وكالة بغداد اليوم:
2024-11-24@12:02:22 GMT

الإيزيديون.. مستقبل مجهول وإبادة مستمرة

تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT

الإيزيديون.. مستقبل مجهول وإبادة مستمرة

بغداد اليوم- بغداد

بجوار خيمة صغيرة نصبها على أنقاض منزله الطيني المدمر في ناحية القحطانية جنوب سنجار (125 كلم شمال غربي الموصل)، يجلس العم خلف (72 سنة) لساعات يومياً يتطلع إلى أطلال البيوت المتناثرة أمامه والحقول الزراعية التي هجرها أصحابها، لا شيء يوحي بوجود حياة هناك.

مرت تسع سنوات على عمليات القتل الجماعي التي تعرض لها الإيزيديون في سنجار، على أيدي عناصر تنظيم داعش في 3 آب/ أغسطس 2014، لكن مشاهد الدمار ما زالت قائمة في وسط المدينة وفي القرى المتناثرة حولها، والتي تتوزّع على جنباتها عشرات المقابر الجماعية التي تضم مئات الضحايا.

في صيف العام 2022، عاد العم خلف مع مئات العوائل الإيزيدية الأخرى الى سنجار، ضمن حملات طوعية شجعتها الحكومة العراقية لإرجاع الحياة الى المدينة وقراها التي تعرضت للدمار خلال سيطرة داعش عليها، ولاحقاً بسبب معارك استعادتها.

لكن تلك العودة ظلت محدودة بل وتبعتها حالات نزوح عكسي كثيرة، على خلفية غياب الخدمات وتأخّر تعويضات إعادة البناء، وانعدام فرص العمل، الى جانب التوتر الأمني في المنطقة بسبب صراعات الفصائل المختلفة الولاءات على الأرض (كردية، شيعية، سنية) والقصف التركي المتكرر، والتنازع بين حكومتي أربيل وبغداد.

أدت تلك الأوضاع الى هجرة نحو ربع الإيزيديين الى خارج البلاد بحثاً عن وطن بديل، وما زال نحو 300 ألف منهم ومن الكرد المسلمين، يعيشون بعيداً من موطنهم، يتوزعون في غالبيتهم في 16 مخيماً.

“لا شيء سيعود الى ما قبل الإبادة”، يقول العم خلف. ويتابع بنبرة حزينة، “ما الذي يشجعهم على العودة؟”. يلتفت الى الخيمة التي تأوي أفراد أسرته المؤلفة من أربعة أشخاص، ويضيف “لم نتلقّ الدعم لإعادة بناء بيوتنا… وأبناؤنا لم يجدوا فرص عمل… ليس الكل قادراً على الحياة في هذه الأرض الميتة”.

يمسح العرق من على جبينه بطرف غطاء رأسه الأحمر (اليشماغ) الذي ترتديه غالبية الإيزيديين، ويتساءل: “كيف نبدأ حياتنا من جديد؟ أمضيت عمري مزارعاً، والمنطقة تفتقر اليوم إلى المياه، فلا يمكننا الزراعة. البعض كان يعتمد في معيشته على الرعي وتربية الحيوانات، لكنهم فقدوا كل ما كانوا يملكونه أثناء هجوم داعش”.

يصمت للحظات قبل أن يشير بيده الى البيوت الخاوية والحقول الجرداء أمامه، “كأنها لم تعرف الحياة يوماً، وكأنه لم يعش فيها إنسان”.

في آخر إحصائية له بأعداد القتلى والمفقودين، وثق مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، وقوع 6417 شخصاً في قبضة داعش، تم تحرير 3554 منهم، بينهم 1205 نساء و333 رجلاً و1992 طفلاً، بينما ما زال الآخرون في عداد المفقودين.

ويحصي المكتب الذي يتابع أوضاع النازحين من سنجار، وجود 135 ألف نازح في مخيمات إقليم كردستان و189 ألفاً في مناطق متفرقة خارج المخيمات. ويؤكد اكتشاف أكثر من 60 مقبرة جماعية وتعرُّض 70 مزاراً دينياً إيزيدياً للتدمير.

بحسب منظمات إيزيدية، هاجر أكثر من 120 ألف إيزيدي العراق في السنوات الأولى التي أعقبت هجوم داعش ونزوحهم الكبير، لكن الأرقام تتصاعد كل يوم، عبر الهجرة الشرعية أو التهريب، فلا يكاد يخلو أي مركب يحاول عبور البحر من تركيا الى اليونان أو إيطاليا من عراقيين إيزيديين.

ويعمل الإيزيديون، في غالبيتهم، في مهن شاقة بأجر يومي، كخدمات بناء الدور والعمل في الحقول الزراعية. وتلك الأعمال غالباً ما تكون موسمية وبالكاد توفر الحد الأدنى من متطلبات معيشتهم، وهو ما يجعل خيار الهجرة مفضلاً دائماً.

“الإبادة” المستمرة

يقول فارس كتي، مستشار المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى ومسؤول العلاقات في مكتب “لالش الثقافي والاجتماعي”: “بعد تسع سنوات، لم يتغير شيء في الواقع الإيزيدي، لذلك نقول إن الإبادة مستمرة، فآثارها وأركانها لا تزال قائمة وتطاول الإيزيديين في كل مكان”.

يضيف كتي، تعليقاً على توصيف الكثير من الدول الأوروبية لما تعرض له الإيزيديون بالإبادة، “حتى الاعتراف الدولي لم يعد ذا قيمة حقيقية، لأن الإقرار الأممي لم يتخطَّ مرحلة الإعلان ولم يتغير شيء على أرض الواقع”.

ويضيف، “نعم الإيزيديون بحاجة الى إقرار رسمي دولي واعتراف قضائي بجرائم الإبادة لتجنّب تكرارها في المستقبل، لكن يجب أن يرافق ذلك ضغط أممي لإلزام العراق بتهيئة الظروف وتوفير الضمانات للإيزيديين ليعيشوا على جغرافيتهم بأمان”.

يضع الكاتب شهاب أحمد، لازمة واحدة تجمع غالبية الإيزيديين، تتمثل بـ”الاحباط”، يقول: “ما تغير خلال السنوات الماضية هو أرقام السنوات، فبيوت الناس لا تزال في غالبيتها مدمرة، ومصير مئات المختطفات مجهولاً، وهناك عشرات الآلاف من الأطفال ولدوا وكبروا في المخيمات المؤقتة ولم يعرفوا شيئاً غيرها، ولا أمل يبدو لهم إلا من نافذة الهجرة عبر طرق التهريب القاتلة”.

يؤكد الرؤية ذاتها، الكاتب المتخصص في الشأن الإيزيدي خالد تعلو، واصفاً وضع الإيزيديين بأنه يسير من سيئ الى أسوأ، “لا مؤشرات إيجابية، على العكس أحوالهم تدهورت أكثر، في ظل حياة الخيم وتحولها الى مدن قماش، ومع غياب تطبيق العدالة الانتقالية، وعدم الجدية في البحث عن المختطفين أو إكمال رفع الرفاة من المقابر الجماعية، وتعويض المتضررين مادياً ومعنوياً”.

ويحذر تعلو مما يصفه بشبه الإجماع الإيزيدي “على البحث عن موطن بديل خارج أسوار الدولة العراقية”.

يرى الناشط سعد حسين أن الإيزيديين جميعاً يواجهون ظروفاً صعبة بين خياري العودة الى سنجار المدمرة، والتي تشهد صراع نفوذ بين قوى محلية وإقليمية عدة، وبين القبول بحياة المخيمات، “لكن الأوضاع أصعب لمن له بنات أو أبناء مفقودون، فلا يعرف هل هم أحياء أم أموات”.

هؤلاء يتطلعون الى البحث بدقة في مخيمات عوائل “داعش” في الهول بسوريا، أو فتح المقابر وتحديد هويات ضحاياها، وذلك سيتطلب سنوات طويلة أخرى من الانتظار، ويردد “في النهاية، كل إيزيدي يعيش حالة إحباط وقلق ويرى أن الكثير من الجلادين باتوا اليوم أحراراً بينما الضحايا مشردون الى الأبد”.

انقسامات وصراعات 

شَكَل تعرّض الإيزيديين لعمليات قتل جماعية على يد عناصر “داعش” وفشل تشكيلات الجيش والشرطة العراقية والبيشمركة الكردية في الدفاع عنهم، صدمة كبيرة لدى الإيزيديين، أدت الى حصول انقسامات حادة وبروز رؤى مختلفة بشأن سبل حماية أنفسهم، ومعها ظهرت قوى سياسية وتشكيلات أمنية مختلفة، في ظل غياب مرجعية سياسية موحّدة وضعف مرجعيتهم الدينية.

تلك التشكيلات التي كانت تتمتع بنوع من الاستقلال في بداية تأسيسها، اضطرت في النهاية وتحت ضغط المتطلبات المالية والتسليحية، الى الانخراط ضمن مجموعات أمنية وعسكرية تتبع قوى تقليدية كردية أو عربية عراقية وأحياناً إقليمية. 

فكان هناك إيزيديون ضمن وحدات مدعومة من البيشمركة وآخرون ضمن وحدات مدعومة من حزب العمال الكردستاني، وإيزيديون ضمن فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران، فضلاً عن انخراط آخرين في تشكيلات الجيش والشرطة العراقية. وهذه الأطراف كلها أوجدت لنفسها مواطئ قدم في سنجار، ولها اليوم مصالح خاصة تدافع عنها بشراسة. 

وما ينطبق على الإيزيديين بشكل عام، ينطبق أيضاً على مسلمي سنجار، بخاصة الشيعة منهم.

لذلك، يرى الكاتب شهاب أحمد، أن الانقسامات والخلافات تفاقمت فيما كانت التحديات تفرض الوقوف صفاً واحداً، “ما حصل أننا بتنا نتفرق ونبتعد عن بعضنا البعض يوماً بعد آخر”.

ويضرب مثالاً على ذلك بإحياء القوى الإيزيدية المختلفة للذكرى التاسعة للإبادة، بفعاليات خاصة بها كل في منطقة نفوذها، “شهدنا فعاليات وخطابات في أكثر من مكان، وكلّ يردد شعاراته ويرفع أعلامه”.

ويلفت الى الانقسام حتى في المستوى الإداري، فإدارة قضاء سنجار ومسؤولو الدوائر الخدمية غائبون عن المدينة وأوجدوا لأنفسهم مواقع عمل بديلة في إقليم كردستان، وهناك مناطق تديرها الفصائل الموالية فكرياً لحزب العمال الكردستاني، وأخرى تفرض فيها قوى الحشد الشيعي إرادتها، ولا يوجد اتفاق منذ سنوات على اختيار قائمقام للقضاء، ويغيب العمل المشترك حتى عندما يتعلق الأمر بتقديم الخدمات.

اتفاقية وُلدت “ميتة”

حاولت “اتفاقية سنجار” معالجة فوضى القرار الأمني والإداري والسياسي في القضاء المتنازع عليه بين حكومتي أربيل وبغداد، من خلال اتفاق على مسار لضبط الأمن وتحديد الإطار الإداري للعمل ودور كل طرف فيه، فضلاً عن مسار إعادة الإعمار، ليكون مدخلاً لحل باقي المشاكل.

لكن حصر الاتفاق الذي وقع في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بين مسؤولين في بغداد وآخرين في أربيل، ومن دون الأخذ برأي باقي القوى الإيزيدية، ومن دون حساب تعقيدات الأرض، بما فيها الحضور القوي للحشد الشعبي وما يفرضه من مطالب واشتراطات، وعدم إشراك غالبية القوى النافذة على الأرض في الاتفاقية، ذلك كله جعلها تولد ميتة حتى مع دعم المجتمع الدولي لها.

يقول سعيد حسين، وهو كاتب مهتم بـأوضاع سنجار، “وضع مسؤولون في الحكومتين (أربيل وبغداد) بنود الاتفاقية، ولم يأخذوا برأي الإيزيديين وأبناء المنطقة بتفاصيله. هي كانت اتفاقية سياسية بامتياز، لهذا لم ينفذ ولو بند واحد فيها”. 

يضيف: “الإيزيديون اليوم ليسوا كما كانوا بالأمس، ونحن نعلم بما يحدث خلف الكواليس، لا يمكن بناء ما دمّره داعش بالمجاملات السياسية”. 

الاتفاقية التي دعمها المجتمع الدولي، وكان ينظر إليها كسفينة نجاة، تحولت الى مصدر جديد للخلاف، إذ رفضتها قوى إيزيدية، ولم يرحب بها الحشد الشعبي، لتفرز في النهاية جبهات وانقسامات داخل المجتمع الإيزيدي نفسه.

ويجمع الناشطون المدنيون الإيزيديون، في غالبيتهم، على أن واقع التشتت الأمني والسياسي والإداري، هو الذي يضرب كل جهود إعادة البناء والعودة الطوعية في ظل الانقسام بشأن الأولويات والمطالب، والإحباط من إمكان تنفيذ التعهدات على أرض الواقع، بما فيه إعادة إعمار ما دمر وتوزيع التعويضات، وتوفير الخدمات الأساسية وإطلاق مشاريع توفر فرص عمل، الى جانب ملاحقة مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب بحق الإيزيديين.

ضحايا الاستعباد 

وسط بنية تحتية مدمّرة، ومع تعطّل مشاريع إعادة البناء، وفي بيئة أمنية معقدة، لا يمكن الحديث عن “تحسين واقع الناجيات وإعادة دمجهم في المجتمع”، تقول شيرين خيرو (26 عاماً)، وهي ناجية تحررت من قبضة “داعش” بعد ثلاث سنوات من خطفها.

وتضيف الناجية التي تعيش حالياً في بلدة خانكي الإيزيدية في أطراف دهوك، أن ضحايا الاختطاف والاستعباد الجنسي اللواتي عشن صدمات كبرى، بعد سنوات من التحرر، ما زلن يعشن ظروفاً صعبة حتى عقب سن قانون الناجيات. 

وترى أن أي مجموعة تعرضت لاضطهاد، لكي تتعافى، لا بد من تهيئة بيئة صحية تساعد على ذلك،”لكن ما يحيط الناجيات هنا هو البؤس والإحباط في جحيم الخيم أو الهجرة”.

تقول خيرو التي تعمل في مجال المناصرة كونها عضوة في شبكة الناجيات الإيزيديات، إنه “من المخزي أن تطلب الحكومة من النازحين العودة وسط تلك الظروف”. وترى أن التغيير الوحيد الذي حصل هو “أننا تقبلنا واقع التعايش مع هذا الألم الى ما تبقى من أعمارنا”.

تقبّل الواقع بالنسبة الى عوائل تعرضت لعمليات قتل وخطف، ليس كافياً للتعافي، فالاضطرابات النفسية لاحقت الضحايا نتيجة عدم معالجة آثار الصدمات التي تعرضوا لها، ومع انتشار الفقر والبطالة والتشتت في المخيمات.

يقول الاختصاصي في علم النفس في جامعة دهوك، نوري سعيد، إنهم يلاحظون “استمرار الاضطرابات النفسية لدى الضحايا، بخاصة اضطراب ما بعد الصدمة، الى جانب الاكتئاب، ما يخلق مشاكل اجتماعية وعاطفية، تدفع أحياناً الى الانتحار”.

يرى سعيد أن المجتمع الإيزيدي لم يصل بعد الى مرحلة التعافي “في ظل قلة الخدمات المتعلقة بالجانب النفسي، نتيجة عدم وجود مراكز متخصصة وقلة المتخصصين في هذا المجال”. 

اعترافات دوليّة ومستقبل مجهول

تزامنا مع الذكرى التاسعة للإبادة، اعترفت الحكومة البريطانية باعتبار الإيزيديين ضحايا “إبادة جماعية” حصلت على يد عناصر تنظيم “داعش”. جاء ذلك في بيان صدر عن وزارة الخارجية البريطانية في الأول من آب/ أغسطس 2023، لتصبح بذلك خامس دولة تقدم مثل هذا الاعتراف الذي كان قد سبقها إليه كل من ألمانيا وأستراليا وبلجيكا وهولندا.

وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد، ذكر في بيان منفصل، “عانى الإيزيديون كثيراً على أيدي عناصر داعش قبل تسع سنوات، وما زالت الانعكاسات محسوسة حتى اليوم” 

وأضاف، “العدالة والمحاسبة أمران أساسيان بالنسبة إلى الذين دُمرت حياتهم”، مشيراً إلى أن هذا الاعتراف “التاريخي”، “يعزز التزام المملكة المتحدة بضمان “حصولهم على التعويض الذي يستحقّونه وإمكان حصولهم على العدالة”.

“عدالة، عدالة” تردد زینە عباس (19 سنة) ثم تتساءل وهي تقاطع يديها على صدرها بينما ارتسم الحزن على وجهها: “نسمع عنها كثيراً ولا نعرف متى يتم تطبيقها؟”. 

كانت زينة قد خُطفت وهي في السابعة من عمرها، وخطفت معها أربعٌ من شقيقاتها الأكبر سناً، تم تحرير ثلاث منهن وما زال مصير إحداهن مجهولاً.

تقول بنبرة أسى: “هنالك مئات الفتيات الأخريات اللواتي ما زلن أسيرات في مخيمات التنظيم بسوريا، يخفين هوياتهن الحقيقية ولا يكشفن أنهن إيزيديات.. هن بحاجة الى مساعدة ليتحررن”.

دايه شامي، وهي سيدة في عقدها السادس، تعرّض 33 من أبنائها وأحفادها الى الخطف على يد “داعش”، وقتل 15 منهم. تصف الإيزيديين بالمنسيين، “مرت تسع سنوات ونحن نعيش في الخيم، أعطوا لكل عائلة 4 أمتار من النايلون لتمضي عمرها تحتها، ولا نعرف متى ستحترق وتتحول إلى أكفانٍ لنا”.

بعد أيام من حديثها، وتحديداً في العاشر من آب الحالي، التهمت النيران أربع خيم في مخيم “كبرتو” جنوب دهوك، وهي حوادث تقع بشكل متكرر مخلِّفة في الغالب أضراراً مادية كبيرة، وأحياناً ضحايا من النازحين كما حصل في شباط/ فبراير الماضي، حين لقي طفلان دون السادسة مصرعهما في مخيم “جمشكو” على أطراف مدينة زاخو.

بدا جميل علي، وهو أحد سكان المخيم، مصدوماً لسرعة التهام النيران الخيم، فبالكاد نجح أصحابها في النجاة بأرواحهم.

قبل هجوم “داعش”، كان علي، الذي بلغ الخمسين من عمره، يعمل في الزراعة بقريته جنوب سنجار، لكن لا أمل له الآن بالعودة واستعادة عمله السابق مع الدمار وندرة المياه.

قال بصوت مرتجف وهو يحاول منع أبنائه من الاقتراب من الحريق، “هذه حالنا… إن عدنا الى سنجار سنموت من الجوع، وإن بقينا هنا ربما سنحترق يوماً تحت الخيم".

المصدر: اضغط هنا 

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

وسط توتر عراقي إسرائيلي.. تحركات مريبة للميليشيات في سنجار

على وقع المخاوف من تصعيد بين إسرائيل والعراق بعد تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي أن لبلاده "الحق في الدفاع عن نفسها" في حال استمرت الهجمات من الأراضي العراقية، يخشى سكان قضاء سنجار من تبعات كارثية في حال استخدمت ميليشيات موالية لإيران من جبل سنجار، قاعدة لشن هجمات على إسرائيل ومصالح أميركية في المنطقة.

ويحتل جبل سنجار موقعا استراتيجيا مهما يطل على الحدود العراقية السورية، ويمتد لمسافة تبلغ أكثر من 73 كيلومترا، تبدأ من الجهة الشمالية الغربية إلى الجنوبية الشرقية من قضاء سنجار.

والجبل، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 1400 مترا، يحتضن العشرات من القرى والمزارع والحقول. وتنتشر على قمته مواقع عسكرية، بدأت ميليشيات باستغلالها منذ عام 2017، بالإضافة إلى وجود مواقع ومقرات وحدات مقاومة سنجار "اليبشة"، أحد اجنحة حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة.

وتحدث موقع الحرة مع مصادر محلية، بينهم مواطنون وزعماء عشائر من سنجار، بالإضافة إلى ضباط في قوات الأمن، وقد أجمع هؤلاء على أن المنطقة تشهد نشاطا متصاعدا للميليشيات.

الرئيس العراقي: حان الوقت لتعيش شعوب المنطقة بعيدا عن الحروب أكد الرئيس العراقي، لطيف رشيد، الجمعة، أن بلاده والمنطقة يمران بظروف عصيبة، تتطلب وضع حلول مناسبة لها ودراسة الأوضاع بشكل جيد.

وطلبت المصادر التي تحدث معها موقع الحرة عدم الكشف عن هويتها خوفا من التعرض للاستهداف من قبل الميليشيات.

وأبلغ مواطنون وشخصيات عشائرية يسكنون قرى الجبل وآخرون في المجمعات المحيطة به موقع "الحرة" بأنهم شاهدوا خلال الأسابيع الماضية وصول العديد من الشاحنات المغلقة الكبيرة إلى مقرات الفصائل المسلحة في أطراف الجبل ليلا وسط حراسة مشددة من قبل مسلحي الفصائل.

وأكدت المصادر المحلية أن وصول هذه الشاحنات إلى الجبل لم يكن مألوفا من قبل.

كما أكد الضباط، الذين تواصل معهم موقع "الحرة" في سنجار، أن المعلومات التي حصلوا عليها من الجبل عبر علاقاتهم مع مسلحي الفصائل، كشفت أن "الشاحنات كانت محملة بصواريخ وطائرات مسيرة متطورة إيرانية الصنع، وزعت ما بين مقرات الفصائل في أطراف الجبل وقمته استعدادا لاستخدامها في شن هجمات مستقبلية على المصالح الأميركية في سوريا وعلى إسرائيل".

وحاول موقع "الحرة" الحصول على تصريح من قبل الجهات الحكومية والأمنية في قضاء سنجار ومحافظة نينوى عن تحركات للميليشيات في جبل سنجار، دون أي جدوى.

بيد أن نوابا حاورتهم "الحرة" على هامش فعاليات المنتدى الخامس للسلام والأمن في الشرق الأوسط الذي تستضيفه الجامعة الأميركية في محافظة دهوك، أكدوا أن ثمة مخاوف في هذا الإطار، وطالبوا 
بضرورة تطبيق "اتفاقية سنجار".

وقال النائب عن محافظة نينوى، شيروان الدوبرداني، للحرة إن "المخاوف من التصعيد في محلها لاسيما في ظل نشاط بعض الفصائل وشن هجمات على إسرائيل من داخل العراق..".

مع استمرار الهجمات على إسرائيل.. هل فشل العراق في تفادي "الحرب"؟ رغم تأكيدات الحكومة العراقية على إبعاد شبح الحرب عن البلاد ومحاولة إنهاء التوترات في المنطقة إلا أن الحكومة العراقية لم تتمكن حتى الآن من الحد من الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران بشكل شبه مستمر على إسرائيل والمصالح الأميركية.

وأضاف "خلال الفترة السابقة استخدمت أراضي سنجار وزمار وسهل نينوى لشن هجمات على القواعد العسكرية في الإقليم، وكذلك القواعد الأميركية في سوريا لذلك فإن تطبيق اتفاقية سنجار هو كفيل بإنهاء تواجد أي فصائل أو ميليشيات أو قوات غير عراقية قد تستخدم الأراضي العراقية لشن هجمات على مواقع سواء داخل أو خارج العراق".

وفي الإطار نفسه، قال النائب عن قضاء سنجار، ماجد شنكالي، للحرة إن "الحكومة العراقية وأغلب القوى السياسية تعمل على تجنيب العراق الدخول في الصراع الإقليمي، ولكن هنالك فصائل مسلحة تدعي المقاومة تعلن بين فترة وأخرى عن عمليات عسكرية ضد إسرائيل، لذلك فإن على الحكومة الاتحادية أن تكون أكثر حزما وبالتأكيد فإن تطبيق اتفاقية سنجار سيوجد الكثير من الحلول لهذه المنطقة". 

وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، قال، في بيان الأربعاء، إن "رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني وجه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية كافة بمنع وملاحقة أي نشاط عسكري خارج إطار سيطرة الدولة".

وأشار رسول إلى أن السوداني وجه بتعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال.

وأكد استمرار الحكومة في إجراءاتها لمنع استخدام الأراضي العراقية لشنّ أي هجوم، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الإجراءات الأمنية أثمرت بالفعل عن ضبط أسلحة معدّة للإطلاق، لكنه لم يكشف عن مكان ضبط الأسلحة المعدة للإطلاق.

واعتبر الضابط في جهاز المخابرات العراقي السابق، سالم الجميلي، منطقة سنجار موقعًا استراتيجيًا نظرًا لقربها من الحدود السورية وتوسطها بين الممرات التي تستخدمها إيران وفصائلها المسلحة لنقل الأسلحة والموارد إلى حلفائها في سوريا ولبنان.

وقال الجميلي لموقع "الحرة"، "في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تزداد المخاوف من استغلال إيران لهذه المنطقة لتنفيذ هجمات تستهدف المصالح الأميركية في شرق سوريا وضرب إسرائيل. كما تُشكّل المنطقة معبرًا هامًا نحو شرق سوريا، حيث تتمركز القوات الأميركية في قواعد مثل التنف وحقول النفط".

ويشير الجميلي إلى أن تضاريس سنجار الجبلية تجعلها منطقة مثالية لنقل الأسلحة وإخفاء الصواريخ بعيدة المدى، ويُعزّز ذلك وجود شبكات أنفاق قديمة كانت تُستخدم سابقًا من قِبَل تنظيمات إرهابية.

ويلفت الجميلي الى أنه ورغم بُعد سنجار عن شمال إسرائيل بحوالي 800 كلم جوًا، إلا أنها تُعد بيئة ملائمة للاختباء والتخفي، فضلاً عن كونها نقطة لنقل الأسلحة والصواريخ من إيران عبر العراق إلى سوريا، باستخدام معابر غير رسمية قريبة من سنجار.

ويرى الخبير الأمني بديع محمد أن التضاريس الجغرافية لمنطقة سنجار تمنح الميليشيات ميزة استراتيجية في شن هجمات على أهداف في شرق سوريا وشمال إسرائيل، مقارنة بالمناطق المفتوحة في غرب العراق، مثل الأنبار والنخيب، التي يمكن مراقبتها جويًا بسهولة ورصد التحركات فيها بدقة. وأشار الخبير إلى أنه "لهذا السبب ظهرت مؤشرات على تحول الجهد العملياتي للفصائل التابعة لإيران من غرب العراق إلى منطقة سنجار".

وتتمركز العديد من الميليشيات الموالية لإيران في قضاء سنجار ومن ضمنه الجبل، في مقدمتها مليشيات كتائب حزب الله العراق والنجباء، وكتائب سيد الشهداء وعصائب أهل الحق وبدر وكتائب الإمام علي.

وقال العضو العامل في الفرع الـ17 للحزب الديمقراطي الكردستاني في سنجار، إدريس زوزاني، لموقع "الحرة"، "بالنسبة لاستخدام سنجار كمنطلق للهجوم على المصالح الأميركية، بالتأكيد هناك تواجد لمجاميع من الحشد الشعبي والمليشيات العراقية الأخرى الموالية لإيران، وايران قد تحرك هذه المليشيات في أي وقت لزعزعة الأمن في المنطقة".

ويلفت زوزاني إلى تواجد للمليشيات ومسلحي العمال الكردستاني في أطراف الجبل، مشيرا إلى أن تحركاتهم في الجبل ليست علنية وهي تحركات خفية.

وتابع زوزاني أن "مسلحي العمال الكردستاني حفروا العديد من الأنفاق الطويلة في أطراف الجبل وفي مناطق عدة من سنجار كمناطق خانصور وسنوني وتل عزير والمناطق المجاورة لها، وهي تحتضن في الوقت نفسه مقرات للمليشيات الموالية لإيران أيضا".

وتعرضت سنجار عام 2014 لهجوم تنظيم داعش، الذي نفذ عمليات إبادة جماعية ضد سكانها الإيزيديين وقتل وخطف الآلاف منهم، لكن بعد تحرير المنطقة من التنظيم في نوفمبر عام 2015 لم يتمكن غالبية سكانها من العودة اليها حتى الآن، بسبب تعدد القوات العسكرية المنتشرة هناك بالإضافة إلى الدمار الذي ألحقته المعارك.

وتشير إحصائيات رسمية حصل موقع "الحرة" عليها من إدارة مدينة سنجار الى أن عدد النازحين العائدين اليها حتى الآن بلغ نحو 40% من سكانها، بينما لايزال 60 % منهم نازحين في مدن إقليم كردستان.

اتفاقية سنجار

ووقعت الحكومة الاتحادية في بغداد مع حكومة إقليم كردستان في أكتوبر 2020، اتفاقية بإشراف دولي لتطبيع الأوضاع في سنجار، نصت على إخلائها من كافة المجموعات المسلحة، في مقدمتها حزب العمال الكردستاني والفصائل التابعة للحشد الشعبي، وتسليم ملفها الأمني للشرطة المحلية، تمهيدا لإعادة النازحين والبدء بالإعمار، لكن الاتفاقية لم تنفذ حتى الآن.

ويؤكد زوزاني أن لإيران الحصة الأكبر في عرقلة تنفيذ اتفاقية سنجار، وتساند المليشيات وحزب العمال الكردستاني، كي يكونوا عائقا أمام عودة أهالي سنجار النازحين الى مدينتهم بأمان.

وفي السياق ذاته، يقول النائب الإيزيدي في مجلس النواب العراقي، محما خليل، لموقع "الحرة" إن "الفصائل الموالية لإيران وقسما من الحشد وأتباع حزب العمال الكردستاني هم الذين يعيقون تطبيق اتفاقية سنجار حتى الآن".

وانضمت وحدات مقاومة سنجار "اليبشة" نهاية عام 2020 إلى صفوف الحشد الشعبي ضمن الفوج "80"، وقد قتل اثنان من قادة الفوج في غارات للطيران المسير التركي استهدفتهما في سنجار خلال الأعوام الأربعة الماضية، بحسب بيانات سابقة لهيئة الحشد الشعبي.

ورأى المحلل السياسي في مركز "رامان" للبحوث والاستشارات، شاهو قرداغي، أن إيران لن تجازف وتستهدف إسرائيل من جبل سنجار.

وأوضح قرداغي لـ"الحرة" أن "إيران تعلم أن خيار استخدام جبل سنجار قد يجر معه تداعيات تضر بمصالحها داخل العراق، بدلاً عن ذلك تعتمد طهران حاليا على الساحة السورية واللبنانية وتحاول إبقاء العراق بعيداً عن دائرة الصراع، نظراً للمصالح الاقتصادية الكبيرة التي توفرها العلاقات التجارية لها".

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أعلن، في 18 نوفمبر الجاري، أنه وجّه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يحضّه فيها على الضغط على الحكومة العراقية لوضع حدّ لهجمات تشنّها على إسرائيل "مليشيات موالية لإيران".

وفي الأشهر الأخيرة، أعلنت فصائل مسلحة عراقية موالية لإيران معروفة باسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، مرارا عن هجمات بطائرات مسيّرة على أهداف في إسرائيل تضامنا مع قطاع غزة. وأعلنت إسرائيل اعتراض دفاعاتها الجوية عددا منها.

وأكّد ساعر، في رسالته، أنّ "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية نفسها ومواطنيها من الأعمال العدائية (...) للمليشيات المدعومة من إيران في العراق".

في المقابل، أعربت السلطات العراقية عن رفضها "بشكل قاطع" للرسالة، معتبرة أنها "تصعيد خطير ومحاولة للتلاعب بالرأي العام الدولي لتبرير العدوان"، داعية "جميع الأطراف الفاعلة إلى رفض التصعيد وإعطاء الأولوية للحوار والالتزام بمبادئ القانون الدولي".

مقالات مشابهة

  • من سنجار بابل.. شفق نيوز توثق رحلة راعي غنم عراقي
  • مبادرة عراقية: توثيق 93 مقبرة جماعية واكتشاف 14 أخرى نفذها "داعش" في سنجار
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • وسط توتر عراقي إسرائيلي.. تحركات مريبة للميليشيات في سنجار
  • غداً..مُحاكمة 5 مُتهمين في “داعش حلوان”
  • الحكومة العراقية تدفع تعويضات لمتضررى أهالى سنجار من تخريب داعش الإرهابى
  • سنوني سنجار تكمل التعداد السكاني دون مشاكل أمنية وسط خشية من التلاعب بالنتائج
  • متحدثة الخارجية الروسية تقطع إحاطتها الصحفية بسبب اتصال مجهول
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • رؤية أمريكية تحذر ترامب من تجدد إبادة الإيزيديين والمسيحيين بسحب القوات من العراق