دليل السلوك السياسي لقيمة الثورة الحق: المفاهيم والإجراءات الواجبة
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
4 مفاهيم 12 مهارة سلوكية وواجب عملي
نوع المقال:
فكري إجرائي مرتبط بالمرحلة والأحداث وممتد حتى تحقيق أهدافه.
أهداف المقال:
1- توجيه الميول والقناعات نحو قيمة الثورة كقيمة أولى واجبة على كل مسلم ومسلمة يعيش في هذه المحطة التاريخية من عمر الأمة الإسلامية، والتي بلغت العام المئة من التخلي عن خيريتها ومهمتها في العمارة والاستخلاف.
2- بيان الدليل المفاهيمي والسلوكي الإجرائي لقيمة الثورة كدليل مرجعي ومعياري لكل مسلمي العالم.
3- تمكين النخب والجماهير بأهم قيم وواجبات المرحلة (الواجب فعله).
البواعث والمنطلقات العقدية والفكرية
في سياق ستة بواعث ومقاصد كبرى لا بد من التحديد المفاهيمي والسلوكي المهاري الإجرائي الدقيق لقيمة الثورة على الاستبداد والظلم والطغيان، وفي جوهره العبودية لغير الله تعالى؛ عبودية الإنسان والمجتمعات والدول الضعيفة عقائديا وفكريا وعلميا وتكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا للقوة العالمية المتمردة الكافرة بمنهج الله تعالى، المتغطرسة الباطشة بقوة لدول العالم العربي والإسلامي.
1- لا إله الا الله عقيدة ومنهج حياة يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد بمنهاج وشريعة الإسلام العظيم، وتمكين الشعب من حقه في اختيار وتنصيب ومتابعة ومحاسبة وخلع قيادته ونظام حكمه إذا لزم الأمر، والذي يعد في ذاته أكبر ثورة، بل وأصل كل ثورة لتحرير الإنسان من استبداد وطغيان الإنسان على أخيه الإنسان.
2- القيم والهوية هي التجسيد الحقيقي لعقيدة الفرد والأسرة وحدة بناء المجتمع والأمة الإسلامية وسر وجودها، والأساس في بناء وتعظيم القدرات الستة للإنسان: التفكير، وتحصيل العلم، وإنتاج المعرفة، وتحسين السلوك، وتعزيز الاتصال والتأثير، والقدرة على الفعل والإنجاز، ومن ثم تعظيم القوة البشرية الإجمالية للمجتمع والأمة.
3- نظام القيم الذي يتبناه الإنسان يمثل الأساس لجهازه المعرفي الباعث والمحرك الأساس لفعله وإنجازه.
4- المنهج العلمي والعملي لترجمة وإحياء القيم النظرية إلى التطبيق والإنجاز في أداء وإنجاز المجتمع على يد علماء القيم والهوية الاسلامية عبر ثلاث مراحل متتالية ومرتبطة ومتكاملة فيما بينها:
أولا: التحديد الدقيق لمحتوى للبناء المفاهيمي المتكامل لكل قيمة ودلالته المعرفية.
ثانيا: ترجمة مفاهيم القيمة إلى واجبات عملية إجرائية (مهارات سلوكية) قابلة للتنفيذ والتعلم والقياس والتقويم.
ثالثا: بيان قوة وقيمة ومكانة ومكان كل قيمة في منظومة القيم الإسلامية للمحطة التاريخية التي تمر بها الأمة الإسلامية.
5- حرب المفاهيم والتجهيل والتضليل وغسيل الأدمغة الجارية لتغيير معتقدات ومفاهيم الجماهير على يد نخب بأسماء عربية وإسلامية تعمل لأجندة أعداء الأمة، وما تتطلبه من تحديد دقيق للمفاهيم والتطبيقات السلوكية للقيم الإسلامية لتحصينها من التلاعب والتشويه.
6- طبيعة المحطة التاريخية وعِظم الحرب وخطورة التهديد الواقع على الأمة الإسلامية، وتشعب البواعث وتنوع الإرادات والقوى المشاركة والأفكار المطروحة والأحداث والتفاعلات الجارية والمآلات المتوقعة؛ يفرض واجبين كبيرين على العلماء والمفكرين وقادة الفكر:
الواجب الأول: النظرة الأصولية الكلية للمشهد بأدوات الفقه الحضاري الإسلامي من فقه للمقاصد والعمارة والاستخلاف وللواقع والقدرات والمصالح المنضبطة بالشرع؛ التي تحقق أكبر قدر من المقاصد وتحاصر وتقلل المفاسد والأضرار إلى أقل حد أدنى ممكن، وفقه الأولويات والموازنات والمآلات بما يتناسب مع حجم ونوع التحديات التي تهدد الجميع المسلمين وغير المسلمين.
الواجب الثاني: تحرك المفكرين والعلماء إلى أمرين: الأول الصدع والحق وبيانه واضحا بيّنا للناس ببيان حقيقة المعركة بين الإيمان والكفر ومواقع الاصطفاف فيها وتسمية الأشياء بمسمياتها القرآنية، وأهم قيم التي يجب التمسك بها، والواجبات العملية الواجب القيام بها.
ولضمان تحقيق 5 ضمانات
1- توحيد المفاهيم والحد الأدنى من الواجبات العملية كأساس للتفاهم والتعاون، والتكامل، والوحدة والاحتشاد.
2- تحصين القيمة ومفاهيمها وتطبيقاتها الإجرائية، وقطع الطريق على حرب المفاهيم التي تقوم على استراتيجيات اختزال وتسطيح وتفريغ وتقويض وإحلال مفاهيم القيم.
3- ضمانات التحول من النظرية إلى ميادين الفعل، والعمل، والإجراء، والتنفيذ.
4- تحديد الواجب فعله فرديا ومجتمعيا، وتسهيل وتسريع مهمة القيام به.
5- معيارية وصحة وصوابية وجودة العمل الواجب القيام به.
نتناول البناء المفاهيمي الصحيح والواجبات الإجرائية لقية الثورة:
أولا: في سياقها العام قيمة أولى من منظومة قيم التحرر من الظلام والطغيان العالمي.
ثانيا: كقيمة لها بناؤها المفاهيمي الخاص وتطبيقاتها العملية في شكل أفعال مضارعة قابلة للتنفيذ والقياس، وفي شكل دليل مفاهيمي وسلوكي لكل قيمة بما نسميه في علم القيم والهوية بأدلة السلوك التربوي والمهني والاجتماعي بحسب الشريحة العمرية والنوعية.
منظومة قيم المقاومة والتحرر من الظلم والطغيان العالمي
1- قيمة الثورة.
2- قيمة الوعي الفردي والجمعي العام للمجتمع.
3- قيمة الوحدة والاحتشاد الوطني على مشروع التحرر.
4- التحرر من النظام العالمي.
5- قيمة العلم وإنتاج المعرفة وتوطين وإنتاج التكنولوجيا الخاصة.
6- التنمية الشاملة المستدامة والاكتفاء الذاتي.
7- قيمة محاربة الفساد.
تعريف قيمة الثورة
في اللغة: غضب وتمرد وخروج على النظام الحاكم لتغييره كاملا كمشروع ومؤسسات وأشخاص.
اصطلاحا: غضب وخروج جماهيري عنيف قد يصل إلى السلاح لخلع النظام وتغييره، وقد تنجح فتغير إلى الأفضل وقد لا تنجح وتغير إلى الأسوأ.
مضمون مصطلح الثورة: تغيير شامل في المنهج والقيادات الحاكمة بهدف إصلاح حياة الناس إلى الأفضل.
التعريف الشرعي لمصطلح ومفهوم الثورة:
الإسلام في ذاته منهج كامل وتام لإصلاح حياة الناس في دنياهم وآخرتهم لا يقبل الشراكة ولا مجرد الدخن مع أي منهج آخر، له عقيدته ومقاصده ومصدره ومرجعيته ومعاييره ومؤشراته الخاصة الصادرة عن إله واحد لا إله إلا هو ومن ثم فإن الإسلام في اسمه وذاته التي تعني وجوب تمرد وخروج الناس على أي منهج من دون الله تعالى والاستسلام والخضوع الكامل لمنهج الله تعالى، يمثل ثورة متكاملة الأركان للتغيير الشامل في معتقدات وأفكار ومقاصد والأهداف البشر ومنهاج ونظم عملهم ومعايير القيادات الصالحة لتحمل مسؤولية القيادة وتحمل مسؤولية السلطة، بما يحقق مصالح وسعادة الناس في الدنيا والآخرة.
الإسلام هو منهاج الحق الذي يجب أن يُتّبع، هذا ما تؤكده آيات الوحي العظيم:
- "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف: 54).
- "إنا أرسلناك بالحق" (البقرة: 119).
- "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم: 30).
- "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (آل عمران: 19).
- "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا" (المائدة: 48).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة: 44).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (المائدة: 45).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (المائدة: 47).
تمايز مفهوم الثورة الحق في الاسلام عن كل ما سواه
ثورة الحق تنطلق من عقيدة المؤمن بإيمانه بالله تعالى وقدرته على التشريع العادل وحقه في التشريع، وحق الإنسان في الحرية والكرامة والمشاركة في إدارة مصيره، وبذلك يختلف مفهوم الثورة في الاسلام عنها في أي تصور وفكر بشري آخر على مستوى الباعث والمقصد والغاية والأهداف والوسائل والأدوات.
أهداف قيمة الثورة:
1- توجيه ميول وقناعات الشعوب الإسلامية بثورة الحق لتحرير الشعوب من عبادة الأصنام الحديثة من النظم الحاكمة المستبدة روافد النظام الدولي، إلى عبادة الله تعالى رب العالمين كمناهج وقيم وشريعة لإدارة شئون الحياة.
2- تعزيز الوعي الفردي والجمعي بالتطبيق العملي لمعنى التوحيد لا إله الا الله محمد رسول الله، ومفهوم ومهام الدولة في الإسلام بحفظ ورعاية الدين والقيام على مصالح البلاد والعباد.
3- تعزيز الوعي الجمعي بحق الأمة في اختيار وتنصيب ومراقبة وتقويم ومحاسبة وخلع وإحلال النظام.
4- تعزيز الوعي الجمعي بكيفية إحياء وتنظيم ممكنات الأمة في مقاومة النظام الطاغية الفاسد وخلعه وإحلاله بنظام أفضل.
3- تحفيز وتحريض وتشجيع الشعوب على مقاومة وانتزاع السلطة من الطغيان وردها لله تعالى وللمجتمع، والمحافظة على حريته ودينه وكرامته وحقوقه وأمنه واستقراره.
5- تمكين المجتمع من نظرية عمل علمية ممنهجة للتغيير والاحلال المنظم الذي يحقق ويحفظ مصالح البلاد والعباد.
البناء المفاهيمي والدليل السلوكي والإجرائي لقيمة الثورة
1- الوعي بالذات الإسلامية الرسالية.
2- رفض العبودية لغير الله تعالى، والغضب والخروج المنظم الهادف على منهج ونظام الطغيان.
3- الوعي المجتمعي بفهم الواقع وقوانينه وعناصره وتفاعلاته، وامتلاك قوة وأدوات خلع النظام.
4- الجاهزية بالمشروع البديل عن النظام المستبد التغيير والإحلال.
البناء التكاملي للمفاهيم الأربعة المكونة لقيمة الثورة:
الوعي الفردي والجمعي بالكرامة الإنسانية وبالذات الإسلامية الرسالية التي تجعل من كل مسلم حاملا لرسالة ومهمة الإسلام بعمارة الحياة بمنهج الله تعالى وبتقنيات الحياة الحديثة المتجددة، وبكونه خليفة لله تعالى في الأرض بمنهج الله تعالى رحمة للعالمين، تصنع منه إنسانا عملاقا:
- صالحا في ذاته مصحا لمجتمعه وأمته.
- واعيا بمهمته الإصلاحية، وبواجب الدولة في رعاية الدين وخدمة مصالح الناس.
- إيجابيا.
- يقظا.
- مبادرا.
- عالميا.
- مهتما بالشأن العام ومتفاعلا معه ومشاركا فيه وصانعا لأحداثه. ومن أهم وأولى اهتماماته مراقبة النظام الحاكم للبلاد، ورفض كل تفريط وتقصير في حق الدين، وطغيان على أي حق من حقوق الشعب والأمة، يتبعه بالغضب وتفعيل ذلك الغضب شعبيا لتوصيل الرسالة قوية للنظام وللضغط عليه بفاعلية لدفعه للاستجابة والتقويم، وإن لم يستجب يتحول إلى إعداد البديل الكامل من مشروع فكري ونظام مؤسسي وقيادات إصلاحية بديلة، مع الخروج الجماعي المنظم الهادف لتغيير وإحلال النظام.
الدليل السلوكي للواجبات العملية لمهارات قيمة الثورة
الدليل السلوكي والتراكم الإجرائي للواجبات العملية بعلاقة ارتباطية ووظيفية طردية:
1- أن يعي ويحفظ الذات والكرامة الإنسانية لكل أبناء المجتمع (حرية- كرامة- أمن- استقرار).
2- أن يعتز بذاته الذات الإسلامية الرسالية لتكون كلمة الله هي العليا (عقيدة ومصدرا ومقصدا ومعيارا ومؤشرا) لسياسة الناس، وأنها عقيدة لا يفرط فيها ولا يُساوم عليها.
3- أن يعي حقوقه وواجباته وقدراته وممكنات الفعل وكيفية تنفيذها (حقوقه اختيار ومتابعة ومحاسبة وخلع النظام).
4- أن يتابع ويراقب أداء النظام وجودة التزامه بمنهج الله.
5- أن يمارس النصح والإصلاح ويوعي ويحفز ويشارك المجتمع على أداء واجب الإصلاح، ويضع لذلك حدودا.
6- أن يرفض الظلم والطغيان والاستضعاف والعبودية لغير الله تعالى، ويغار على دينه ويغضب لله تعالى ويخرج على النظام المتألّه على الشعب والرافض للإصلاح.
7- أن يفهم حقيقة الصراع العالمي بين الكفر والإيمان، وامتداداته الإقليمية والمحلية وطرق ووسائله وأساليبه.
8- أن يؤسس أو يشارك أو يدعم حركة التحرر للتفكيك النظام والسيطرة على مفاصل وإدارة الدولة.
9 - أن يحترف مكر المكر ويشارك بكافة طرق وحيل ووسائل وأدوات اختراق وتفكيك وتغيير النظام بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة، مع الاستعداد الكامل بالتضحية بحياته لنجاح الثورة.
10- أن يشارك في بناء وتقوية المشروع (الثقافي والسياسي والاقتصادي) البديل فكريا أو خططيا أو تنفيذيا.
11- أن يشارك في ترسيخ النظم المؤسسية الاحترافية المعيارية لتنظيم وادارة الدولة:
- بناء وإدارة القطاع الحكومي والمدني والخاص.
- ترشيح واختيار القيادات.
- معيار الأداء والإنجاز.. الخ.
12- أن يشارك في بناء ودعم نجاح مرحلة التحول وبناء النظام الجديد مشروعا ومؤسسات وقيادات جديدة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مفاهيم سلوكية الثورة تغيير الثورة تغيير سلوك مفاهيم سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمة الإسلامیة الله تعالى ثورة الحق
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (20) للسيد القائد 1446
(المحاضرة الرمضانية العشرون )
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "
انها الليلة الثانية والعشرين من الشهر الفضيل وكالعادة تجمع الخمسة في منزل الدكتور احمد وبعد فراغهم من صلاة العشاء توجهوا لصالة المنزل ليتجهزوا لمشاهدة المحاضرة العشرين .
لم يطق حازم صبراً ليسألهم :هل ستكون محاضرة السيد عبدالملك الليلة استكمال لاحداث غزوة احد الكبرى .
التفت تجاهه الدكتور احمد ليرد عليه مبتسماً :
كالعادة يا حازم اقول لك لا تستعجل فالمحاضرة ستبدأ للتو وستعرف .
وبالفعل انطلقت محاضرة الليلة الرمضانية للتو :-
نستكمل في هذه المحاضرة الحديث عن غزوة بدرٍ الكبرى الحديث على ضوء بعض الآيات القرآنية المباركة، التي وردت عن هذه الغزوة، مع مراعاتنا للاختصار؛ لأن الحديث في القرآن الكريم عن غزوة بدرٍ واسع وتعتبر سورة الأنفال مدرسةً متكاملة في الدروس اللازمة فـي التحرك فـي الجهاد فـي سبـيـل الله "سُـبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وضد أعداء الله
{بِأَلْفٍ مِنََ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}، أدوار الملائكة هي أدوار متعددة، فـي مقدمتها ومن أهمها: الإسناد المعنوي، والتأثير المعنوي، والأهمية كبيرة جداً للروح المعنوية فـي القتال في سبيل الله تعالى، فـي الثبات فـي الميدان، فـي الإقدام باستبسال وشجاعة، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
من الأشياء المهمة للأمة المؤمنة المجاهدة: أن تكون مستغيثةً بالله، ملتجئةً إلى الله، كثيرة الدعاء، والالتجاء، والاستغاثة... هذه مسألة مهمة، في الميدان في ميدان المواجهة في العمليات والتحرُّك لأداء المهام الجهادية، من المهم التركيز على الإكثار من ذكر الله، على الاستغاثة والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى
- يعلمنا السيد عبدالملك اهمية ان تكون الأمة المؤمنة المجاهدة: أن تكون مستغيثةً بالله، ملتجئةً إلى الله، كثيرة الدعاء، والالتجاء، والاستغاثة .. هكذا تحدث الدكتور احمد .
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مقامه العظيم، في مهمته الكبيرة، هو جديرٌ ويحظى بالتأكيد برعايةٍ من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أكثر من غيره؛ لأن مقامه عظيم، منزلته رفيعة عند الله، وفي نفس الوقت مهمته عظيمةٌ جداً... وغير ذلك، لكن القرآن الكريم يبيِّن لنا أن هذه الرعاية الإلهية ممتدةٌ للمؤمنين، ومتَّجهةٌ إليهم كمؤمنين، لِيُبيِّن لنا أن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لن يخذل عباده المؤمنين، ولا أوليائه المستجيبين له، الواثقين بوعوده التي قدَّمها لكل عباده المؤمنين في كل زمن في كل عصر
لم تكن [الوعود] منحصرةً بعصرٍ معيَّن، أو مرحلةٍ معينة؛ لأن الكل بحاجة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في أمسِّ الحاجة إلى معونته، إلى نصره، إلى تأييده على المستوى المعنوي، وعلى المستوى العملي.
- يوضح لنا السيد عبدالملك الرعاية الإلهية التي حظي بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وامتدت المؤمنين كما يبين لنا القرآن الكريم.. هكذا تحدث الدكتور نضال
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعل وعوده ورعايته مفتوحة لعباده المؤمنين لأن الكل بحاجة إلى الله، بل- مثلاً- نجد في هذا الزمن، وهذه المراحل التاريخية التي وصل فيها وضع الأعداء إلى إمكانات كبيرة جداً المؤمنون بحاجة مُلِحَّة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى معونة الله، إلى رعاية الله، إلى تأييد الله، إلى هداية الله وتوفيقه، إلى كل ما يدخل ضمن عنوان (رعايته الشاملة الواسعة)
الله سبحانه عندما وجَّه خطابه للمؤمنين فـي هذه الآيات المباركة؛ ليبيـن أنـه وعـدٌ مفتوحٌ للمؤمنين، وأنها رعاية موجَّهةٌ منه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" إلى عباده المؤمنين، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
- يقدم لنا السيد عبدالملك المعنى الروحي والمعرفي لرعاية الله الشاملة الواسعة وانعكاسها على كل المراحل التاريخية وحتى زماننا هذا .. هكذا تحدث الدكتور احمد
{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ الله سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
من الأشياء المهمة، ضمن هذا الدرس المهم في، إطار المهام الجهادية في سبيل الله تعالى، في إطار حركة الأمة المؤمنة لمواجهة أعداء الله، هو: التركيز على التقليل والتبسيط من مسألة النظرة إلى العدو، النظرة إلى العدو لها تأثير على المستوى النفسي في حركة الناس للتصدي للعدو.
العدو أحياناُ يَشُنّ الحرب النفسية، ومعه المرجفون والمنافقون، والذين في قلوبهم مرض والمهوِّلون، الذين يحاولون أيضاً أن يزرعوا في نفوس الناس اليأس من إمكانية مواجهة العدو، أو التصدي له؛ لـذلك من المهم كشف كل نقاط الضعف لدى العدو.
- يقدم لنا السيد عبدالملك درس مهم في هذه الجزئية عن الحرب النفسية المواجهة العسكرية من واقع غزوة بدر الكبرى . . هكذا تحدث الدكتور نضال
الصورة التي ترتسم في ذهنية الناس عن العدو، وعن إمكاناته... وفيها تهويل، وفيها إرجاف، وفيها محاولة لزرع اليأس في نفوس الناس، ينبغي أن تُحَطَّم كصورة ترتسم في ذهنية الناس، وأن يكون هناك ما يُرَكِّز في نفوس الناس، ويُرَسِّخ فـي أنفسهم وفـي تفكيرهم نقاط الضعف لدى العدو، الجوانب التي تُمثِّل إشكاليةً عليه، أحياناً قد يكون ما يخيف الناس به قد يمكن أن يتحول هو إلـى عبءٍ عليه.
حاملة الطائرات الأمريكية، الأمريكي يُخِيف بها الآخرين، أمكن في المواجهة مع اليمن أن تتحول إلى عبء على الأمريكي، وأن تكون في حالة تتحول وضعيتها في البحر إلى حالة خطر عليها، وعلى من عليها، وتتحول في وضعية ضعيفة، وضعية ضعيفة ومقلقة، ولهذا أعلن الأمريكي الآن أنه سيرسل حاملة طائرات أخرى؛ لأن تلك فشلت يعنـي، فشلت، وهي في وضعية ضعيفة هذا إعلان عن فشل: إرساله لحاملة طائرات أخرى إعلان عن فشل، ويشهد على فشل حاملة الطائرات تلك، وهو كان يكتفي أن يهدد بها دولاً كبرى في إمكاناتها المادية الضخمة، كالصين... وغيرها، والآن يشهد على نفسه بالفشل.
- يواصل السيد عبدالملك تعليمنا كيفية ان تكون النفسية في مواجهة العدو وبدل من تهويل امكاناته البحث في نقاط ضعفه وضرب لنا مثلا حاملة الطائرات الامريكية التي فشلت في مهمتها واصبحت عبء عليهم في اليمن . . هكذا تحدث الدكتور احمد.
فيما يتعلق أيضاً بمجريات المعركة، بدءاً من اصطفاف الجيشين، والتقاء الجيشين، يبيِّن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هذه المجريات، بقوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:42]، كُلٌّ منهما تموضع في جهة:
المؤمنون والمسلمون: كان تموضعهم العسكري، وتمركزهم العسكري، في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى جهة المدينة.
وجيش المشركين: كان تمركزه وتموضعه في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى مكة والأبعد عن المدينة.
وهناك كان هذا اللقاء في منطقة (بدر)، وهذا اللقاء كما يتبين لنا مما قد قرأناه من الآيات القرآنية، ويتبين للإنسان عندما يتلو القرآن الكريم، كيف كان تدبير الله فيه؛ لأنه بيّن أن إحقاق الحق وإبطال الباطل لابدَّ فيه من موقفٍ حاسم، لابدَّ من توجيه ضربة كبيرة للعدو، تساعد على تغيير الوضع بكله، وصناعة فارق في الظروف والواقع، وهذه مسألة مهمة، كما سبق لنا في الحديث عن الخيارات الأكثر تأثيراً على العدو وأهميتها، الحق واضح، لكن يحتاج إلى إحقاق؛ لابدَّ من الجهاد في سبيل الله لإحقاق الحق، لفرض هذا الحق.
- يواصل السيد عبدالملك رسم مشهدية غزوة بدر الكبرى وتموضع المسلمين وكفار قريش وكذا تدبير الله عز وجل لاحقاق الحق وابطال الباطل .
نجد- مثلاً- في ظروفنا في هذا العصر من الحق الواضح الجلي جداً، هو الحق في القضية الفلسطينية، شعب مظلوم، معتدىً عليه، أتى الأعداء اليهود الصهاينة ليحتلوا أرضه، ليغتصبوا ممتلكات هذا الشعب، ليقتلوا هذا الشعب في أرضه، في وطنه، في بلده، ليحتلوا، ويقتلوا، ويدمِّروا، وينهبوا، فالحق واضحٌ مع الشعب الفلسطيني، ومظلوميته واضحةٌ تماماً، لكن لم يكن ذلك كافياً أن الحق في هذه المسألة واضحٌ تماماً، لم يكن ذلك كافياً، الأمم المتحدة اتَّخذت قراراً بمصادرة أربعة أخماس فلسطين لليهود (أراضي عام ٤٨) ولم يكتفِ اليهود بذلك، يعني: لم تكن الأمم المتحدة مثلاًجهة مُنْصِفة، تُنْصِف الشعب الفلسطيني في حقه الواضح، ما يقال عنه: (المجتمع الدولي) لم يكن منصفاً للشعب الفلسطينة في حقه الواضح، في مظلوميته الواضحة، ولم يكن هناك من أحد إطلاقاً لينصف هذا الشعب، لا مجلس أمن، لا محاكم دولية... ولا غيرها، معنى ذلك: أنه لابدَّ من الجهاد في سبيل الله.
الحق الواضح كذلك في لبنان، الشعب اللبناني معتدىً عليه، ومظلوم، العدو الإسرائيلي يعتدي، ينتهك أجواءه، ينتهك السيادة، يحتل ويتمركز في مواقع داخل لبنان، يعتدي بالقصف، بالقتل... كل أشكال الاعتداءات، ومع ذلك ليس هناك إنصاف، لا من جهة أمريكا، ولا من جهة غيرها.
ما يعمله الأمريكي والإسرائيلي تجاه أمتنا عدوانٌ واضح، وظلمٌ واضح، ويقابله الحق الواضح لأمتنا في أنها مظلومة، وأنها مضطهدة، وأنها مستهدفة، ولها الحق أن تتحرك وتتصدى للعدو، إحقاق الحق وإبطال الباطل
- يقدم لنا السيد عبدالملك امثلة في الحق الواضح كحق الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني .. هكذا تحدث صلاح.
على كُلٍّ في مجريات المعركة يقول الله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[الأنفال:44]، كان هذا أيضاً من المحفزات للمعركة. عند اللقاء، وقبل الاشتباك، كُلٌّ منهما يرى الطرف الآخر قليلاً؛ مما يُشَجِّعه على المعركة، في إطار هذا التدبير الإلهي العجيب، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قديرٌ على ذلك، لكن بعد الاشتباك تغيرت الحالة: أصبح المشركون يرون المؤمنين كثيراً، مثلما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، لكن هذا كان فيما يتعلق بقبل الاشتباك.
في بداية الأمر، قبل أن يبدأ الاشتباك الكامل بين الطرفين، في بداية المعركة خرج من صف المشركين ثلاثةٌ من أبطالهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، هؤلاء كانوا من أبطال المشركين، ومن قادتهم، عتبة- بنفسه- من كبارهم، من الشخصيات البارزة فيهم، الشخصيات المؤثِّرة فيهم، له مكانته الكبيرة في أوساطهم، خرج يتحدى ويدعو للمبارزة للقتال، هو وأخوه وابنه، في المقابل أخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمبارزته عليّاً عليه السلام، وحمزة، وعبيدة ابن الحارث ابن عبد المطلب، وبدأ القتال بين هؤلاء في ساحة المعركة، قبل أن يشتبك الجيشان.
وكان لهذا القتال، لهذه المواجهة وهذا الاشتباك، أهمية على سير المعركة في نتيجته؛ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" نصر المؤمنين (عليّاً عليه السلام، وحمزة، وعبيدة)، عبيدة استشهد، وقُتِل الذين خرجوا من المشركين بكلهم الثلاثة؛ بينما المؤمنين استشهد عبيدة، ولم يستشهد الإمام علي عليه السلام ولا حمزة، كانت هذه البداية مهمة .
- يعود بنا السيد عبدالملك لينقل لنا تفاصيل غزوة بدر الكبرى ... هكذا تحدث الدكتور احمد
كانت هذه البداية مهمة؛ لأنها بداية انتصار للمسلمين، ورفعاً لمعنوياتهم، وانعكس ذلك على الأعداء، قذف الله في قلوبهم الرعب، وقد وثَّق القرآن هذا الاشتباك بقول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج:19]، يُبَيِّن حتى ما هي القضية، قضية كٌلٍّ من الطرفين، قضية تعود إلى هذا المستوى من الأهمية:
قضية المؤمنين هي: إرساء المبادئ الإلهية في الأرض، التعليمات الإلهية في الأرض، إرساء قيم الحق والعدل في الأرض، وهذا أمرٌ مرتبطٌ بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تحرُّكهم على هذا الأساس بأمرٍ من الله، بتوجيهٍ من الله، بتعليماتٍ من الله.
أمَّا أعداء الحق فهم: موالون للطاغوت، يريدون أن يُثَبِّتوا سيطرة الطاغوت في الأرض بظلمه، وظلامه، وعدوانيته، وإجرامه، وفساده.
ثم كان أن التحم الجيشان، وبدأت المعركة، منذ بداية المعركة اشتدَّت المعركة باستبسال من الطرفين، ولكن أتت المتغيرات العجيبة مع الالتحام والاقتتال، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أعان المؤمنين؛ فقاتلوا ببسالة، هيأ لهم التنكيل بالكافرين، وكان مسار المعركة فيه مؤشرات النصر للمؤمنين واضحة، بالقتل الذريع، والتمكين بالقتل والجرح في الكافرين، وهذه الحالة التي عبَّر عنها القرآن: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، يرونهم وكأنهم يتكاثرون ويزدادون في المعركة، فثبت الله المؤمنين، ونكَّل بأعدائهم، وكثر القتل في أعدائهم.
وحينما حمي الوطيس، واشتدت المعركة، قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأخذ كفٍ من الحصى، ملأ كفه من الحصى ورمى به المشركين، وقال: ((شَاهَتِ الوُجُوه))، فاستحرَّ القتل والجرح فيهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب وهربوا.
في تلك الحالة كان المسلمون يقتلونهم، ويأسرون منهم، وتحقق الانتصار الكبير والعظيم والمفاجئ والذي كان على عكس كل التوقعات، ما لم يكن يتوقعه الكافرون، ولا يتوقعه أيضاً أكثر المسلمين، وقال الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[الأنفال:17-18]، تحقق الانتصار، وكان للصبر، وللجهود التي بذلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمؤمنون معه، هذه النتيجة العظيمة، عندما بذلوا جهدهم في الأخذ بأسباب النصر، وتحرَّكوا وقاموا بمسؤوليتهم، تحقق هذا الانتصار العظيم، الذي كان خارجاً عن الحسابات والتقديرات، قُتِلَ عددٌ مهمٌ من قادة الأعداء وأبطالهم، سبعين مقاتلاً، أُسِر منهم مثل ذلك العدد، انهزم البقية وفيهم الكثير من الجرحى الذين انهزموا، انهزموا، هزيمةً قبيحة، وهربوا مذعورين مفجوعين صوب مكة، ومصدومين مما لم يكونوا يتوقعونه من الهزيمة المُرَّة.
- لم استمع لشرح مفصل عن مجريات غزوة بدر الكبرى كما استمعت لها من السيد عبدالملك ... هكذا تحدث حازم
النتائج التي تحققت لهذا الانتصار كانت نتائج عظيمة ومهمة، كما قلنا: على ضوء التسمية القرآنية له بـ(يوم الفرقان)، أسَّس لمرحلة جديدة في واقع المسلمين، أصبح لهم هيبتهم وعِزُّهم، وكان له أهمية كبيرة في طمأنة الكثير من المترددين، والمضطربين، والقلقين؛ فاطمأنوا إلى مستقبل الإسلام، وأعزَّ الله المؤمنين بذلك النصر بعد أن كانوا مستضعفين جداً؛ ولهـذا يقول الله في القرآن: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123].
كان لهذا الانتصار أثره في التحاق آخرين بالجهاد في سبيل الله، وتشجعهم، من المسلمين أنفسهم، والبعض كذلك يلتحقون بالإسلام فَيُسْلِمون، فانطلق للجهاد أعدادٌ إضافية، بالمئات من المسلمين.
في هذه المعركة، كان لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام دورٌ بارزٌ جداً في المواجهة، وهذا مُثَبَّتٌ في كُتِبَ التاريخ والسِّيَّر، وكذلك لحمزة ابن عبد المطلب، وللأنصار أيضاً، الذين كانوا مستبسلين ومتفانين.
لأهمية غزوة بدرٍ الكبرى، وثَّقها الله مع دروس متكاملة ومهمة عن الجهاد في سبيل الله، وأهميته، وضرورته، وفضله، وعظمته، وما يترتب عليه من نتائج، وعن أسباب النصر (ما هي، وكيف هي)، وأسباب الهزيمة وما يتعلق بذلك، في (سورة الأنفال)، وهناك أيضاً حديثٌ عنها في (سورة الحج)، وفي (سورة آل عمران).
بشَّرت بغزوة بدرٍ الكبرى (سورة الروم) قبل أن تأتي بسنوات، بالانتصار نفسه، الانتصار الذي تحقق في غزوة بدر، كانت (سورة الروم) بشَّرت به قبل أن يأتي بسنوات: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:4-5]، تزامناً مع أحداث دولية وإقليمية.
ما بعد غزوة بدرٍ الكبرى استمرت الجولات العسكرية، بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقريش، وصولاً إلى فتح مكة، في السنة الثامنة، غزوة بدرٍ الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وكان فتحاً عظيماً، أزاح أكبر عقبة في الساحة العربية من العرب (قريش)، كان هم أكبر عائق، واستعاد مكة بقدسيتها وأهميتها، وأقبل الناس بعده إلى دين الله أفواجاً.
- يعدد لنا السيد عبدالملك النتائج المهمة للانتصار في غزوة بدر الكبرى ... هكذا تحدث الدكتور احمد
المسلمون في إزاء التحديات الخطيرة من قبل أعدائهم، وفي مقابل التَّعَنُّت والطغيان الأمريكي والإسرائيلي، لابدَّ لهم من الجهاد، لن يُشَكِّل حمايةً لهم من الاستعباد والذُّلّ، من هتك الأعراض واحتلال الأوطان ونهب الثروات، من الإذلال وطمس الهوية، من كل هذه المخاطر من قِبَل أعدائهم، إلَّا الجهاد في سبيل الله، وفق تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- انتهت المحاضرة وجميعهم تظهر على ملامحهم علامات الرضا والاعجاب . .