كيف ستنهزم إسرائيل بفعل الجغرافيا؟
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
جغرافية إسرائيل وصغر حجمها سلاح ذو حدين، فبالرغم من أنها تمتلك قواعد عسكرية وصواريخ جاهزة للانطلاق في أي لحظة، فإن المواطن الإسرائيلي، حينما تنطلق صفارات الإنذار، ليس لديه سوى من 12 إلى 15 ثانية للاختباء في ملجأ. فإسرائيل بلد تفتقد العمق الإستراتيجي؛ فالصواريخ على بابها.
فالجغرافيا عامل مهيمن في الأمن القومي لإسرائيل، حيث يقيم معظم سكانها والبنى التحتية الحيوية داخل الشريط الضيق من السهل الساحلي، وهذا هو الجزء الأكثر أهمية، الذي أصبح في الحرب الأخيرة يتعرض لتهديد دائم بصواريخ وطائرات مسيرة.
حاولت إسرائيل أن تتكيف مع موقعها بإستراتيجيات الدفاع الجوي، مثل القبة الحديدية ومقلاع داود والحرب الإلكترونية، لكن الطرف الآخر وضع تل أبيب، وحيفا، وعسقلان، وغيرها تحت القصف المستمر.
وهذا ما جعل الشرق الأوسط مع طول أمد الحرب الأخيرة بؤرة ساخنة في منطقة بها تقاطعات معقدة، قد تقود إلى مشكلات طويلة الأمد، أبرزها قلق إسرائيلي مستديم حول مستقبل أمنها في ظل افتقادها العمق الجغرافي الذي لن يصمد أمام التطور السريع للطائرات المسيرة، والصواريخ فائقة السرعة.
تعتمد إسرائيل على التفوق النوعي عسكريًا، وهذا التفوق كفل لها ضمان وجود الدولة إلى الآن، في ظل إستراتيجية قامت على إحباط التهديدات وتأجيلها؛ لخلق فترة طويلة من الهدوء بالتزامن مع الجهود العسكرية والسياسية الاستباقية. لكن ما حدث في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كسر هذه الإستراتيجية.
والآن، تسعى إسرائيل لمحو قوة حماس العسكرية، وتدمير غزة بصورة غير مسبوقة حتى لا تقوم قائمة للمقاومة مرة أخرى في المدى القريب، بل ستحتاج حماس لعقود للعودة إلى ذات القوة. لذا فإن طول أمد الحرب في غزة هدفه واضح، خلق فترة طويلة من الهدوء.
فواضعو الإستراتيجيات في إسرائيل باتوا على قناعة بأن حماس فكرة، والأفكار لا تموت، ومع تصاعد شعبيتها في الضفة الغربية، فإن إسرائيل تحت تهديد الديمغرافيا الفلسطينية على حدودها وداخلها، مما يجعل الجغرافيا الإسرائيلية مهددة، وعليه، عكست شراسة الحرب الأخيرة هذا التهديد.
كل ما سبق يعتمد على إستراتيجية الأمن القومي المبنية على مفهوم "الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي. فإسرائيل ترى أنه لا يمكن تحقيق السلام إلا بعد أن يستنتج أعداؤها أن جهودهم غير فعالة، وأن معاناتهم ستزداد. فمن وجهة نظر إسرائيل، يجب أن يكون أعداؤها مقتنعين بأنهم سيحققون أكثر بكثير من خلال الحوار، مقارنة بما سيحققونه بالعنف، وعليه يجب عليهم قبول ما ستطرحه إسرائيل عليهم.
لذا فإن مواجهة إسرائيل لا بدّ أن تعتمد على ضغط معرفي مستمر حول وجودها، واعتباره شاذًا، وهذا ما ترد عليه بسياسات تكرس يهودية الدولة، وهي تعلم أن هذا مستحيل. في الوقت الذي يبدو فيه قلق إسرائيل من صغر حجمها مستمرًا، فقد كانت تواجه سابقًا جيوشًا تقليدية، لكن الجماعات المسلحة غير الحكومية التي تواجهها حاليًا تجعل إسرائيل تحت ضغط الحوادث المتكررة.
هذا ما يؤدي إلى استنزافها بصورة مستمرة، ويبقى التساؤل: هل وفّر العنف المفرط والمتجاوز لكل ما هو متخيل الأمن للمواطن الإسرائيلي؟
في حقيقة الأمر، بات عمق إسرائيل مهددًا، مما يدفع المواطن الذي يدرك أن إسرائيل دولة وظيفية إلى الهرب، أو الهجرة خارج إسرائيل. بات هذا واقعًا مع الحرب الأخيرة، خاصة من مزدوجي الجنسية، حيث لم تعد إسرائيل بيئة آمنة للاستثمارات، ولأول مرة يتم تجميد استثمارات كانت مقررة في حيفا، وتل أبيب، والمنطقة الساحلية.
تكمن أهمية إسرائيل في كونها تمنع انفراد قوة بشرق المتوسط، والبحر الأحمر، وهو مصدر أهم طرق التجارة الدولية والطاقة والعديد من المواد الأولية. فهي أشبه ببوليصة تأمين توفر متطلبات الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، ومقدرات العالم، وتضع المنطقة العربية تحت الضغط المستمر بلا سلام دائم، وتستنزف في شراء السلاح الغربي، وتدخل في حروب مستمرة.
وعلينا أن ندرك أن إيران تعتبر أن أمنها يبدأ من شرق المتوسط، وهذا ما دفع الفرس قديمًا إلى احتلال شرق المتوسط في إطار الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية. كما أن انفراد تركيا بشرق المتوسط سيشكل قوة كبرى منافسة، وكذلك الحال مع دول جنوب المتوسط. لذا فإن وظيفة إسرائيل هي الحد من نمو قوة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية في شرق المتوسط أو في دائرته.
لكن على الجانب الآخر، فإن وجود روسيا في سوريا، وتغلغل الصين في المنطقة عبر قاعدة عسكرية في جيبوتي، وشراكات اقتصادية، يضعان الغرب في ضائقة إستراتيجية. وهي أزمة لم يُعثر لها على حل إلى الآن، بل إن الحرب الأخيرة جعلت الجغرافيا في مأزق، حيث لم يعد هناك مجال للحلول الجيوسياسية.
فتوسع إسرائيل جغرافيًا لم يعد ممكنًا كما كان سابقًا، في ظل وهن أوروبا واستنزافها في حرب روسيا وأوكرانيا. فضلًا عن أن الدعم الأميركي لن يستمر طويلًا في ظل المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة؛ نتيجة تكاليف دعم إسرائيل، ومشاكل الاقتصاد الأميركي.
يبقى السؤال: هل تفقد إسرائيل وظيفتها كحاملة طائرات، أو كـ "فتوّة" يمثل أميركا في المنطقة؟ هذا كله يتوقف على الوعي العربي بأن إسرائيل لديها مشكلة جيوسياسية كبيرة، وأنها إستراتيجيًا باتت مهددة.
ولعلّ هذا ما شكل رؤية غربية مفادها أن إسرائيل ستنتصر في الحرب، لكنها ستُهزم إستراتيجيًا على المدى البعيد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحرب الأخیرة وهذا ما هذا ما
إقرأ أيضاً:
عودة الحرب على غزة.. إسرائيل تتوعد "بالجحيم" وأول تعليق من واشنطن
استأنفت إسرائيل حربها على أنحاء عدة من قطاع غزة، فجر اليوم الثلاثاء، بسلسلة من الغارات العنيفة، أدت إلى مقتل وجرح مئات المدنيين بينهم أطفال.
وأعلن المكتب الاعلامي في القطاع أن أكثر من 200 مدني سقطوا جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف وسط وشمال وجنوب غزة.
وشنت إسرائيل ضربات جوية جديدة في أنحاء قطاع غزة، متوعدةً بـ"تصعيد القوة العسكرية" بعد تعثر المحادثات بشأن الإفراج عن مزيد من الأسرى.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: "يتم تنفيذ موجة غارات جوية واسعة النطاق في أنحاء القطاع بهدف القضاء على مسلحين، واستهداف البنية التحتية لحماس، وتسليحها".
وأضافت: "تشارك عشرات طائرات سلاح الجو في عملية القصف، التي تستهدف عشرات الأهداف في القطاع"، معتبرة أن "العنصر الرئيسي في الهجمات هو عنصر المفاجأة"، في إشارة إلى أن الهجمات تمت دون إنذار مسبق أو حتى تسريب للإعلام عنها.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن "العملية العسكرية غير محددة المدة ومن المتوقع أن تتوسع".
وأفاد شهود عيان بأن القصف تركز على شمال ووسط القطاع، حيث سُمع دوي انفجارات متتالية، فيما تواجه طواقم الإسعاف والدفاع المدني صعوبات في الوصول إلى المناطق المستهدفة بسبب كثافة الهجمات، حسب رويترز.
وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فجر اليوم، بمهاجمة أهداف تابعة لحركة حماس في جميع أنحاء قطاع غزة.
وقال مكتب نتانياهو في بيان إن إسرائيل "تستأنف عملياتها العسكرية ضد حماس في غزة بعد رفض الحركة مقترحات أمريكية لتمديد وقف إطلاق النار".
وأردف: "من الآن فصاعداً ستعمل إسرائيل ضد حماس بقوة عسكرية متزايدة"، مضيفاً "الخطة العملياتية عُرضت من قِبل الجيش وصادق عليها المستوى السياسي".
PM: IDF launching strikes throughout Gaza after Hamas refused repeated hostage deal offers https://t.co/bb0QN3HFiC
— The Times of Israel (@TimesofIsrael) March 18, 2025ووفق مكتب نتانياهو فإن "رئيس الوزراء ووزير الدفاع أصدرا تعليمات للجيش باتخاذ (إجراء قوي) ضد حماس في غزة".
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إن "جيش الدفاع وجهاز الأمن العام (الشاباك) ينفذ غارات واسعة النطاق على أهداف تابعة لحماس في قطاع غزة".
وأوضح الجيش الإسرائيلي أن "القيادة الداخلية أمرت بتقييد النشاط المدني بالقرب من قطاع غزة في أعقاب الضربات على حماس".
وأمرت إسرائيل تأمر بوقف التدريس اليوم في المناطق المتاخمة لقطاع غزة.
BREAKING: Israel launches new strikes in Gaza after it said talks with Hamas on further hostage releases stalled. https://t.co/d3khoecyVa
— CBS News (@CBSNews) March 18, 2025 إسرائيل تتوعد بالجحيموذكر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس أن إسرائيل "استأنفت القتال" ضد حماس، مؤكداً أن العمليات العسكرية ستستمر حتى يتم الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة.
وفي بيان مقتضب، قال كاتس: "ستُفتح أبواب الجحيم في غزة" إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن.
وأضاف: "لن نتوقف عن القتال حتى يعود جميع رهائننا إلى ديارهم ونحقق جميع أهداف الحرب".
Live: Israel launches full-scale strikes against Hamas in Gaza after talks stall
➡️ https://t.co/WTzqrWs5RZ pic.twitter.com/pEheB8qPEL
وفي واشنطن، أفادت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت أن إسرائيل تشاورت مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غاراتها على غزة.
وقالت ليفيت في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز: "تشاور الإسرائيليون مع إدارة ترامب والبيت الأبيض بشأن هجماتهم على غزة الليلة".
ومن جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بريان هيوز، إن حركة "حماس كان بإمكانها إطلاق سراح الرهائن لتمديد وقف إطلاق النار، لكنها اختارت الرفض والحرب بدلا من ذلك".
ونقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن "إسرائيل أبلغت إدارة ترامب مسبقاً بالهجمات المخطط لها وأهداف العملية العسكرية الجديدة في غزة".
وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض "مثلما أوضح الرئيس ترامب، فإن حماس والحوثيين وإيران، وكل من يسعى لإرهاب ليس إسرائيل فحسب، وإنما الولايات المتحدة أيضاً، سيدفع ثمناً باهظاً. ستُفتح أبواب الجحيم".
⚡️????????????????BREAKING: White House Press Sec. Karoline Leavitt:
The Trump administration and the White House were consulted by the Israelis regarding their attacks on Gaza tonight.
All those who seek to terrorize not just Israel but America will pay a price. All hell will break loose. pic.twitter.com/1ETQukSZRY
في المقابل، قال قيادي في حماس لرويترز إن إسرائيل أنهت اتفاق وقف إطلاق النار من جانب واحد.
وذكر مسعفون وشهود أن الغارات الإسرائيلية أصابت 3 منازل في دير البلح وسط غزة، إلى جانب مبنى في مدينة غزة وأهداف في خان يونس ورفح.
وقال الدفاع المدني الفلسطيني إن إسرائيل نفذت ما لا يقل عن 35 غارة جوية على غزة
تأتي هذه الهجمات بعد قرابة شهرين من وقف إطلاق النار الذي أوقف الحرب المستمرة منذ 17 شهراً، والذي تم خلاله تبادل عشرات الأسرى مقابل ما يقرب من ألفي أسير فلسطيني.