د. يوسف محمد أحمد إدريس

التنوع الأحيائي(البيولوجي) هو التنوع والتباين في أشكال الحياة على كوكب الأرض، فوق سطحها وتحت الماء. يقاس التنوع الأحيائي على ثلاثة مستويات، هى تعدد الأنواع والتباين الجيني وتنوع النظم الإكولوجية. تأتى أهميه التنوع الأحيائي من دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية ودعم وتحسين البيئة ووفرة الغذاء، وباعتباره موضوعاً لأنشطة البحث العلمي، لمعرفة العلاقات التى تربط بين الكائنات الحية والمخاطر التى تحيط بها ومن ثم التأثير الإيجابي عليها بما يحقق المنفعة العامة للأجيال الحالية وأجيال المستقبل.

فالتنوع الأحيائي نعمة من نعم الله تستوجب الشكر وتلقى بمسؤولية كبيرة على الأفراد والجماعات والمجتمعات وعلى البشرية جمعاء، وذلك بالمحافظة عليها وتنميتها واستغلالها برشد. وقد رعت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية التنوع الأحيائي التى دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 1993 التزاماً من المجتمع الدولي باستدامته وحسن استغلاله.
يمتاز السودان بمدى واسع وتنوع كبير في النظم الإكٌولوجِيّة التى تمتد من الصحراء وشبه الصحراء والجبال وسافنا النباتات الطويلة وسافنا النباتات القصيرة والنظم البحرية والساحلية والنظم الإيكولوجية للمياه الداخلية(أنهار وخيران وبرك وميعات ووديان). يعتبر كل من هذه النظم الإكولوجية موئلاً لتنوع كبير وأنواع كثيرة من النباتات والحيوانات الوحشية. وينعم السودان بتنوع كبير في النباتات والأشجار و الشجيرات، إذ يبلغ عدد أنواع النباتات 2138 والأشجار 535 نوعاً وعدد أنواع الشجيرات 184، وهو الموطن الأول لعدة أصناف من المحاصيل، تشمل الذرة والسمسم والدخن والقرعيات والبامية والتمور الجافة. والسودان غَنِي بأنواع الطيور، به 927 نواعاً من الطيور، تشمل 230 نوعاً من طيور الغابات و129 نوعاً من الطيور المائية و40 نوعاً من الطيور الجارِحة، ويعيش في بيئات السودان المختلفة 90 نوعاً من الزواحف و 188 نوعاً من الثديّات. وقد أجاز السودان أول استراتيجية وخطة عمل وطنية للتنوع الأحيائي عام 2000 ثم أتبعها بأخري عام 2015 م.
يتجلى التنوع الأحيائي في أسماء وألقاب الأفراد والأُسر السودانية، ومن ذلك الفيل والأسد والدّابِي والدُود وهَدَابْ(وهو الأسد بلغة البداويت) ونِمِر والنِمير والنِميري وجاموس وتُمساح وأب كريق والجمل والتور وبعشوم وأب دبِيب وأبوشوك والنِّعام ومرفعين الفقراء وأبوكِديّسة وأبونِخيلة والتِلِب والدِحيش. وهو حاضر بوضوح أكبر في أسماء القري والبلدان والمواقع الجغرافية التى أُتخِذت أنواع النباتات والحيوانات أسماءً لها. من هذه الاسماء على سبيل المثال، أم سنط وأم دوم ودومة وحامد والدِويمَات وأم عَرَديب والهشابة والطّلحة والطّلحة ودالطِريفي وأبوطِليح والسيّال وأم سيّالة والطُنْدُبْ والطِّنيدبة وطندباية وأبوحراز والحِريِّز والجميزة والسِديرة واللّعوتة واللِعيِت جار النبي والكِتير وأبوعشر والعشرة والهجليج وهجيليجة والسمْرَة وأم دُخُن وأم مُحَّار وأم قَرْقور وأم فِيلَة وغابة الفِيل وأم بقرة وكُدْر البقرة وأم دبيكرات والدِبيكرة وقَلَع النّحل وعِد الغنم والإندرابة وأب قرع وأبونعامة وغزالة جاوزت والكِريمِت والتِنّوبة وتَبْ الزّراف وأبورَخَم وأبوسِعِد وأب سَعَنة والسَلَمة والسلمة قُبْلِي ووادي الحُمار وأم كدادة والدليبة و أم دَبِيب وود النمر والنِخيلَة وحسكنيتة والأراك وأركويت والبعاشِيم وودالبصل وحجر الطير وأم الطيور وحِدَيّة وكاب الجِداد والكِريمت وأب نَحَل وأم ضُبّان(التى تعرف حالياً بأم ضواً بان) وشَبَشَة وأبوقِمْرِي .
تعد أسماء هذه المناطق سجلاً حيّاً للتنوع ولثراء البيئة بأنواع الأشجار والشجيرات والنباتات الأخري والحيوانات، وشاهداً على تفاعل الإنسان بالأحياء حوله، وربما تؤشر لسيادة أنواع محددة من النباتات في إقليم معين في زمن ما. ونلاحظ أن معظم أسماء القري في وسط السودان هى اسماء أشجار أكاشيا وتليها أنواع أخري، بينما تلك التي على أسماء حيوانات وحشية توجد في مناطق السافنا الغنية أو التي كانت سافنا غنية. يؤشر انتشار المناطق التى تحمل اسم نفس الشجرة مثل أم دوم والدويمات والدومة ودومة ود حامد لانتشار أشجار الدوم في في مسافات متباعدة وربما يشير لتفردها في بعض المناطق مما حدا بأهل تاك المناطق اطلاق اسمها على المنطقة باعتبارها معلماً مميزاً. بالرغم من أن أسماء مناطق مثل السلمة والسلمة قبلي والسيالة و أم سيالة والسيال والسمرة تبدو مختلفة وقد اطلقت على مناطق في نهر النيل وولاية الخرطوم وشمال كردفان ألّا أن هناك خيط ناظم بينها، هو أنها أسماء أشجار أكاشيا وأن معظم هذه الأشجار تسود في شبه الصحراء، وهذا خيط آخر يربط بين بيئاتها. إن القرى والبلدات التى تحمل أسماء أشجار الكِتِر واللعوت والحراز والطلح والسنط تميز منطقة وسط السودان، خاصة الجزيرة وفي ذلك دلالة على وجود هذا النوع من الأشجار وجوداً واضحاً في هذا الفضاء الجغرافي. من اللافت للنظر وجود أسماء بابنوسة في غرب كردفان والبابنوسة في جنوب غرب الدندر والبابنوسة في شرق الجزيرة، بالرغم من أن الأبنوس قد اختفي من هذه المناطق منذ أكثر من قرن إلّا أن اسماء هذه المناطق توحى أنه كان موجوداً في هذا المدى الجغرافي الواسع، بيد أنه اندثر الآن جراء التغيير الكبير في بيئة هذه المناطق. وتوحى أسماء أم فيلة(في الشمال الشرقي من ولاية سنار وتَبْ الزراف (في الشمال الغربي من محلية المفازة بولاية القضارف) بأن هذه المناطق التى تقع علي الشمال من محمية الدندر بأكثر من مائة كيلومتر، قد كانت تشبه بيئة المحمية وتذخر بتنوع كبير في الحياة البرية بما في ذلك الفيلة والزراف، وربما كانت الأفيال تغشى غابة الفيل المشهورة بين القضارف والشواك في زمن قديم فسميت بهذا الاسم. والبعاشيم في أطراف المناقل تشى بأن الثعالب كانت من الحيوانات الوحشية السائدة في هذه المنطقة وأن الغطاء النباتي الذي يلائم حركة وتعداد الثعالب قد كان كبيراً وليس كما هو حال هذه المنطقة الآن وقد أضحت شبه صحراء.
تقع بوادي السودان في عدد من البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية وفي السافنا غنيها وفقيرها، في شرق ووسط وغرب وجنوب وشمال السودان، وتذخر بوادي السودان بأصناف شتى من النباتات والطيور والحيوانات الأخري والحشرات، وأهل البادية أكثر التصاقاً ومعرفة ببيئاتهم واحتفاءً بها.
يعد شعر البادية سجلاً حياً لحياة سكانها وبيئتهم وما بها من معالم جغرافية وأحوال الطقس والكائنات الحية التى تعيش فيها من نباتات وحيوانات، يتفاعلون معها في حلهم وترحالهم. معظم ما ورد في أشعار البادية كان عن النباتات والأشجار والشجيرات وبعض الحيوانات الوحشية خاصة الغزلان كما شمل حيواناتهم التي تمثل ثرواتهم وعصب حياتهم. وقد حفلت هذه الأشعار بسجل للتنوع الأحيائي قبل أن يكون هناك عملاً مؤسسياً يرصد ويسجل هذا التنوع ويصنفه وفق البيئات. تعد أشعار الحاردلو وبصفة خاصة مسدار الصيد، نموذجاً رائعاً لحث المجتمع على المحافظة على التنوع الأحيائي، ذلك الهدف الذي صار من أهداف الأتفاقية الدولية للتنوع الأحيائي الثلاثة، وهى المحافظة والاستدامة والاستغلال العادل النزيه. فمسدار الصيد في جوهره دعوة للمحافظة على الصيد والتوسل لذلك بالانتفاع بجماله لا بلحومه، مما يؤمن عناصر المحافظة والاستدامة والانتفاع التى ترمى لها اتفاقية التنوع الأحيائي، فالانتفاع بالجمال أرقى وأكثر عدلاً ونزاهةً من الانتفاع باللحوم والشحوم. ويتجلى حرص الحاردلو على سلامة الغزلان والمحافظة عليها من تعديات الناس والمفترسات في قوله:
مرقن يامجيب لي جملة السُعَّال
شاحدك تجمعن من مطبق الحلَّال
ما ينقص حساب الدرج ولو بي عجال
ونحن نجيب لهن في كل يوم منوال
فهن عرضة للكثير من المخاطر عند عبورهن بالحلّال( القري) في طريقهن جيئة وذهاباً من البطانة، يسأل الحاردلو الله لهن السلامة وتمام العدد. ثم يعبر عن فرحه وسعادته بسلامتهن وتمام عددهن بنهاية رحلتهن للبطانة وبداية رحلة العودة للصعيد في قوله:
المعزة البجازن ديمة فوق في خلاهن
بالغات النِّصاب أنصاري ما زكاهن
من ود البصير جايب إذن بي غناهن
شوفن يالزبير في لساني كيف ما أحلاهن
ذكر الحاردلو في مسدار الصيد 26 نوعاً من الكائنات الحية، منها 13 نوعاً من النباتات و 10 أنواع من الحيوانات و3 أنواع من الطيور. شملت هذه الكائنات كل من أب عرَّاق والباشندي والبقيل والنَّال والسيَّال والسِدِر والقُمْبار والفقّوس والبُوص والحَمَريب والطلح والريحان والنعناع والقرود والكديس والغزلان والناموس والدموكيات(الإبل) والفأر والكلب وأب سِعِن والبقر والمعزة والصِقير والفِرَّة والبِليبِلي. مسدار الصيد هو أشهر مسادير البطانة ولا حاجة لإيراد نصه هنا، إلّا الاشارة لبعض ما جاء فيه مما له علاقة مباشرة بموضوعنا.
خلاهن رتوع في بقيل وخرجة نال
لامن دور الوادي السِّري سيال
فوق قمزوز طلع شاف في ملينتو زوال
وقلعة كو حفيرها لقالو فيها نعال
خلالهن على حجر الصفية حبوس
ولقى في الدهسريب قمبار وعرق فقوس
في المخلوقة شن تشبه معيز ام روس
غير الفي وريدن شولقن مرصوص
ختمن شابلك العارق التلات شدرات
مرقن فوق عزاز حمريبة ام سوبات
داشن لي الصباح ما لقنلهن مرحات
لامن لينن باكر على الطلحات
نظم كل من الشاعر علي الشيخ محمد علي التوم (ودالمُر) وحنفي حاج الطيب (أبو المرضية) مسداراً بسم مسدار القِمْرِيّة في بادية كردفان، وبالرغم من أن عبيد الطيب (ودالمَقَدّم) عدهما مسداراً واحداً إلا أنني أرى أن كل منهما مسدار قائم بذاته وبنفس الاسم، لأن كل من الشاعرين تتبع منفرداً رحلة الأبل من ديار الكبابيش في شمال كردفان إلى تخوم بحر العرب ثم عودتها للشمال مرة أخرى.
حفل مسدار القمرية لعلي ود المٌر بذكر عشرة أنواع من الكائنات الحية منها القمرية والإبل وأشجار الهشاب والقفل والحمامة والبلومة وطائر القديل وطائر الحوة ونبات العطفة والدرمة والضفدعة والثور، وبعض ما جاء فيه:
قمرية الرِّهيد أم طوق
لقيتها الليلة فوق روب الفريعات فوق
سألتها وين مشيتي يا عديمة الزوق
قالت شلت دار موسي وبريت النوق

قبل ما قلت أقوم كلمتها أم كُزامة
مادين الصعيد قلت ليها أنِي وشَرَّامة
ماتتوصوا عُقبي معاكم الحكّامة
خليت البلومة وبِت أعمي حمامة

خليت البلومة والقديل والحُوَّة
ؤنجَعْتَ مع بنات شرمي وسعاية القُوّة
دخلنا بلد زغاوة وناس جديري وكوّة
ورِعِينا عَضَاوة القوز والدواخل الجوّة

الخزان واللِّضيّة وناس بياض ولقاوة
دمرنا هناك أنِي وجَقْلة ؤرِعينا عَضَاوة
فرَّت ؤ دَجَّت أم زور في الهشاب تتحاوا
وأنِي قوقيت واللِّنْقيب حَزَمها ؤ واوا

أنِي وجَبَّادة الشايل البَرم عِلّيفو
نجعنا حَلالِي من بلد البِضَوِّي شِنيفو
قَعُوي سَقَّاي أبو دَكنة المِحَمِّر قيفُو
يسألني الله واواي اللَّنْقّيب كيفو
ووثق حنفي حاج الطيب في مسدار القمرية لإحد عشر نوعاً من الأحياء أربعة منها وردت في مسدار علي ود المُر هى القمرية والإبل والثور وشجرة القفل وانفرد بسبعة أنواع هى النعام والربدي(الحبار) والغزلان وبقر الوحش(الجآذر) وأم شامة(المها) وشجر السعات والبطيخ(قلاب). وبذلك يكون الشاعران قد وثقا لثمانية عشر نوعاً من الأحياء في بادية كردفان وكلها شواهد على التنوع الأحيائي في هذه البوادي.
قال حنفي:
قمرية بلدنا الرَّايقة كيف أخبارِك
ؤكتين البلد جاحَت نجعتي خَبارِك
بَعَدْ باريتي جقلة أم راي ؤ سبتي ديارك
كَدي وريني كيفن قُلْتي في مُسْدارك

ؤ لِقَت قَفَل المَخرَّق و السِّعَات الشَّابك
ويادار الصعيد ارتحنا من قَلَّابِك
سوّيت عشي و أرعي ودِجِي بي مَعَرَابِك
قُبَّال السموم مولايا جابني وجابك

نجعتَ حَلالِي من بلد النعام والرَّبْدِي
ؤ خَلّيت المَفَرَّع دِيسُو يا دوب مَبْدِي
أنِي ؤلبَّاعة في بَلَدَنْ بَعيتَنْ جَبْدِي
ؤ واواي اللباسو فِريدي شقَّه الكَبْدِي

طلبت حَمْرا كولَة وهَرْمَة والقِدَّاما
وبلد ما فيها عيل بقر الوحش وأم شامة
أنِي عكس الهبوب ما بمشي يا شرَّامة
دربي ودربك إتْفَرَقَن معاكي سلامة
نظم ود شوراني عدداً كبيراً من المسادير لم يبلغ عددها شاعر سواه ودارت أحداثها كلها في البطانة إلا مسدار النجوم ومسدار آخر نظمه في رحلة زواج (سيرة) ابن ناظر البشاريين ود كرَّار من البطانة إلي حلايب، وقد حفلت مساديره بتوثيق دقيق للعديد من النباتات والحيوانات. أورد ودشوراني في مسدار أبوشكال (الذي انطلق به من القضارف لديار المحبوبة في البطانة)، اسماء 23 نوعاً من الأحياء، 13 من الحيوانات و 10 من النباتات، هي الإبل والخيل والجاموس (تور الوحوش) والنعام والأريل وكتيوي القنيص(كلب الصيد) والفيل والعقارب والنحل والحية والدجاج والصقر (نفض جنحي البختف كف) والسقدة والحمريب والنال والقرع والنخيل والبرتقال والمنقة والتفاح والجزو والتبر والفيتريت.
وقد استهل مسداره ب:
ود الدينكي ماخد في القضارف مُدة
بي إرادة الله أيامو حسبت عُدة
بلد الديسة لاعند المحازم هدّ
بكرة عليهو ناوين باعتماد الشدّة
ثم أورد عددأً من المربوعات الغنية بالاشارات للنباتات والحيوانات:
أم شدرة وخلاويها ومدارس أنجالا
وخرن الشروف الصيب يدني زوالا
الوطتني سم الحية والمــــــــــلالة
اسمح من سبايك الخيل ووحش النالة

شقَّ النالة والحمريبة يجري مِعلِّي
فات عَلَم الشريف حسب الله قفَّى مِولِّي
فوسيب الروى اللي آخر عِريجو متلِّي
ضيوفو الليلة نحن وعِندو بدري ندلِّي

موقف عاصمة القرب أب حديد أرواح
جاهو مع الغروب ساعة مسا ومُرْواح
حلاة لهج البيسهر عاشقو للبيّاح
تخفى البُرتُكان والمنقة والتفاح

أب قنف المِوالي المرْقة والشِرّيف
أبو القمّاز أمّو نِعامة ليها عِريف
هجم عانِس وحوش مادا الجريهن ديف
كلاما تقيل مركز مو خفيف لِف ليف
قال الصادق ودآمنة في مسدار قوز رجب:
لَفَخْ السَّمْــــرَة وادَّلى الــــوِعيرْ مِنْ ضَوْ
رَدَفْ الزَّوعَــــــة واتْصَعَّدْ هَبُوبْ الْهَـــوْ
اُنْس الغيـــــرَا مَالَى في الشبابــــــات هَوْ
خَلَّتْ ريقِـــــي قِرْقِدَّة ولِهَاتـِـــــي كَرَوْ
.
سَروبـَــاتْ قُوز دَريش جَاهِنْ جَريدُو مَشــوِّرْ
إتْعَقَّــــــلْ بَلا العَقَـــــبْ الرَوينَةْ مدَوِّرْ
لَتيَبةْ المِدْلـِــــقْ التوريقُــــوْ نَالُو مِنوّر
امْسَــــى جِرَاحَوْ مِنْ لَمَعـِــي البِروقْ مِتْعوَّر
لكن التغيرات التى حدثت في البطانة مع تهجير أهالي حلفا ومشروع خشم القربة الزراعي وما تبع ذلك من آثار على البيئة من قطع للأشجار وغير ذلك، كانت موضوعاً في شعر الصادق ودآمنة:
ﻛِﺘﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺭﺍﺣﻦ ﺧﻼﺹ ﻭ أﻧﺠﺰّﻥ
ﻭ ﺗُﺮَﻉ ﺍﻟﻘِﺮﺑﺔ ﻣﺎﻫِﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻠِﻴﺪﻫﻢ ﺧزّﻥ
ﺃﺭﺍﻧﺐ ﺍﻟﺸِﻘﻠﺔ ﻟﻲ ﻣِﻴتة ﺍﻟﻠِﺒﻴﺘِﺮ ﻋزّﻥ
ؤ ﺩِﻳﻚ ﻧﺎﺱ ﺣﻠﻔﺎ ﻓﻮﻕ ﺭﺍﺱ ﺍﻟﻤِﻌﻴﻘِﻞ ﺃﺫّﻥ
وجد التَّبَر والحنْتُوت والباشَنْدِي حظاً وافراً من الذكر لجمال المنظر وطيب العطر ولأنها نباتات سائدة في بيئة البطانة ولافتة للنظر تضفى عليها جمالاً ورونقاً وبهاءً، وقد جاءت الاشارة لها عند عدة شعراء.
قال ود شعيت في وصف البطانة:
لحافاتك نضاف ما فهن الوسخان
ملاياتِك تَبَر وأب لبلبأاب كعان
هواك حُقَن الملاريا سلْفِك الريحان
كتير الضايق فيك نومة الكيعان
ووصف ود شوراني بسمة الحسناء ببياض أزهار التَبَر.
الضَّو قال لي لا تسافر ملاقي الحَرْ
أبرد وشِد علي ود البِطيرن فـَـــــــرْ
قُتْلُو الراتعة في قفر اللراضي الـبرْ
فر بسّاما فاق تَبَر النّدي البِنْشـَــرْ
جاء الحنتوت( نبات زاحف يشبه التبر في الأوراق والأزهار) في شعر عبد الله ود الشريقاوي وهو يصف رحلة النشوق في البطانة:
باكر دور رحيلهم جندولو طلائع
ركبوا ولفّوا قفراً كُلّو قيع وصقايع
حنتوتن بِنُشْرنَّو المهاوِي رصايع
قَصَدوهو مِبكِّرين ماخلّوا وكتاً ضايِع
قيل في الباشندي شعر كثير دلالة على انتشاره ومكانته الخاصة في نفوس أهل البطانة لجمال أزهاره وعطره الزكي الفوّاح.
قال الحاردلو:
أب عرَّاق فتق قرنو المِبادِر شرَّ
الباشَنْدِي عمَّت مهشيشب الدِرَّة
من النقرة كل حين فوق عِليو مِنصرَّة
ها الايام محاريها القليعة أم غُرَّة
: قال ﻭﺩ ﺍﻟﺸﺮﻳﻘﺎﻭﻱ
ﺷﺎﻟﻮﺍ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺭِﺩ ﺃﻡ ﻣﺘﻴﻠﺔ ﺻﺒﺎﺡ
ﻣﺴﺎﻓﺎﺕ ﺭﻳﺮﺓ ﻗِﺮﺑﻦ ﻭﻋﻤّﺖ ﺍﻷﻓﺮﺍﺡ
ﺳﺎﻓﻞ ﺃﻣﺎﺕ ﺳﻴﻮﻑ ﺑﻠﺞ ﺍﻟﻀﻌﻦ ﻭﺃﺭﺗﺎﺡ
ﻭﺍﻟﺒﺎﺷﻨﺪﻯ ﺃﺭﺳﻞ ﻋﻨﺒﺮﻭ ﺍﻟﻔﻮﺍﺡ
ﻭ ﻗﺎﻝ ﺭﺍﻳﻖ ﻭﺩ ﺍللاﻓﺾ:
ﻗﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﻄﻮﺍﻝ ﻣﻄﺮ ﺍﻟﻀُﺮﺍﻉ ﻣﺴّﺎﻫﻦ
ﻭﺍﻟﺒﺎﺷﻨﺪﻱ ﺭﻭﺑﺎﺕ ﺍﻟﻜِﺘِﺮ ﻛﺴّﺎﻫﻦ
ﻋﻘﻴﺪ ﺃﻣﺎﺕ ﺷﻮﺍﻣﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﻮﺏ ﻟدّﺍﻫﻦ
ﻟﻘﻲ ﻏﺪﺍﺭ ﺣَﻤَﺮيب ﻭﺑﺎﻟﻮﻋﺮ ﺩﺷّﺎﻫِﻦ
هذه الاسماء والأشعار جديرة بأن تكون موضوع تأمل ودراسة للمهتمين بالتنوع الأحيائي وما اعتراه من متغيرات جراء التغيرات المناخية وآثارها على البيئات وللانتباه لدور المجتمعات المحلية في التنوع الأحيائي أيجاباً وسلباً، وقد تكون معيناً للمختصين في التوثيق للتاريخ البيئي وفي الرصد والتحليل والاستنتاجات والتدابير الملائمة لصيانة التنوع الأحيائي.
المصادر:
1-National Biodiversity Strategy and Action Plan,2015-2020. 2015. Higher Council for Environment and Natural Resources(HCENR), Ministry of Environment, Natural Resources and Physical Development, Sudan.
2- عبيد الطيب (ودالمقدم) عِيدِيَّة من بادية الكبابيش لِعُشاق الهَمْبريب والدَّعاش وأجراس الهاودج (1-2) و(2-2). سودانايل 11 و13 أغسطس 2012
3- عون الشريف قاسم. قاموس اللهجة العامية في السودان، الطبعة الثانية، 1984، المكتب المصري الحديث، القاهرة.

yousifidris@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التنوع الأحیائی الکائنات الحیة من النباتات هذه المناطق فی البطانة من الطیور کبیر فی

إقرأ أيضاً:

الأقليات في الوطن العربي.. التكيف وإدارة التنوع

#الأقليات في #الوطن_العربي.. التكيف وإدارة التنوع

 الدكتور #حسن_العاصي

أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا

رسم خريطة المشهد الذي تعيشه الأقليات في العالم العربي ليس سهلاً، وتحليل الوضع المعاصر الذي تواجهه هذه الأقليات أمر بالغ التعقيد، والنماذج أو الأساليب المتاحة لإدارة التنوع تحتاج مناهج مختلفة بما في ذلك الفكر الإسلامي التقليدي والحديث، والتعددية الثقافية الليبرالية، والتوافقية. ورغم أن لكل منها حدوده، فإننا نتبنى النموذج الذي يجمع بين نقاط القوة في كل منها، فهو لا يقدم الحماية القوية للأقليات فحسب، بل ويضمن أيضاً دمجها في بناء هوية وطنية متداخلة ومتقاطعة في الدول العربية. وعلى أساس التسامح والاعتراف، يسعى هذا النموذج إلى تقديم عملية قابلة للتطبيق من التكيف وإدارة الاختلاف، وهو الأمر الذي سيكون مطلوباً بشدة من أجل تيسير نظام أكثر ديمقراطية وتعددية في العالم العربي.

مقالات ذات صلة عودة الاخوة السوريين وتصورات الحكومة لما سيحدث ذلك من فراغ. 2025/01/14

إن قضية الأقليات العرقية والدينية والمذهبية واللغوية بشكل عام تتسم بدرجة عالية من الحساسية، وينظر لها رغم أهميتها على أنها مسألة خطيرة، لذلك فإن مقاربة هذا الموضوع الشائك يحتاج الكثير من الدقة والروية والموضوعية والانضباط المنهجي، خاصة في ظل المرحلة الحالية التي تشهد عولمة اقتصادية وتوحش الرأسمالية الصناعية التي حولت أربعة أخماس سكان الكون إلى مستهلكين يلهثون خلف توفير مقومات الحياة التي حددت أنماطها ديكتاتورية الأسواق العالمية، بذريعة تحقيق الديمقراطية في المجتمعات الناشئة، وتحت شعارات حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأقليات بشكل خاص.
إن العناصر المتشابكة والتعقيدات التاريخية في مسألة الأقليات تشكل واحدة من أهم الصعوبات أمام أي باحث يتناول هذا الموضوع بالدراسة والتحليل، ويضعه أمام تحديات وخيارات دقيقة، فإما أن تكون مع الليبرالية الجديدة في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأقليات بشكل خاص، من خلال تبني براغماتية منفعية مقترنة مع دوغمائية لا تريد أن ترى إلا جانب واحد من الموضوع، وإما أن تكون في مواجهة التحديات، وأن تكون ضد إعادة ترتيب المجتمعات البشرية بما يتوافق مع المفاهيم الجديدة التي ينتجها الاقتصاد العابر للقارات، وبذلك قد تجد نفسك متهماً بتجاهل حقوق الأقليات والتفريط بها، أو التوجس منها في الحد الأدنى.

مشكلة الأقليات بعد الحرب العالمية الأولى

حتى إنشاء الدول القومية العربية في القرن العشرين، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبارة عن امتداد إسلامي حيث كان جميع المسلمين جزءًا من الأمة الإسلامية ويعيشون في نوع من الدولة الواحدة القائمة على الشريعة ويقودها خليفة. مع تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وإنشاء القوى الاستعمارية في ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا، دولًا قومية جديدة، برزت قضية الأقليات في العالم العربي إلى السطح. لم تكن الدول العربية التي تأسست بضربة قلم ـ بما يتماشى مع المصالح البريطانية والفرنسية ـ كيانات سياسية متجانسة، بل ضمت أنواعاً مختلفة من الأقليات.  لقد أدى انبعاث روح القومية العربية في الدول القومية الجديدة، إلى ظهور احتكاكات بين الأقليات والأغلبية السنية، تحول إلى صراع يؤججه المستعمر الغربي لتحقيق مصالحه. كان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في أغلب الوقت، منقسمين بين حكام متخاصمين، على الرغم من أن المنطقة كانت مفتوحة أمام حركة الناس والبضائع.

مع إنشاء الدول الجديدة بعد الحرب العالمية الأولى كان من المتوقع أن تكون هذه الدول حديثة، ذات هوية مدنية وطنية منفصلة للدولة بأكملها، وأن تطور سياسة سياسية اجتماعية اقتصادية تضمن المساواة المعقولة لجميع المواطنين، والنمو الاقتصادي، والازدهار. هذا هو الأساس لإدارة كل دولة في العالم، والطريقة لمنع الصراعات التي تقوض الوحدة. هنا فشلت جميع الدول العربية.

بعد إنشاء الدول العربية مباشرة، وحتى قبل أن تحصل على الاستقلال الكامل، تنافست رؤيتان فيما بينهما فيما يتعلق ببناء الدولة وهوية مواطنيها: الرؤية الإسلامية والرؤية العلمانية الوطنية. بالنظر إلى مبادئهما الأساسية، كانت كلتا الرؤيتين بعيدتين عن أن تكونا مواتيتين للوحدة الوطنية وظهور دولة ديمقراطية متساوية. في كلتا الحالتين، كان تحقيق الرؤية يعني استبعاد مجموعات الأقليات المختلفة من النظام السياسي للأغلبية.

تقوم الرؤية الإسلامية على الدين الإسلامي الذي يحدد حكمها وبنيتها الاجتماعية. ووفقاً للرؤية القومية العربية العلمانية، فإن الدولة سوف تقوم على الجنسية العربية ـ أي أولئك الذين لغتهم الأولى هي العربية والذين يعتبرون الثقافة العربية ثقافتهم الخاصة. وبالنسبة للقوميين العرب العلمانيين، فإن أي شخص يلبي هذه المعايير يعتبر مقبولاً، وسوف يكون مواطناً يتمتع بكامل الحقوق بغض النظر عن الأصول العرقية أو الدينية.  وقد وضعت هذه الأيديولوجية المسيحيين، الذين كانوا منتشرين في مختلف أنحاء الدول العربية والذين اعتبروا أنفسهم في الغالب عرباً، ضمن مجتمع الأغلبية.  وفي الوقت نفسه، لم تترك هذه الرؤية الوطنية أي مجال للأقليات القومية أو الدينية للمطالبة بحقوقها كمجتمع منفصل، وهو ما يتعارض مع القومية.

من الناحية العملية، نشأ موقف حيث عملت قوتان معاً بجرعات مختلفة. ففي المرحلة الأولى، بعد تأسيسها، بذلت الدول العربية الجديدة جهداً لمعالجة مشكلة الهوية. وكانت الدساتير الأولى التي صيغت في مصر وسوريا والعراق في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، تحت تأثير بريطانيا وفرنسا، ليبرالية نسبياً ومنحت المساواة للمواطنين بغض النظر عن دينهم ـ على الورق على الأقل. ولكن كل هذه الدساتير أكدت أن كل دولة جزء من الوطن العربي وتعمل على وحدته، وأن الإسلام هو دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر التشريع. وقد أتاحت هذه الدساتير تعيين رؤساء وزراء من غير المسلمين السنة.

بدأت الروح الليبرالية نسبياً في التغير في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين مع فشل الرؤيتين في حل المشاكل الداخلية والخارجية للدول العربية. فلم تكن الاقتصادات تتطور؛ وكان الفساد مستشرياً. وفشلت الأنظمة العربية في منع قيام دولة إسرائيل. وقد شهدت هذه الفترة انتشار الفكر الديني والقومي في جميع دول الشرق الأوسط. وكانت النتيجة أن شهدت مصر وسوريا والعراق وليبيا والسودان انقلابات عسكرية زعمت أنها تعالج مشاكل المجتمع العربي. ووعدت الأنظمة العسكرية شعوبها بالتحديث والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعليم الشامل. ولكن في غضون فترة قصيرة، تبين عجز هذه الأنظمة في الوفاء بوعودها، وبدلاً من ذلك تحولت تلك الدول إلى دكتاتوريات.

الدولة الديمقراطية

إن أحد ركائز الدولة الديمقراطية هو مبدأ المساواة الذي يعني في صيغته الموضوعية الحق في الاختلاف. يجب معاملة الناس على قدم المساواة، ولكن هل هذا يعني أنه من الضروري أحياناً معاملتهم بشكل مختلف لأن لديهم متطلبات مختلفة؟ إن ضمان مصالح الفئات المختلفة غير الممثلة، مثل مصالح الأقليات التي تتمتع بالحق في التعبير عن هويتها السردية الخاصة – المتعلقة باللغة، والثقافة، والدين، والتمثيل السياسي – حتى لو كانت تختلف عن رواية الأغلبية، تضمنه حقوق المواطنة في الدولة الديمقراطية التعددية التي تحترم التنوع بين مواطنيها. وهذا لا يعني فقط الحقوق السلبية، التي تستلزم درء التدخل من جانب السلطة العامة، بل وأيضاً الحاجة إلى فتح الباب أمام الإجراءات الإيجابية من جانب الدولة، استناداً إلى التمييز الإيجابي بين المجتمعات. وعلى هذا النحو، يترجم مبدأ المساواة الديمقراطية الشكلية (الأغلبية) إلى ديمقراطية جوهرية (دستورية). ومع ذلك، في السعي إلى تحقيق هذه الأهداف، قد يؤدي هذا المبدأ أيضاً إلى تغذية التوترات بين حكم الأغلبية وسيادة الدولة وحرية الأقلية في البقاء مختلفة. وهذا أمر أكثر وضوحاً عندما تتسم السياقات الاجتماعية بانقسامات واضحة للغاية.

تخضع الديمقراطية لمبدأها الأكثر فهماً على نطاق واسع، وهو حكم الأغلبية، والذي من خلاله تؤكد السلطة العامة على القوانين التشريعية متجنبة بذلك تفتيت المجتمعات المتميزة وإقطاع سيادة الدولة. ولكن عندما يقال إن هذه السيادة تعكس إرادة الشعب، فإن “الشعب” في الواقع يتم التعبير عنه من خلال الأغلبية، والتي غالباً ما تميل إلى استيعاب الهويات المختلفة، وبالتالي يقال إن هذه الديمقراطية لا توفر المساواة الحقيقية (الجوهرية) للأقليات، تستمر بعض المنظمات الدولية في الإصرار على انتهاك سيادة الدول القائمة وسلامة أراضيها، وبينما لا تزال أصداء النهج الاستيعابي قائمة، يُنظر إلى احترام حقوق الأقليات باعتباره أحد أعظم التحديات التي تواجه الديمقراطيات المعاصرة.

 بهذا المعنى، يجب تنفيذ مبدأ المساواة بطريقة تستوعب مطالب الأقليات وتحظر التمييز غير المعقول. وإذا كان الأمر كذلك، فإن مبدأ عدم التمييز لابد أن يغير طابعه من كونه مرتبطاً بشكل أساسي بمبدأ المساواة الشكلية إلى مبدأ عدم التمييز الذي يعكس أيضاً نهج المساواة الموضوعية. فضلاً عن ذلك، فإن مثل هذا النهج لابد أن يتطور في ضوء قضيتين مهمتين أخريين: حقوق الإنسان الفردية وطبيعة متطلبات الأقليات. فمن ناحية، فإن مبدأ المساواة يعني حقوق الإنسان الفردية، التي لابد من الاعتراف بها وضمانها على أي مستوى من مستويات المشاركة الديمقراطية ومن أي شكل من أشكال الاستبداد، بما في ذلك أشكال القمع التي تحدث داخل الأقلية. ومن ناحية أخرى، فإن طبيعة مطالب المجتمعات الفرعية واستجابات الدولة تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى إلى الحد الذي يجعل نفس السياسة، التي تبدو جذابة في سياق جيوسياسي، يمكن اعتبارها بشكل منهجي غير مواتية أو غير معقولة في أجزاء أخرى من العالم.

وتشكل مسائل حقوق الأقليات في العالم العربي أمثلة توضيحية على ذلك. لقد أدت هذه الأسئلة في الواقع إلى ظهور مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدبيات، والتي ألهمت التحليلات المقارنة لقوانين الجنسية والأقليات العرقية والشعوب الأصلية فضلاً عن دراسات السياسات المثالية التي تحكم التنوعات في العالم العربي. ومع ذلك، هناك قيد شامل واحد. غالباً ما يبدو هذا الأدب غربياً أو عربياً عرقياً. وبالتالي، يتم المبالغة في بعض جوانب قضايا الأقليات ويتم التهرب من بعض الجوانب الأخرى أو تشويهها.

ثلاثة نماذج للمجتمعات البشرية
يشهد العالم خلال العقود الأخيرة عولمة اقتصادية- تؤسس لعولمة ثقافية واجتماعية- تعتمد على مبدأ توحيد الاقتصاديات الوطنية ودمجها في الاقتصاد العالمي الذي تسيطر عليه الشركات العملاقة، المتعددة الجنسيات- عابرة للقارات- التي تسعى خلف تكديس الثروات من خلال اعتماد سياسات اقتصادية تفترس الأضعف، وأهمها الشركات الأمريكية المنفلتة من عقالها.
وتستخدم هذه الاقتصاديات الثورة الإعلامية والتقنية والتقدم الهائل الذي حصل في قطاع الاتصالات وثورة المعلومات، وتوظفها من أجل تحقيق أهداف الاحتكارات الكبرى في تفكيك وتفتيت البنى الوطنية الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتمزيق روابط الدولة الوطنية، وتقويض ركائز الهوية القومية، من خلال أساليب متعددة، لعل أهمها هو محاولة إحياء الهويات ما قبل الوطنية بهدف جعلها بديلاً عن علاقات المواطنة التي هي أساس قيام الدولة الحديثة التي حلت قضية الأقليات حلاً ديمقراطياً.
ويمكن تصنيف المجتمعات البشرية  إلى ثلاثة نماذج من حيث التنوع الديني والمذهبي والقومي والعرقي واللغوي والثقافي.

 أولاً: هي المجتمعات التي تحتوي فسيفساء ومجموعات وكيانات غير قابلة للاندماج مع بعضها البعض. وثانياً: المجتمعات التي تضم مجموعات نقية من حيث العرق أو القومية أو الدين، وهي مجتمعات صافية لا وجود للأقليات فيها. ثالثاً: بين هذين الحدين تقع المنطقة التي تضم المجتمعات القائمة على التنوع والتعدد العرقي والديني والمذهبي وهي مجتمعات قابلة للاندماج فيما بين مكوناتها.

إن الدول العربية ـ باستثناء لبنان ـ يقع ضمن التصنيف الثالث، فالمجتمعات العربية تتسم بالتنوع الديني والمذهبي والعرقي والقومي واللغوي والثقافي، ورغم هذا التنوع والتعدد إلا أنها مجتمعات قابلة في ذات الوقت للانصهار والاندماج فيما بينها، تظل الحالة اللبنانية عربياً تحتاج إلى البحث عن حلول ومخرجات علمانية ديمقراطية جذرية، كي لا يظل الوضع في لبنان كالقنبلة الموقوتة تنتظر إشعال فتيلها.
لقد قطعت المجتمعات العربية خطوات مهمة في طريق الاندماج الاجتماعي والوطني لبناء دولة المواطنة الحديثة، وهذه المجتمعات كانت قد صدت كافة محاولات الاستعمار المباشر في تقسيمها إلى دويلات متناحرة، وظلت مع مرور الوقت عصية على التفتيت وحافظت على وحدتها الوطنية.
إن قيام الفكر القومي التقليدي ـ وكذلك القوميين ـ الجدد بتجاهل موضوع الأقليات، من خلال الهروب إلى الأمام وعجزه عن ملامسة ملامح الإشكالية، واتهام الخارج بأنه من يسبب الاضطرابات والأزمات الداخلية في بعض الدول العربية، متناسياً أن وجود الأقليات في هذه الدول أقدم من مرحلة الاستعمار، ويغيب عن هذه الأنظمة أن عدم وجود رؤية موضوعية للتعامل مع الأقليات ومع خصوصياتها هو ما يجعل من هذا الموضوع مشكلة، وأن المقاربات غير الديمقراطية هو ما يجعل من مسألة الأقليات أزمة داخلية، وهو ما يوفر عوامل انفجارها، ويمهد الطريق للتدخلات الخارجية.

نحن أمام قضية تعود جذورها التاريخية إلى مرحلة ما قبل الفتوحات الإسلامية، إن ظهور الإسلام وانتشاره انطلاقاً من شبه الجزيرة العربية لم يلغ الديانات والمذاهب التوحيدية الأخرى، بل جعل أتباع هذه الديانات في ذمة المسلمين، ذلك لأن الدين الإسلامي هو دين يقوم على التوحيد والوحدة والتعدد. إلا أن الانشقاق الذي حصل بين صفوف المسلمين على أثر معركة “صفين” أو ما يعرف بالفتنة الكبرى في العام 37 هجرية، كان من نتيجة هذه الحرب ظهور مذاهب إسلامية جديدة تعمقت الاختلافات فيما بينها مع الوقت حتى وصلت لقضايا العقيدة ذاتها.

ثم دخل الإسلام أمم وأقوام شتى، تعرّب بعضها واحتفظ بعضها الآخر بهويته الاثنية أو اللغوية الثقافية، وضمت الدولة ثم الإمبراطورية الإسلامية مللاً وديانات ومذاهب وقوميات وأعراق مختلفة ومتعددة، دخلت جميعها في النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي الإسلامي بشكل كلي أو جزئي، واستمرت حالة التعايش بين هذه المكونات عقوداً طويلة، ومع قيام دولة الخلافة العثمانية ظهرت الدولة المركزية العسكرية وبدأت قضية الأقليات بالظهور وأخذ بعض أركان دولة الخلافة في تسييس هذا الموضوع الذي تعمق أكثر مع انهيار الخلافة العثمانية وظهور النظام الرأسمالي الذي ابتدع نظام حماية الأقليات، وجاء الاستعمار الكولونيالي لتنتشر سياسة  فرق تسد.

معزوفة حقوق الأقليات
إن مرحلة الاستعمار في العالم العربي شهدت تأثر المنطقة ببعض إنجازات الثورة البرجوازية الديمقراطية الأوروبية، ومنها قضايا حقوق الإنسان التي تم سنها في الدساتير الأوروبية، وتعامل الاستعمار مع الأقليات بصورة تظهره على أنه حامي مصالحهم ووجودهم، وفي بعض الدول حاول المستعمر دمجهم قومياً عبر تشريعات، لكن الأكثرية الإسلامية رفضت وتصدت لهذه المحاولات بسبب رفضها أساساً الاستعمار على أراضيها وبالتالي رفضها لأي سياسات يحاول فرضها عليهم، ثم إن الأكثرية المسلمة رفضت أيضاً محاولات الاستعمار في تغريب المسيحيين المشرقيين، هذا الأمر خلق نوعاً من التصادم  بين المجتمعات العربية المسلمة التقليدية، وبين الأفكار الغربية الديمقراطية، وهو ما أدى إلى تعقيد مسألة القوميات، ووضع العراقيل أمام الحلول الديمقراطية لاندماج هذه الأقليات بمجتمعاتها، وهكذا ظلت الدول العربية بعد حصولها على الاستقلال السياسي دولاً تضم مجتمعات تعاني من أزمات معلقة مربكة وملفات مفتوحة لا تتوفر ظروف معالجتها وإغلاقها، وأهمها قضية الأقليات.

 وهكذا وجدت هذه المجتمعات أنها غير قادرة على العودة إلى نظام الذمة القديم في عهد الدولة الإسلامية، ولا هي قادرة على القيام بثورة ديمقراطية تؤسس لمعالجة جذرية سلمية وعصرية وديمقراطية لقضية الأقليات، وهذا واحد من أهم الأسباب التي جعلت من هذه الإشكالية في العالم العربي أزمة طائفية طاحنة تلخص أزمة الأمة، وتحتوي فتيلاً قد يشتعل في أية لحظة ويحرق اليابس وما بقي من الأخضر في عموم المنطقة.

لكن ما الذي جعل من موضوع الأقليات في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتضخم ويتخذ هذا القدر من الحدة القابلة للتفجر؟
بظننا أن الحقبة التي تم فيها اكتشاف البترول شكلت بداية ما أسميه سلسلة من الانتكاسات تعرضت لها عموم المنطقة، حيث أعقبتها استهدافات متتالية لم تتوقف لغاية الآن من قبل القوى الاستعمارية العظمى، هدفها السيطرة على ثروات المنطقة ونهبها وكذلك السيطرة على عقد المواصلات والمعابر المائية التي تضمن للدول الغربية استمرار تدفق النفط، ووصول بضائعها إلى الأسواق المستهدفة.
فظهرت شعارات “حماية الأقليات” و”حقوق الأقليات” وهي شعارات تعني أن هذه الأقليات مهددة من “الأكثرية”، ويصار إلى الإشارة للأقليات بالاسم الواضح من حيث العرق والدين والمذهب واللغة والثقافة والتاريخ، ويشار إلى أنه في المقابل توجد أكثرية كتلة واحدة كبيرة ومتجانسة تهدد الأقليات الصغيرة والضعيفة.
لكن في واقع الأمر ليس هناك أكثرية واحدة في العالم العربي، ولا يوجد أقليات ثابتة من حيث التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي، ولا يمكن تصوير الأمر على أنه لدينا أقلية تواجه أكثرية ثابتة.
إن الواقع في المنطقة يشير إلى وجود أكثريات وأقليات متنوعة بتنوع المعايير والمقاييس التي يعتمدها طرف من الأطراف للتمييز فيما بين هذا التنوع. فإذا كان معيار التمييز إثني قومي كانت الأكثرية عربية والأقليات أمازيغية، وكردية، وأرمينية، وآشورية، وسريانية، وتركمانية، وشركسية، وشيشانية. وإذا كان المعيار دينياً فإن الأكثرية مسلمة، والأقليات مسيحية، وايزيدية، والصابئة، المندانيون، واليهود. أما إن كان المعيار مذهبياً فالأكثرية سنية، والأقليات درزية، وعلوية، وشيعية، واسماعيلية.
يوجد في الوطن العربي تعدد وتنوع، واختلاف وتعارض، في الوطن العربي جماعات قومية ولغوية ودينية وثقافية ومذهبية وعرقية واثنية وطوائف وطرق صوفية وغير ذلك. لكن المهم والأهم الإيمان بأنه لا وجود لتعدد وتنوع من غير وحدة، ولا وجود لاختلاف وتعارض من غير تماثل وتشابه. وهذه الرؤية تجاهلها المستشرقون وتجاهلها الغرب ويتم تجاهلها من قبل المستغربين الجدد الذين شرعوا في التقوقع داخل مجتمعاتهم، وقاموا بهدم الجسور التي تربطهم مع الشرائح الاجتماعية الأخرى” الأكثرية” بدلاً من تعزيز وتقوية قنوات التواصل، وبدأوا بالتحريض ضد ما يعتبرونه الأكثرية لإثارة الفتنة بين مكونات هذه المجتمعات بهدف تمزيق أواصر ترابطها كخطوة نحو المطالبة بالانفصال. بل أن بعضاً من مكونات الأقلية في الوطن العربي ذهب لإقامة اتصالات مع الكيان الصهيوني عدو الأمة العربية، بذرائع واهية. وتم رفع العلم الإسرائيلي في عدة مناسبات تخص تلك “الأقليات” سواء في البلدان العربية، أم في بعض الدول الأوروبية.

إن حقوق الإنسان بظننا لا تستقيم دون احترام قيم الوحدة والتماثل، ولا يمكن أن تكون مفاهيم حقوق الإنسان قضايا انتقائية على الطريقة الأمريكية، لأن البشر مختلفون منذ الأزل وسوف يظلون كذلك، لكن تجمعهم الإنسانية، فمن يقول إن الأمازيغ في دول الشمال الإفريقي ليسوا فقط مختلفين عن العرب، بل مختلفين حتى فيما بينهم أيضاً؟
ومن يقول إن العرب مختلفون فقط عن الأكراد على سبيل المثال، بل هم أنفسهم مختلفون كعرب فيما بينهم؟
وكذلك حال المسيحي، والدرزي، والآشوري، والتركماني، والأرمني، والشيعي، والعلوي، جميعهم مختلفون عن الآخرين لكنهم أيضاً مختلفون فيما بينهم بنواح عديدة.
كل هذه الاختلافات بين ما يسمى الأكثرية والأقلية، وبين مكوناتهما هي اختلافات طبيعية وموضوعية وإنسانية، لكنها تفترض المساواة أخلاقياً، وسياسياً، وقانونياً. فلولا هذه الاختلافات لما كانت هناك حاجة إلى المساواة، فالاختلاف يستدعي ويتطلب مساواة سياسية واجتماعية وحقوقية أمام سلطة القانون في دولة منية حديثة، دولة المواطنة التي ترعى جميع مكوناتها دون تمييز.

اختلاف يعزز الاتحاد

إن المساواة البشرية في الحقوق والواجبات في هذه المجتمعات لا تعني بأي حال إلغاء الفروق بين مكونات المجتمع، لأن إلغاء الفروق يؤدي إلى العدم والقفز في الهواء. فالمساواة الوطنية أمام القانون هو مفهوم قائم على مبدأ تساوي الجميع انطلاقاً من مبدأ المواطنة. والعلاقة بين المساواة والاختلاف هي نفسها العلاقة بين الذات والوجود، ومن هنا فإن قضايا حقوق الإنسان برمتها يمكن مقاربتها ضمن سياق هذه المفاهيم الديمقراطية، وما حقوق الأقليات سوى غصن من الأغصان.
إن الاختلاف بين المكونات المجتمعية في الوطن العربي كما بقية العالم هو واقع موضوعي، والعبرة تكمن في إدراك الأقليات لاختلافهم بشكل علمي وحضاري وديمقراطي ضمن إطار دولة المواطنة، باعتبارهم مواطنين على ذات الدرجة من المساواة في الحقوق والواجبات مع الأكثرية، وليس باعتبارهم أقلية عرقية أو دينية،  ودون إذكاء الروح القومية والعصبية لديها، والنظر إلى الاختلاف لتعزيز الاتحاد مع بقية المكونات. وإدراك الجماعات الأخرى لهذا الاختلاف واحترامه، والعمل سوياً من أجل تعزيز التلاحم الوطني الداخلي فيما بينهم.
إن حرمان الأقليات من حقوقها من قبل الأكثرية من شأنه أن يؤدي إلى عزلة هذه الجماعات عن المجتمع، ويولد لديها وضدها نعرات قومية ودينية، وقد تبدأ هذه الأقلية في بناء الأسوار كي تحمي نفسها وتحاول أن تحفظ حقوقها ومصالحها، لكنها سوف تجد نفسها سجينة داخل هذه الأسوار، وهكذا تنشأ الحواجز الاجتماعية فيما بين الجماعات المكونة للمجتمعات، وتنغلق هذه الجماعات على نفسها، حينها لا يمكن أن ترى هذه الجماعات سوى مصالحها الخاصة، ولا ترى في مصالح الآخرين سوى أنها عقبات وإشكاليات يتوجب إزالتها، وهكذا تنمو مصالح ومفاهيم جديدة يصبح مع الوقت من الصعب إدماجها في المجتمعات.

 وهنا تبدأ الإيديولوجيات المنغلقة بالظهور، وتجد من يعمل على نشرها وترويجها، وتجد العديد من الناس ممن لديه الاستعداد للقبول بها على أنها حقائق ومسلمات. متغافلين عن البديهيات التي تؤكد أن العلاقات الاجتماعية دوماً تحتوي في طياتها آليات معقدة وعناصر متعددة ومركبة، تتضمن قابليات التماثل للاندماج والوحدة، وكذلك عوامل التنافر والإقصاء. ولذلك فإن مسألة الأقليات ليست مرتبطة بكيانات منغلقة ومنعزلة، ولا بهويات ثابتة، ولا بمكونات حجرية، بل إنها ترتبط بنمط وشكل العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ومستوى تطور هذه العلاقات، وكذلك بمستوى الوعي الاجتماعي والحياة المدنية في هذا المجتمع أو ذاك.

التعددية الثقافية اللبرالية

تظهر مسألة الأقليات في العالم العربي كأنها وميض الجمر تحت الرماد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع ملاحظة أهمية إيجابية الخطوات التي قطعتها المملكة المغربية بمقتربة هذا الملف خلال العقدين الماضيين

وشهدت السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في الحديث عن قضية الأقليات في المنطقة العربية، ورغم استقرار المجتمعات العربية عموماً، إلا أن استمرار الغرب المستعمر في العزف على وتر الأقليات يعود إلى فشل الأنظمة السياسية في المنطقة في إجراء مقاربات موضوعية وديمقراطية لهذه الإشكالية التاريخية، وبالتالي عجز هذه الحكومات عن تقديم حلول جذرية لهذه القضية بدلاً من المحاولات المستمرة لاحتوائها، وتجاهل الأسباب الموضوعية الكامنة خلفها.

وهناك أسباب أخرى متعلقة بظهور خطاب قومي متطرف ومتشدد لدى بعض قادة الأقليات يدعو إلى الانفصال عن الدولة الأم، ويتبنى العنف في مواجهة الدولة، ويحرض على عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي يولد خطابات متطرفة من الجانب الآخر، وهو ما يدخل هذه المجتمعات في دائرة الفوضى والفشل.
إن الاكتفاء بالمقاربات الأمنية فقط لمعالجة قضية الأقليات، دون الالتفات إلى خلفيات ومسببات الاحتقان الاجتماعي لدى الأقليات، سوف  يؤدي إلى تراجع هذه القضية ثم إلى ظهورها مرة أخرى بشكل أزمة أشد خطراً مما كانت عليه.
إن الأقليات في هذه المنطقة جزء مهم ومكون رئيسي من هذه المجتمعات التي يفترض أن تستمد قوتها من تعددها الديني والعرقي واللغوي والثقافي، ويجب أن يكون هذا التنوع  سبباً لإثراء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإغناء لقيم المواطنة والتسامح والانفتاح، بدلاً من الانغلاق والتعصب والشعور بالدونية أو التعالي.
يحتاج الفكر القومي إلى التحرر من هاجس وعقدة المؤامرة، كي يتمكن من تأكيد الطابع الإنساني للأكثرية. وتحتاج الأقليات إلى التحرر من عقدة الاضطهاد كي تتمكن من بناء الدولة الحديثة مع الأكثرية، باعتبار الجميع مواطنين متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، حيث تصان كرامة الجميع وحقوقهم الأساسية في دساتير لمجتمعات متمدنة لا فضل فيها لأحد على أحد.

إن التفاعل بين التقاليد المحلية للتعايش والخطابات العالمية للتعددية الثقافية لابد وأن يعمل على نحو ثنائي: فلا ينبغي لنا أن ندرس فقط كيف يتم استخدام الخطابات العالمية أو الطعن فيها داخل العالم العربي، بل وأيضاً كيف تعمل الأصوات العربية على تشكيل الخطابات العالمية. ومع ذلك فإن التجربة تشير إلى أنه ليس من السهل تحديد الأصوات العربية داخل مخطط غربي مُصاغ مسبقاً للتعددية الثقافية الليبرالية. فذا كان للتعددية الثقافية أن تكون ذات صلة، فلابد من إعادة صياغة علاقتها بالليبرالية لتوضيح أن الليبرالية لها الأولوية، وأن تأمين البنية الأساسية للديمقراطية الليبرالية يأتي قبل السعي إلى ديمقراطية ليبرالية متعددة الثقافات على وجه التحديد. وهذا أمر ضروري لكل من العالم العربي والغرب. وإذا لم تتمكن التعددية الثقافية في العالم العربي من ترسيخ جذورها حتى يتوفر الحد الأدنى من الديمقراطية الليبرالية، فمن الصحيح أيضاً أن التعددية الثقافية في الغرب تواجه ردود فعل عنيفة عندما يُنظَر إليها على أنها تبتعد عن المبادئ الليبرالية الأساسية.

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: الطبقية الدينية تفسد قيم المجتمع وتخلق نوعا من الاستعلاء
  • اليافعي يزور محمية برع والمعالم السياحية في السخنة بالحديدة
  • درة تحتفل بعيد ميلادها برفقة زوجها
  • الأقليات في الوطن العربي.. التكيف وإدارة التنوع
  • من المعاش إلى البستان.. سيد يفتش عن عشقه القديم في عالم النباتات| صور
  • جنان الحربي: 70 نوعاً من الجراثيم والبكتيريا في أحشاء وجلد «البريعصي»
  • السودان الجديد: لوحة فسيفسائية من التنوع والتحديات الاجتماعية
  • والي جنوب كردفان يخاطب المسيرة الوطنية الهادرة لاسترداد مدني
  • البحوث الزراعية يطلقةبرنامج تدريبي عن الزيادة الإنتاجية للنباتات الطبية والعطرية
  • مركز البحوث الزراعية يطلق برنامجًا تدريبيًا لزيادة إنتاجية النباتات الطبية والعطرية