لماذا لن يعود ترامب أبداً إلى سياساته السابقة في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
إنّ الاعتقاد السائد في الشرق الأوسط أنه بمُجرد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مرّة ثانية في يناير/ كانون الثاني القادم، ستعود الولايات المتحدة إلى إعدادات السياسة التي انتهجها في المنطقة أثناء رئاسته الأولى بين عامَي 2016 و2020.
إنّ حقيقة أن الشرق الأوسط اليوم يختلف بشكل كبير عما كان في تلك الفترة من حيث الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، ومن حيث المخاطر التي تجلبها على الولايات المتحدة ودورها الشرق أوسطي، وأن العالم، الذي تتعامل معه الولايات المتحدة اليوم يختلف عما كان عليه في تلك الفترة أيضًا من حيث الحجم الكبير للتحديات الجيوسياسية العالمية، تجعل هذا الاعتقاد غير واقعي تمامًا.
قد لا يُغير ترامب من نظرته المعادية للقضية الفلسطينية، ودعمه المُطلق لإسرائيل، واعتقاده بأن سياسة الضغط الأقصى على إيران ستجعلها أكثر حذرًا في مواصلة اندفاعتها الإقليمية وفي تسليح برنامجها النووي، لكنّه سيتعامل مع شرق أوسط مُختلف هذه المرّة.
إن التحدي العاجل الذي يواجهه في المنطقة يتمثل في صياغة سياسة قادرة على وضع حد للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، والحد من مخاطر انزلاق التوتر بين إسرائيل وإيران إلى حرب مباشرة.
ولا يبدو ذلك ممكنًا بدون إظهار صرامة في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتفكير في مزايا إبرام صفقة مع حماس لإنهاء الحرب، وإجباره على قبول تصور واقعي لمستقبل غزة بعد الحرب يحظى بقبول فلسطيني وإقليمي.
كما سيتعين عليه الدفع باتجاه إبرام تسوية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله؛ لأنها ضرورية للحد من مخاطر تطور الصراع إلى حرب إقليمية قد تُجبِر في نهاية المطاف الولايات المتحدة على التورط مرة أخرى في حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي.
لقد أظهرت حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حقيقة لا تبدو مُحببة لترامب، وهي أن مشروع "صفقة القرن"، الذي يعتبره أحد إنجازاته في رئاسته الأولى، لم يعمل سوى كوصفة لشرق أوسط أكثر خطورة على المنطقة والمصالح الأميركية فيها؛ لأنّه صُمم لتصفية القضية الفلسطينية.
كما أن الانحراف، الذي أحدثه على السياسة الأميركية في القضية الفلسطينية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المُحتل، لم يؤدِّ سوى إلى تغذية النزعة اليمينية داخل إسرائيل، والتي تُقوض الفرص المحدودة لإنتاج حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يُمكن أن ينقل الشرق الأوسط إلى حقبة جديدة من الاستقرار، ويُعزز دمج إسرائيل في محيطها الإقليمي.
سيكون الاعتراف بهذه الحقيقة بوابة لترامب لتشكيل سياسة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر قدرة على إعادة تشكيله من منظور يسهم في تحقيق رؤية قابلة للتطبيق للشرق الأوسط الجديد الذي لا تحتاج فيه الولايات المتحدة تخصيص الكثير من الاهتمام والموارد العسكرية، وتركيزها بدلًا من ذلك على التحديات الجيوسياسية العالمية الأكثر أهمية لواشنطن، مثل: روسيا، والصين.
تكمن المُعضلات الكبيرة التي تواجه ترامب في المنطقة في إيران. استطاع ترامب في ولايته الأولى زيادة الضغط على طهران من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات عليها، واغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، لكنّ هذا النهج جاء بنتائج عكسية من حيث تعميق إيران لعلاقاتها مع روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، ودفعها إلى إعادة التركيز على تطوير برنامجها النووي ولم يحد من دورها الإقليمي.
لم يؤدِّ نهج الانفتاح للرئيس جو بايدن تجاه طهران إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، وإضعاف تأثيرها الإقليمي، أو الحد من شراكاتها مع موسكو وبكين، لكنّ الموازنة بين سياسة الضغط ونهج الانفتاح قد تؤدي إلى نتائج مُختلفة.
إن الضغط الاقتصادي الكبير الذي تُعانيه إيران، وانفتاحها في السنوات الأخيرة على إصلاح علاقاتها مع المنطقة العربية، يوفران فرصة أمام ترامب لاحتواء النفوذ الإقليمي لطهران وطموحاتها النووية.
وعلى مستوى شركاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل الخليج، فإن تبني ترامب نهجًا أكثر عقلانية في إدارة العلاقات مع هؤلاء الشركاء – يقوم على الاعتراف بمصالحهم ومساعيهم للتحوط من آثار المنافسة الجيوسياسية العالمية الجديدة عليهم، وطموحاتهم في تنويع شراكاتهم العالمية – يُساعد ترامب في جعل هؤلاء الشركاء أكثر ثقة بالولايات المتحدة ودورها في الشرق الأوسط.
ستبقى منطقة الخليج شريكًا إستراتيجيًا حيويًا لواشنطن في المنطقة، حتى في الوقت الذي تعمل فيه دول الخليج على تعزيز شراكاتها مع قوى عالمية منافسة للولايات المتحدة، مثل: روسيا، والصين.
مع ذلك، يُمثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبئًا كبيرًا على منطقة الخليج التي تتطلع إلى انخراط أميركي بناء في معالجة الصراع كبوابة لشرق أوسط أكثر قابلة للازدهار.
وبالنسبة لتركيا، فإن العلاقة الوثيقة التي أقامها ترامب خلال رئاسته الأولى مع الرئيس رجب طيب أردوغان كانت مُثمرة لجهة التعاون الجزئي في قضايا خلافية مزمنة، مثل العلاقة الأميركية بوحدات حماية الشعب الكردية السورية.
لكنّ هذه العلاقة لن تكون كافية وحدها لجعل رئاسة ترامب الثانية أكثر فائدة على العلاقات التركية الأميركية. سيكون الإقرار بهواجس تركيا إزاء الوحدات الكردية والتعاون معها في معالجة الصراع السوري والأخذ بعين الاعتبار هواجسها من المقاربة الأميركية لملفي اليونان وقبرص الجنوبية، بوابة ضرورية لإعادة ترميم الشراكة التركية الأميركية.
يوجِد الشرق الأوسط المُتغير اليوم تحديات كبيرة أمام ترامب، لكنّه في المقابل يخلق فرصًا كبيرة أمام الولايات المتحدة لإعادة تشكيل دورها في المنطقة وعلاقتها مع مختلف الجهات الفاعلة بما يسهم في تحقيق رؤية ترامب الهادفة إلى تقليل الانخراط الأميركي في المنطقة، ومساعدة الشركاء على إدارة شؤونهم وسياستهم الإقليمية باعتماد أقلّ على واشنطن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة من حیث
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: سياسة ترامب.. استراتيجية ارتجال أم عدم يقين؟
مع بدء دونالد ترامب ولايته الثانية، يبدو أن نهج إدارته تجاه الشرق الأوسط يتسم بمزيج من الدبلوماسية الجريئة وغير التقليدية وانعدام التماسك الاستراتيجي المقلق. وبينما لا تزال الولايات المتحدة منخرطة في المنطقة، فإن تعاملاتها مع الأطراف الرئيسية، بما في ذلك حماس وإيران وسوريا، تعكس نمطًا من الارتجال يجعل الحلفاء والخصوم على حد سواء يشككون في رؤية أمريكا بعيدة المدى. قد يؤدي هذا النهج غير المنتظم إما إلى اختراقات غير متوقعة أو إلى تفاقم المشهد المتقلب أصلًا.
1- إيران: بين أقصى الضغوط ورسائل متضاربة
لا تزال إيران محورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن موقف ترامب تراوح بين المواجهة والتواصل المتردد، عززت إدارته حملة "أقصى الضغوط"، بإلغاء إعفاء من العقوبات كان يسمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية، وفي الوقت نفسه، أكد ترامب أنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، يقترح فيها التوصل تضمنت التوصل إلى اتفاق نووي جديد خلال شهرين .
وفي وقت سابق صرح ترامب في مقابلة: "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريًا، أو إبرام صفقة"، مشيرًا إلى تفضيله للدبلوماسية مع إبقاء العمل العسكري خيارًا مطروحًا، وكان رد فعل طهران متباينًا كما كان متوقعًا، وصف "خامنئي" واشنطن علنًا بأنها "حكومة متنمرة"، إلا أن المسؤولين الإيرانيين ألمحوا إلى استعداد حذر للانخراط.
يعكس هذا التناقض قضية أوسع نطاقًا: فبينما تتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران، لم تحدد إدارة ترامب بعد هدفها النهائي.
هل تسعى الولايات المتحدة إلى تغيير النظام؟ أم إلى اتفاق نووي جديد؟ هل هو مجرد استعراض للقوة؟ في غياب إجابة واضحة، سيظل أي انفتاح دبلوماسي هشًا.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا موقف واشنطن المتغير تجاه روسيا والصين، فبينما يسعى ترامب إلى إعادة تقييم تحالفاته الأمريكية، فإن أي تحول في السياسة تجاه إيران ستكون له آثار متلاحقة تتجاوز الشرق الأوسط، مما سيؤثر على الدبلوماسية العالمية بطرق لا تزال غير مؤكدة.
2- إسرائيل-فلسطين: تعامل غير متوقع مع حماس
قلما كانت القرارات مفاجئة بقدر المحادثات المباشرة لإدارة ترامب مع حماس، المنظمة المصنفة "إرهابية" من قبل الولايات المتحدة..
هذه الخطوة، التي تهدف ظاهريًا إلى تأمين إطلاق سراح رهينة أمريكي، فاجأت إسرائيل، مما أثار مخاوف من أن واشنطن تُعطي الأولوية لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل على حساب الاستقرار الاستراتيجي الأوسع، في حين وصف وزير الخارجية ماركو روبيو المحادثات لاحقًا بأنها جهد لمرة واحدة، فإن وجودها بحد ذاته يؤكد استعداد ترامب لكسر الأعراف الدبلوماسية.
وإلى جانب هذا الانخراط المفاجئ، لعبت الإدارة دورًا نشطًا في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، لا سيما بعد الهدنة التي تم التوصل إليها في يناير، ومع ذلك، مع قطع إسرائيل للمساعدات والكهرباء عن غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة في الأول من مارس، وجدت الإدارة نفسها عالقة بين مخاوف حليفها الأمنية وغضب الدول العربية.
وأدت عملية غزة، إلى جانب عمليات أخرى شنتها إسرائيل ليلًا على لبنان وسوريا، وهجمات أمريكية على الحوثيين في اليمن منذ الأسبوع الماضي إلى إنهاء الهدوء النسبي في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة.
يواجه مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الآن تحدي الموازنة بين المصالح الأمريكية والمطالب الإسرائيلية والضغوط السياسية الإقليمية.
وفي لبنان، عملت الإدارة على منع نشوب حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل، وأعلنت نائبة المبعوث "مورغان أورتاغوس" مؤخرًا عن جولات جديدة من المحادثات تهدف إلى تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار الموروث من إدارة بايدن، ومع ذلك، وكما هو الحال مع الكثير من سياسة ترامب في الشرق الأوسط، تظل هذه الجهود رجعية وليست استراتيجية.
3- سوريا: سياسة الإهمال
في حين اتبعت إدارة ترامب نهجًا مباشرًا تجاه إسرائيل وفلسطين وإيران، فإن استراتيجيتها في سوريا يمكن وصفها على أفضل وجه بأنها إهمال متعمد، فقد شهد الأسبوع الماضي وحده مقتل أكثر من 1000 مدني في اشتباكات بين قوات الأسد وجماعات المعارضة، إلا أن رد واشنطن اقتصر على بيان من وزير الخارجية "روبيو" أدان فيه العنف وألقى باللوم على الفصائل الإسلامية المتطرفة.
يتناقض هذا النهج السلبي بشكل صارخ مع دبلوماسية ترامب الأكثر حزمًا في أماكن أخرى، فبينما لم تتردد إدارته في التعامل مباشرة مع جهات فاعلة معادية مثل حماس وإيران، يبدو أنها غير مستعدة للتدخل في ساحة المعركة المعقدة في سوريا.
ينبع هذا التردد جزئيًا من إرهاق أمريكا الأوسع نطاقًا من صراعات الشرق الأوسط، وجزئيًا من حقيقة أن سوريا لا تزال ساحة صراع بين قوى أكبر، بما في ذلك روسيا وإيران وتركيا.
4- سياسة خارجية مرتجلة
تتمثل السمة المميزة لسياسة ترامب في ولايته الثانية تجاه الشرق الأوسط في عدم القدرة على التنبؤ بها، فمن ناحية، أبدت الإدارة استعدادًا للانخراط الدبلوماسي بطرق غير متوقعة، سواء من خلال محادثات سرية مع حماس أو التواصل مع إيران، ومن ناحية أخرى، فإن افتقارها إلى استراتيجية متماسكة يترك الحلفاء والخصوم في حالة من عدم اليقين بشأن نوايا أمريكا على المدى الطويل.
يثير انخراط ترامب الانتقائي تساؤلاتٍ مُلحة: هل لدى الإدارة خطةٌ ملموسةٌ للسلام في الشرق الأوسط؟ هل ستؤدي حملة الضغط على إيران إلى مفاوضات جادة أم إلى تصعيد للأعمال العدائية؟ وهل يُشير تردد واشنطن في التدخل في سوريا إلى تراجع أوسع عن الشؤون الإقليمية؟
وفوق كل شيء، وبينما يُعِد "ترامب" كتاب قواعده الخاصة في السياسة الخارجية، يظل الشرق الأوسط ساحة اختبارٍ لنهجه عالي المخاطر وعالي المكافآت.
وسيتضح في الأشهر المقبلة ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى اختراقاتٍ دبلوماسية أم ستُعمّق عدم الاستقرار الإقليمي.