لماذا السياسيون في بلداننا مهمومون جداً؟
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
طبعاً ليس للتعميم، حيث إن لكل قاعدة حالة شاذة، أو كما علَّمَنا المنطق، النسبية تمثل شرطاً أساسياً من شروط الموضوعية.
ولكن لنعترف في لحظة صدق مع الذات: إن الغالب على رجال السياسة ونسائها في بلداننا الوجوه الواجمة وحمل ثقل الهموم. قد يندرج ذلك كما يحب أن يؤوله البعض في إطار أننا ننتمي إلى ثقافة تَعدّ المسؤولية وحكم النّاس تكليفاً وليس تشريفاً.إلى حد ما، يمكن أن يكون الأمر كذلك. غير أن هذا التأويل يظل ناقصاً، وتبقى في الفهم منطقة ذات مساحة لا بأس بها، تهيمن عليها العتمة.
كي نوضح أكثر، سنعتمد المقارنة آلية في فتح أفق الفهم: لماذا غالبية وجوه ساسة أوروبا والولايات المتحدة مبتسمة ومرحة وتلقائية. وحتى القلة منهم الذين ليسوا كذلك، نراهم تحت وطأة خبراء الاتصال السياسي الذين يلفتون انتباههم إلى ضرورة التحلي بابتسامة عريضة تعلو محياهم.
نثير هذه النقطة لأن السياسة في الفضاء الأوروبي والغربي تكليف أيضاً.
لا شك أن الواقع العربي، اليوم ومنذ عقود، مأزوم جداً، وهو ما يفسر سر وجود غالبية الفاعلين في السياسة في بلداننا، إضافة إلى أننا ننتمي إلى ثقافة لا تعالج الأزمات بالابتسامة، وميولاتنا العاطفية يغلب عليها الحزن أو توقُّعه.
لو نركز على الهم في حد ذاته، سنرى أنه مبرَّر جداً ويصعب على من يتقلد مسؤولية سياسية في بلد عربي أن يكون منشرح الصدر لأن ثقل المسؤولية في الواقع العربي مضاعَف مرات ومرات، مقارنة باستحقاقات تحمُّل المسؤولية في الفضاء السياسي الأوروبي والغربي.
فالواقع العربي، بشكل عام، اليوم، يتقاطع بين مسارين اثنين متعبين: من جهةٍ بلدانُنا ما زالت في حاجة كبيرة إلى البناء والتأسيس، ومن جهة ثانية وفي الوقت نفسه يسيطر عليها هاجس إدارة الشؤون اليومية للمواطنين.
نحن هنا نتحدث عن اتجاهين ومسارين، وتطبيق لاستراتيجيتين في الوقت نفسه. فالتأسيس يتطلب أموالاً ضخمة وعائداتها على المديين المتوسط والبعيد. كما أن التأسيس يشترط الهدوء والرصانة وحسن التخطيط وأخذ الوقت الكافي والبناء في ظروف قليلة الضغط. ولا ننسى أهمية الاستقرار للتمكن من التأسيس في القطاعات الكبرى الأساسية، وتوفير المستلزمات؛ من إمكانيات مادية وقنوات دعم وتشريعات وخبرات وكفاءات. لذلك ليست كل الدول العربية، اليوم، تستطيع القيام بعملية التأسيس أو مواصلتها، أو حتى المحافظة على ما تم قطعه في مسار التأسيس، وهنا نذكر قطاع غزة ولبنان، وما حصل في العراق، وما تعرفه سوريا. ويكفي التوقف ملياً عند المثال اللبناني الذي لطالما اقترن بالجمال والحياة، وكيف أنه يعرف مرات ومرات فجيعة الدمار والهدم، وكأنه ممنوع من البناء، وممنوعة بيروت من الاحتفاظ بنفسها، كما هو شأن المدن الأوروبية التي أبعد ما تكون عن تهديدات الهدم والدمار، وتعتني بعراقتها وتراكمها هانئة البال.
كذلك، من المهم الإشارة إلى أن حقيقة الهدر الحاصل للعمران لأكثر من بلد عربي بسبب العدوان الإسرائيلي تُفقد التأسيس والبناء أي معنى لهما؛ لأنه لا يمكن البناء في سياق تهديد وعدوان واستهداف.
لذلك فإن البناء، على أهميته وضرورته، بات يشبه الترف في الواقع الراهن، وتحديداً في السنوات الأخيرة، حيث استنزفت إدارة الأزمات والشؤون اليومية للمواطنين الجهد والطاقة والموارد بأنواعها، وكل ذلك تم حتماً على حساب بناء أوطاننا.
إذن البناء هو فوق قدرة غالبية البلدان العربية، باستثناء بعض الدول التي تمتلك الإمكانيات والاستقرار لذلك.
أما الجزء الوافر من تأويل سبب هموم الساسة في غالبية بلداننا، فإنه يتأتى من إدارة الشؤون اليومية للمواطنين، إذ لم يعد ذاك باليسر النسبي الذي كان؛ حيث المتطلبات اليومية الراهنة تغيرت، وظلت أجهزة الدول هي المسؤولة والمحركة للاقتصاد، في حين أن القطاع الخاص لم يستوعب بعدُ ضرورة مشاركته في الاستثمار في الوطن والبيئة الاجتماعية، ومعاضدة جهود المرافق العمومية لضمان بيئة ينفع فيها الاستثمار ويتحقق فيها الربح وتصنع الثروة.
ومما زاد في هموم السياسي انعكاسات أزمة «كوفيد 19» على الاقتصاد، وتداعيات إفلاس العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وما تطلبته إدارة الأزمة من اعتمادات خاصة، دون أن ننسى تأثيرات الحرب على أوكرانيا على ارتفاع أسعار البترول والقمح.
إن المتطلبات اليومية وتوفير الحاجيات وتلبيتها تُغرق السياسي في دوامة تزداد يومياً، في ظل سياق دولي متوتر يُربك الأسعار، ومن ثمة يحوّل إدارة الشأن اليومي الاقتصادي إلى مشقة حقيقية تولد الشعور بثقل الهموم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل إيران وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
محافظ الغربية يعتمد الأحوزة العمرانية لـ10 قرى و10 عزب
أعلن اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، اعتماد الأحوزة العمرانية الجديدة لـ10 قرى و10 عزب بمختلف مراكز المحافظة، تمهيدًا لتوقيعها على الطبيعة وبدء العمل بها، ما يمثل نقلة نوعية في دعم التنمية العمرانية وتيسير إجراءات البناء والتوسع السكاني.
وشمل القرار تحديث الأحوزة العمرانية لـ10 قرى بمراكز قطور، السنطة، طنطا، زفتى، والمحلة الكبرى، إضافة إلى تحديث واعتماد الأحوزة العمرانية لـ7 عزب تابعة لمراكز قطور، طنطا، سمنود، والمحلة الكبرى، واعتماد الحيز العمراني لأول مرة لـ3 عزب أخرى بمركزي قطور وطنطا، استجابة لاحتياجات المواطنين وتيسير إجراءات استخراج تراخيص البناء وفق المخططات الاستراتيجية والتفصيلية.
وأكد محافظ الغربية أن هذا الاعتماد يعد خطوة حاسمة لإنهاء المشكلات التي واجهها المواطنون لسنوات طويلة، حيث يتيح لهم إنهاء تراخيص البناء والتوسع العمراني بشكل قانوني ومنظم، مشددًا على ضرورة توافق المخططات مع الطبيعة وحدود الملكيات، والالتزام بالاشتراطات البنائية والتخطيطية لضمان بيئة عمرانية منظمة ومستدامة.
وأشار الجندي إلى أن هذا الإنجاز جاء بعد تنسيق مكثف مع الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، مما يساهم في القضاء على العشوائيات، الحد من مخالفات البناء، وتعظيم الاستفادة من الحيز العمراني المعتمد، موضحًا أن الغربية تعد من أولى المحافظات التي أنهت تحديث مخططاتها الاستراتيجية بنسبة 100% للمدن، و99.7% للقرى، و78% للعزب، مع استمرار العمل لاستكمال باقي الأحوزة العمرانية تباعًا.
وفي الختام، أكد المحافظ أن المحافظة مستمرة في استكمال أعمال التحديث والتخطيط العمراني بما يتماشى مع رؤية مصر 2030، لتحقيق بيئة حضرية متطورة تواكب متطلبات التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين.