من علّم العالم التدخين؟
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
الولايات المتحدة – تقول كلمات أغنية قديمة إن مكتشف أمريكا كريستوفر كولومبوس “علّم العالم تدخين التبغ”، إلا أن وقائع تشير إلى أنه ألقى بأوراق التبغ في أول مرة أهديت إليه في البحر.
كولومبوس كان وصف “التبغ” لأول مرة في 15 نوفمبر 1492، مشيرا في مذكراته إلى العادة الغريبة للهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين في استنشاق أدخنة أوراق مجففة لعشب محلي.
المستكشف الشهير كولومبوس كان أبحر إلى كوبا في خريف عام 1492 عبر البحر الكاريبي وكان حينها لا يزال مجهولا بالنسبة للأوروبيين.
أرسل الرحالة اثنين من بحارته إلى دواخل كوبا لاستكشاف المنطقة، حين عادا أخبرا الإسبان بأنهما شاهدا السكان الأصليين البدائيين وهم يحرقون أوراق نبات ويستنشقون الدخان الناتج عنه باستمتاع.
الأوروبيون بدافع الفضول جربوا استنشاق ذلك الدخان، وسجّل التاريخ اسمي أول مدخنين اثنين وهما رودريغو دي خيريز ولويس دي توريس.
القسيس الإسباني بارتولوميو لاس كاساس وصف البحارين في داخل جزيرة كوبا قائلا: “التقى هذان المسيحيان بالعديد من الناس في الطريق، رجالا ونساء. كان الرجال يحملون نارا ونباتات مجففة مخصصة للتدخين، ملفوفة في ورقة جافة مثل المسك الورقي الذي يصنعه الأولاد للاحتفال بالروح القدس. أشعلوا جانبا، ومضغوا أو امتصوا الجانب الآخر، وبالتالي استنشقوا الدخان، الذي سممهم، ووفقا لهم، خفف الجوع وأزال التعب”.
لم يستهو تدخين التبغ جميع بحارة كولومبوس. كان البحار رودريغو دي خيريز أول مدخن أوروبي، وقد نقل هذه العادة إلى إسبانيا. محاكم التفتيش ألقت القبض عليه في عام 1501 وحُكم عليه بالسجن. حين رأى الإسبان الدخان ينبعث من فم رودريغو ظنوا أن الشيطان سكن جسد البحار. بعد سبعة أعوام أطلق سراح هذا البحار، حينها كان الإسبان قد تعرفوا بشكل أفضل على التدخين.
يُذكر أيضا أن كولومبوس حمل عينات من التبغ في طريق عودته إلى إسبانيا وأهداها إلى الملكة إيزابيلا والملك فرديناند. نتيجة لأن الإمدادات من الأوراق المجففة كانت كبيرة للغاية، بدأ البحارة في التدخين على ظهر السفن. تبين أن هذه العادة قوية ومسيطرة للغاية، وسرعان ما وجد أولئك الذين جربوا التبغ أنهم غير قادرين على الاستغناء عنه واستنشاقه بشراهة من خلال الغليون أو السيجار.
التبغ وصل إلى فرنسا عن طريق المغامر أندريه تيفيت الذي جلب بذور هذا النبات إلى فرنسا في عام 1555، وهكذا بدأ إدمان أوروبا على التبغ.
كان أندريه تيفيت أيضا من أوائل من ترك وصفا مفصلا لهذا النبات، مشيرا إلى أن سكان أمريكا الأصليين: “لديهم عشب غير عادي يسمونه بيتون ويستخدم لأغراض عديدة. أنها لفات من العشب المجفف في ورقة النخيل ويلف في شكل أنبوب بطول شمعة. ثم يشعلون النار في نهاية الأنبوب ويستنشقون الدخان من خلال أفواههم، ثم يطلقونه من أنوفهم، لأنه يجذب ويقطر السوائل المتدفقة في الدماغ، بل ويسبب الجوع”.
إنجلترا وصل التبغ إليها من خلال جون هوكينز، وهو بحار ويعمل في بناء السفن وتجارة الرقيق. في إحدى رحلاته إلى العالم الجديد تعلم التدخين، وعاد مع بحارته إلى وطنهم مدخنين شرهين. في ذلك الوقت لم يكن التدخين منتشرا بشكل كبير في بريطانيا. بعد مرور 20 عاما أصبح معظم البحارة البريطانيين مدخنين دائمين.
أما بالنسبة لإسم “تاباك” أو التبغ ذاته فقد ظهر في إسبانيا، حيث تأسست هناك في عام 1636 أول شركة للتبغ وكانت مملوكة بالكامل للدولة باسم “تاباكاليرا” وكانت متخصصة في إنتاج السجائر المشتقة من كلمة “سيجارو” الإسبانية، وهي مستعارة من لغة المايا من كلمة “سيكار” وتعني عملية التدخين.
اللافت أن الأطباء في القرن السادس عشر اعتقدوا أن للتدخين فوائد صحية. هذه الأوهام بقيت حتى عام 1990، وكان يمكن حتى ذلك الوقت مصادفة نصائح طبية عن استخدام السجائر للأغراض الطبية في الكتب المرجعية للمسعفين.
في الوقت الحالي، تأكد بشكل موثوق أن جميع أنواع التدخين بما في ذلك بواسطة التسخين في السجائر الإلكترونية ضارة بالصحة، وأن تدخين التبغ يسبب العديد من الامراض بما في ذلك أخطر أنواع السرطان وأشدها فتكا علاوة على الأمراض والتشوهات الخلقية وما إلى ذلك.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
اتجاهات مستقبلية
اتجاهات مستقبلية
يوم المياه وساعة الأرض.. تذكير بأهمية مواصلة جهود تحقيق الاستدامة
في ظل التحديات البيئية المتزايدة، أصبحت الاستدامة مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا دوليًّا حقيقيًّا. ويأتي اليوم العالمي للمياه، الذي يُحتفل به في يوم 22 مارس سنويًّا منذ عام 1993، وساعة الأرض، التي يُحتفل بها في آخر سبت من شهر مارس، وبدأت في عام 2007، كتذكيرَين سنويَّين رمزيَّين بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية، ودعم جهود تحقيق الاستدامة. ففيما يسلط الأول الضوء على أزمة ندرة المياه، فإن الثاني يشجع على تقليل استهلاك الطاقة والتفكير في تأثير الإنسان في الكوكب. في هذا السياق، يصبح التحرك العالمي المشترك ضرورة ملحة؛ حيث إن الاستدامة لا يمكن أن تتحقق بجهود فردية معزولة، بل من خلال تكاتف الحكومات والشركات والمجتمعات لتحقيق مستقبل أكثر استدامة.
وتُعد أزمة المياه تحديًا عالميًّا يتطلب حلولاً مستدامة، حيث يواجه العالم أزمة مياه متفاقمة، ويعيش نحو ملياري شخص في بلدان تعاني إجهادًا مائيًّا مرتفعًا؛ ما يؤثر في الصحة العامة والزراعة والصناعة. وتتفاقم هذه الأزمة في المنطقة العربية، حيث يفتقر نحو 50 مليون شخص إلى مياه الشرب الأساسية. وتتأثر دورة المياه العالمية بتغير المناخ؛ ما يؤدي إلى تغيرات في أنماط هطول الأمطار وذوبان الجليد، ويزيد من حدة ندرة المياه. لذلك، تصبح الإدارة الفعالة للمياه مسألة بقاء، وليست اختيارية أو رفاهية، وتتطلب تبني سياسات كفاءة في استهلاك المياه، مثل إعادة التدوير وتحسين أنظمة الري، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الترشيد والحفاظ على الموارد المائية.
أما ساعة الأرض، فهي رسالة رمزية وتحفيز للعمل البيئي؛ إذ تُعدّ إحدى المبادرات البيئية العالمية الكبرى، حيث يتم خلالها إطفاء الأنوار لمدة ساعة؛ للتذكير بضرورة تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية. ورغم أنها قد تبدو رمزية، فإنها تؤدي دورًا مهمًّا في نشر الوعي حول التغير المناخي، وأهمية تبني حلول طاقة متجددة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن انبعاثات الغازات الدفيئة ودرجات الحرارة وصلت إلى مستويات قياسية جديدة؛ ما يزيد من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة، مثل الاستثمار في الطاقة النظيفة، والتخلي عن الوقود الأحفوري تدريجيًّا.
وعليه، تبرز أهمية التحرك الجماعي لتحقيق الاستدامة؛ فلا يمكن تحقيق الاستدامة من خلال جهود فردية فقط، بل يتطلب الأمر تنسيقًا عالميًّا بين الدول، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية المعنية. فيمكن للحكومات سنّ قوانين تحفز الاستهلاك المسؤول، فيما تلعب الشركات دورًا في تبني ممارسات صديقة للبيئة. من ناحية أخرى، يمكن للأفراد الإسهام عبر تغييرات بسيطة في أنماط حياتهم، مثل تقليل الهدر الغذائي، واستخدام وسائل نقل مستدامة، ودعم المنتجات الصديقة للبيئة. وتُظهر تقارير الأمم المتحدة أن العالم يتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير بما يخالف الأهداف المتفق عليها في اتفاق باريس؛ ما يجعل التحرك الجماعي أكثر إلحاحًا.
خلاصة القول: إن التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، سواء في مجال المياه أو تغير المناخ، تتطلب حلولًا جذرية ومستدامة. ويمثل اليوم العالمي للمياه وساعة الأرض فرصتين رمزيتين مهمتين لإعادة التفكير في أسلوب حياتنا، وتعزيز الجهود الجماعية لحماية كوكبنا. ومع تزايد تأثيرات الاحتباس الحراري والتلوث، يصبح من الضروري أن يتحرك الجميع -حكومات ومؤسسات وأفرادًا- في اتجاه واحد لتحقيق الاستدامة، فالأمر لم يعد خيارًا، بل مسؤولية أخلاقية؛ لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، بل للبشرية جميعًا في الحاضر والمستقبل.