ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور إبراهيم الهدهد، أستاذ البلاغة والنقد ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ودار موضوعها حول "نعمة الوقت".

وقال الدكتور إبراهيم الهدهد، إن الله  تبارك وتعالى خلق  الإنسان وسخر له الكون، وهو تكريم للإنسان الذي وهبه الله كل هذه الكرامة على الأرض من أجل أن يكون خليفة لله عليها، وهو دليل على مكانة هذا المخلوق من قبل الخالق، ورغم كونها تشريف لكنها في حقيقتها أمانة وتكليف تقتضي من الإنسان أن يسعى جاهدا لأن يكون أهلا لهذه المنحة الربانية التي جعلته مفضلا على سائر المخلوقات، ولكن هذا الأمر لم يكن عبثا وإنما لغاية وهي عبادة الله عبادة متكاملة في كل جوانب حياتنا ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الحق تبارك وتعالى خلق كل إنسان ووهب له عمره، يقول ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، وأهم هذه الأسئلة هو: عن عمره فيما أفناه؟ علينا جميعاً أن نضع هذا السؤال نصب أعيننا لأن الله سوف يسألنا عن كل لحظة وهبها لنا. وهب لنا الحياة ورزقنا، وهي لنا كل شيء، لا لعبث وإنما لغاية مهمة.  فهل أعد كل منا نفسه للإجابة على هذا السؤال في موقف الحساب الذي لن نتحرك منه حتى نسأل عنها؟ فلا تشغل نفسك في الحياة بما سيسأل عنه غيرك، لأنه استهلاك للوقت فيما يضر ولا ينفع. فضاعت أوقاتنا في النظر في أوقات غيرنا.

وشدد الدكتور الهدهد على أهمية استثمار أوقاتنا فيما يفيدنا، لأن ضياع الوقت سنحاسب عليه، ونسأل عنه وماذا قدمنا فيه،  وماذا قدمنا من الطاعات؟ وفيما قصرنا؟ ثم نسأل الله الهداية ألا تضيع منا لحظة واحدة. ضرب الله لنا مثالاً بسيدنا إبراهيم، الخليل عليه السلام، حينما دعا ربه قائلاً: "واجعل لي لسان صدق في الآخرين"، فهي أعظم دعوة. كما بيَّن أن القرآن الكريم علمنا أن نستغل ونستثمر الوقت فيما ينفع. من أجل ذلك يقول ﷺ: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، فالله أعطانا هذه الثروة "الصحة والفراغ" ولكننا عملنا على إنقاصها لا على زيادتها، مضيفا أن المجتمعات التي ارتقت هي المجتمعات التي عرفت قيمة الوقت واستثمرته على أكمل وجه.

وبيّن عضو مجمع البحوث الإسلامية أن العلماء والصالحين والأولياء كانوا يحاسبون أنفسهم إذا ضاعت منهم لحظة واحدة دون ذكر الله. فهؤلاء منَّ الله عليهم في حال نومهم أن انطلقت قلوبهم بذكر الله، فكانوا لا يرون إلا خيراً لأن قلوبهم عاشت مع الله. فالدنيا مزرعة للآخرة، والآخرة هي الربح فعليك بالزرع الطيب في دنياك لتنال ثماره فى الآخرة، واجعل لسانك دائماً رطبا بذكر الله.

وتابع بقوله: كان العلماء يجتهدون في العلم اجتهادا ما بعده اجتهاد. فلا يضيعون وقتاً، وكانوا يعمرون وقتهم بما سيحاسبون عليه أمام الله. فعلموا جميعاً أنه لن يجيب عن سؤالهم أحد سواهم. وسوف يسأل الجميع عن كل لحظة في الحياة منحها الله إياهم. فالمولى عزّ وجلَّ خلق في كونه ما نضبط أوقاتنا عليه، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. خلق كل شيء لغاية إما تعود على العبد بالرزق أو ضبط الوقت واستثماره. مبيناً أنه قد أقسم المولى عزّ وجلَّ بالأوقات: بالفجر وبالشمس، وبالليل والضحى، ثم أقسم بسورة خاتمة لو عمل بها العبد في حياته لكفته، وهى سورة العصر يقول تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، جاء الخطاب بلفظ الإنسان للتذكير بما نحن عليه من نسيان نعم الله وفضله علينا. وتدل السورة الكريمة على أن الموفق في استثمار الوقت،  القليل من عباد الله، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. فهي أربعة أشياء تجعل الإنسان رابحاً ليس خاسراً.

وختم خطيب الجامع بقوله: شدائد الحياة كثيرة ونحن نزيدها شدة ودعا الجميع إلى عدم النظر إلى الحياة بسخط ونقص، وأن ننظر إليها في جانب العطاء، وأن نتواصى بالصبر والحق، وأن نعمل صالحاً للنجاة من حكم الخسران. فقد خلقنا الله للعبادة، وهدانا النجدين، وألهم النفس فجورها وتقواها، ومع كل هذا فالقليل من العباد هو الرابح. وإذا ربح العبد في الدنيا كان الربح في الآخرة قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وحث على أن نعيش مع الله في الحياة، وأن تتعلق قلوبنا به، وأن ننظر إليه في النعم وفي كل شيء حتى ننال رضوانه وجناته.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدكتور إبراهيم الهدهد الجامع الازهر جامعة الأزهر نعمة الوقت

إقرأ أيضاً:

أوقات العُمرة المُستحبة خلال العام .. تعرف عليها

كشفت دار الإفتاء المصرية، عن أوقات العمرة المستحبة لأدائها من المسلمين، منوهة أنه تجوز العمرة لغير الحاجِّ في جميع أيام السَّنَة، أمَّا الحاج فيمتنع عليه الإحرام بها من حين إحرامه إلى آخر أيام التشريق، ولا يعتمر حتى يفرغ من حجه، ولو أحرم بالعمرة في هذه الأيام لا تنعقد ولا تلزمه؛ فلا يعتمر حتى يفرغ من حجّه.

حكم التصوير أثناء مناسك الحج و العمرة .. الإفتاء تحذر من هذا الأمرعقوبة منظمي رحلات الحج والعمرة الوهمية بالقانونأوقات العمرة

وذكرت دار الإفتاء، في إجابتها عن أفضل أوقات العمرة، أن الأوقات المستحبة لها فأكثرها استحبابًا شهر رمضان، ثم أشهر الحج، ثم رجب وشعبان.

وأوضحت، أن العمرة من شعائر الإسلام التي تقرَّرت مشروعيتها وفضلها بالكتاب والسُّنَّة والإجماع؛ فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، ووجه الدلالة من الآية أنَّه إذا جاء الأمر بالتمام، فإنه يدلّ على المشروعية من باب أولى.

وأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ».

عمرة النبي في ذي القعدة

ويستحب أداء العمرة في شهر ذي القعدة، لأن عُمرات النبي كنّ في شهر ذي القعدة؛ وورد َعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ" (رواه ابن ماجه بسند صحيح).

وقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». [متفق عليه].

وينبغي للمسلم الإكثار في هذه الأشهر من الأعمال الصالحة، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: «صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، أي أشار بصيام ثلاثة أيام وفِطر ثلاثة أخرى.

فضل شهر ذي القعدة

وكشف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عن فضل شهر ذي القعدة، والذي يعتبر أحد الأشهر الحرم، والشهر السابق لشهر ذي الحجة والذي فيه عيد الأضحى المبارك.

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن شهر ذي القعدة، هو الشَّهر الحادي عشر في التَّقويم الهجري، وهو أحد الأشهر الحرم التي نهى اللهُ عن الظلم فيها؛ تشريفًا لها.

وأوضح أنه قد سُمي شهر ذي القعدة بهذا الاسم، لأن العرب كانوا يقعدون عن القتال فيه، وهو أول الأشهر الحرم المُتوالية، كما ذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة في قول الحق سُبحانه وتعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}. [البقرة: 194] والمراد بالشهر الحرام: شهر ذي القعدة.

وأشار مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إلى أن أداء العُمرة سُنَّة مستحبة في شهر ذي القعدة، لأن عُمرات النبي كنّ في شهر ذي القعدة؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». [متفق عليه].

طباعة شارك أوقات العمرة العمرة دار الإفتاء أوقات العمرة المستحبة عمرة النبي ذي القعدة فضل شهر ذي القعدة

مقالات مشابهة

  • دلّنا عليها النبي.. 4 أعمال عظيمة ثوابها وأجرها مثل الحج والعمرة
  • هل رفض عريس لمجرد أنه ليس وسيما حرام وتكبر على نعمة الله؟
  • أوقات العُمرة المُستحبة خلال العام .. تعرف عليها
  • سبب استحباب أداء العُمرة في شهر ذي القعدة .. تعرّف عليه
  • توقف الأنشطة في الجامع الأزهر بسبب سوء الأحوال الجوية .. اليوم وغدًا
  • وهج الزهد.. حين تضيء القناعة طريق الحياة الزوجية
  • ندوة بالأزهر توضح دور الأمهات في دعم الأطفال ذوي الهمم
  • قداسة البابا يلتقي أبناء الكنائس الأرثوذكسية والموارنة برومانيا | صور
  • ما هي الأشهر الحرم؟ تعرف عليها وأهم العبادات فيها
  • نائب أمير مكة: ارتقاء بجودة الحياة