الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
حدَثٌ غريبٌ يستحق منَّا النظرَ والتأمل.. إنه ذلك الحضور الحسىّ لأمين الوحى سيدنا جبريل عليه السلام، فى صورة رجل غريب رآه الصحابة كما يرى بعضُهم بعضاً، وسمعوه كما يسمع بعضُهم بعضاً.
وقد جاءت أحداث هذا الحدَث جاذبة لكل الجالسين، بحيث تلفت انتباههم لكل ما يُقال، فالحاضر رجلٌ غريب تتطلع لمعرفته الأنظار، له وجه حسَنٌ لا تلتفت عنه العيون، طيّبُ الريح بحيث تأنسُ له النفوس، ثيابه نظيفة لا يُرى عليها شىء من آثار السفر كالغبار والعرق! رغم أنه غريب غير معروف، فليس من أهل المكان وليس ضيفاً على بعض أهله! إنه شأن يجذب الحواسّ.
ثم هو يسلم على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه فى الاقتراب منه مراراً، وقد جاء وصف هذا فى رواية الإمام النَّسَائىّ التى جاء فيها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسألَ، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ، فقال: السلام عليك يا محمدُ. فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُهْ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم».
هذه الأمور كلها تتآزر لجذب انتباه الجالسين، بحيث تعى قلوبهم كل ما سوف يُقال، أليس فى هذا إرشادٌ للمعلمين وللدعاة وللآباء كيف يهيئون نفوس مَن يريدون توجيه الكلام والنّصح إليهم بحيث تكون قلوبهم أوعية واعية لما يوجّه إليهم من إرشاد؟!
ثم يبدأ الحوار الذى يرويه لنا سيدنا عمر الفاروق، رضى الله عنه وأرضاه، فيحكى قولَ الرجل الغريب الذى تمثَّلَ فى صورته سيدنا جبريل عليه السلام، إنه يبدأ الكلام، فيقول: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام.
البدءُ بالسؤال عن الإسلام أمر منتظرٌ من غريب جاء ليعرفَ الدين؛ فليس هذا غريباً أو عجيباً، ولكن الغريب حقّاً هو ما سوف يقولُه سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يُلخّصَ شأن هذا الدين الذى هو رسالة الله تعالى للعالمين فى كلمات قلائل.. لو قيل لجمع كبير من العلماء الذين أفنَوْا أعمارَهم فى دراسة هذا الدين أن يلخّصوه فى كلمات ما استطاعوا، إنهم يحتاجون أن يُفرّغوا حتى يضعوا مؤلَّفاً لبيان هذا الدين، ثم هم كلما أعادوا النظر فيه زادوا فيه وبدّلوا وغيّروا.
وها هو سيدُ الخَلق، صلى الله عليه وسلم، يُلخصُّ الإسلام فى كلمات قليلات، فيقول، صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».
لقد بدأ صلى الله عليه وسلم تعريفه للإسلام بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم». إن الإسلام يبدأ من الشهادتين الكريمتين؛ الشهادة لله تعالى بالوجود والوحدانية، والشهادة بصدق سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة والرسالة.
ولا بد من الانتباه إلى خصوصية كلمة (أشهد) التى أشار إليها السادة العلماء، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بدلاً منها: (أعترف)، أو: (أُقرّ)، أو غير ذلك... وإنما قال: (أشهد) تلك الكلمة التى لا بد من أن ينطقها مَن يريد أن يدخل فى هذا الدين، ويُردّدها المسلم فى كل أذان وصلاة.
والشهادة يُعرّفُها العلماء بأنها «قولٌ صادرٌ عن علمٍ حصَلَ بمشاهدةِ بصيرة أو بصر»، إذن الإسلام يبدأ من هذه النقطة، من نقطة إزاحة أىّ غشاوة عن البصر والبصيرة، حتى يشهد الإنسان شهادة ليس فيها أدنى لبس بوحدانية الله تعالى وصدق رسالة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله صلى الله علیه وسلم رسول الله هذا الدین
إقرأ أيضاً:
هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب
هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. سؤال أجاب عنه مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية عبر صفحته الرسمية على فيس بوك.
وقال مركز الأزهر في إجابته عن السؤال: إن من صام وهو لا يصلي؛ فصومه صحيح يُسقط عنه الفرض؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا من جهة تركه للصلاة، ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله- تعالى-.
وبالنسبة لمسألة الأجر؛ قال المركز إن مردها إلى الله تعالى، غير أن الصائم المُصَلِّي أرجى ثوابًا وأجرًا وقَبولًا ممن لا يصلي .. والله تعالى أعلم.
أوضحت دار الإفتاء المصرية، أن الصوم فريضة وركن من أركان الإسلام، وكذلك الصلاة وكلاهما لا يغني عن الآخر.
وأفتت بأن عدم صلاة الصائم قد يكون مانعا من قبول العمل أو نقص الثواب، ولكن يكون صومه صحيح، ويكون قد أدى ما عليه من الفرض ومسألة الأجر في يد الله سبحانه وتعالى.
هل يقبل صيام من لا يصلي؟
وأكدت دار الإفتاء أن الصلاة عماد الدين، ولا يجوز لمسلمٍ تركها، منوهة بأنه اشتد وعيد الله- تعالى- ورسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- لمن تركها وفرط في شأنها.
وقالت «الإفتاء» إن الإسلام لا يتجزأ والمسلم العاقل لا يقبل لنفسه إطلاقًا أن يتقيد بجانب من الإسلام ثم يتحلل من جانب آخر ؛ لأنه يكون في هذه الحالة كمن يعترض على الله جل جلاله .
حكم صيام تارك الصلاة
قالت دار الإفتاء المصرية، انه لا يجوز لمسلمٍ تركُ الصلاة، وقد اشتد وعيد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن تركها وفرط في شأنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
وأبانت «الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: «ما الحكم فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلي؛ هل ذلك يُفسِد صيامه ولا ينال عليه أجرًا؟» أن معنى «فقد كفر» في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث التي في معناه: أي أتى فعلًا كبيرًا وشابه الكفار في عدم صلاتهم، فإن الكبائر من شُعَب الكُفر كما أن الطاعات من شُعَب الإيمان، لا أنه قد خرج بذلك عن ملة الإسلام- عياذًا بالله تعالى- فإن تارك الصلاة لا يكفر حتى يجحدها ويكذب بها، ولكنه مع ذلك مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.