قال الشيخ الدكتور عبدالله الجهني، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن أعظم آفات اللسان العظيمة القول على الله بغير علم والكذب والغيبة والنميمة والبهتان وقذف المحصنات الغافلات.

أعظم آفات اللسان 

وأوضح “ الجهني” خلال خطبة الجمعة الثانية من جمادي الأولى من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن زلة من زلات هذا العضو الصغير قد تؤدي بالإنسان إلى الهلاك والعطب، فليحذر العاقل مما يجري به لسانه، من انتهاك حرمات المسلمين.

وتابع: وإساءة الظن، والطعن بالنيات ، والخوض بالباطل فيهم، وعليه التعود على حفظ لسانه من الوقوع في القيل والقال، فحينئذ سيعتاد عليه ويستقيم أمره، ويسهل عليه التحكم في لسانه وينجو من شرّه ولو أن عبدًا اختار لنفسه ما اختار شيئًا أفضل من الصمت.

وأفاد بأنه رحم الله امرأ حفظ عن اللغو لسانه، وعن النظر المحرم أجفانه، وعن سماع الملاهي آذانه،  وعمر أوقاته بالطاعات وساعاته بكتب الحسنات وتدارك بالتوبة النصوح ما فات، قبل أن يصبح وجوده عدمًا.

وأضاف:  وصحته سقمًا، وعظامه رفاتًا وحياته مماتًا في برزخ لا يبرح من نزله حتى يلحق آخر الخلق أوله، فحينئذ زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها، وجوزيت الخلائق بأعمالها ، ووفيت جزاء كسبها وأفعالها .

وأشار إلى أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا الكلام الذي تظهر المصلحة فيه، فمتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه قال صلى عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، فطوبى لعبد قال خيرًا فغنم ، أو سكت عن الشر فسلم.

أبلغ الوصايا وأقيمها

وأفاد بأن من محاسن إسلام المسلم وتمام إيمانه ابتعاده عما لا يخصه ولا يهمه ولا يفيده وما لا يفيده من الأقوال والأفعال، وعدم تدخله في شؤون غيره، وعليه الحذر من المعاصي والفواحش ما ظهر منها وما بطن، منوهًا بأن العباد مجزيون بأعمالهم، ومحاسبون على أقوالهم وأفعالهم وكفى بالله محصيًا أعمال عباده ومجازيًا لهم عليها .

ونبه إلى أننا قد أُمِرنا بإمساكِ اللِّسانِ عنِ السُّوء والشَّرّ، وكَفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، فمن ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه، ما لم يستخدم العاقل لسانه فيما يرضاه الله تعالى من الكلام كان وبالًا وحسرة على صاحبه يوم القيامة.

ولفت إلى أن  من أبلغ الوصايا وأقيمها وأجلها وأنفعها، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول : اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالله الجهني خطبة الجمعة من الحرم المكي

إقرأ أيضاً:

كتب الكلام.. تأريخ عقلي

عندما كنتُ أقرأ لزكي نجيب محمود في سرده لسيرته الذاتية، بدأت بقصة نفس، فإذا بي أجد بها نقصًا يتعلق بالقصة العقلية المخفية لواحد من المفكرين الكبار، فلما بدأت بقصة عقل وجدت الرجل يشير لذات المسألة، وهي أن قصة نفس تنقصها السيرة العقلية التي عاشها المؤلف، وبعد قراءة هذا الثاني وجدته يبني صورة متكاملة حول التكونات العقلية التي عاشها وكيف يقتنع بمنهج ثم يطوره حتى يصل إلى صورته النهائية، وكان الأمر ذاته عندما كنتُ أقرأ (رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر) لعبد الوهاب المسيري.

وما أن دخل موعد معرض الكتاب، حتى تجولت بين دور التراث، أبحث عن كتب علم الكلام، فأقرأ واحدًا متقدمًا وآخر متأخرًا، وأنا أرى الشيء نفسه الذي رأيته في الكتابين السابقين، لكن في هذه الحالة بشكل أكبر وأشمل وأعمق، يتعلق بمذاهب وفلاسفة وعلماء طبيعة وعلماء دين ولغويين وشعراء، الجميع يطور فكرة معينة، حتى يصل لنقطة يعارضه في بعض تفاصيلها من ينتمي لذات مسلكه المعرفي والفكري.

إن كتب الكلام في التراث الإسلامي وإن كان الزمن قد تجاوز كثيرًا من مسائلها، وأصبحت قراءتها في كثير من الأحيان للمعرفة والتعمق أكثر وللدربة العقلية، لكنها في الوقت ذاته تشكل هذا النوع من التأريخ العقلي لأصحابها وأصحاب المذاهب، بحيث تصبح مكملة لبعضها، والقارئ المتتبع لها يستطيع من خلالها مراقبة الفكرة حتى نهاية تطورها وتوقفها عند مرحلة معينة، ويطرح هذا المقال كتب الكلام المعتزلية أنموذجا عليه.

تطورت الأفكار الكلامية عند المعتزلة بشكل مطّرد ومتسارع، فمنذ بدأ اعتزال واصل بن عطاء لحلقة الحسن البصري في القصة المعروفة، حتى مجادلات عمرو بن عبيد، وصولا لاعتماد الأصول الخمسة، وتطور الأفكار الكلامية حتى دخول الأفكار الفلسفية والفيزياء الطبيعية -كما عند النظّام مثلا- تطورت الأفكار وتداخلت في بعضها، فاختلف المعتزلة أنفسهم في كثير من التفاصيل، حتى انقسموا لمدرستين، ثم انقسموا داخل كل مدرسة منهما، لكن الجميع أبقى على الخط العام فيما يتعلق بالإيمان بالأصول الخمسة، وهكذا فعندما تقرأ في (المغني في أبواب التوحيد والعدل) للقاضي عبد الجبار الهمذاني، تجد أن التاريخ العقلي للمعتزلة مبسوطٌ فيه، ينقد فيه اللاحق السابق، ويصحح التلميذ للأستاذ، والابن لأبيه، حتى تصل إلى الكتب التي بحثت في التاريخ الفكري للمعتزلة، مثل كتاب (معمار الفكر المعتزلي) لسعيد الغانمي، أو كتاب (معتزلة البصرة وبغداد) لرشيد الخيون قبله، تجدها أيضا تصف هذا التاريخ وربما قاربته بمقاربات معاصرة، وفي كل الأحوال، سردته بلغة معاصرة لا تستعصي على القارئ المبتدئ فهمها.

ويُمكن أخذ أنموذج تداخل الأفكار الفلسفية والكلامية في التراث الإسلامي من الناحية اللغوية من حيث درجة تعقيد اللفظ الفلسفي، فقد بدأت الأفكار الكلامية من بساطة لغوية (البساطة لا بمعنى اللغة نفسها، وإنما طريقة طرح الفكرة) منذ عصر النبوة والخلفاء من بعده، فتجد مثلا في نهج البلاغة قول الإمام علي: «الذي ليس لصفته حدٌّ محدود، ولا وقتٌ معدود، ولا أجلٌ ممدود»، أو قول واصل بن عطاء في خطبته الخالية من الراء: «الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان»، وعلى الرغم من الجدالات في مثل هذه الأقوال، لكنها تبقى في ذاتها خالية من التعقيد الفلسفي أو الكلامي، لأن هذا ما كان قد وصل إليه العقل البشري في ذلك الوقت، لكن عندما تداخلت العلوم مع بعضها واستعملت في إثبات الفكرة الكلامية للمذهب، أو نفي فكرة المذهب الآخر، فإن اللغة أصبحت أكثر تعقيدًا لأنها استعملت المنطق الأرسطي، فانظر مثلا إلى قول أبي الحسين البصري في إثبات المحدِث للعالم كما ينقله عنه ابن الملاحمي: «فإن صح أن الفلك والاسطقسات لم تتباين لأمرٍ يرجع إلى الهيولى، صح أن تباينها لأمرٍ آخرَ، وهو القادر المختار.

وإذا ثبت القادر الجاعل للأجسام على صورها فإما أن يكون قديمًا أو محدثًا، ولو كان محدثًا، لم تنتهِ الحوادث، فلزم أن يكون قديمًا، ولزم بما تقدم أن يكون غير ذي جسم ولا عرض، وهو الله تعالى»، فتجد اختلافًا شاسعا بين الأقوال الأولى والأقوال الأخيرة هذه من ناحية التعقيد الفلسفي والاستدلال بالمنطق حتى يتبدى ذلك في اللغة، وإن شئت فانظر للغة ابن سينا حتى تتبين الأمر بصورة أوضح.

لماذا نقرأ علم الكلام؟- هذا السؤال الذي من أجله كُتب المقال في البداية، ومن خلال العرض السابق يتضح أن الأمر ليس متعلقًا بفهم العقائد فقط أو الانتصار للمذهب الكذائي أو تفنيد أقوال المذهب الكذائي، وإنما الأمر يتعلق بشكل أساسي بتطور العقل في التراث الإسلامي، باعتبار أن كتب الكلام تقدم تأريخًا عقليًا شاملاً، منذ بداية تكوّن الفكرة جنينًا في عقل مفكر، حتى تصل لتكون عجوزًا عند آخر.

فإن هذه الإعادة لقراءة كتب علم الكلام، إضافة لإعلائها الحالة النقدية والفكرية والدربة العقلية، فإنها تشرح تطور الأفكار في التراث الإسلامي ووصولها إلى ما وصلت إليه في العصر الحالي. كما أنها دعوة للمفكرين والكتّاب إذا اهتموا بكتابة سيرهم الذاتية يومًا ما، أن يهتموا أيضا بترجمة سيرتهم العقلية كذلك، حتى تكون قصة النفس وقصة العقل مكتملة وواضحة.

مقالات مشابهة

  • رئاسة الشؤون الدينية تستقبل طلائع ضيوف الرحمن بالإهداءات والمحتوى التوعوي
  • دعاء تسهيل الأمور الصعبة وقضاء الحاجة.. احرص عليه في جوف الليل
  • المسارعة إلى الخيرات من أعظم العبادات
  • سبب استحباب أداء العُمرة في شهر ذي القعدة .. تعرّف عليه
  • هل الرجل أفضل من المرأة؟
  • ما هو الشهر الحرام المذكور في القرآن؟ .. وهل يقصد به ذي القعدة؟
  • تسجيل صوتي مسيء لمقام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يُفجّر اشتباكات مسلحة بـ”جرمانا” السورية
  • فارس الخوري.. المسيحي خطيب الأموي ووزير الأوقاف الإسلامية
  • مستقبَلين بالورود والهدايا وسط خدمات متكاملة.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون على المدينة المنورة استعدادًا لأداء مناسك الحج
  • كتب الكلام.. تأريخ عقلي