الذهب من المعادن النفيسة التي لها مكانة كبيرة في الشريعة الإسلامية، ويعكس بيع الذهب والشراء منه عدة أحكام شرعية تتعلق بالربا والمعاملات المالية. من بين هذه المسائل المثيرة للجدل هي مسألة "بيع الذهب بالذهب مع دفع المصنعية"، وهو موضوع تطرقت إليه دار الإفتاء المصرية في العديد من فتاويها.

بيع الذهب بالذهب: في الشريعة الإسلامية

 

هناك حكم خاص يتعلق بتبادل الذهب مع الذهب، وتحديدًا في حالات البيع أو المقايضة.

يُحرم في الإسلام بيع الذهب بالذهب مع التفاضل في الكمية أو التأجيل، ويشمل ذلك حالات البيع بالآجل أو التقسيط إذا كان هناك فارق في الوزن أو القيمة بين الذهبين المتبادلين. هذا الأمر يعود إلى ما يعرف في الفقه الإسلامي بالربا، والذي يُعد محرمًا في المعاملات المالية.

ما الذي يميز الذهب المصوَّغ؟

 من جهة أخرى، فإن الذهب الذي يتم تحويله إلى حُلي أو مصنوعات، والذي يُعرف بـ "الذهب المصوَّغ"، يتمتع بحكم مختلف. الشريعة لا تراه كـ "ذهب" بمعناه المالي التقليدي. لذلك، فإن بيعه بالذهب لا يشمله نفس الحكم المتعلق بالربا في حالة الأثمان النقدية. وبحسب رأي العديد من العلماء، يعتبر الذهب المصوَّغ ليس من قبيل الذهب الذي يجري عليه الربا. ولذلك، فإنه يمكن للمشتري والبائع الاتفاق على دفع المصنعية بشكل منفصل عن قيمة الذهب نفسه.

دفع المصنعية: 

في سياق بيع الذهب المصوَّغ، يتم تحديد قيمة المصنعية، وهي التكلفة التي يتقاضاها الصائغ مقابل عمله على صياغة الذهب وتحويله إلى قطعة حُليّ أو منتج آخر. حيث أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا حرج في بيع الذهب المصوَّغ مع دفع المصنعية على أن يكون المبلغ الذي يُدفع لقاء المصنعية منفصلًا عن قيمة الذهب، إذ إن ذلك لا يتعارض مع أحكام الشريعة.

الرأي الشرعي:

 وفقًا لما ذكرته دار الإفتاء، يجوز بيع الذهب المصوَّغ مع دفع المصنعية، حيث يتم التفرقة بين القيمة الأساسية للذهب وقيمة المصنعية. وهذا الرأي يتوافق مع بعض أقوال الفقهاء الذين رأوا أن المصنعية تختلف عن الذهب الذي يعامل كـ "نقد"، وبالتالي لا يقع فيه محظور الربا.

إن بيع الذهب بالذهب مع دفع المصنعية يعد مسألة فقهية مهمة تستدعي الفهم الدقيق لأحكام الشريعة المتعلقة بالمعاملات المالية. ومن خلال التفسير الشرعي الوارد في فتاوى دار الإفتاء المصرية، يمكن القول بأن بيع الذهب المصوَّغ مع دفع المصنعية لا يترتب عليه محاذير شرعية طالما تم الفصل بين قيمة الذهب وقيمة المصنعية. هذا التفريق هو ما يجعل المعاملة مشروعة من الناحية الدينية، كما يؤكد علماء الأزهر الشريف على أهمية فهم هذه القضايا لضمان معاملات مالية تلتزم بالشرع.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الذهب أحكام شرعية بيع الذهب بالذهب الشريعة الإسلامية دار الإفتاء الذهب مع الذی ی

إقرأ أيضاً:

حكم الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته

قالت دار الإفتاء المصرية إن الوشم القديم الذي فيه حبس الدم تحت الجلد حرامٌ شرعًا، ولا يجب إزالته إن كان في ذلك ضررٌ على صاحبه، وتكون الصلاة به صحيحةً شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائم

وأوضحت دار الإفتاء أن الوشم الثابت هو الذي يتم عن طريق إحداثِ ثُقْب في الجلد باستخدام إبرة معينة، فيخرج الدم ليصنع فجوة، ثم تُملَأ هذه الفجوة بمادة صِبغية، فتُحدِث أشكالًا ورسوماتٍ على الجلد.

وقالت الإفتاء إنعه قد اتفق الفقهاء على نجاسته ومن ثَم حكموا بحرمته؛ لما رواه الشيخانِ في "صحيحيهما" عَنْ علقمةَ، عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».

وفي هذا الحديث دليل على حرمة الوشم بالصورة السابقة؛ لأنَّ اللعن الوارد في الحديث لا يكون إلا على فعل يستوجب فاعلُه الذَّمَّ شرعًا؛ قال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 70، ط. مكتبة القاهرة) بعد ذكر حديث النهي: [فهذه الخصال محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح] اهـ.

الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائم

وكشفت الإفتاء عن الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائم، وهي ترجع إلى أمور:
أولًا: ما يترتَّب على بقاء الوشم من التدليس والتغييرِ لخلق الله سبحانه وتعالى، كما جاء في نصِّ الحديث السَّابق ذِكْره: «الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».

وما جاء في قول الله تعالى -على لسان الشيطان-: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119].

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 393، ط. دار الكتب المصرية): [وهذه الأمورُ كلُّها قد شهدت الأحاديثُ بلَعْنِ فاعلِها وأنها من الكبائرِ، واختُلِف في المعنى الذي نهي لأجلها، فقيل: لأنّها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أصحُّ، وهو يتضمَّنُ المعنى الأول] اهـ.

ثانيًا: ما فيه من إيلام للجسد بغرز الإبرة. وغرزُ الإبرةِ ضررٌ بالإنسان من غير ضرورة؛ ومن المعلوم شرعًا حُرمة الإضرار بالنفس أو بالغير؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]، فقد نصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس، والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر والأضرار؛ فمن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على النفس، ولهذا حرم الله تعالى كلَّ ما يؤدي إلى إتلاف الإنسان أو جزءٍ منه.

ثالثًا: أنَّ الوشم فيه مشابهة لما يفعله الفُسَّاق والجُهَّال؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1895، ط. دار الفكر): [وإنما نهي عنه؛ لأنه مِن فِعل الفُسَّاق والجُهَّال، ولأنه تغيير خلق الله؛ وفي "الروضة": لو شق موضعًا من بدنه وجعل فيه وعاءً أو وشمَ يدَه أو غيَّرها، فإنه ينجس عند الغرز] اهـ.

رابعًا: ما يُحدِثه من نجاسةٍ للموضع الموشوم بسبب الدم المختلط بالصبغ؛ قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (14/ 106، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال أصحابنا: هذا الموضع الذي وُشِم يصير نجسًا] اهـ.

وجاء في "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (14/ 508، ط. دار النوادر): [قال الفقهاء: ما وُشِمَ يصير نجسًا، فإن أمكنَ إزالتُه وجبَتْ، وإن أَورَثَ ذلك شَينًا أو تَلفَ شيءٍ فلا] اهـ.

 

مقالات مشابهة

  • إبراهيم نجم: علينا أن نصدِّر الإسلام الصحيح الذي هو مصدر أمن واستقرار للإنسانية
  • أستاذ الشريعة الإسلامية: يجب استثمار طاقات دار الإفتاء لمواجهة الفتاوى العشوائية
  • الذي سيحدث للتمرد في مدني ليس مجرد هزيمة .. فلم رعب
  • وزير الأوقاف لطلاب جامعة الفيوم: التفوا حول الشريعة وابتعدوا عن التطرف
  • أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أرسطو باليونان: الفتوى أداة لتعزيز التفاهم بين المجتمعات
  • آثار الدمار الذي خلفه نظام الأسد بمدينة حرستا بريف دمشق
  • أهم المعلومات حول جبل الشيخ الذي سيطر عليه الاحتلال (إنفوغراف)
  • الرقابة المالية تدرس طلب إصدار صكوك مشاركة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية
  • نجم البحر الهش.. أعجوبة الخلق الذي يملك قوى خارقة للطبيعة
  • حكم الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته