شدد تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" البريطاني، إلى أن سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الشؤون الخارجية، والتي تحمل شعار "أمريكا أولا"، قد تعجل بتقدم الصين بسرعة نحو زعامة العالم.

وأوضح معد التحليل ويليام ماتيوس، وهو باحث بارز في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في المعهد، أن ترامب لم يخفِ نيته في اتخاذ موقف صارم تجاه الصين، مشيرا إلى تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة على الواردات الصينية، بالإضافة إلى تعيين مسؤولين مناوئين للصين في إدارته.



وقال الباحث إن هذه السياسات قد تسبب مشكلات للصين في علاقاتها الثنائية مع واشنطن، لكنها أيضا تمثل فرصة كبيرة لها لتعزيز نفوذها على الصعيد الدولي.

وأضاف أن سياسة "أميركا أولا" التي انتهجتها إدارة ترامب قد تؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة كليا أو جزئيا من المنظمات والمبادرات الدولية التي كانت تشكل حجر الزاوية لهيمنتها، موضحا أن هذا الانسحاب قد يخلق فراغا تسعى بكين إلى استغلاله لترسيخ دورها كزعيمة عالمية وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب بما يخدم مصالحها.


وأشار إلى أن رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ للنظام الدولي تتمثل في بناء نظام مستقر وليس فوضويا، ولكنه يختلف عن النظام القائم على القيم العالمية المشتركة. وبدلا من ذلك، يعتمد النظام الذي تسعى إليه الصين على شراكات مرنة قائمة على المصالح المشتركة، وهو ما يمنحها نفوذا كبيرا نظرا لحجم اقتصادها وقوتها التكنولوجية والعسكرية المتنامية.

وبحسب التحليل، فإن بكين تسعى لتحقيق هذه الرؤية من خلال إعادة تشكيل الأمم المتحدة ودفع مبادراتها العالمية مثل "مبادرة التنمية العالمية"، و"مبادرة الأمن العالمي"، و"مبادرة الحضارة العالمية".

ولفت الكاتب إلى أن هذه المبادرات تهدف إلى تعزيز دور الصين كقائد عالمي، مع التركيز على القضايا التي تتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.

وأوضح أن الأمم المتحدة أصبحت أداة رئيسية تسعى الصين من خلالها إلى ترسيخ دورها كوسيط عالمي، مؤكدا أن مبادرات مثل "مبادرة الأمن العالمي" تعد تطورا لمبادرة الحزام والطريق، إذ توفر إطارا للتعاون الأمني الدولي يركز على المصالح الأمنية المشتركة بعيدا عن التحالفات العسكرية التقليدية التي تقودها الولايات المتحدة.

وأشار ماتيوس إلى أن خفض التزامات الولايات المتحدة في المجال الأمني قد يتيح للصين نشر معاييرها الأمنية وحماية مصالحها الاقتصادية، مستشهدا بمثالين بارزين: تعزيز التعاون الأمني بين الصين وباكستان، أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن من خارج حلف الناتو، وتزايد الحديث عن إمكانية استبدال مصر لمقاتلاتها الأمريكية بطائرات صينية.

السلاح الأقوى للصين
قال ماتيوس إن التكنولوجيا تمثل أحد أهم أدوات الصين لتوسيع نفوذها العالمي، مشيرا إلى أنها حققت ريادة في مجالات مثل التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي.

وأوضح الكاتب أن هيمنة الصين على سلاسل التوريد الخاصة بالتكنولوجيا الخضراء، من الطاقة المتجددة إلى المركبات الكهربائية، قد تجعل العالم أكثر اعتمادا عليها.

وأشار إلى أن مبادرة الحزام والطريق لم تقتصر على القضايا الاقتصادية فحسب، بل أصبحت أداة لتعزيز قيم ومفاهيم سياسية بديلة للنظام القائم على حقوق الإنسان الذي تقوده الدول الغربية.

وبحسب التحليل، فإن الصين تعمل على وضع معايير دولية للذكاء الاصطناعي من خلال التعاون مع دول الجنوب العالمي، خاصة في مشاريع المدن الذكية، ما يمنحها دورا قياديا في هذا المجال في غياب منافسة جادة من الولايات المتحدة.


وفي هذا السياق، أشار ماتيوس إلى أن تراجع الدور الأمريكي على الساحة العالمية في عهد ترامب أتاح للصين فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها، مشيرا إلى أن استراتيجية "أميركا أولا" ساهمت في تعزيز ديناميكية النظام العالمي المتعدد الأقطاب، ما يسمح لبكين بتشكيل المعايير العالمية بما يتناسب مع مصالحها.

اختتم ماتيوس تحليله بدعوة حلفاء الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم للتعامل مع النفوذ الصيني المتزايد. وشدد على ضرورة بناء علاقات جديدة قائمة على المصالح المشتركة مع دول الجنوب العالمي، والعمل على حماية القيم والمعايير التي يرونها أساسية في النظام العالمي الجديد.

وأشار إلى أن "أميركا أولا" لم تقوض فقط زعامة الولايات المتحدة، بل ساهمت أيضا في إعادة صياغة الديناميكيات العالمية بطريقة تتماشى مع مصالح الصين، ما يفرض على المجتمع الدولي التكيف مع حقائق عالم متعدد الأقطاب، على حد قوله.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية ترامب الصين الولايات المتحدة بكين الولايات المتحدة الصين بكين ترامب المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة إلى أن

إقرأ أيضاً:

إنقاذ اقتصاد أمريكا من ترامب

في مقابلة بودكاست أجرتها مؤخرا مع عزرا كلاين من صحيفة نيويورك تايمز، انزلقت جيليان تيت من صحيفة فاينانشيال تايمز إلى ما أصبح فخا شائعا: محاولة «عَـقـلَـنة» السياسات الاقتصادية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية.

أوضحت قائلة: «من ناحية، يريدون ضمان احتفاظ الدولار بمكانته المتفوقة كَـعُـملة احتياطية عالمية وأن يستمر النظام المالي القائم على الدولار في الهيمنة، لكنهم في الوقت ذاته، يعتقدون أيضًا أن الدولار مقوّم بأعلى من قيمته بحكم كونه عملة الاحتياطي العالمي، وهذا يعني أن الناس يواصلون شراء الدولار، وهذا ما يدفع قيمته إلى الارتفاع»، وبالتالي، يريد أنصار ترامب «اتفاق مار-أ-لاجو» الذي بموجبه تساعد دول أخرى في إضعاف الدولار مقابل تخفيف الرسوم الجمركية، والحماية العسكرية، وما إلى ذلك. في نهاية المطاف، ستندرج الدول ضمن واحدة من ثلاث مجموعات: الخضراء (الأصدقاء)، أو الحمراء (الأعداء)، أو الصفراء (المنحازون جزئيا). تقول لنا تيت: «إنها جرأة غير عادية. فلا يمكنك أن تغفل عن حقيقة مفادها أن هناك أشخاصا يريدون بالفعل إعادة هندسة النظام المالي والاقتصادي العالمي، ويعملون وفقًا لخطة متماسكة تماما».

لكن هل هم كذلك حقا؟ إذا كانت الفكرة تتلخص في تعزيز التصنيع الأمريكي من خلال اتفاقيات التلاعب بالدولار دون نسف مصادر أكثر أهمية للازدهار الأمريكي، فإن ذلك يتطلب بالفعل خطة متماسكة. سيكون لزاما على أنصار ترامب تذكير الناس بأن ترامب كان يكره اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وطالب بالفعل كندا والمكسيك بمساعدته في إصلاحها أثناء فترة ولايته الأولى. وتضع اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA) الناتجة عن ذلك هذه الدول في المجموعة الخضراء. تتمثل المهمة الآن في إقناع دول أخرى بأن تفعل الشيء ذاته: أن تأتي إلى مار-أ-لاجو، وتُـقَـبِّـل الخاتم، وتوافق على صفقات مماثلة. لكن هذا ليس ما يحدث. على العكس تماما، كان ترامب أشد ميلًا إلى الإساءة إلى المكسيك وكندا. فلا يكاد يمر يوم دون أن يطلق تهديدا جديدا، أو إهانة جديدة، أو إعلانا عن فرض رسوم جمركية أخرى. هذه هي المكافآت التي يمنحها لأولئك الذين يمتثلون ويضعون أنفسهم في الدلو الأخضر. حتى لو كان المدافعون عنه على حق في أنه يحاكي «نظرية الرجل المجنون» التي استعان بها ريتشارد نيكسون لإخافة الآخرين وإجبارهم على الامتثال، فإن سلوكه لا معنى له من الناحية الاستراتيجية. إذا كنت أي زعيم وطني آخر، ماذا ينبغي لك أن تفعل؟ قد لا يضيرك أن تتحدث مع ترامب، فَـتُـصـدِر أصواتا تبدو لطيفة على مسامعه، وتمتدح حنكته وتخلق مظهرا من الأُلفة والانسجام. ولكن ما لا يجوز لك أن تفعل مطلقا هو أن تغير سياستك -بشأن أي شيء- ما لم تحصل مقدما على فائدة ضخمة لا رجعة فيها.

وحتى في هذه الحالة، يجب أن تكون مستعدًا مسبقًا لجعل أي نقض لأي اتفاق يعلنه معك ترامب شديد الإيلام له.

لأن ترامب انتهك بالفعل شروط اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، فلن يكون لدى الدول الأخرى أي حافز لتلبية ما يطلبه. وإذا كنت عُـرضة لذلك النوع من العقاب الأحادي الجانب الذي يستطيع ترامب أن يوقعه بك، فأنت تواجه مشكلة. لكن الحل ليس العمل مع ترمب، بل إزالة المشكلة.

على هذا، ينبغي للمكسيك أن تسعى بالفعل إلى تعميق علاقاتها التجارية مع أوروبا والصين، اللتين تسيطران على بعض الأجزاء المتطورة تكنولوجيا من سلاسل القيمة الخاضعة للعولمة والتي يعتمد عليها الاقتصاد المكسيكي.

ينبغي لها أيضا أن تستكشف الطرق لفرض أقصى قدر من الألم على ترامب وناخبيه (ولكن ليس على أمريكا في المجمل) إذا لزم الأمر. على نحو مماثل، ينبغي لكندا أن تعمل على ربط الأجزاء الغنية بالموارد من اقتصادها بالصين وأوروبا.

وهذا يعني التخلي عن أي خطط لتشييد بنية أساسية جديدة لنقل الموارد إلى الجنوب، والخروج باستراتيجية تنمية جديدة لأونتاريو. على مدار 150 عاما، كانت الرقعة الجنوبية من المقاطعة جزءًا لا يتجزأ من مجمع التصنيع الأمريكي في الغرب الأوسط. وقد استفاد الجانبان بدرجة كبيرة. لكن الطلاق بات ضروريا الآن. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يُـقـدِم ترمب، الراغب بشدة دوما في الظهور على شاشات التلفزيون، على الإتيان بتصرف يسمح له بتحويل العلاقة إلى سلاح. وهو لا يبالي بحقيقة مفادها أن ذلك سيلحق بالأمريكيين ضررًا أشد من ذلك الذي قد يلحقه بالكنديين.

تَـدرُس بقية بلدان العالم بالفعل كيفية تقليص الخطر القادم من أمريكا ترامب، التي ستجد نفسها قريبا في وضع مماثل لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وتشير التقديرات إلى أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون سبب وجيه جعل المملكة المتحدة أفقر بنحو 10% مما كانت لتصبح عليه - ولا تزال التكاليف في ارتفاع.

هل تواجه الولايات المتحدة مصيرا مماثلا؟ أيًا كانت الحال، فقد قُـضي الأمر. لقد انهار السد بالفعل وبدأ الطوفان. ولكن هل من الممكن عكس اتجاه التيار؟ يُـذَكِّرُنا هذا بولاية رونالد ريجان الثانية. بعد فضيحة إيران-كونترا، أعلن البيت الأبيض، في فبراير 1987، أن السيناتور السابق هوارد بيكر سيشغل منصب رئيس الأركان. وقد جلب بيكر «مصداقية فورية» باعتباره موظفا حكوميا «عادلا» و«نزيها» و«محترما». كان تعيينه مفيدا لريجان والولايات المتحدة. فمنذ ذلك الحين، كان ريجان يظهر على الملأ، ويصافح الناس، ويلقي الخطب، في حين كان بيكر يدير السلطة التنفيذية.

لقد أصبح، باختصار، الوصي على عرش أمريكا. قد يكون ترتيب مماثل أفضل ما يمكننا أن نأمل من رئاسة ترامب الثانية. المشكلة الوحيدة تتمثل في إيجاد شخص على استعداد للقيام بهذا الدور - والأهم من ذلك، قادر على الاضطلاع به.

ج. برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، باحث مشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، ومؤلف كتاب «التراخي نحو اليوتوبيا: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين» (دار نشر بيزك بوكس، ٢٠٢٢).

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الروسي: ناقشنا مع الولايات المتحدة في الرياض قضية سلامة الملاحة في البحر الأسود
  • الصين ترفض معاقبة أمريكا للدول المشترية للنفط والغاز من فنزويلا
  • هل تنجو تركيا من الركود العالمي؟ تحليل اقتصادي في ظل الأزمات الأمريكية والأوروبية
  • إنقاذ اقتصاد أمريكا من ترامب
  • F-47.. الولايات المتحدة تكشف أول طائرة مقاتلة من الجيل السادس في العالم
  • السياح يتجنبون السفر إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب
  • بسبب ترامب..السياح يتجنبون السفر إلى الولايات المتحدة
  • بلا ندم..سفير جنوب إفريقيا المطرود من الولايات المتحدة يعود إلى بلاده
  • الصين تحذر من التشرذم الاقتصادي العالمي
  • تحليل.. ما الذي يريده بوتين بالفعل من المحادثات مع أمريكا؟