يعتقد البعض أن تحديد الأهداف مسبقاً والعمل على تنفيذها حرفياً والاستماتة في تحقيها مهما تغيّرت الظروف وتبدّل السياق هو أهم شيء يمكن أن يعمل عليه أي إنسان إذا أراد النجاح، وكثير من مدربي تطوير الذات يشدّد على هذا الجانب في دوراتهم التدريبية. وليس مدربو تطوير الذات وحدهم من يغنّي هذه الأسطوانة، بل الكثير من الذين يعملون في التخطيط الاستراتيجي وضمان الجودة يطربون لهذه الأغنية.
التربويون أيضاً يرقصون طرباً لهذا ويفرضونه على من يقع تحت مسؤوليتهم. أحد الذين لا يجدون أذنا صاغية لهذا الأمر هو عبد الوهاب المسيري. عندما نستعيد ونتذكرّ محاضراته ونتأمل طريقته في التدريس نجد أنها تركّز على السياق الذي يعيشه الأستاذ والمتعلمون في الوقت نفسه.
الأحداث التي يعيشها الجميع وتؤثّر عليهم هي المعيار في اختيار الأهداف في محاضراته المثيرة. لا شك أن لديه أهدافاً قد تكون محدّدة إلى الدرجة التي يوزّع فيها بعض الأوراق الجاهزة حول موضوع محاضرته ومحتواها والتي قد تكون قائمة بالمصطلحات التي يعمل على ترجمتها، مثل مقرّر الترجمة الذي درسه كاتب هذه السطور عنده. لكنّه في الوقت نفسه يعتمد على الحوارات التي كان يديرها مع طلاّبه، وتفاعله مع القضايا التي تبرز أثناء هذا الحوار، والأسئلة التي يطرحها الطلاب الأمر الذي ينتهي به إلى طريق آخر بعيداً عن الأوراق الجاهزة التي وزّعها على الطلاب أو الأهداف المحددة مسبقاً، أي أن أهدافاً جديدة وطارئة فرضت نفسها في هذه المحاضرة غير تلك التي كانت موجودة سابقاً.
هذه الاستطرادات المثيرة والجذّابة لنا كطلاّب نبعت من المصطلحات التي كانت معدّة سلفاً لكنها تتجاوزها إلى آفاق فكرية أرحب وكان يمكن أن تنتهي المحاضرة بإنهاء مصطلح واحد فقط من القائمة تلك. قد يبدو هذا الأمر إرباكاً لأهداف المقرر إذا نظرنا إليه بعين مطوري الذات والخطط الاستراتيجية، لكنه في الواقع انسجاماً كاملاً مع ما يحتاجه الطلاب وما يشغلهم من مشكلات وقضايا.
لا شك أن هذه الطريقة تنفع مع أولئك المعلمين الذين يتمتعون بمهارات متقدمة ولديهم القدر الكافي من التمكّن في المادة العلمية التي يدرّسونها، ولعلّ تخصص الأدب وموضوعاته الإنسانية ساعد المسيري على هذه الحرية الأكاديمية في طريقة التدريس التي يتبعها إذ أن الشعر والرواية والقصة تتناول الإنسان وقضاياه ومشاكله وحياته اليومية. هذه بالطبع ليست دعوة للتخلّي عن الأهداف لكنها طريقة ابتدعها هذا المعلّم الكبير تدعو للتأمل وقد لا تنفع مع غيره. الشيء الجدير بالذكر أن تلك الاستطرادات الجميلة التي كان يتحفنا بها هذا الفيلسوف الكبير هي التي بقيت معنا كطلاب وأثّرت في أسلوب تفاعلنا مع القضايا العامة والخاصة؛ ومن جهة أخرى فقد ذهبت الكثير من الأهداف الجاهزة والمعدة مسبقاً، والتي كان الأساتذة الآخرون يتمسّكون بها، أدراج الرياح وطواها النسيان إلى غير رجعة.
khaledalawadh@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
“يا حبيبي تعالى الحقني” .. اكتشفها الملحن داود حسني بالصدفة.. محطات في حياة أسمهان «أميرة الطرب»
أبهرت العالم بصوتها العذب الجميل الممتلئ بالبهجة والشجن، رغم رحيلها في سن مبكرة فإنها استطاعت أن تترك بصمة لا تُنسى من الأعمال الفنية الموسيقية الخالدة، هي الفنانة الراحلة أسمهان وتحل اليوم ذكرى ميلادها.
هي ابنة الأمير فهد الأطرش، الذي كان درزيًا من جبل الدروز في سوريا وشغل منصب مدير ناحية في قضاء ديمرجي بتركيا، ووالدتها علياء المنذر، درزية لبنانية من بلدة شويت، و اسمها الحقيقي “آمال الأطرش” وهي شقيقة الموسيقار فريد الأطرش.
ولدت آمال على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا بعد نشوب خلاف بين والدها والسلطات التركية، وفي طريق العودة، توقفت الأسرة في بيروت عند بعض الأقارب في حي سرسق، ثم توجهوا إلى سوريا حيث استقروا في جبل الدروز، موطن عائلة الأطرش، وعاشوا هناك حياة هادئة حتى وفاة الأمير فهد في عام 1924.
وصف الكاتب كرم ملحم كرم صوت أسمهان بـ”السخي المفعم بالشجن”، يأسر الآذان ويدخل القلوب، ويُنقل عن محمد عبد الوهاب قوله عن أسمهان عندما كانت في السادسة عشرة: “إنها فتاة صغيرة، لكن صوتها يحمل نضج امرأة مكتملة”، وقدمت العديد من الأغاني وصوتها كان مميز ومختلف مما جذب الأنظار لها.
انطلق مشوارها الفني في سن مبكرة، حيث كانت تغني في البيت والمدرسة، مرددة أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وكذلك أغاني شقيقها فريد، وفي إحدى المناسبات، حضر الملحن الكبير داود حسني إلى منزلهم، وكان فريد حينها في بداياته الفنية.
سمع حسني آمال تغني في غرفتها، فطلب منها أن تقدم عرضًا أمامه أدهشه صوتها عندما غنت، وبعد انتهائها، قال لها: “كنت أدرب فتاة تشبهك في الجمال والصوت، لكنها توفيت قبل أن تصبح مشهورة، لذا أود أن أدعوك باسمها: أسمهان.” وهكذا أصبح اسم آمال الفني “أسمهان”.
بدأت أسمهان تشارك شقيقها فريد الأطرش الغناء في صالة ماري منصور بشارع عماد الدين منذ عام 1931، بعد تجربتها السابقة في الغناء مع والدتها في حفلات الأفراح والإذاعة المحلية.
اشتهرت أسمهان بتنوع تعاونها مع العديد من الملحنين، فلم تقتصر على ملحن واحد مهما كان متميزًا، وقد أدت ألحانًا خالدة من كبار الملحنين مثل محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وشقيقها فريد الأطرش، إلى جانب مكتشفها داود حسني، وحققت خلال فترة وجيزة شهرة كبيرة في عالم الطرب، وأطلق عليها النقاد والجمهور العديد من الألقاب مثل أميرة الجبل وأميرة النغم ، وأسطورة الغناء
ومع ذلك، كانت لمحمد القصبجي وفريد الأطرش الحصة الأكبر في تلحين أغانيها الأكثر شهرة، وكما اختلف الملحنون، كذلك تنوعت أسماء الشعراء الذين تعاونت معهم، ومن أبرزهم أحمد رامي، ويوسف بدروس، والأخطل الصغير، ومأمون الشناوي، وبديع خيري، وبيرم التونسي، وكانت أبرز أغانيها:
هديتك قلبي.
غير مجدٍ في ملّتي واعتقادي.
نار فؤادي.
دخلت مرة في جنينة مدحت عاصم.
يا حبيبي تعالى الحقني.
مجنون ليلى.
أن بنت الليل.
حديث عينين.
في يوم ما اشوفك.
الورد.
يا حبيبي الله.
.
بوابة الأهرام
إنضم لقناة النيلين على واتساب