ماذا تعني عودة ترامب بالنسبة إلى تركيا؟
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
يثير الإنتصار الساحق لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت مؤخراً ردود أفعال مختلفة حول العالم، لا سيما إزاء التداعيات المحتملة لوصوله الى البيت الأبيض. وبخلاف الفترة السابقة التي تولى فيها السنوات الأربع من 2017 إلى 2021، يتمتع ترامب هذه المرّة بأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب أيضاً، ما يعني أنّه سيكون مطلق اليدين لتنفيذ ما يراه من سياسات مناسبة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
المفارقة الأخرى التي يجب أن نذكرها هي أنّ التعيينات الأوّلية لترامب تبدو متطرفة للغاية حتى مقارنة مع تعييناته السابقة في الفترة التي خدم فيها كرئيس للولايات المتّحدة. هذا التطرف في غالبه موالٍ لإسرائيل. ومع عدم وجود خلاف حول حقيقة أنّ كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدعمان إسرائيل، إلاّ أنّ أحداً لم يحقق لإسرائيل ما حققه ترامب لها خلال الفترة السابقة لحكمه، ولذلك فإنّ مثل هذه التعيينات يجب أن يكون مؤشراً خطيراً إزاء الترتيبات الإقليمية القادمة.
وبغض النظر عن هذه النقطة بالتحديد، هناك تفاؤل حذر في أنقرة إزاء عودة ترامب إلى الرئاسة. المناخ العام في تركيا هو أنّه سيكون بالإمكان الاستفادة من إدارة ترامب خاصّة إذا ما استطاع الرئيس أردوغان إقناعه شخصياً بأهمّية التعاون التركي ـ الأمريكي في المنطقة وحل المشاكل الإقليمية والدولية، لما ينطوي على ذلك من مصلحة مشتركة ومنافع مشتركة. الجانب التركي يعتقد أنّ وعود ترامب ورغبته في إنهاء الحروب الإقليمية والدولية ـ بما يتيح لواشنطن التفرّغ للصين ـ قد تساعد أنقرة بشكل كبير على تحقيق مصالحها من خلال ما تمثّله من تقاطعات.
تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها.وبناءً عليه، فقد كان الرئيس التركي أردوغان من أوائل أولئك الذين هنّؤوا ترامب بفوزه بالرئاسة، ووصف أردوغان ترامب بأنه "صديق"، معرباً عن رغبته في تعزيز التعاون معه، وحثّه على الوفاء بتعهده بإنهاء حروب إسرائيل على غزة ولبنان، وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالرغم من أنّ ولاية ترامب السابقة (2017 ـ 2021) شهدت قيام الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا أدّت إلى التأثير سلباً على الاقتصادي التركي، إلاّ أنّ التفاهم الذي جرى بعد ذلك بين الرجلين جعل ترامب يقول إنّه من أشد المعجبين بأردوغان وأن يكرر أنه يشرفه استضافته في البيت الأبيض.
يدعو الرئيس التركي اليوم ترامب إلى زيارة أنقرة وإلى الإيفاء بتعهّداته التي قطعها إبّان ترشحّه للرئاسة وسط تفاؤل حذر حول هذا الأمر. هناك بعض الملفات ذات الطابع الثنائي بين تركيا وأمريكا كتواجد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لحماية الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني أو ملف المقاتلات الأمريكية (أف ـ 35) او نظام الدفاع الصاروخي الروسي (اس-400)، وهناك ملّفات ذات طابع إقليمي كالتصعيد الإسرائيلي ـ الإيراني في المنطقة، وهناك ملفات ذات طابع دولي كالحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة.
وفي هذا السياق، هناك تصوّر تركي أنّ إدارة ترامب الأمريكية ستسحب قواتها من شمال شرق سوريا وتتيح التوصل إلى إتفاق مع تركيا بخصوص الوضع المستقبلي لسوريا. يدعم هذا التفاؤل أيضاً بعض التصريحات لمسؤولين أمريكيين سابقيين من بينهم جيمس جيفري، سفير أمريكا السابق لتركيا، وروبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا.
وفي ملف التصعيد الإسرائيلي، نقلت تقارير سابقة أنّ ترامب طالب نتنياهو قبيل فوزه أن يقوم بالانتهاء من غاياته وأهدافه في الحرب التي يشنها على غزة ولبنان مع نهاية العام، أي قبل وصول ترامب الى السلطة. طبعا، مثل هذا الامر ـ إن تمّ ـ من الممكن أن يساعد الجانب التركي على استعادة دوره الإقليمي سياسيا وعسكرياً بشكل أكبر. كما قد يتيح له كذلك لعب دور رئيسي في عمليات إعادة الإعمار في المنطقة ممّا يساعد على تحسين وضعه الاقتصادي.
وفيما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، فالسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم إدارة ترامب بلقاء الرئيسين، وبإجبار الجانب الأوكراني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت طائلة إيقاف الدعم الأمريكي المقدّم إلى كييف في مواجهة روسيا، الأمر الذي إن حصل، سيجعل من أوكرانيا لقمة سائغة لموسكو بعد أن أصبح اعتمادها على واشنطن شبه كلّي في الحرب الدائرة مع روسيا اليوم. وبغض النظر عن ذلك، فإنّ انتهاء الحرب يعدّ أمراً جيداً لتركيا ويثبت بالإضافة إلى باقي الأمور ـ إن تحقّقت ـ أنّ موقفها السياسي كان على صواب فيما يتعلق بهذه الملفات وأنّه قد حان الوقت لتحقيق الاستقرار والتركيز على تحقيق الامن والسلام والازدهار.
لكن مثل هذا التصوّر للفرص التي قد تتيحها عودة ترامب قد لا يكون واقعياً بشكل كامل ودونه عقبات وتحدّيات كبرى بطبيعة الحال خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ثلاثة أمور. أولاً، ترامب شخص غير مستقر، وحقيقة انّه فرض عقوبات على تركيا عندما كان رئيسياً وجعل انقرة تعاني إقتصادياً يعني انّه بالإمكان ـ ولو نظرياً ـ إعادة فعل ذلك اذا تعارضت السياسية التركيّة مع تلك الأمريكية بشدّة في بعض الملفّات المتعلقة بالمصلحة الأمريكية، وهذا أمر لا يمكن استبعاده بشكل كلّي.
ثانياً، تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها. من غير المعروف كذلك إذا كان ترامب سيقوم بموازنة هذه الشخصيات في ادارته بشخصيّته هو لتحقيق التوازن الخارجي، أم أنّه سيطلق العنان لهم ولخطّهم في إدارة سياساته. من شأن الخيار الثاني أن يؤدي حكماً الى تصادم مع تركيا في عديد من الملفات لاسيما فيما يتعلق بإسرائيل وسياساتها في المنطقة.
ثالثا، للكونغرس كلمته هو الآخر. غالباً ما كان الأخير هو العنصر الأكثر إشكالية في العلاقات الامريكية- التركية، وليس الرئيس الأمريكي. يمتلك الكونغرس العديد من الصلاحيات التي يستطيع من خلالها تعطيل التوافق الأمريكي ـ التركي وإختلاق المشاكل لأنقرة والتسبب بكثير من المتاعب بما في ذلك مسألة العقوبات والتعاون السياسي والأمني والدفاعي بين الطرفين. والمؤشرات الأولى تقول أنّ الكونغرس ليس إيجابياً تجاه أنقرة لكن ربما يُحدث ترامب التوازن المطلوب معه، أو ربما يوظّفه في توازنات يكون المقصود منها دفع أنقرة الى تقديم تنازلات تحت سقف التفاهم المنشود.
لا شك بأنّ عودة ترامب قد تفتح باب الفرص بالنسبة إلى تركيا في بعض الملفات، لكنّها أيضا قد تخلق نوعا جديداً من التحدّيات في ملفات أخرى. وعليه، سنرى في أي اتجاه ستسير الأمور لاحقاً.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا العلاقات امريكا تركيا علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عودة ترامب فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
بعد تعهده بإنهاء الحرب في أوكرانيا.. ترامب يواجه معارضات قوية من الجانبين.. وموقفه من كييف يناقض إدارة بايدن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
إن إرث السياسة الخارجية لدونالد ترامب على وشك مواجهة أحد أعظم تحدياته: التوسط لإنهاء الصراع الدائر في أوكرانيا. لقد وعد الرئيس الأمريكي المنتخب بتغيير جذري في نهج أمريكا تجاه الحرب، وتعهد بإنهائها في غضون يوم من توليه منصبه.
ومع ذلك، في حين أن سمعة ترامب في عقد الصفقات أكسبته اهتمامًا كبيرًا، فإن الطريق إلى السلام بعيد كل البعد عن الوضوح.
وعد عالي المخاطريبدو أن تعهد حملة ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا من خلال إقناع كل من الرئيس الأوكراني زيلينسكي والرئيس الروسي بوتين بالتفاوض أكثر صعوبة مما يبدو.
ويمثل موقفه في السياسة الخارجية بشأن أوكرانيا تناقضًا صارخًا مع موقف الإدارة الحالية تحت قيادة الرئيس بايدن، والتي قدمت مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لكييف.
ومع ذلك، فإن وعد ترامب بسحب الدعم العسكري الأمريكي ما لم يوافق زيلينسكي على وقف إطلاق النار يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى الوضع المتقلب بالفعل.
في حين أن تاريخ ترامب من العلاقات القوية مع زعماء العالم مثل بوتن قد يمنحه بعض النفوذ الدبلوماسي، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تقف في طريقه. أولًا، أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن حكومته لن تتفاوض مع روسيا بينما يظل فلاديمير بوتين في السلطة.
يمنع مرسوم عام ٢٠٢٢، الذي وقعه زيلينسكي، أي مناقشات مع روسيا تحت قيادة بوتين، مما يشير إلى المعارضة العميقة الجذور في كييف لأي مفاوضات سلام يمكن اعتبارها تنازلًا عن مطالب موسكو.
يشكل رفض أوكرانيا التفاوض تحت قيادة بوتين حجر عثرة حاسم. وعلاوة على ذلك، حتى لو كانت كييف منفتحة على المحادثات، فقد صرح زيلينسكي أن أي تنازلات إقليمية، مثل التنازل عن أجزاء من أوكرانيا لروسيا، يجب أن تتم الموافقة عليها من خلال استفتاء وطني.
ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن المواطنين الأوكرانيين من غير المرجح أن يدعموا مثل هذه الخطوة، مما يجعل أي اتفاق على هذه الجبهة صعبًا بشكل خاص.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، أعلن ترامب علنًا أنه سيستخدم نفوذه للضغط على زيلينسكي للموافقة على وقف إطلاق النار.
وانتقد الرئيس الأوكراني علنًا لكونه ماهرًا في تأمين مبالغ ضخمة من المساعدات العسكرية الأمريكية واقترح أن زيلينسكي يمكن محاسبته على غزو روسيا لأوكرانيا.
وعلى النقيض من ذلك، كانت تصريحات ترامب حول بوتين أكثر إيجابية، حيث وصف الزعيم الروسي بأنه شخصية قوية وقادرة تربطه بترامب علاقة شخصية.
ويؤكد هذا الاختلاف في الخطاب على الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة التي يتعين على ترامب التعامل معها.
لقد أثار نهج ترامب ردود فعل متباينة من كييف. في حين دعم العديد من المسئولين الأوكرانيين علنًا المساعدة الأمريكية، فقد أمل البعض سرًا في فوز ترامب. وقد أعربوا عن إحباطهم إزاء التأخير في تسليم الأسلحة في ظل إدارة بايدن، مما أدى إلى خسائر بشرية غير ضرورية. وقد أشار الخبير الاقتصادي الأوكراني تيموفي ميلوفانوف إلى أن ترامب من المرجح أن يدفع كييف نحو الحل، سواء كانت أوكرانيا مستعدة أم لا. ويسلط هذا الشعور الضوء على الشعور المتزايد بالإلحاح داخل أوكرانيا مع استمرار الحرب.
ومع ذلك، فإن التحدي المتمثل في التفاوض مع الرئيس بوتين يظل أكثر صعوبة. فقد أوضح بوتين أنه لن يرضى بأي شيء أقل من المكاسب الإقليمية الكبيرة في أوكرانيا، بما في ذلك ضم شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس.
كما طالب أوكرانيا بالتخلي رسميا عن أي تطلعات مستقبلية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ويؤدي عدم رغبة بوتين في تخفيف هذه المطالب إلى تعقيد أي محادثات سلام محتملة، حيث لم يقترح أي زعيم غربي، بما في ذلك ترامب، خطة يمكن أن تلبي توقعات روسيا دون تقويض سيادة أوكرانيا. وأكدت تاتيانا ستانوفايا، المحللة السياسية الروسية في مركز كارنيجي في موسكو، أن أي خطة، بما في ذلك خطة ترامب، لن تكون مقبولة لدى بوتين ما لم تتضمن تنازلات إقليمية كبيرة. إن موقف بوتين الحازم يشير إلى استراتيجية أوسع نطاقًا تتبناها روسيا لفرض سيطرتها على أراضي أوكرانيا، وقد أبدى بوتين استعدادًا ضئيلًا للتنازل عن هذه الأهداف.
نظرًا للتقدم العسكري الجاري في أوكرانيا من جانب القوات الروسية، فقد يواجه ترامب قرارًا أكثر صعوبة. ففي حين اقترح أنه سيزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا إذا رفض بوتين أي خطط سلام، فإنه قد يأذن أيضًا باستخدام أسلحة بعيدة المدى تستهدف عمق روسيا.
وهذا التصعيد المحتمل هو أحد القضايا التي قد تؤدي إلى مواجهة نووية، وهو السيناريو الذي حذر منه بالفعل المسئولون الروس.
في هذا السياق، لاحظ إيد أرنولد، وهو محلل أمني أوروبي، أن هناك القليل من الأرض المتبقية للمفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، بالنظر إلى الحالة الحالية للصراع.
وفي حين قد يحاول ترامب الضغط على زيلينسكي للدخول في محادثات، فمن غير المرجح أن تقدم أوكرانيا تنازلات كبيرة تحت مثل هذا الضغط.
من ناحية أخرى، قد يتبنى الرئيس الأمريكي المنتخب موقفا أكثر حزما تجاه بوتين، مما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع بشكل أكبر.
بينما يستعد ترامب لتولي منصبه، يواجه تعهده بإنهاء حرب أوكرانيا عقبات خطيرة على جانبي الصراع. وفي حين قد يكون لديه نفوذ أكبر على زيلينسكي، فإن موقف روسيا المتشدد تحت حكم بوتين يمثل تحديا أعظم.
وسوف يتم اختبار قدرة ترامب على التوسط في السلام في أوكرانيا بينما يسعى إلى موازنة وعود حملته الانتخابية مع الحقائق الجيوسياسية للحرب المستمرة والدموية.
لا يزال المجتمع الدولي متوترا حيث قد يؤدي نهج ترامب إلى تغيير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن في غياب أي تغييرات كبيرة في مواقف موسكو أو كييف، يظل من غير الواضح إلى أي مدى قد يحرز ترامب تقدمًا نحو التوصل إلى حل سلمي في المستقبل القريب.
إن المخاطر التي تهدد الأمن العالمي لم تكن قط أعلى مما هي عليه الآن، وسوف تكشف الأشهر المقبلة ما إذا كان النهج الدبلوماسي الفريد الذي يتبناه ترامب قادرًا على تمهيد الطريق أمام السلام الدائم، أو ما إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد.