كتب : الرئيس علي ناصر محمد

في عام 1099، حاصرت جيوش الغزاة الصليبيون القدس ورغم مقاومة الحامية الفاطمية فيها فقد اقتحم الصليبيون المدينة وارتكبوا فيها مجازر ضد سكانها العرب حتى وصلت الدماء إلى الركب.قام الصليبيون بطرد الأقلية اليهودية الضئيلة العدد من القدس وظلوا خارجها إلى أن سمح لهم محررها صلاح الدين الأيوبي عام 1187 بالعيش فيها بعد نحو 88 عامًا من احتلالها بعد انتصاره في المعركة الشهيرة ب”معركة حطين” التي عدت نقطة تحول في الصراع الصليبي -العربي الذي لم يبرح من ذاكرة الصليبيين الجدد الذين عبر عنهم الجنرال البريطاني اللنبي عندما احتل القدس عام 1917 بعبارته الشهيرة ” الآن انتهت الحروب الصليبية”.

وتلاه الجنرال الفرنسي هنري غورو الذي فصل لبنان عن سوريا عام 1920 تنفيذا لاتفاق سايكس – بيكو الذي زار قبر صلاح الدين في دمشق وقال له” ها قد عدنا ياصلاح الدين”.

إن صراع الفلسطينيين مع الدولة الصهيونية هو استمرار لصراع تاريخي يتخذ أسباب وأدوات جديدة لتركيع العرب واستمرار إذلالهم.


الذاكرة اليهو- صهيونية تتجاهل تسامح صلاح الدين مع أقليتها الضئيلة بالسماح لها بالعيش في القدس بعد فشل الحملة الصليبية وتعاند التاريخ وتزعم أن القدس يهودية على مدى ثلاثة ألف قرن وتنسى أن اليهود العرب غير يهود الخزر الذين ادعوا كذبا وصلا بفلسطين التي لم تطأها أقدامهم إلا في الحقبة الصهيو- إمبريالية.

لقد وجد الغرب في الحركة الصهيونية حصانه الرابح وبعد مؤتمرها الأول في بازل بسويسرا عام 1897صمت الغرب كله على نشاطها لاستعمار فلسطين وتعامل معها كممثل ليهود العالم رغم معارضة الأغلبية اليهودية آنذاك لها لكنه وجد قواسم مشتركة معها تعينه على جعل المنطقة العربية مفتتة ومخترقة . وبعد وعد بلفور عام 1917 ثم صك الانتداب البريطاني من قبل عصبة الأمم على فلسطين عام 1922 أسبِغت شرعية دولية على الحركة الاستعمارية الصهيونية التي ساعدتها بريطانيا بفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وغض النظر عن نشاطها الاستيطاني واستخدامها القوة والعنف ومصادرة العصابات الصهيونية المسلحة للأراضي الفلسطينية. سياسة بريطانيا المراوغة في فترة الانتداب

وتخوفها من نجاح المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني – البريطاني دفعتها إلى تهدئة مقاومة

الهجرة واستعمار الأرض بالخديعة والادعاء بأنها ستسهم في تنمية الاقتصاد المحلي ولن تؤثر على حق الفلسطينيين في وطنهم .تلك الادعاءات كانت جزءًا من استراتيجية استعمارية لتسهيل مصادرة أوشراء اليهود للأراضي الفلسطينية من مالكيها الأثرياء وبعضهم لم يكونوا فلسطينيين.أما عن الدولة العثمانية – رجل اوربا المريض – التي كانت لاتزال مسؤولة عن إدارة فلسطين


فقد فشلت في إحباط التوسع الاستيطاني الصهيوني .

لقد ترافق تنفيذ وعد بلفور مع اتفاق سايكس – بيكو لتقسيم الشرق العربي بين القوتين الاستعماريتين الكبيرتين آنذاك بريطانيا وفرنسا


وبسبب الوعد ازدات وتيرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وخاصة أثناء وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1948 قام الكيان الغاصب وارتكب جرائم التطهير العرقي ( مذبحة ديرياسين، ابريل 1948 مثالا)، وطرد مليون فلسطيني إلى الدول العربية المجاورة الذين ترفض دولة الاحتلال عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم.


لقد أُنشئ الكيان في منطقة لم تعادِ اليهود كما كان الحال في اوربا وامريكا وكان يفترض أخلاقيا وعمليا أن يُنشئ كيان يهودي في المانيا، البلد التي ارتكبت جرائم الهولوكست ولكن المخطط الاستعماري الغربي كان يهدف إلى تحقيق هدفين أولهما التخلص من الأقليات اليهودية التي لم يكن يرغب ببقائها في بلدانه وثانيهما زرع وكيل للغرب الاستعماري في المنطقة العربية يحول دون استقرارها ووحدتها ونموها. اليوم ترفض دولة الحرب والتوسع السلام مع العرب وفق معادلة الأرض مقابل السلام وإعطاء الفلسطينيين بعض أراضيهم وبرغم كل ماقدمه العرب من تنازلات بلغت مداها بالمبادرة العربية عام 2002 التي سنّت مبدأ التعايش مع دولة الاحتلال شريطة انسحابها من الأراضي المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية إلا أن ذيل الكلب المسعور لايمكن أن يستقيم لأن شهية التوسع الاستعماري الصهيوني في ظل الدعم الغربي الكبير والمتنوع لاسقف لها واليوم في ظل سياسة ممنهجة لتدمير غزة وتشريد سكانها وإبادة مقاومتها والعدوان على لبنان الذي بدأ في 1 اكتوبر وارتكاب إسرائيل لنفس الجرائم التي ترتكبها يوميا في غزة لايبدو أن دولة الإبادات الجماعية في وارد الاكتفاء بالتوسع في محيطيها الفلسطيني واللبناني بل في سوريا والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر.


وأتذكر بهذا الصدد حديثًا بيني وبين الرئيس الراحل حافظ الأسد في مكتبه، وأنا أتأمل لوحة نحاسية كبيرة معلقة على جدار مكتبه عن معركة حطين، قال فيه إن العرب حاربوا الصليبيين أكثر من 100 عام حتى أخرجوهم من فلسطين وغيرها من البلدان العربية، وأن مصير إسرائيل سيكون مصير الحملات الصليبية. ثم تحدث عن عرض قدِّمه له إسحق رابين بالانسحاب من الجولان مع الاحتفاظ.ببحيرة طبريا التي “يحب الإسرائيليون وضع اقدامهم في مياهها”، مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني، لكن الأسد رفض وقال أن العلم الإسرائيلي لا يمكن أن يرتفع في سماء دمشق، وأنه كما خرج الصليبيون سوف يخرجون من فلسطين.


إن الصراع مع إسرائيل صراع وجود عربي مع مشروع صهيو- غربي وإذا لم يتعامل العرب معه بمسؤولية وبجدية وبتضحيات فستصل نار الكيان إلى كل مكان تطاله.

المصدر: شمسان بوست

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي إسرائيلي سابق: حماس أفقدت الاسرائيليين مسارهم السياسي وهذا يهدد المشروع الصهيوني

لا زال هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يترك بظلاله السلبية على واقع الإسرائيليين، وهذه المرة من خلال نشوب أزمة سياسية حقيقية تشير بالضرورة إلى فقدانهم الطريق الصحيح، وسط غياب الحلول السياسية التي تهدد بدورها مستقبل الرؤية الصهيونية في فلسطين المحتلة.

وأكد نداف تامير، المدير التنفيذي لمنظمة "جيه ستريت" الفرع الإسرائيلي، والقنصل السابق في بوسطن، والمستشار السياسي لرئيس الاحتلال الأسبق شمعون بيريز، أن "التصريحات الأخيرة للحاخام عامي هيرش، حول تسبب السابع من أكتوبر بخنق حل الدولتين ليست مجرد تعبير عن ألم عميق، بل دليل على العواقب الوخيمة لذلك الهجوم على تصور مستقبل إسرائيل بنظر العديد من الليبراليين فيها، وفي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة".

وأضاف تامير، في مقال نشرته صحيفة "معاريف،" وترجمته "عربي21" أن "حماس في ذلك الهجوم لم تكتف بمهاجمة وقتل الإسرائيليين والجنود، بل نجحت بدفع العديد من اليهود لفقدان ثقتهم بمستقبل يمكن فيه لدولتهم أن تعيش بجانب دولة فلسطينية، بالنسبة لحماس، يُعد هذا نصرًا استراتيجيًا هائلًا، ففي النهاية، هدفها هو القضاء على الفكرة الصهيونية، وإذا رفض الإسرائيليون تمامًا حلّ الدولتين، فسيقعون في فخّ لا يمكنهم فيه الحفاظ على الدولة بشكل مستدام".


وأشار إلى أن "موقف الحاخام هيرش نتيجة سنوات من الرسائل السياسية المنهجية من اليمين الإسرائيلي والمؤسسة اليهودية الأمريكية المحافظة، التي طمست التمييز بين الفلسطينيين كحركة وطنية وحماس كحركة إسلامية، وقد روّج بنيامين نتنياهو، بدعم من منظمات في المؤسسة اليهودية الأمريكية، لرواية تُعرّف كل فلسطيني بأنه حماس، والنتيجة أنه حتى الأصوات اليهودية المعتدلة، تتبنى الآن تفسيرًا يُسقط مسؤولية إسرائيل عن فشل عملية السلام، ويحمّلها فقط للفلسطينيين، وهذا ليس صحيحاً".

وأوضح أن "إعفاء أجيال من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من المسؤولية عن فشل المسار السياسي مع الفلسطينيين ليس سلوكا سويّاً، بل تعزيز للموقف المدمّر السائد بين الإسرائيليين القائل إنه لا يوجد أحد من الفلسطينيين نتحدث إليه".

وذكر أن هذه  "هي نبوءة تحقق ذاتها اليوم، ومن يدّعون أن المشكلة تقتصر على الجانب الفلسطيني، ويتجاهلون سياسة إسرائيل والضم الفعلي التي اتبعتها جميع حكومات نتنياهو على مدار السنوات الست عشرة الماضية، يُلحقون ضررًا بالغًا بمستقبل الاسرائيليين".

واستدرك بالقول إن "الجالية اليهودية الأمريكية لا تزال تتبنى موقفًا مختلفًا إلى حدّ كبير عما هو سائد في إسرائيل، حيث يدعم معظم اليهود في الولايات المتحدة حلّ الدولتين، ويدركون أن السيطرة المطلقة على الفلسطينيين ليست وصفة للازدهار الصهيوني، على العكس تمامًا، فهو وصفة للتدهور الأخلاقي والاستراتيجي، حتى في إسرائيل تُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور تؤيد حلاً يتضمن دولة فلسطينية منزوعة السلاح كجزء من اتفاق إقليمي".

وأوضح أن "دونالد ترامب يريد التوصل لمثل هذا الاتفاق لاعتبارات تتعلق بالهيبة والمال، مما قد يجعل تنفيذه أكثر واقعية، مع أن مثل هذا الترتيب لا يحلّ المشكلة الأخلاقية للإسرائيليين فحسب، بل إن فكرة إقامة دولة فلسطينية ليست مجرد مسألة سياسية، بل أيضاً الحل لمشكلة إسرائيل الأمنية، كما يشهد معظم كبار القادة السابقين في الجيش والموساد والشاباك، فضلاً عن كبار المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية".


وطالب الكاتب الإسرائيليين بعدم اليأس، زاعما أنه "إذا نظرنا للوراء تاريخيا، فإن الاختراق السياسي يأتي بعد الصدمات الشديدة، حدث ذلك بعد حرب 1973، حين أصبح الرأي العام الإسرائيلي أكثر تشدداً، لكنه بعد فترة وجيزة، تم توقيع اتفاق السلام مع مصر، وبعد انتفاضة الحجارة التي شكلت صدمة شديدة للجمهور الإسرائيلي، وُلدت اتفاقيات أوسلو، التي مهدت الطريق للسلام مع الأردن".

وأضاف أن "أزمة اليوم الناجمة عن هجوم حماس في السابع من أكتوبر، صحيح أنها شكلت للوهلة الأولى علامة على فقدان الاسرائيليين للمسار السياسي، لكنها قد تكون نقطة انطلاق لحل جديد، فقط إذا وجدنا القائد المناسب، رغم أن الواقع الاسرائيلي صعب حقًا، وتجعل من الديناميكية الحالية تضع صعوبات أمام تحقيق حلّ الدولتين، وأصبح الخطاب السياسي فيها أكثر تطرفا، لكن ذلك يتطلب مواصلة الضغط من أجل التوصل لحلّ سياسي، لأنه إذا استسلمنا فإن حماس ستنتصر".

مقالات مشابهة

  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية يؤكد دعم مصر الدائم للقضية الفلسطينية
  • 70 أسيرًا من أشبال فلسطين في سجن “الدامون” الصهيوني يعانون أوضاعًا مأساوية
  • سفير الأردن بالقاهرة: الجامعة العربية مظلة العرب وصوتهم الجامع
  • دبلوماسي إسرائيلي سابق: حماس أفقدت الإسرائيليين مسارهم السياسي وهذا ما يهدد المشروع الصهيوني
  • دبلوماسي إسرائيلي سابق: حماس أفقدت الاسرائيليين مسارهم السياسي وهذا يهدد المشروع الصهيوني
  • أبو الغيط في ذكرى مرور 80 عاماّ على تأسيس الجامعة العربية: القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها
  •   العاصمة صنعاء تحتضن أعمال المؤتمر الثالث «فلسطين قضية الأمة المركزية»
  • وصول شخصيات سياسية دولية إلى صنعاء للمشاركة في مؤتمر فلسطين
  • في مواجهة تفكيك الدولة: نهاية نتنياهو أو تحلل المشروع الصهيوني
  • مصطفى كامل للموسيقى العربية تختتم ليالي رمضان الثقافية والفنية ببرج العرب