مرور 66 عاما علي تقويض تجربة الديمقراطية الأولى
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
تاج السر عثمان
1
تمر في ظروف الحرب اللعينة الذكرى السادسة والستون لأول انقلاب عسكري في السودان الذي وقع في 17 نوفمبر 1958م، وقوض أول تجربة للديمقراطية في السودان ، كان الانقلاب بداية الحلقة الجهنمية التي دخلت فيها البلاد لأكثر من 68 عاما هي عمر الاستقلال، اخذ ت النظم العسكرية منها حوالى 58 عاما ، عانى فيها شعبنا من الفقر والخراب والدمار والديون التي تجاوزت 60 مليار دولار، وفقدان السيادة الوطنية، ونهب ثروات البلاد، والحروب وانفصال الجنوب، وانتهت بكارثة الحرب اللعينة الجارية الآن أمام أبصارنا، التي شردت الملايين وأدت لمقتل وفقدان عشرات الآلاف، وتدمير البنيات التحتية والابادة الجماعية، وتدهور الأوضاع المعيشية والصحية، والانخفاض المستمر لقيمة الجنية السوداني، والاتجاه لتغيير العملة لتمويل الحرب، واطالة أمد الحرب برفض التفاوض من الإسلامويين، مما يعني المزيد من مآسي الحرب، كما في الابادة الجماعية التي التي يمارسها الدعم السريع في الجزيرة ودارفور وبقية المناطق وقصف الجيش للمدنيين بالطيران، مما فتح الباب للتدخل الخارجي كما في تسليح طرفي الحرب من المحاور الاقليمية والدولية، بهدف نهب ثروات البلاد، فضلا عن خطر تحويل الحرب لعرقية تهدد وحدة البلاد، وغير ذلك من الماساة الانسانية التي نعيشها اليوم.
كان الانقلاب انتكاسة للتجربة الديمقراطية التي لم يمض عليها أكثر من ثلاث سنوات، وقطع التطور الطبيعي للتجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد التي لا يمكن أن تزدهر الا بالمزيد من الديمقراطية، بعد ذلك توالت الانقلابات العسكرية: انقلاب 25 مايو 1969م، انقلاب 30 يونيو 1989م، انقلاب 11 أبريل 2019م، وانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي جاءت الحرب اللعينة امتدادا له.
ودخلت البلاد في الحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية والحروب التي يجب الخروج منها واستخلاص دروس التجربة السابقة ، وتحقيق اوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب ومواصلة الثورة، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، واستدامة الديمقراطية والتنمية المتوازنة والسلام، ودولة المواطنة التي تسع الجميع .
2
اشرنا في دراسة سابقة ان انقلاب ١٧ نوفمبر جاء نتاجا للصراع السياسي والطبقي الذي بدأ مع إعلان الإستقلال والجمهورية بين القوي الثورية التقدمية التي تهدف إلى استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وتحويل جهاز الدولة إلى جهاز ديمقراطي، وسياسة خارجية متوازنة تدافع عن السلم والسيادة الوطنية وتتضامن مع الشعوب المستعمرة وحركات التحرر الوطني، وضد الأحلاف العسكرية وإعادة الاستعمار الحديث باسم المعونة الأمريكية والقروض المجحفة التي تفقد البلاد استقلالها، وقيام صناعة وطنية والقضاء على سيطرة البنوك الأجنبية على الاقتصاد السوداني، وإجراء إصلاح زراعي جذري، ووضع حد أدنى للأجور وتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي، وتوفير وتوسيع خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي في حالات العجز والشيخوخة، ووحدة الصف الوطني لتحقيق هذه المهام، والسير قدما في إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية
من الجانب الآخر القوى اليمينية التي تهدف إلى خدمة مصالحها الطبقية بافراغ الاستقلال من مضمونه التحرري الشامل، والسير في طريق التطور الرأسمالي الذي يكرس المزيد من الاستغلال والتبعية، وإعادة الاستعمار بشكله الحديث الذي تقوده أمريكا بعد أن أفل نجم الاستعمار القديم بقيادة بريطانيا، وإلى إبعاد الجماهير عن توجيه شؤون البلاد بإنتزاع حقوقها الديمقراطية وتمزيق وحدتها، وتقييد حقوق العاملين والمزارعين في تكوين اتحاداتهم والقمع غير الإنساني للمزارعين كما حدث في مجزرة عنبر جودة بعد الاستقلال مباشرة. وحاولوا خلق إنقسامات في النقابات واتحادات المزارعين واستخدموا ضدهم أجهزة الإعلام والرشوة وغير ذلك من الأساليب. “للمزيد من التفاصيل: راجع كتاب ثورة شعب: اصدار الحزب الشيوعي 1965م“.
3
من الأسباب التي قادت لانقلاب 17 نوفمبر القنابل الموقوتة التي تركها الاستعمار بعد خروجه مثل: حرب الجنوب والانقسام الطائفي والقبلي والطبقات والفئات الرأسمالية وشبه الإقطاعية التي ارتبطت مصالحها به، وجهاز دولة غير ديمقراطي، وقوانين مقيدة للحريات، إضافة للانقسام الذي حدث في الصف الوطني وخروج الختمية من الحزب الوطني الإتحادي، تدهور الأوضاع المعيشية، ومحاولة القوى اليمينية تفتيت وحدة العمال عن طريق خلق مركزين أو أكثر للحركة النقابية، وإقحام الصراع الحزبي وسط اتحاد المزارعين الذي ينبغي أن يضم المزارعين على إختلاف اتجاهاتهم السياسية. “راجع كتاب ثورة شعب“.
من جانب آخر حدث تضامن واسع مع حركات التحرر الوطني، ورفض العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وحدث العدوان على الحقوق الديمقراطية لشعبنا والذي بدأ يزداد منذ تكوين الحكومة الإئتلافية الأولى بقيادة السيد إسماعيل الأزهري، واجتماع السيدين الذي أدى للاطاحة بحكومة الأزهري، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وغيرها، هذه القضايا كلها تفاقمت من خلال انشغال الجماهير الوطنية كما في (حريق العملة) ومعارك السباب والمهاترات.
4
من جانب آخر كما هو معروف تصاعدت الحركة الجماهيرية التي رفعت راية الوحدة ومقاومة التدخل الاستعماري باسم المعونة الأمريكية، وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات، وتشكلت جبهة واسعة داخل وخارج البرلمان، ووصلت المقاومة ذروتها في الإضراب العام التاريخي الذي دعا إليه اتحاد العمال وتمّ تنفيذه يوم 21 أكتوبر 1958م، وصحب ذلك الإضراب مظاهرات لا مثيل لضخامتها وتماسكها إشترك فيها العمال والمزارعون والطلاب وصغار التجار، وبدأت الجماهير العاملة تبرز كقوة داعية للديمقراطية والوحدة والتقدم. كما ارتفعت شعارات الوحدة وسط الجماهير المعادية للاستعمار ولحكم القوي اليمينية التي عانت من انقسامات في صفوفها، وأقتربت عناصر من نواب حزب الامة نحو القوى الوطنية، وظهر جليا أن جبهة تضم أغلبية من نواب البرلمان قد تكونت وأنها ستطيح بحكومة عبدالله خليل وتقيم مكانها حكومة أقرب تمثيلا لمصالح الشعب.”للمزيد من التفاصيل: راجع ثورة شعب“.
في تلك اللحظات نقل الاستعمار الجديد والقوى اليمينية المرتبطة به معركة الصراع الطبقي من الأشكال البرلمانية إلى الأشكال الديكتاتورية المكشوفة، نقلوا الصراع من حيزه السلمي إلى حيز اشهار السلاح في وجه الحركة الديمقراطية للشعب بتدبير انقلاب 17 نوفمبر 1958م.
5
كان الانقلاب عبارة عن تسليم رئيس الوزراء عبدالله خليل بالتعاون مع الاستعماريين الأمريكان والانجليز السلطة للقيادة الرجعية في الجيش بهدف المحافظة على كل المصالح الاستعمارية ووقف التطور الديمقراطي في البلاد..
بدأ انقلاب 17 نوفمبر بالهجوم على الحقوق والحريات الديمقراطية كما في: حل الأحزاب ومنع التجمعات والمواكب والمظاهرات، ووقف الصحف حتى يصدر أمرا من وزير الداخلية، وتم إعلان حالة الطوارئ، ووقف العمل بالدستور وحل البرلمان، بعد ذلك صدر قانون دفاع السودان لعام 1958م الذي صادر أبسط الحريات وحقوق الانسان وقرر عقوبة السجن الطويل أو الإعدام لكل من يعمل على تكوين أحزاب أو يدعو لإضراب أو اسقاط الحكومة أو يبث الكراهية، وتمّ تعطيل النقابات والاتحادات وأُعتقل القادة النقابيين “الشفيع أحمد الشيخ ورفاقه” وتقديمهم لمحكمة عسكرية إيجازية سرية كانت انتهاكا فظا لحقوق الانسان.
هكذا تمت مصادرة كل المكاسب والحقوق والحريات الأساسية والدستورية التي حققها شعبنا عبر نضاله الطويل الملئ بالتضحيات ضد الاستعمار: الدستور، البرلمان، الأحزاب السياسية، النقابات، الصحافة، وكان ذلك بداية هجوم شامل هدفه تجريد الشعب من أدواته الرئيسية في الصراع لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية.
6
صدر أول بيان للحزب الشيوعي بتاريخ: 18 نوفمبر 1958م يدعو لمقاومة الانقلاب العسكري واسقاطه واستعادة الديمقراطية، بعنوان “17 نوفمبر انقلاب رجعي“
بعد ذلك استمرت مقاومة الشعب السوداني للانقلاب التي وثقها كتاب “ثورة شعب” (إصدار الحزب الشيوعي 1965م) توثيقا جيّدا عن طريق: البيانات والعرائض والمذكرات والإضرابات والمواكب والاعتصامات، والصمود الباسل للمعتقلين في السجون والمنافي وأمام المحاكم وفي غرف التعذيب، والإعدام رميا بالرصاص. تابع الكتاب نضالات العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين والمرأة السودانية ومقاومة الشعب النوبي ضد إغراق حلفا وتدمير ثقافة القومية النوبية وإرثها التاريخي العظيم، وتنصل الحكومة من الوطن البديل بجنوب الخرطوم. ونضال جبهة أحزاب المعارضة، وحرب الجنوب التي تفاقمت، ودفاعات المناضلين أمام المحاكم، كما وضح موقف الحزب الشيوعي من المجلس المركزي وانتخابات المجالس المحلية، واستمر النضال حتى إعلان الحزب الشيوعي لشعار الإضراب السياسي العام في أغسطس 1961م، وتواصلت المقاومة حتى انفجار ثورة أكتوبر 1964م، وإعلان الإضراب السياسي العام والعصيان المدني حتى تمت الإطاحة بديكتاتورية عبود استعادة الديمقراطية التي تمّ اجهاضها، كما اوضحنا في دراسة سابقة، بمصادرة الأحزاب التقليدية للنشاط القانوني للحزب الشيوعي وحله مما قاد لأزمة دستورية في البلاد كان من نتائجها انقلاب 25 مايو 1969م.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی ثورة شعب کما فی
إقرأ أيضاً:
هاميلتون يبحث عن اللقب مع "الحصان الجامح"
يبحث السائق البريطاني لويس هاميلتون، بطل العالم سبع مرات للفورمولا واحد، عن المجد العالمي مع فريقه الجديد فيراري المنضم إليه بعد 12 عاماً مع مرسيدس، معرباً عن ثقته بقدرات "الحصان الجامح" على الفوز بالألقاب وذلك بعدما خاض لفاته الأولى خلف مقود سيارته الجديدة استعداداً لباكورة الجولات في أستراليا الشهر المقبل.
ويطارد "السير" البالغ 40 عاماً والذي توّج للمرة الأخيرة مع "الأسهم الفضية" عام 2020، لقبه الثامن القياسي بهدف فك ارتباطه مع الأسطورة الألماني ميكايل شوماخر.ومنذ فقدانه عام 2021 اللقب أمام سائق ريد بول الهولندي ماكس فيرستابن في الجولة الختامية على حلبة مرسى ياس في أبو ظبي في سباق أثار الكثير من الجدل، حلّ البريطاني سادسا وثالثا ثم سابعا في الأعوام الثلاثة الاخيرة، وشاهد منافسه اللدود "ماد ماكس" يحكم قبضته في تلك الأعوام.
أسعد هاميلتون مشجعيه بتجربة سيارة أس أف-25 الجديدة على حلبة فيراري في فيورانو مودينيزي في ضواحي مودينا شمال إيطاليا قبل أن يتوقف لتحية الـ "تيفوزي".
ألهب وصول بطل العالم سبع مرات الحماس في قلوب جماهير سكوديريا التي تنتظر لأكثر من 15 عاماً بفارغ الصبر العودة إلى مسار الانتصارات، حيث يعود آخر لقب للسائقين إلى 2007 مع الفنلندي كيمي رايكونن، والصانعين إلى 2008.
-"الشغف هنا لا يقارن"-
قال هاميلتون في أول مؤتمر صحافي له الأربعاء مرتدياً الزي الأحمر "لقد عملت مع فريقين بطلين للعالم من قبل (ماكلارين ومرسيدس)، وأعرف كيف يبدو الفريق الفائز. الشغف هنا لا يقارن والفريق يملك كل المكوّنات اللازمة للفوز ببطولة العالم. الأمر يتعلق فقط بجمع كل شيء معاً".
وأضاف صاحب الرقم القياسي بعدد الانتصارات (105) والانطلاق من المركز الأول (104) من بين عدة أرقام في الفئة الأولى "لا أحد يقول إننا مثاليون في كل شيء. يتعيّن علينا التطور في كل النواحي وهم لا يتركون أي شيء للصدفة لمحاولة القيام بذلك. هذا الفريق لديه تاريخ لا يصدق لذلك أعتقد أنه في حمضه النووي لديه عقلية الفوز".
حقق هاميلتون، الذي انضم إلى فيراري بعد 12 عاماً قضاها في مرسيدس فاز خلالها بستة من ألقابه العالمية السبعة، حلم طفولته بالتوقيع مع الحظيرة الإيطالية واضعا نصب عينيه التتويج الثامن القياسي مع العلامة التجارية الأسطورية.
وتابع في حديثه لقناة سكاي الإيطالية بعد جلوسه للمرة الأولى خلف مقود سيارة أس أف-25 والتي سيقودها طوال هذا الموسم "فريق فيراري مختلف تماما. بمجرد ارتداء البدلة ودخول المرآب وارتداء الخوذة والجلوس على المقعد، تشعر بشغف لا يصدق. كل شيء مثير. عندما كنت طفلا، كنت أحلم بالتسابق لصالح فيراري، وما زلت أقرص نفسي لأصدق أن هذا يحدث حقا".
تحدث هاميلتون المتحدر من ستيفينيدج الواقعة على بُعد نحو 50 كيلومتراً شمال لندن، عن انطباعاته الأولى بشأن سيارته الجديدة، والتي سيتعمق في كشف أسرارها الأسبوع المقبل خلال التجارب الشتوية ما قبل الموسم في البحرين، وأقرّ بأنه سيحتاج إلى بعض الوقت للتكيّف.
-إثبات الكثير رغم سجل مثقّل بالانجازات-
وأردف "عجلة القيادة وجميع إعدادات المفاتيح مختلفة تماما، وكذلك البرنامج. أتكيّف مع سيارة مصممة بشكل مختلف تماما عما عملت به في الماضي. لتحقيق الشيء ذاته، أشعر باختلاف كبير. لكنني لا أشعر بالحاجة إلى تغيير أسلوب قيادتي بشكل كبير في الوقت الحالي. أشعر في الواقع براحة تامة في السيارة والأمر يتعلق فقط باتخاذ خطوة واحدة في كل مرة".
واستطرد قائلاً "استغرق الأمر مني ستة أشهر على ما أعتقد في مرسيدس لتحقيق فوزي الأول، بصراحة لا أعرف (كم من الوقت سيستغرق الأمر) ولكنني أفعل كل ما بوسعي لكي أكون جاهزا للسباق الأول".
ويتعيّن على هاميلتون أن يثبت الكثير على الرغم من سجله المثقّل بالانجازات والأرقام القياسية، علما انه فاز العام الماضي بسباقين فقط، وأنهى انتصاره بجائزة بريطانيا الكبرى في تموز/يوليو سلسلة من عامين ونصف العام من دون أن يصعد إلى أعلى عتبة على منصة التتويج، وتحديداً منذ فوزه بجائزة جدّة الكبرى في 5 كانون الأول/ديسمبر 2021 (65 سباقاً).
ومع هاميلتون وزميله شارل لوكلير من موناكو، الذي وصفه الإنكليزي بـ "السائق السريع والمحترف والناضج"، يملك فيراري ثنائيا من شأنه أن يجعل كل الفرق الأخرى تخشى على نفسها.
يدرك الفرنسي فريدريك فاسور مدير فيراري أنه سيضطر إلى التخفيف من النشوة السائدة، لذا يقول "الجميع مليء بالتوقعات والحماس والعاطفة. الآن مع الخبرة التي اكتسبتها خلال العامين الأوليّن، أعلم أنه يتعيّن علينا تهدئة التوقعات قليلا".
وختم قائلاً "إذا كنت تريد الفوز بالسباقات، عليك أن تمتلك سيارة جيدة، وأن تطور من أدائك في كل سباق، وأن تقوم بعملك على أكمل وجه. الأمر لا يتعلق بالجماهير وبالحماس".