على أنقاض البيوت المدمرة، وإلى جوار الخيمة التي تسكنها وعائلتها بعد نزوحهم من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة وسط القطاع المحاصر، أقامت سهاد جرادة (24 عاما) خيمة تعليمية تستهدف فتيات المنطقة، في صورة للصمود، والإصرار على انتزاع الحق في الحياة والتعلم.

سهاد التي تخرجت -قبل عام واحد من الحرب الإسرائيلية- بتخصص اللغة الإنجليزية والترجمة من جامعة الأزهر في غزة، كانت تحمل أحلاما وخططا كثيرة لإكمال دراستها العليا والمضي بمسيرتها المهنية مترجمة ومدربة على مهارات الإنجليزية، لكن حرب الإبادة أوقفت التعليم بكل مراحله وأشكاله.

ولكنها لم تستسلم لهذا الواقع الأليم المليء بالتحديات، فبادرت إلى إقامة صف تعليمي في خيمة زينتها بألوان زاهية تشبه أحلام الفتيات اللواتي يضمهن الصف وهن طالبات بالمرحلة الإعدادية تتراوح أعمارهن بين (12-15) عاما، ونجحت في تنفيذ برنامج تعليمي منوع دام 3 أشهر، غير أن استمرار إغلاق المعابر البرية وتوقف دخول المساعدات إلى القطاع أدى إلى نفاد ما كان متبقيا من مواد أولية مما أجبرها على التوقف الذي تأمل أن يكون مؤقتا.

درس ولعبة وأنشودة

تنوعت الأنشطة التي قدمتها المبادرة ما بين جوانب تعليمية وأخرى اجتماعية وترفيهية، فشملت التدريب على المحادثة بالإنجليزية، إلى جانب التفريغ العاطفي بواسطة التدريب على الغناء الجماعي لأناشيد فولكلورية، بالإضافة للألعاب التفاعلية والكتابة والحديث عن المخاوف في ظل هذه الظروف القاسية.

سهاد جرادة بادرت إلى إقامة صف تعليمي بخيمة زينتها بألوان زاهية تشبه أحلام الفتيات (الجزيرة)

وتقول سهاد للجزيرة نت "هدفت المبادرة إلى تعويض الطالبات بشكل جزئي عن الفاقد التعليمي الناجم عن انقطاعهن الطويل عن الدراسة والمدارس، ومساعدتهن في استعادة بعض المهارات من خلال جمعهن في أجواء دراسية بعد حرمانهن منها لأكثر من عام".

وتضيف "حاولت تكريس ما لدي من مهارات في الإنجليزية والترجمة في تدريب الفتيات على المحادثة بالإنجليزية، وإكسابهن المخزون اللغوي من المفردات وكيفية تركيب الجمل للتعبير عن أنفسهن، والحديث عن القضية الفلسطينية بالإنجليزية وعن يوميات الحرب والخوف والمجاعة، خصوصا في ظل توافد الأطباء والمبادرين من مختلف الجنسيات الأجنبية، وتعليمهن كيفية التحدث مع أي شخص لا يتحدث العربية".

أمل رغم التشرد

التحقت الطفلة النازحة عائشة كحيل (13 عاما) بالمجموعة التعليمية، ورغم الحالة النفسية الصعبة التي تعيشها نتيجة استشهاد والدها في الشهر الأول من الحرب، إلا أنها كانت من أكثر الطالبات اجتهادا وحماسا للتعلم.

وتقول عائشة "حلمي أن أصبح صحفية باللغة الإنجليزية لأنشر قضيتي وقضية أطفال فلسطين للعالم، تحمست جدا عندما سمعت بالمبادرة وشاركت بها، تعلمت فيها أشياء كثيرة، وأصبح لدي صديقات جدد وكنت أحضر الحصص بانتظام رغم صعوبة الظروف، فالتعليم حقي وقد حرمتني منه الحرب، أنا أشعر بالظلم فكل أطفال العالم يذهبون إلى مدارسهم بأمان ولكن أطفال غزة محرومون من ذلك".

أما والد النازحة آلاء حمدان (14 عاما) إحدى طالبات المجموعة فيقول "كنت أحرص على حضور ابنتي للدروس، وكنت أراقب تفاعلها مع صديقاتها بفرح كبير، الحرب حولت حياتنا إلى دمار بعد أن فقدنا كل شي، وتأثرت آلاء وأخوتها كثيرا بحالة التشرد التي نعيشها، لكن وجودها بهذه المجموعة ساعدها وحسن نفسيتها بشكل ملحوظ، وأعاد إليها بعض الأمل".

قطعة حلوى ووجبة حب عائلية

تمكنت المبادرة من الاستمرار لمدة 3 أشهر، بجهود ذاتية من سهاد وعائلتها، حيث كان أفراد العائلة يساهمون في الدعم والمساندة بأقصى طاقة، مع ندرة المواد وضعف الإمكانيات.

كانت حورية والدة سهاد -والتي تعمل بالأساس مديرة التدقيق بوزارة المالية- تقوم بإعداد الضيافة للطالبات وتجهيز طبق من الحلوى، وتقول "كنت أعتمد على ما يتوفر من مكونات في ظل شح المواد التموينية وعدم وجود الغاز ومستلزمات الطهي، كنت أطبخ الضيافة على الحطب، ورغم مشقة ذلك إلا أنني كنت أشعر بالسعادة".

أطباق الحلوى التي أعدتها الفتيات في الخيمة (الجزيرة)

أما أشرف جرادة (والد سهاد) فكان يساعد في الإشراف على عملية الإدارة والتنظيم، ويقوم بتوفير المستلزمات من قرطاسية وأدوات تساعد الطالبات في الدروس والأنشطة، وكان في أحيان كثيرة يضطر لقطع مسافات طويلة حتى يعثر على بعض منها.

وتقول سهاد إن عائلتها كانت دائما تشجعها على الاستمرار كلما شعرت بالتعب بسبب التحديات الكثيرة.

إصرار يعترضه الجوع والإغلاق

رغم النتائج الإيجابية التي تمكنت المبادرة من تحقيقها، والإصرار الكبير لدى سهاد وطالباتها على الاستمرار، إلا أن نفاد المواد الأساسية بما فيها المواد الغذائية وكذلك القرطاسية بفعل إغلاق المعابر المستمر لنحو 6 أشهر أجبرهن على التوقف إلى أجل غير معلوم.

أنشطة المبادرة تنوعت ما بين جوانب تعليمية وأخرى اجتماعية وترفيهية (الجزيرة)

وتقول سهاد "لم يعد هناك شيء في الأسواق، نفدت جميع المواد، ولا يمكنني بهذه الحالة أن أقدم شيئا للفتيات، كما تسبب نقص المواد الغذائية بحالة جوع وقلق لدى الجميع، وفي ظل هذه الظروف لا يمكن للعائلات إرسال بناتهن للمجموعة، لذلك اضطررت للتوقف، وأتمنى أن يكون مؤقتا وقصيرا".

تدمير ممنهج للتعليم

وتسببت هجمات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في تدمير البنية التحتية التعليمية، ضمن سياسة وصفها مكتب الإعلام الحكومي في غزة بسياسة التدمير الممنهج بعدد من وسائل الإعلام المختلفة.

وقبل الحرب، كان هناك 796 مدرسة تستوعب نحو 800 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى 17 جامعة وكلية مجتمع متوسطة. ومن تلك المدارس والجامعات، دمر جيش الاحتلال 123 منها بشكل كامل و335 بشكل جزئي، وقتل أكثر من 11 ألف طالب و750 معلما ومعلمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

محكمة أسترالية تفشل في إدانة المتهم بقتل شابة بعد سنوات من جريمة هزّت البلاد

قررت المحكمة العليا في ولاية كوينزلاند الأسترالية إعادة محاكمة راجويندر سينغ المتهم بقتل الشابة توياه كوردينغلي، وذلك بعد أن أخفقت هيئة المحلفين في التوصل إلى حكم بالإجماع.

وأثار هذا القرار موجة من الترقب في واحدة من أكثر قضايا القتل متابعة في أستراليا خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعني إطالة أمد الإجراءات القانونية وإبقاء القضية مفتوحة لفترة أطول.

وكان سينغ (40 عاما) قد دافع عن براءته من تهمة قتل كوردينغلي (24 عاما) التي عُثر على جثتها على شاطئ وانغيتي في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكشفت التحقيقات عن أن الضحية تعرضت لعدة طعنات وقطع في الحلق، قبل أن يتم دفنها في قبر ضحل بالقرب من كثيب رملي.

بعد 3 أيام من المداولات، أبلغت هيئة المحلفين القاضي جيمس هنري بعدم قدرتها على التوصل إلى قرار، مؤكدين أن أي أدلة إضافية لن تغيّر النتيجة. ونتيجة لذلك، قرر القاضي إعفاء هيئة المحلفين، مشيرا إلى أن أي تأخير إضافي سيكون "أمرا مؤسفا لجميع الأطراف المعنية".

Toyah Cordingley murder trial hits roadblock as jury fails to convict Rajwinder Singh

Read Here: https://t.co/SeZai05c9n@DrAmitSarwal @Pallavi_Aus @SeemaChauhanGC @ShailendraBSing @JitarthJai #ToyahCordingley #RajwinderSingh #JusticeForToyah #MurderTrial #JuryDeadlock… pic.twitter.com/vIsEd3zdbo

— The Australia Today (@TheAusToday) March 18, 2025

إعلان

وفي حين تستعد المحكمة لتحديد موعد إعادة المحاكمة، أشار محامي الدفاع عن سينغ إلى أن موكله قد يطلب تمثيلا قانونيا جديدا في الجلسات القادمة.

تفاصيل القضية التي هزّت أستراليا

في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أُبلغ عن اختفاء توياه كوردينغلي، التي كانت تعمل في مركز صحي وتطوّعت في مأوى للحيوانات، بعد أن خرجت في نزهة مع كلبها على شاطئ وانغيتي، وهو شاطئ رملي طويل يقع شمال كيرنز.

أثار غيابها قلق صديقها الذي سارع إلى الاتصال بالطوارئ بعد أن عثر على سيارتها في موقف السيارات من دون أن يتمكن من الوصول إليها هاتفيا.

جاءت اللحظة المفجعة في اليوم التالي، عندما اكتشف والدها جثتها مدفونة جزئيا في الرمال، بينما وُجد كلبها إندي مقيدا بشجرة قريبة، لكنه كان سالما.

أدلى شهود عيان بإفاداتهم لاحقا، مشيرين إلى رؤية رجل مشبوه في المنطقة، لكن لم يتمكن أي منهم من مشاهدة الجريمة أو عملية الدفن، مما جعل القضية أكثر تعقيدا أمام المحققين.

المتهم الرئيسي وسيناريوهات الاتهام

يعد راجويندر سينغ، وهو مواطن هندي كان يعمل ممرضا في أستراليا منذ عام 2009، المتهم الرئيسي في القضية. ووجهت إليه السلطات تهمة القتل بعد أن غادر البلاد بشكل مفاجئ إلى الهند في اليوم نفسه الذي تم فيه العثور على جثة كوردينغلي.

وبعد ملاحقة قانونية طويلة، أُلقي القبض عليه في الهند في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ليتم تسليمه إلى أستراليا لمواجهة المحاكمة.

وخلال المحاكمة، التي استمرت 3 أسابيع في المحكمة العليا في كيرنز، اعتمد الادعاء على سجلات الهاتف المحمول وأدلة الحمض النووي، إضافة إلى مغادرته المفاجئة إلى الهند، كأدلة رئيسية ضده.

ومع ذلك، لم يكن هناك شهود عيان مباشرون على الجريمة، وهو ما أضعف موقف الادعاء وجعل التوصل إلى حكم صعبا.

من جهة أخرى، أكدت شرطة كوينزلاند، التي تولّت التحقيق، أنها ملتزمة بضمان محاكمة عادلة وشاملة، في وقت كشفت فيه شرطة فيكتوريا عن تحقيقات جارية بشأن ادعاءات أخرى تتعلق بسلوك سينغ السابق، مما قد يؤثر على مسار المحاكمة الجديدة.

إعلان ما الذي سيحدث لاحقا؟

وبعد قرار إعادة المحاكمة، ستواصل المحكمة دراسة الأدلة وإعادة استدعاء الشهود، بينما قد يقرر سينغ تغيير فريق الدفاع القانوني.

وتطرح هذه الخطوة تحديات جديدة، إذ قد يستغرق الأمر أشهرا قبل تحديد موعد للمحاكمة الجديدة، مما يزيد من الترقب العام للقضية.

مقالات مشابهة

  • تحت تأثير ألزهايمر.. مسن يطعن ابنه وينسى الجريمة بعد لحظات
  • الدفاع المدني بغزة: فرقنا تعاني نقص المعدات الثقيلة ولا إمكانات لانتشال الشهداء
  • محكمة أسترالية تفشل في إدانة المتهم بقتل شابة بعد سنوات من جريمة هزّت البلاد
  • الميليشيا كانت تمنع الدفن وتقول لذوي المتوفين: (أجدعوه بس)
  • هآرتس: نتنياهو يكذب وإسرائيل هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • ليدي غاغا تفوز بجائزة الابتكار وتقول إنه لا يعني كسر القواعد
  • عبد الباقي لـ سانا: شملت الإجراءات إلغاء عقود مُبرمة بشكل غير قانوني وثبت تورطها في فساد مالي، إلى جانب تخفيض أسعار مواد من متعهدين استغلوا العقوبات الاقتصادية التي جلبها النظام البائد لسوريا، وتسبب بفرض أسعار مُبالغ فيها على الجهات الحكومية
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • مستشفيات غزة تستقبل 5 شهداء بينهم 3 جثامين تم انتشالهم من تحت الأنقاض