أستاذ علاقات دولية: إيران لديها رغبة حقيقية للوصول إلى تفاهمات مع أمريكا
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
قال الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يسعى إلى إقامة اتفاق جديد مع إيران، خاصًة بعد اللقاء الذي جمع بين السفير الإيراني والمستشار الأمريكي المقرب للرئيس ترامب إيلون ماسك، والذي يحمل الكثير من الدلالات في ظل أن هناك دلالة قوية وهي زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي إلى إيران.
وأضاف «فارس»، خلال مداخلة عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن إيران غدًا ستفتح مفاعل «نطنز» النووي، وهذا دليل قوي على أن إيران لديها رغبات حقيقية للوصول إلى تفاهمات مع الجانب الأمريكي ومع القوى الغربية، لان ترامب أتى هذه المرة للبحث عن حلول سياسية للكثير من المشكلات، خاصًة أنه لا يرغب في الدخول في مواجهة مع إيران وسيضغط على الاحتلال الإسرائيلي حتى لا يتم التصعيد بشكل كبير مع إيران.
الولايات المتحدة الأمريكيةوتابع أستاذ العلاقات الدولية: «ملفات المنطقة أصبح جميعًا مرتبطة ارتباط وثيق مع بعضها البعض، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن الشأن الداخلي والمكاسب الاقتصادية وإيجاد حلول للمشكلات الموجودة في الشرق الأوسط».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إيران أمريكا الاحتلال بوابة الوفد الوفد
إقرأ أيضاً:
الاستعمار الأمريكي الجديد
أثار مشروع ترامب الأخير في تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن موجة من الاستياء والاستهجان، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في معظم بلاد العالم، بما في ذلك بلاد العالم الأوروبي التي تُعد حليفًا تاريخيًّا واستراتيجيًّا للولايات المتحدة الأمريكية. يرجع هذا الاستياء والاستهجان العالمي العام إلى سببين رئيسيين: السبب الأول أن مشروع ترامب ينتهك سائر القوانين الدولية، إذ إنه- في حال تنفيذه- يصبح بمثابة جريمة تطهير عرقي؛ ولذلك فقد رفضته واستنكرته الأمم المتحدة نفسها؛ ولكن الولايات المتحدة لم تعد تعبأ بالأمم المتحدة بعد أن همشت دورها، ولم تعد تكترث بقراراتها! والسبب الثاني والأكثر أهمية أو عمقًا هو أن العالم بدأ يضيق ذرعًا بسياسة الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة على العالم؛ وقد جسد ذلك بقوة الطريقة الاستعلائية التي تحدث بها عن مشروعه باعتباره قرارًا سيتم تنفيذه من خلال القوة والنفوذ.
ولقد امتد هذا الاستياء العام لدى دول أوروبا بعد تهديد ترامب لها وللمنظمات الأوروبية والدولية بفرض عقوبات عليها، مثلما فعل بالنسبة إلى بعض منها، وهذا الأمر بدا كناقوس خطر يطالب باستقلالية القارة العجوز بكل إرثها التاريخي والثقافي عن النفوذ الأمريكي وعن التبعية للقرار الأمريكي. والأيام دول: إذ بدأت أمريكا كمستعمرات تابعة للدول الأوروبية تطالب باستقلاليتها، إلى أن نالت استقلالها سنة 1766؛ ولكن بعد أن اشتد عودها وتعاظم نفوذها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، راحت تهيمن تدريجيًّا على السياسات واتخاذ القرارات في معظم أنحاء العالم بدرجات متفاوتة.
مشروع ترامب ليس جديدًا، وإنما هو إحياء متجدد لمشروع ممتد طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وهذا يجعلنا نتساءل: هل العقلية الاستعمارية متأصلة في الشخصية الأمريكية، أم أنها متأصلة في شخصية الغرب نفسه؟ أم أنه لا يجوز هنا أن نتحدث عن «طبيعة متأصلة» في الحالتين (وإلا كنا بذلك نكشف عن نوع من التحيز ضد من نتهمه بالاستعمارية وما يلحق بها من صفات سلبية)؟ وهذا السؤال البسيط يبدو مشروعًا إذا وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة نفسها دولة حديثة العهد لا يتجاوز عمرها قرنين ونصف: فهل يكفي هذا التاريخ القصير نسبيًّا لأن نتحدث عن «طبيعة متأصلة»؟
الواقع أننا لا يمكننا النظر إلى تاريخ الولايات المتحدة بشكل مستقل عن تاريخ أوروبا، وكأنها قد نشأت من لا شيء. هذا الأمر يتطلب أن نذكر أنفسنا بتلك النشأة التاريخية:
بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس للأراضي الأمريكية التي سُميت بالأراضي الجديدة أو العالم الجديد؛ أصبحت هذه الأراضي مطمعًا للأوروبيين الحالمين باستغلال ثرواتها البكر وامتلاك المساحات الشاسعة منها، وهكذا نشأت المستعمرات الأوروبية فيها من دول إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا، فضلًا عن بريطانيا بطبيعة الحال: إذ هيمنت إسبانيا على معظم أمريكا الجنوبية، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا الجزء الشمالي من أمريكا الشمالية المعروف الآن بكندا، ولكن بريطانيا استطاعت الهيمنة على معظم المستعمرات المعروفة الآن بالولايات المتحدة الأمريكية. أباد الغزاة الجدد السكان الأصليين، وقضوا على حضاراتهم: حضارة المايا، والإنكا، والأزتيك؛ فلم يبق منها إلا بعض الأثريات من الحجر والبشر.
هؤلاء الغزاة للأرض الجديدة هم أجداد الشعوب الأمريكية في الولايات المتحدة. جذور الغزو الاستعماري والعدوان متأصلة في طبيعة الغالبية منهم، وهم يقدسون المنفعة المادية في تعاملاتهم مع الآخر؛ ولذلك فلا غرابة في أن الفلسفة التي راجت في أمريكا هي البراجماتية أو «الفلسفة العملية» التي هي وريثة الفلسفات النفعية القديمة في شتى صورها. ولا غرابة كذلك في أن التاريخ القصير للولايات المتحدة الأمريكية كان تاريخًا دمويًّا منذ نشأتها وحتى الآن: فقد غزت نيكاراجوا سنة 1833 ومرات أخرى عديدة بعد ذلك؛ وغزت بيرو وأورجواي وقناة بنما وكولومبيا؛ واحتلت أرضًا مكسيكية تُعرف الآن بولاية تكساس؛ واحتلت كوبا وهايتي وخليج جوانتانامو؛ وشنت حروبًا دموية على كوريا والفلبين وفيتنام؛ وغزت العراق ودمرت جيشه وقتلت عشرات الآلاف المؤلَّفة من المواطنين العراقيين بسبب استخدام قنابل اليورانيوم المخصب؛ ومؤخرًا شاركت إسرائيل فعليًّا في العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني وعلى الحوثيين في اليمن.
فلماذا إذن نندهش من تصريحات ترامب الأخيرة: إنها تجسد المشروع الصهيوني القديم نفسه، وكل ما في الأمر أنها تجسده بشكل فج وغير دبلوماسي؛ ومن ثم يكشف صراحة عن الوجه القبيح للسياسات الأمريكية الذي يتمثل في الذهنية أو العقلية الاستعمارية التي تقوم على روح الاستغلال والمنفعة والغزو والعدوان المسلح عند الضرورة.
وأنا استخدم هنا عبارة «عند الضرورة»؛ لأن الولايات المتحدة لا تلجأ الآن كثيرًا إلى العدوان المسلح، من باب الاقتصاد في الجهد والنفقات، بل إنها تعول كثيرًا على الدول التي تحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومن ثم تحقق سعيها للهيمنة على جانب كبير من اقتصاد العالم والتأثير في قرارات الدول. وعلى ذلك كله، يمكننا القول إن هذه السياسات الاستعمارية ليست سوى وجه جديد للاستعمار القديم.