضامنة لخروجهم لبراح الأمن، والجاعلة الطرق البرية والجوية والبحرية ميسورة، للوصول إلى البيوت والمكاتب والساحات والميادين العتيقة، فبعد إحدى وعشرين شهرا من تنفيذ الفلول لقرار الحرب المتخذ منذ إسقاط رأس النظام، ينقلون الحرب للمربع الذي أرادوه، ألا وهو (الحرب العرقية)، فهم يعلمون دون غيرهم، لو أنهم استجابوا للتغير سيكون مآلهم مآل من سبقهم من الطغاة، لذلك قرروا نحر الدولة، ونحر الدولة لا يكون إلّا بنحر العرق وذبح الإنسان الذي هو رأس مال الدولة، وهو ما حدث بالضبط في الكامب الخامس، ومن حسن حظ المجتمعات المستهدفة بالذبح والنحر أن جهابذة مشروع النهر (النحر) لم يخفوا أجندتهم، وقالوها صراحة في الماضي القريب، واليوم يطبقونها دون خفقة قلب ولا إنابة ضمير، فهو مشروعهم الاستراتيجي، فهل استوعب المقهورون الدرس؟، وهل حددوا مع من سوف يقفون؟.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مجزرة الكامب الخامس – الوجه الحقيقي للحرب
  • قراءة كتاب الإسراء والمعراج لشيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود فى مسقط رأسه
  • إحياء ذكرى الإمام عبد الحليم محمود..قراءة كتاب الإسراء والمعراج في مسقط رأسه
  • إيران.. بين الأزمة والفرصة: قراءة في تقرير مؤسسة بريطانية
  • جوزاف عون وتحديات تحديث الدولة اللبنانية والتخلص من الفساد
  • أسس السياسة الخارجية الأمريكية في القارة الأفريقية.. قراءة في كتاب
  • أسس السياسة الخارجية الأمريكية في القارة الإفريقية.. قراءة في كتاب
  • برلماني: إنجازات الدولة في تطوير الطرق دليل على الرؤية الحكيمة للقيادة السياسية
  • رئيس «نقل النواب»: تطوير الطرق يعكس رؤية القيادة السياسية لبناء دولة حديثة
  • نقل النواب: إنجازات الدولة في تطوير الطرق خير دليل على الرؤية الحكيمة للقيادة السياسية