ترمب وهوليوود.. حربٌ من طرفٍ واحد؟
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
متابعة بتجــرد: مع خسارتها المدوية أمام دونالد ترمب، تحوّل شعار كامالا هاريس الانتخابيّ من «لن نعود إلى الوراء» إلى «لن نعود»، وذلك على الأقل للسنوات الـ4 المقبلة أي حتى انتهاء الولاية الرئاسية الثانية لمنافسها الجمهوري. فشعبيّة المرشّحة الديمقراطية ومساندة نجوم الصف الأول لها، أمثال بيونسيه وتايلور سويفت ومادونا، لم تحصّناها ضد الفشل في الانتخابات الأميركية.
ما زال النجوم الأميركيون وصنّاع السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة، قابعين تحت وطأة الذهول الذي أصابهم بفوز ترمب. وإذا شكّلت ولايته الأولى (2017 – 2021) مناسبةً صبَّ فيها الفنانون جام غضبهم على الرئيس الأميركي، فإنه من المستبعد أن تنسحب عاصفة الانتقادات على الولاية الثانية.
لا طاقة على مواجهة ترمب
في أوساط هوليوود، يبدو أن الاستسلام سيكون سيّد الموقف هذه المرة، ليس لأنّ الالتفاف الفني حول هاريس لم يُجدِ نفعاً في صناديق الاقتراع فحسب، بل لأنّ قطاع صناعة السينما والترفيه يعاني ما يكفي من اضطرابات داخلية وأزمات مالية بعد جائحة «كورونا»، وإضرابات الممثلين والكتّاب العام الماضي، والتحديات التي فرضها الذكاء الاصطناعي. ليس الوقت مناسباً بالتالي لاستفزاز الرئيس واستثارة غضبه.
غضبٌ، إن ثار، فستدفع هوليوود ثمنَه ضرائبَ مالية، وتضييقاً على تصدير المسلسلات والأفلام، وقمعاً للحريات. لذلك، فمن المرجّح أن تأتي الأعمال الناقدة لسياسة ترمب من خارج الدائرة الهوليوودية، أي من الفنانين المستقلّين أو حتى من خارج حدود الولايات المتحدة.
طبق الانتقام يؤكل بارداً
في حديثٍ مع صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، يقول عميد كلية الأفلام والإعلام في جامعة تشابمن في كاليفورنيا، ستيفن غالوواي: «لو كنت ثرياً اليوم لما استثمرت بشراء أسهم في قطاع الترفيه الأميركي»، متوقعاً اضطرابات كثيرة في هذا القطاع خلال ولاية ترمب الثانية.
من المستبعد أن يرمي الرئيس الجديد سترة النجاة لقطاع السينما والتلفزيون، فوفق غالوواي، «هوليوود الليبراليّة هي العدوّ، على الرغم من أن ترمب صنع اسمه أساساً في عالم الترفيه». أكثر ما يخشاه القيّمون على القطاع، نيّةٌ دفينة لديه بأن يتناول طبق الانتقام بارداً من الشركات المنتجة التي نفّذت أفلاماً ومسلسلات تنتقده، أو تتعرّض بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لسياسته.
أعمال وموجات فنية استفزت ترمب
لا تَندُر الأمثلة عن أفلامٍ ومسلسلات وموجات ثقافية رفعت الصوت ضد ترمب. فقد واكبت ولايتَه الأولى حركة فنية مناهضة له، عنوانها حقوق المرأة والاعتراض على حُكم الأثرياء. من بين تلك الأعمال، مسلسل «The White Lotus (زهرة اللوتس البيضاء)» الذي أبصر النور خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، والذي انتقد الأثرياء الذين يدوسون على سائر الطبقات الاجتماعية الأخرى ويواصلون السير. وشكّلت هذه الكوميديا السوداء ظاهرة فنية، حصدت الجوائز وإعجاب كلٍ من النقاد والجماهير.
حمل مسلسل The White Lotus رسائل مبطّنة كثيرة لسياسات ترمب المالية والاجتماعية (منصة HBO)
تُضاف إلى ذلك حركة «#MeToo» التي فضحت الممارسات اللاأخلاقية التي تعرّضت لها نجمات هوليوود من قِبل المنتجين والمخرجين، وبعضُهم أصدقاء مقرّبون من ترمب؛ وقد بلغت تلك الحركة ذروتها خلال فترة حكمه.
كما تعرّض الرئيس الأميركي لانتقادات لاذعة عبر السينما، لإهماله الملف البيئي؛ على غرار ما فعله الكاتب والمنتج الأميركي آدم ماكاي في فيلم نتفليكس «Don’t Look Up».
أما أحدث الأعمال التي رأى فيها ترمب تشويهاً لصورته، فهو فيلم «The Apprentice» الذي يروي سيرة رجل الأعمال وصعوده في عالم التطوير العقاري. فبعد أن هدّد فريق ترمب القانوني بمقاضاته، واجه الفيلم معاناةً من أجل إيجاد موزّع، وقد انعكس الأمر فشلاً على شبّاك التذاكر.
ترفيه لا يسيء للرئيس
قد يكون «The Apprentice» آخر عملٍ يتعرّض لترمب، وذلك لسببٍ جوهريّ فرضته نتائج الانتخابات. إذ سيبدو أي انتقادٍ فني له الآن وكأنه تعرُّضٌ لمفهوم الديمقراطية الأميركية وللناخبين الذين أتوا به رئيساً فائزاً بالأغلبية الشعبية وفي الولايات المتأرجحة كافةً.
لا تتوقف المخاوف عند هذا الحدّ، إذ يُخشى أن ينفّذ ترمب تهديده بوضع اليد على «هيئة الاتصالات الفيدرالية» وإلغاء تراخيص القنوات التي تنتقده. يُضاف إلى ذلك توجّهٌ محتمل لديه إلى زيادة التعرفة المالية للواردات والصادرات، ما قد يؤدي إلى امتناع دولٍ كبرى على رأسها الصين، عن استيراد الأفلام والمسلسلات. وما يعزز تلك الفرضية أن ترمب، وخلال ولايته الرئاسية الأولى، حاول بشكلٍ متكرر إلغاء التمويل الفيدرالي للفنون.
في وجه هذا الواقع المستجدّ الذي فرض ترمب رئيساً قوياً، يبقى أمام الصناعة الهوليوودية ونجومها ألّا يخوضوا المعركة هذه المرة، فتظلّ حرباً من طرف واحد. بالتالي، ستهرب الإنتاجات الكبرى على الأرجح من المحتوى ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية وتتّجه نحو المواضيع الترفيهية غير المسيئة للرئيس.
«نهاية أميركا»
إلا أن هذا الصمت المتوقّع استَبَقته ردود فعلٍ صاخبة من الفنانين الأميركيين على فوز ترمب. ففور الإعلان عن نتائج الانتخابات، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشوراتٍ تراوحت بين اليأس والغيظ.
كتبت الممثلة كريستينا أبلغيت على منصة «إكس»: «رجاءً توقّفوا عن متابعتي إذا اقترعتم ضد حقوق المرأة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. لا أريد هكذا متابعين». أما زميلتها جيمي لي كورتيس فقالت إن «فوز ترمب يعني عودة مؤكدة لزمن الخوف والقيود والإجراءات الصارمة».
من جانبها، نشرت المغنية بيلي أيليش عبر «إنستغرام» العبارة التالية: «إنها حربٌ ضد النساء». وقد اتفق معها نجم كرة السلّة ليبرون جيمس في هذا الموقف القلق على حقوق المرأة، إذ سارع إلى نشر صورة مع ابنته واعداً بأن يحميها.
وفي ردّ فعلٍ على فوز ترمب، انتقل الممثل الكوميدي مايكل إيان بلاك من أقصى الكوميديا إلى أقصى الدراما كاتباً على «إكس»: «لنجعل منها أفضل نهاية لأميركا على الإطلاق». أمّا مغنية الراب كاردي بي ففجّرت غضبها قائلةً على «إنستغرام»: «أكرهكم جميعاً! احرقوا قبّعاتكم… أنا حزينة جداً». كما انسحبت التعليقات المستاءة على الممثلة ووبي غولدبرغ التي قالت: «إنه الرئيس لكني لن أذكر اسمه أبداً».
وكان عددٌ من المشاهير قد صرّحوا سابقاً بأنهم سوف يغادرون الولايات المتحدة في حال فوز ترمب، من بينهم باربرا سترايسند وشارون ستون وشير. يبقى للأيام أن تُثبت ما إذا كان الكلام سيتحوّل إلى أفعال.
main 2024-11-15Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: فوز ترمب
إقرأ أيضاً:
ماذا يتوقع السودانيون من ترمب؟
بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترمب واكتساح الجمهوريين لمجلسي الشيوخ والنواب، اتجهت التحليلات السياسية لمحاولة قراءة وتوقع سياسة ترمب الخارجية، وانعكاساتها على المناطق المختلفة من العالم. رغم أن هناك قدراً من الضبابية فيما سيفعله الرجل بالعالم، فإنه من المؤكد أن شعار «أميركا أولاً» الذي يرفعه سيدفعه لمراجعة موقف الولايات المتحدة وتعاملاتها مع الجميع، بما يجعل الحلفاء والخصوم في حالة من القلق الشديد.
كذلك يعتقد كثير من المراقبين والمتابعين للسياسة الأميركية أنه سيسير في النهج الجمهوري المعروف نفسه، الذي يركز على الداخل الأميركي، ويقلل من تورط واشنطن في النزاعات الخارجية بشكل مباشر، ويحاول دفع الحلفاء في كل منطقة للعب دور أكبر في هذه النزاعات. كما أنه، وكما هو متوقع، سيركز على أولوية المصالح الاقتصادية الأميركية في العلاقات الخارجية أكثر من مواقف الدول والحكومات من شعارات التحول الديمقراطي، ووضع حقوق الإنسان، والحريات العامة.
تثير سياسة ترمب المتوقعة حيال القضايا والنزاعات المتعددة في العالم قلق حلفائه الغربيين في حلف «الناتو»، بجانب حلفائه الآخرين. فمن المتوقع أن يمارس ضغوطاً على حلفائه الأوروبيين ليلعبوا أدواراً أكبر في النزاعات العالمية، ويزيدوا من إنفاقهم العسكري ليرفعوا الضغوط عن ميزانية «الدفاع الأميركية». كما أنه سيجعل مصالح أميركا في تحقيق نوع من الاستقرار يساعد الاقتصاد الأميركي على النمو، أولوية على كل التزاماتها الأخرى. لهذا يبدو أنه سيتجه لتحقيق ما وعد به بالعمل على إنهاء الحروب والنزاعات، لكن وفقاً للرؤية الأميركية. فهو غالباً سيتجه لإنهاء حرب أوكرانيا عبر صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، لكن من دون الاتجاه نحو حل الدولتين، الذي لا يبدو أنه متحمس له. ومعروف عن الجمهوريين أيضاً أنهم لن يعولوا كثيراً على منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسيفضلون تنفيذ ما يقررونه عبر إقامة تحالفات خارج المنظومة الدولية، مثلما فعلوا في حرب الخليج.
فيما يتعلق بالسودان، فهو بالتأكيد ليس على جدول الأولويات في السياسة الخارجية في عهد ترمب، فهناك مناطق أكثر أهمية وأكثر التهاباً وأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي. لهذا لن يكون الوضع الداخلي في السودان، والصراع العسكري - المدني حول التحول الديمقراطي، أو الأوضاع الإنسانية، هي المداخل للسياسة الأميركية تجاه السودان. ربما ينظر له ترمب من خلال ازدياد النفوذ الروسي في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر للساحل الأفريقي، مقروناً بمحاولته الضغط على إيران، إلى جانب مقاومة النفوذ الاقتصادي الصيني في أفريقيا. كذلك فإن سياسته المتوقعة تحت شعار «محاربة الإرهاب» قد تكون واحدة من محددات سياسته تجاه السودان، بجانب تشجيع دول المنطقة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
لهذا، فإن موقف السياسة الأميركية من الأوضاع في السودان سيتأخر قليلاً لحين الانتهاء من رسم السياسة الخارجية ومحدداتها الأساسية، ولا يتوقع أن يكون هناك مبعوث أميركي للسودان في عهد ترمب يخلف المبعوث الحالي توم بيريللو، وقد يتم الاكتفاء بوجود سفير أميركي بصلاحيات المبعوث. ومن المؤكد أيضاً أن الاتجاه نحو تحجيم الدور الأميركي سيتبعه تقليص المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب في السودان، والطلب من الحلفاء الدوليين والإقليميين لعب دور أكبر وزيادة مساعداتهم الإنسانية. ومن المتوقع أيضاً محاولة العودة لمنبر جدة مرة أخرى بعد ممارسة الضغوط على الطرفين، وإعطاء دور أكبر للمملكة العربية السعودية ومصر.
وبحسابات القرب والبعد، فإن الطرفين المتحاربين في السودان لا يتمتعان في الوقت الحالي بعلاقة جيدة مع واشنطن، فهناك توجس من اتجاهات تحالف الجيش والمجموعات السياسية الإسلامية من ناحية، وعدم رغبة في تبني «قوات الدعم السريع»؛ بسبب عدم وضوح تحالفاتها، وسجلها الدموي في الانتهاكات ضد المدنيين. لكن الطرف الحكومي يملك ما يقدمه لواشنطن أكثر مما يمكن أن تقدمه «قوات الدعم السريع»، لهذا فإن التغيرات في السياسة الأميركية تجاه السودان قد تميل لصالح الحكومة الحالية، عبر تخفيف الضغوط عليها، التي فرضتها الإدارة الديمقراطية عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. ولن يكون مطلوباً منها تنفيذ وعود التحول الديمقراطي وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، بقدر الابتعاد عن النفوذ الروسي والإيراني، والقبول بالمضي في إجراءات التطبيع مع إسرائيل التي بدأها البرهان وعطلتها الحكومة المدنية، ثم الابتعاد بخطوات ما عن التحالف مع الإسلاميين طمأنةً للحلفاء الإقليميين، إن استطاع الجنرال البرهان فعل ذلك.
المقال الأسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط