د. يوسف محمد أحمد إدريس

التنوع الأحيائي(البيولوجي) هو التنوع والتباين في أشكال الحياة على كوكب الأرض، فوق سطحها وتحت الماء. يقاس التنوع الأحيائي على ثلاثة مستويات، هى تعدد الأنواع والتباين الجيني وتنوع النظم الإكولوجية. تأتى أهميه التنوع الأحيائي من دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية ودعم وتحسين البيئة ووفرة الغذاء، وباعتباره موضوعاً لأنشطة البحث العلمي، لمعرفة العلاقات التى تربط بين الكائنات الحية والمخاطر التى تحيط بها ومن ثم التأثير الإيجابي عليها بما يحقق المنفعة العامة للأجيال الحالية وأجيال المستقبل.

فالتنوع الأحيائي نعمة من نعم الله تستوجب الشكر وتلقى بمسؤولية كبيرة على الأفراد والجماعات والمجتمعات وعلى البشرية جمعاء، وذلك بالمحافظة عليها وتنميتها واستغلالها برشد. وقد رعت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية التنوع الأحيائي التى دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 1993 التزاماً من المجتمع الدولي باستدامته وحسن استغلاله.
يمتاز السودان بمدى واسع وتنوع كبير في النظم الإكٌولوجِيّة التى تمتد من الصحراء وشبه الصحراء والجبال وسافنا النباتات الطويلة وسافنا النباتات القصيرة والنظم البحرية والساحلية والنظم الإيكولوجية للمياه الداخلية(أنهار وخيران وبرك وميعات ووديان). يعتبر كل من هذه النظم الإكولوجية موئلاً لتنوع كبير وأنواع كثيرة من النباتات والحيوانات الوحشية. وينعم السودان بتنوع كبير في النباتات والأشجار و الشجيرات، إذ يبلغ عدد أنواع النباتات 2138 والأشجار 535 نوعاً وعدد أنواع الشجيرات 184، وهو الموطن الأول لعدة أصناف من المحاصيل، تشمل الذرة والسمسم والدخن والقرعيات والبامية والتمور الجافة. والسودان غَنِي بأنواع الطيور، به 927 نواعاً من الطيور، تشمل 230 نوعاً من طيور الغابات و129 نوعاً من الطيور المائية و40 نوعاً من الطيور الجارِحة، ويعيش في بيئات السودان المختلفة 90 نوعاً من الزواحف و 188 نوعاً من الثديّات. وقد أجاز السودان أول استراتيجية وخطة عمل وطنية للتنوع الأحيائي عام 2000 ثم أتبعها بأخري عام 2015 م.
يتجلى التنوع الأحيائي في أسماء وألقاب الأفراد والأُسر السودانية، ومن ذلك الفيل والأسد والدّابِي والدُود وهَدَابْ(وهو الأسد بلغة البداويت) ونِمِر والنِمير والنِميري وجاموس وتُمساح وأب كريق والجمل والتور وبعشوم وأب دبِيب وأبوشوك والنِّعام ومرفعين الفقراء وأبوكِديّسة وأبونِخيلة والتِلِب والدِحيش. وهو حاضر بوضوح أكبر في أسماء القري والبلدان والمواقع الجغرافية التى أُتخِذت أنواع النباتات والحيوانات أسماءً لها. من هذه الاسماء على سبيل المثال، أم سنط وأم دوم ودومة وحامد والدِويمَات وأم عَرَديب والهشابة والطّلحة والطّلحة ودالطِريفي وأبوطِليح والسيّال وأم سيّالة والطُنْدُبْ والطِّنيدبة وطندباية وأبوحراز والحِريِّز والجميزة والسِديرة واللّعوتة واللِعيِت جار النبي والكِتير وأبوعشر والعشرة والهجليج وهجيليجة والسمْرَة وأم دُخُن وأم مُحَّار وأم قَرْقور وأم فِيلَة وغابة الفِيل وأم بقرة وكُدْر البقرة وأم دبيكرات والدِبيكرة وقَلَع النّحل وعِد الغنم والإندرابة وأب قرع وأبونعامة وغزالة جاوزت والكِريمِت والتِنّوبة وتَبْ الزّراف وأبورَخَم وأبوسِعِد وأب سَعَنة والسَلَمة والسلمة قُبْلِي ووادي الحُمار وأم كدادة والدليبة و أم دَبِيب وود النمر والنِخيلَة وحسكنيتة والأراك وأركويت والبعاشِيم وودالبصل وحجر الطير وأم الطيور وحِدَيّة وكاب الجِداد والكِريمت وأب نَحَل وأم ضُبّان(التى تعرف حالياً بأم ضواً بان) وشَبَشَة وأبوقِمْرِي .
تعد أسماء هذه المناطق سجلاً حيّاً للتنوع ولثراء البيئة بأنواع الأشجار والشجيرات والنباتات الأخري والحيوانات، وشاهداً على تفاعل الإنسان بالأحياء حوله، وربما تؤشر لسيادة أنواع محددة من النباتات في إقليم معين في زمن ما. ونلاحظ أن معظم أسماء القري في وسط السودان هى اسماء أشجار أكاشيا وتليها أنواع أخري، بينما تلك التي على أسماء حيوانات وحشية توجد في مناطق السافنا الغنية أو التي كانت سافنا غنية. يؤشر انتشار المناطق التى تحمل اسم نفس الشجرة مثل أم دوم والدويمات والدومة ودومة ود حامد لانتشار أشجار الدوم في في مسافات متباعدة وربما يشير لتفردها في بعض المناطق مما حدا بأهل تاك المناطق اطلاق اسمها على المنطقة باعتبارها معلماً مميزاً. بالرغم من أن أسماء مناطق مثل السلمة والسلمة قبلي والسيالة و أم سيالة والسيال والسمرة تبدو مختلفة وقد اطلقت على مناطق في نهر النيل وولاية الخرطوم وشمال كردفان ألّا أن هناك خيط ناظم بينها، هو أنها أسماء أشجار أكاشيا وأن معظم هذه الأشجار تسود في شبه الصحراء، وهذا خيط آخر يربط بين بيئاتها. إن القرى والبلدات التى تحمل أسماء أشجار الكِتِر واللعوت والحراز والطلح والسنط تميز منطقة وسط السودان، خاصة الجزيرة وفي ذلك دلالة على وجود هذا النوع من الأشجار وجوداً واضحاً في هذا الفضاء الجغرافي. من اللافت للنظر وجود أسماء بابنوسة في غرب كردفان والبابنوسة في جنوب غرب الدندر والبابنوسة في شرق الجزيرة، بالرغم من أن الأبنوس قد اختفي من هذه المناطق منذ أكثر من قرن إلّا أن اسماء هذه المناطق توحى أنه كان موجوداً في هذا المدى الجغرافي الواسع، بيد أنه اندثر الآن جراء التغيير الكبير في بيئة هذه المناطق. وتوحى أسماء أم فيلة(في الشمال الشرقي من ولاية سنار وتَبْ الزراف (في الشمال الغربي من محلية المفازة بولاية القضارف) بأن هذه المناطق التى تقع علي الشمال من محمية الدندر بأكثر من مائة كيلومتر، قد كانت تشبه بيئة المحمية وتذخر بتنوع كبير في الحياة البرية بما في ذلك الفيلة والزراف، وربما كانت الأفيال تغشى غابة الفيل المشهورة بين القضارف والشواك في زمن قديم فسميت بهذا الاسم. والبعاشيم في أطراف المناقل تشى بأن الثعالب كانت من الحيوانات الوحشية السائدة في هذه المنطقة وأن الغطاء النباتي الذي يلائم حركة وتعداد الثعالب قد كان كبيراً وليس كما هو حال هذه المنطقة الآن وقد أضحت شبه صحراء.
تقع بوادي السودان في عدد من البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية وفي السافنا غنيها وفقيرها، في شرق ووسط وغرب وجنوب وشمال السودان، وتذخر بوادي السودان بأصناف شتى من النباتات والطيور والحيوانات الأخري والحشرات، وأهل البادية أكثر التصاقاً ومعرفة ببيئاتهم واحتفاءً بها.
يعد شعر البادية سجلاً حياً لحياة سكانها وبيئتهم وما بها من معالم جغرافية وأحوال الطقس والكائنات الحية التى تعيش فيها من نباتات وحيوانات، يتفاعلون معها في حلهم وترحالهم. معظم ما ورد في أشعار البادية كان عن النباتات والأشجار والشجيرات وبعض الحيوانات الوحشية خاصة الغزلان كما شمل حيواناتهم التي تمثل ثرواتهم وعصب حياتهم. وقد حفلت هذه الأشعار بسجل للتنوع الأحيائي قبل أن يكون هناك عملاً مؤسسياً يرصد ويسجل هذا التنوع ويصنفه وفق البيئات. تعد أشعار الحاردلو وبصفة خاصة مسدار الصيد، نموذجاً رائعاً لحث المجتمع على المحافظة على التنوع الأحيائي، ذلك الهدف الذي صار من أهداف الأتفاقية الدولية للتنوع الأحيائي الثلاثة، وهى المحافظة والاستدامة والاستغلال العادل النزيه. فمسدار الصيد في جوهره دعوة للمحافظة على الصيد والتوسل لذلك بالانتفاع بجماله لا بلحومه، مما يؤمن عناصر المحافظة والاستدامة والانتفاع التى ترمى لها اتفاقية التنوع الأحيائي، فالانتفاع بالجمال أرقى وأكثر عدلاً ونزاهةً من الانتفاع باللحوم والشحوم. ويتجلى حرص الحاردلو على سلامة الغزلان والمحافظة عليها من تعديات الناس والمفترسات في قوله:
مرقن يامجيب لي جملة السُعَّال
شاحدك تجمعن من مطبق الحلَّال
ما ينقص حساب الدرج ولو بي عجال
ونحن نجيب لهن في كل يوم منوال
فهن عرضة للكثير من المخاطر عند عبورهن بالحلّال( القري) في طريقهن جيئة وذهاباً من البطانة، يسأل الحاردلو الله لهن السلامة وتمام العدد. ثم يعبر عن فرحه وسعادته بسلامتهن وتمام عددهن بنهاية رحلتهن للبطانة وبداية رحلة العودة للصعيد في قوله:
المعزة البجازن ديمة فوق في خلاهن
بالغات النِّصاب أنصاري ما زكاهن
من ود البصير جايب إذن بي غناهن
شوفن يالزبير في لساني كيف ما أحلاهن
ذكر الحاردلو في مسدار الصيد 26 نوعاً من الكائنات الحية، منها 13 نوعاً من النباتات و 10 أنواع من الحيوانات و3 أنواع من الطيور. شملت هذه الكائنات كل من أب عرَّاق والباشندي والبقيل والنَّال والسيَّال والسِدِر والقُمْبار والفقّوس والبُوص والحَمَريب والطلح والريحان والنعناع والقرود والكديس والغزلان والناموس والدموكيات(الإبل) والفأر والكلب وأب سِعِن والبقر والمعزة والصِقير والفِرَّة والبِليبِلي. مسدار الصيد هو أشهر مسادير البطانة ولا حاجة لإيراد نصه هنا، إلّا الاشارة لبعض ما جاء فيه مما له علاقة مباشرة بموضوعنا.
خلاهن رتوع في بقيل وخرجة نال
لامن دور الوادي السِّري سيال
فوق قمزوز طلع شاف في ملينتو زوال
وقلعة كو حفيرها لقالو فيها نعال
خلالهن على حجر الصفية حبوس
ولقى في الدهسريب قمبار وعرق فقوس
في المخلوقة شن تشبه معيز ام روس
غير الفي وريدن شولقن مرصوص
ختمن شابلك العارق التلات شدرات
مرقن فوق عزاز حمريبة ام سوبات
داشن لي الصباح ما لقنلهن مرحات
لامن لينن باكر على الطلحات
نظم كل من الشاعر علي الشيخ محمد علي التوم (ودالمُر) وحنفي حاج الطيب (أبو المرضية) مسداراً بسم مسدار القِمْرِيّة في بادية كردفان، وبالرغم من أن عبيد الطيب (ودالمَقَدّم) عدهما مسداراً واحداً إلا أنني أرى أن كل منهما مسدار قائم بذاته وبنفس الاسم، لأن كل من الشاعرين تتبع منفرداً رحلة الأبل من ديار الكبابيش في شمال كردفان إلى تخوم بحر العرب ثم عودتها للشمال مرة أخرى.
حفل مسدار القمرية لعلي ود المٌر بذكر عشرة أنواع من الكائنات الحية منها القمرية والإبل وأشجار الهشاب والقفل والحمامة والبلومة وطائر القديل وطائر الحوة ونبات العطفة والدرمة والضفدعة والثور، وبعض ما جاء فيه:
قمرية الرِّهيد أم طوق
لقيتها الليلة فوق روب الفريعات فوق
سألتها وين مشيتي يا عديمة الزوق
قالت شلت دار موسي وبريت النوق

قبل ما قلت أقوم كلمتها أم كُزامة
مادين الصعيد قلت ليها أنِي وشَرَّامة
ماتتوصوا عُقبي معاكم الحكّامة
خليت البلومة وبِت أعمي حمامة

خليت البلومة والقديل والحُوَّة
ؤنجَعْتَ مع بنات شرمي وسعاية القُوّة
دخلنا بلد زغاوة وناس جديري وكوّة
ورِعِينا عَضَاوة القوز والدواخل الجوّة

الخزان واللِّضيّة وناس بياض ولقاوة
دمرنا هناك أنِي وجَقْلة ؤرِعينا عَضَاوة
فرَّت ؤ دَجَّت أم زور في الهشاب تتحاوا
وأنِي قوقيت واللِّنْقيب حَزَمها ؤ واوا

أنِي وجَبَّادة الشايل البَرم عِلّيفو
نجعنا حَلالِي من بلد البِضَوِّي شِنيفو
قَعُوي سَقَّاي أبو دَكنة المِحَمِّر قيفُو
يسألني الله واواي اللَّنْقّيب كيفو
ووثق حنفي حاج الطيب في مسدار القمرية لإحد عشر نوعاً من الأحياء أربعة منها وردت في مسدار علي ود المُر هى القمرية والإبل والثور وشجرة القفل وانفرد بسبعة أنواع هى النعام والربدي(الحبار) والغزلان وبقر الوحش(الجآذر) وأم شامة(المها) وشجر السعات والبطيخ(قلاب). وبذلك يكون الشاعران قد وثقا لثمانية عشر نوعاً من الأحياء في بادية كردفان وكلها شواهد على التنوع الأحيائي في هذه البوادي.
قال حنفي:
قمرية بلدنا الرَّايقة كيف أخبارِك
ؤكتين البلد جاحَت نجعتي خَبارِك
بَعَدْ باريتي جقلة أم راي ؤ سبتي ديارك
كَدي وريني كيفن قُلْتي في مُسْدارك

ؤ لِقَت قَفَل المَخرَّق و السِّعَات الشَّابك
ويادار الصعيد ارتحنا من قَلَّابِك
سوّيت عشي و أرعي ودِجِي بي مَعَرَابِك
قُبَّال السموم مولايا جابني وجابك

نجعتَ حَلالِي من بلد النعام والرَّبْدِي
ؤ خَلّيت المَفَرَّع دِيسُو يا دوب مَبْدِي
أنِي ؤلبَّاعة في بَلَدَنْ بَعيتَنْ جَبْدِي
ؤ واواي اللباسو فِريدي شقَّه الكَبْدِي

طلبت حَمْرا كولَة وهَرْمَة والقِدَّاما
وبلد ما فيها عيل بقر الوحش وأم شامة
أنِي عكس الهبوب ما بمشي يا شرَّامة
دربي ودربك إتْفَرَقَن معاكي سلامة
نظم ود شوراني عدداً كبيراً من المسادير لم يبلغ عددها شاعر سواه ودارت أحداثها كلها في البطانة إلا مسدار النجوم ومسدار آخر نظمه في رحلة زواج (سيرة) ابن ناظر البشاريين ود كرَّار من البطانة إلي حلايب، وقد حفلت مساديره بتوثيق دقيق للعديد من النباتات والحيوانات. أورد ودشوراني في مسدار أبوشكال (الذي انطلق به من القضارف لديار المحبوبة في البطانة)، اسماء 23 نوعاً من الأحياء، 13 من الحيوانات و 10 من النباتات، هي الإبل والخيل والجاموس (تور الوحوش) والنعام والأريل وكتيوي القنيص(كلب الصيد) والفيل والعقارب والنحل والحية والدجاج والصقر (نفض جنحي البختف كف) والسقدة والحمريب والنال والقرع والنخيل والبرتقال والمنقة والتفاح والجزو والتبر والفيتريت.
وقد استهل مسداره ب:
ود الدينكي ماخد في القضارف مُدة
بي إرادة الله أيامو حسبت عُدة
بلد الديسة لاعند المحازم هدّ
بكرة عليهو ناوين باعتماد الشدّة
ثم أورد عددأً من المربوعات الغنية بالاشارات للنباتات والحيوانات:
أم شدرة وخلاويها ومدارس أنجالا
وخرن الشروف الصيب يدني زوالا
الوطتني سم الحية والمــــــــــلالة
اسمح من سبايك الخيل ووحش النالة

شقَّ النالة والحمريبة يجري مِعلِّي
فات عَلَم الشريف حسب الله قفَّى مِولِّي
فوسيب الروى اللي آخر عِريجو متلِّي
ضيوفو الليلة نحن وعِندو بدري ندلِّي

موقف عاصمة القرب أب حديد أرواح
جاهو مع الغروب ساعة مسا ومُرْواح
حلاة لهج البيسهر عاشقو للبيّاح
تخفى البُرتُكان والمنقة والتفاح

أب قنف المِوالي المرْقة والشِرّيف
أبو القمّاز أمّو نِعامة ليها عِريف
هجم عانِس وحوش مادا الجريهن ديف
كلاما تقيل مركز مو خفيف لِف ليف
قال الصادق ودآمنة في مسدار قوز رجب:
لَفَخْ السَّمْــــرَة وادَّلى الــــوِعيرْ مِنْ ضَوْ
رَدَفْ الزَّوعَــــــة واتْصَعَّدْ هَبُوبْ الْهَـــوْ
اُنْس الغيـــــرَا مَالَى في الشبابــــــات هَوْ
خَلَّتْ ريقِـــــي قِرْقِدَّة ولِهَاتـِـــــي كَرَوْ
.
سَروبـَــاتْ قُوز دَريش جَاهِنْ جَريدُو مَشــوِّرْ
إتْعَقَّــــــلْ بَلا العَقَـــــبْ الرَوينَةْ مدَوِّرْ
لَتيَبةْ المِدْلـِــــقْ التوريقُــــوْ نَالُو مِنوّر
امْسَــــى جِرَاحَوْ مِنْ لَمَعـِــي البِروقْ مِتْعوَّر
لكن التغيرات التى حدثت في البطانة مع تهجير أهالي حلفا ومشروع خشم القربة الزراعي وما تبع ذلك من آثار على البيئة من قطع للأشجار وغير ذلك، كانت موضوعاً في شعر الصادق ودآمنة:
ﻛِﺘﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺭﺍﺣﻦ ﺧﻼﺹ ﻭ أﻧﺠﺰّﻥ
ﻭ ﺗُﺮَﻉ ﺍﻟﻘِﺮﺑﺔ ﻣﺎﻫِﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻠِﻴﺪﻫﻢ ﺧزّﻥ
ﺃﺭﺍﻧﺐ ﺍﻟﺸِﻘﻠﺔ ﻟﻲ ﻣِﻴتة ﺍﻟﻠِﺒﻴﺘِﺮ ﻋزّﻥ
ؤ ﺩِﻳﻚ ﻧﺎﺱ ﺣﻠﻔﺎ ﻓﻮﻕ ﺭﺍﺱ ﺍﻟﻤِﻌﻴﻘِﻞ ﺃﺫّﻥ
وجد التَّبَر والحنْتُوت والباشَنْدِي حظاً وافراً من الذكر لجمال المنظر وطيب العطر ولأنها نباتات سائدة في بيئة البطانة ولافتة للنظر تضفى عليها جمالاً ورونقاً وبهاءً، وقد جاءت الاشارة لها عند عدة شعراء.
قال ود شعيت في وصف البطانة:
لحافاتك نضاف ما فهن الوسخان
ملاياتِك تَبَر وأب لبلبأاب كعان
هواك حُقَن الملاريا سلْفِك الريحان
كتير الضايق فيك نومة الكيعان
ووصف ود شوراني بسمة الحسناء ببياض أزهار التَبَر.
الضَّو قال لي لا تسافر ملاقي الحَرْ
أبرد وشِد علي ود البِطيرن فـَـــــــرْ
قُتْلُو الراتعة في قفر اللراضي الـبرْ
فر بسّاما فاق تَبَر النّدي البِنْشـَــرْ
جاء الحنتوت( نبات زاحف يشبه التبر في الأوراق والأزهار) في شعر عبد الله ود الشريقاوي وهو يصف رحلة النشوق في البطانة:
باكر دور رحيلهم جندولو طلائع
ركبوا ولفّوا قفراً كُلّو قيع وصقايع
حنتوتن بِنُشْرنَّو المهاوِي رصايع
قَصَدوهو مِبكِّرين ماخلّوا وكتاً ضايِع
قيل في الباشندي شعر كثير دلالة على انتشاره ومكانته الخاصة في نفوس أهل البطانة لجمال أزهاره وعطره الزكي الفوّاح.
قال الحاردلو:
أب عرَّاق فتق قرنو المِبادِر شرَّ
الباشَنْدِي عمَّت مهشيشب الدِرَّة
من النقرة كل حين فوق عِليو مِنصرَّة
ها الايام محاريها القليعة أم غُرَّة
: قال ﻭﺩ ﺍﻟﺸﺮﻳﻘﺎﻭﻱ
ﺷﺎﻟﻮﺍ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺭِﺩ ﺃﻡ ﻣﺘﻴﻠﺔ ﺻﺒﺎﺡ
ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ ﺭﻳﺮﺓ ﻗِﺮﺑﻦ ﻭﻋﻤّﺖ ﺍﻷﻓﺮﺍﺡ
ﺳﺎﻓﻞ ﺃﻣﺎﺕ ﺳﻴﻮﻑ ﺑﻠﺞ ﺍﻟﻀﻌﻦ ﻭﺃﺭﺗﺎﺡ
ﻭﺍﻟﺒﺎﺷﻨﺪﻯ ﺃﺭﺳﻞ ﻋﻨﺒﺮﻭ ﺍﻟﻔﻮﺍﺡ
ﻭ ﻗﺎﻝ ﺭﺍﻳﻖ ﻭﺩ ﺍللاﻓﺾ:
ﻗﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﻄﻮﺍﻝ ﻣﻄﺮ ﺍﻟﻀُﺮﺍﻉ ﻣﺴّﺎﻫﻦ
ﻭﺍﻟﺒﺎﺷﻨﺪﻱ ﺭﻭﺑﺎﺕ ﺍﻟﻜِﺘِﺮ ﻛﺴّﺎﻫﻦ
ﻋﻘﻴﺪ ﺃﻣﺎﺕ ﺷﻮﺍﻣﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﻮﺏ ﻟدّﺍﻫﻦ
ﻟﻘﻲ ﻏﺪﺍﺭ ﺣَﻤَﺮيب ﻭﺑﺎﻟﻮﻋﺮ ﺩﺷّﺎﻫِﻦ
هذه الاسماء والأشعار جديرة بأن تكون موضوع تأمل ودراسة للمهتمين بالتنوع الأحيائي وما اعتراه من متغيرات جراء التغيرات المناخية وآثارها على البيئات وللانتباه لدور المجتمعات المحلية في التنوع الأحيائي أيجاباً وسلباً، وقد تكون معيناً للمختصين في التوثيق للتاريخ البيئي وفي الرصد والتحليل والاستنتاجات والتدابير الملائمة لصيانة التنوع الأحيائي.
المصادر:
1-National Biodiversity Strategy and Action Plan,2015-2020. 2015. Higher Council for Environment and Natural Resources(HCENR), Ministry of Environment, Natural Resources and Physical Development, Sudan.
2- عبيد الطيب (ودالمقدم) عِيدِيَّة من بادية الكبابيش لِعُشاق الهَمْبريب والدَّعاش وأجراس الهاودج (1-2) و(2-2). سودانايل 11 و13 أغسطس 2012
3- عون الشريف قاسم. قاموس اللهجة العامية في السودان، الطبعة الثانية، 1984، المكتب المصري الحديث، القاهرة.

yousifidris@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التنوع الأحیائی الکائنات الحیة من النباتات هذه المناطق فی البطانة من الطیور کبیر فی

إقرأ أيضاً:

سوريا.. الرهان على الهوية الوطنية للخروج من الأزمة

«الأوطان الخالية من العصبيَّات يسهل تمهيد الدَّولة فيها، ويكون سلطانها وازعا لِقلّة الهرج والانتقاض، ولا تحتاج الدّولة فيها إلى كثير من العصبيَّة كما هو الشّأن في مصر والشّام لهذا العهد إذ هي خلو من القبائل والعصبيّات..».

ــ ابن خلدون، المقدمة (الفصل التاسع،ص 207)

إن ما من تحد سياسي إلا وهو تعبير عن حالٍ أكثر تعقيدا في المجتمع، وكون السياسة في أصلها عمليات متقنة تشتغل أكثر على ترويض الإنسان ، فإنها لا تقوم بأكثر من التحقق من سلامة سداد العلاقات بين البنى الاجتماعية بحيث لا تتعدى إحداها على الأخرى إلا بالقدر الذي توفره أشغال التفاعل الموفر لكل إمكان فيها بالاتصال بعناصر أخرى تتشابه وتتشابك فيه، وكل هذا لتحقيق الهدف الأسمى من فكرة السلطة، وهو حفظ التوازن الاجتماعي والإبقاء على العناصر المتوترة فيه قيد النظر ومحل المراقبة والتشديد لصالح الاستقطاب والتضمين.

إن الطريقة التي تدار بها المجتمعات تظل محاولة لتلخيص الجدل حول بناء مجازات عليا للساكنة والجغرافيا، وبذا فإن محاولة فهم ما يكتنف ظاهرة الدولة لا ينبغي فيها التوقف عند السطح بل هو خوض أمين في دقائق التشكل المستمر والتكون المتخلق. ومقالتنا هذه لا تطمح إلا إلى لفت الانتباه إلى سؤال جوهري ينبغي أن تجيب عنه القوى السياسية التي تتصدر المشهد السوري الآن، وهو: كيف يمكن الحفاظ على التنوع الثقافي والديني مع استثماره لصالح دولة وطنية ناجحة؟!..

إن سوريا معرض ثقافي (أكراد ودروز ومسيحيون وأيزديون وعرب...إلخ) وهذه هي عناصر قوة المجتمع السوري، فالمجتمعات ذات الإثنية الواحدة هي الأكثر عرضة للتنازع على عكس ما يشاع ويفهم في سياق الاجتماع السياسي، فبلد مثل الصومال يتكون من إثنية واحدة شهد صراعات طاحنة رغم وحدة الهوية، وكثيرا ما يشير علماء الاجتماع السياسي إلى أن الدولة الحديثة والتي تكون اجتماع إثنيات وقوميات ومذاهب متعددة فإن فرصها في تحقيق الهوية الوطنية وترسيخ فكرة الدولة/القانون أكبر بكثير من تلك التي يعكس مظهرها الخارجي وحدة في العرق والدين ما يصنع الظن بسهولة تركيب مؤسسات الدولة عليها، ولذا فإن القيام بإصلاح المؤسسة (=الدولة) في الحالة السورية يحتاج في المقام الأول إلى تحسين فهم التنوع الثقافي بأشكاله كافة، ومن ثم الارتفاع بالقانون إلى تسميد فضاء الدولة ناحية عمليات من استيعاب إيجابي لمجمل هذا التنوع، ولا نقصد فقط عمليات التمثيل التي تلجأ إليها بعض الأنظمة بمنح بعض الإثنيات تمثيلاً في جهاز الدولة التنفيذي، فهذا الأمر ينبغي أن يكون نتيجة لا مقدمة لصناعة الهوية العامة، فالبداية أن يتأسس في وعي المناط بهم عمليات الإصلاح الاعتراف بالتنوع الثقافي ومن ثم الكشف عن علائق هذا التنوع والصلة التي تنشأ بين مجمل الأشكال الثقافية، فليس من خادش للوعي أكثر من الاعتقاد بقيام التمييز على أسس من اختلاف، بل الأجدى أن يفهم أن الاختلاف العرقي والثقافي لا يستطيع العيش منفردا بل هو نتيجة منطقية لعُرى من اتصال كشف عنها بقاء هذه التكوينات حاضرة وفاعلة مع مثيلاتها في جغرافية سياسية واحدة، وهنا فالتنوع لا تتصف عناصره بالبقاء وحيدة بل تحصل كل بنية ثقافية في المجتمع على خصوصيتها من تلقاء تماثلها مع المجموع لا التحليق في سربها الخاص.

وسوريا التي عاشت في خصام مع إدارة التنوع، كلفت إنسانها فواتير باهظة دفعها من حاضره وقد يظل عيش سُعارها في مستقبله، وهو أن الاستسلام لفرضية تسييد بنية اجتماعية واحدة بالقهر طمعا في عائدات من استقرار سياسي، وهذه فرضية أثبتت فشلها في غالب التجارب العربية، فالرهان على الاستقرار يُشترط فيه أن يقوم على بناء توافقات بين البنى ، وهي توافقات لا تقوم على تنسيب تضميني، ولا تخضع لترميز تضليلي إذ يُعتقد أنه يكفي منح أبناء المناطق مناصب في الدولة، وكراسي في البرلمان وبذلك يتحقق التوازن وتنتفي أشكال التهميش، وهذا عين الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المشتغلين بالتنظير في السياسة، ذلك أن صناعة الدولة الحديثة تقوم في جوهرها بالحفاظ على هذه البنى وحقوقها الثقافية قبل حقوقها السياسية، حقوقها في استخدام لغتها في حدود ما تملك هذه اللغة من قدرة على تحقيق وجودها العام، ولا يقولن قائل بأن الدعوة إلى تمكين الجماعات الثقافية من لغاتها هو الطريق إلى تفتيت البنية الأم، فالحقيقة أن استخدام اللغات المحلية عند الجماعات الثقافية يوفر لها حقا معنويا لا يُمْكِنُها إلا من تمتين ذاكرتها الوجدانية فقط، ومن ثم تجهيزها الدخول في فضاء اللغة الوطنية، وهو تجهيز مُعَزِزْ لها لتحفظ نفسها من الاستنتساخ القهري، ما يمكنها التأهل للاحتفال الثقافي العام في دولتها الوطنية.

إن التحدي أمام سوريا تحد ثقافي قبل أن يكون سياسيا، وهو أن تعي السلطة الجديدة أن قوتها في تنوعها، وأنها تؤذي نفسها إن تنكرت لهذا التنوع، والذي يجب أن تفهمه أيضا أنها إن أرادت أن تنتقل بهذا البلد العظيم من ذاكرة التوحش والعنف إلى الاستقرار السياسي فإن أية عملية إقصاء أو تضليل في الاعتراف بالحقوق الثقافية لأبنائها يعني أنها تكرر مأساتها، فما آذى دولنا العربية إلا انخراطها المحموم نحو الأيديولوجيا أيًّا كان صنفها الذي تقتات عليه في أمسياتها الحرجة، فليست سوريا بحاجة إلى أيديولوجيا تقوم على أي شكل من أشكال الانغلاق المذهبي أو الثقافي، إنها بحاجة إلى شيء واحد، هو الإيمان بشعبها إيمانا ينطلق من الاعتراف بالحق الثقافي في البقاء سوريًّا قبل كل شيء آخر..

إن دعواتنا لسوريا بالشفاء من جرحها الغائر، والذي لن تتعافى منه إن لم تبصر ذاتها الوطنية قبل القومية، تبصرها في مرآة متعددة الانعكاس حتى تتعرف على وجوهها وأن تحرك شفاهها بصوت واحد.. سوريا للجميع.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف 230 نوعاً جديداً من الحيوانات والنباتات
  • اكتشاف 230 نوعا جديدا من الكائنات بمنطقة نهر الميكونج
  • اكتشاف 230 نوعاً جديداً من الكائنات بمنطقة نهر الميكونج
  • “تعليم أسوان”: تخصيص مجمع مدارس الرضوان لامتحانات طلاب السودان الوافدين
  • أمير القصيم: مشروع حفظ وإكثار النباتات المحلية في القصيم نقلة نوعية في الجهود البيئية
  • ثلث الكائنات الحية مهددة بالانقراض
  • مدير عام صون الطبيعة لـ"الرؤية": محمية أشجار الغاف تعزز جهود الحفاظ على التنوع الأحيائي وتخلق فرص عمل للمواطنين
  • مدير عام صون الطبيعة لـ"الرؤية": محمية أشجار الغاف تعزز جهود الحفاظ على التنوع الأحيائي وخلق فرص عمل للمواطنين
  • سوريا.. الرهان على الهوية الوطنية للخروج من الأزمة
  • مدير عام صون الطبيعة لـ"الرؤية": محمية أشجار الغاف تعزز جهود الحفاظ على التنوع الأحيائي وخلف فرص عمل للمواطنين