كتب نبيل بو منصف في"النهار": يتملك اللبنانيون ذعر الحقبة الأخيرة، إذا صحّت نبوءات التبشير بأن فترة الشهرين الفاصلين عن تسلم الرئيس ترامب مقاليد السلطة، ستكون الفترة الحاسمة لاستيلاد تسوية نهاية الحرب، لأن النهايات هنا تقرأ من معاناة لا يستشعرها إلا من يعيش في الجحيم.
"أقدار" الديموقراطية قادت أميركا في يوم اللقاء الأول بين الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب إلى وعد الانتقال الأكثر سلاسة للسلطة بعد شهرين وأسبوع، فيما بقع الأزمات في دول العالم تضرب أخماساً بأسداس حيال المرحلة الانتقالية وما بعدها مع بدء عهد ترامب.
لبنان، أول وأكثر البلدان المعنية بحمى المرحلة الانتقالية هذه، يجد نفسه أمام العد العكسي الأشد إثارة للخوف من أن يكون الانتقال السلس في الولايات المتحدة عنواناً لبلوغ الحرب عبر لبنان وفيه وعليه أقصى درجات ومستويات عنفها وشراستها نظراً إلى تعذر بل استحالة التوصل إلى حسم أو تسوية في ظل حسابات كل من إسرائيل و"حزب الله" وإيران و"أخيراً" لبنان الرسمي حيال الفترة الانتقالية وما بعدها.
والحال أن وقائع الحرب لا تعكس بلوغها آخر المراحل ولو أن الفترات الختامية في الحروب غالباً ما تكون الأكثر شراسة وعنفاً ودموية. تجري هذه الحرب المتدحرجة على وقع "غزاوي" تماماً، بارتفاعات مطردة يومية لمستويات وسقوف العنف والوحشية مع "عدّاد" يومي للضحايا يفوق الستين والسبعين ضحية في صفوف المدنيين ودمار باتت معه مناطق الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية وأي بلدة أو قرية تمر على بنك الأهداف الإسرائيلية مسرحاً لأفدح وأوسع دمار شهده لبنان منذ حرب الـ15 عاماً في القرن الماضي.
يتملك اللبنانيون ذعر الحقبة الأخيرة، إذا صحّت نبوءات التبشير بأن فترة الشهرين الفاصلين عن تسلم الرئيس ترامب مقاليد السلطة، ستكون الفترة الحاسمة لاستيلاد تسوية نهاية الحرب، لأن النهايات هنا تقرأ من معاناة لا يستشعرها إلا من يعيش في الجحيم.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ليس دفاعًا عن الرئيس ميقاتي
لو أردنا أن نفتش عمن كان مسرورًا أكثر من غيره بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة، التي أفضت إلى تكليف السفير السابق نواف سلام، لما وجدنا سوى الرئيس نجيب ميقاتي. فهو تلقى بصدره على مدى ما يقارب الثلاث سنوات تقريبًا ما لم يستطع أحد غيره تلقيه، وتحمّل ما لا يمكن تحمّله، لكنه بقي صامدًا أمام هول الحملات التي تعرّض لها بصبر وإيمان كبيرين. ولو تعرّض غيره، أيًّا يكن، لِما واجهته من مشاكل وصعوبات في ظل الفراغ الرئاسي الطويل، لما استطاع أن يصمد في وجه هذه الرياح العاتية، ولو لبضعة ساعات فقط. هو مسرور ليس لأنه ارتاح من كل هذا الحمل، الذي حمله وحده مع قلة من أهل السياسة، الذين يعتبرون أن المسؤولية تقتضي التصرّف بتجرد لمصلحة عدم انهيار الهيكل على رؤوس ساكنيه، بل لأنه جاء من المؤمنين بالمسار الديمقراطي، وإن كان البعض يأخذ هذا المسار على غير حقيقته، ويتصرف انطلاقًا من بعض الأحقاد والكيديات.
كان من السهل على الرئيس ميقاتي الوقوف على حافة النهر، مكتوف الأيدي ومكتفيًا بالقول إنه من غير الممكن السير بعكس التيار، وإنه لا يملك عصًا سحرية، وأن ليس في مقدوره فعل أي شيء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكان من السهل عليه أيضًا أن ينسحب من المعركة ويترك الساحة لغيره وينصرف إلى شؤونه الخاصة.
الرجل لم يفكر بكل هذا، بل قَبِل بتحمّل المسؤولية كاملة، مع أنه كان يعرف تمام المعرفة أنه بقبوله بهذه المهمة إنما هو يتقبّل بأن يحمل بيديه العاريتين "كرة نار" لم يرد غيره حرق يديه بها. كان يعرف مدى خطورة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمالية في البلد، ومدى خطورة الانقسام السياسي، عموديًا وأفقيًا. وكان يعرف أيضًا أن تحمّل المسؤولية في هكذا ظروف أنما هو "مخاطرة سياسية"، لأن العين بصيرة واليد قصيرة، خصوصًا في ظل ما تعرّض له لبنان من عدوان إسرائيلي غاشم ومدمّر .
كان المطلوب الكثير من العمل والجهد للحفاظ على الحدّ الأدنى من مقومات الدولة، وللحؤول دون تفاقم الوضع إلى ما هو أسوأ. قَبِل التحدّي. وضع خارطة طريق إنقاذية. أطلق على حكومته اسم "معًا للإنقاذ"، لأنه كان يدرك جيدًا أن هذا الإنقاذ غير ممكن، بل مستحيل إن لم تتضافر جهود جميع الأفرقاء في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كان يعلم أن صعوبات كثيرة ستواجهه، وأن عراقيل أكثر من كثيرة ستوضع في طريقه، من داخل "أهل البيت الحكومي" ومن خارجه. كان يعلم أنه سيُحَارب، وأن المتضررين من قيام دولة حقيقية كثرٌ، وأن كل طرف من الأطراف السياسية يحاول تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. كان يعرف أن عربة البلاد يشدّها حصانان.
كل هذا وغيره الكثير لم تثبط من عزيمته ولم تنل من تصميمه على إنقاذ ما يجب إنقاذه قبل "خراب البصرة "، ولم تضعف من إرادته، وهو الذي كانت تواجهه مع كل إشراقة شمس مشكلة جديدة تُضاف إلى سلسلة المشاكل المتراكمة.
كان يعرف أن الوضع صعب أكثر مما يمكن تصّوره، وأنه أكثر تعقيدًا وهو عصّي على الحلّ بالمسكّنات والتداوي بالأعشاب. وعلى رغم ذلك لم يرمِ "سلاحه" ولم يستسلم، بل كان في كل مرّة تواجهه مصيبة يستلهم ربّه، ويجدّد إيمانه بأن لبنان وهو أجمل بلد في الكون لا يمكن أن ينهار وأن يموت ويزول، لأن له دورًا لا يمكن لغيره أن يلعبه.
حاول السير بين النقاط لئلا تتحول الصراعات السياسية إلى ساحة قتال على الأرض، فكانت له وقفة جريئة على أثر الاعتداءات الاسرائيلية فجّنب البلاد كارثة سياسية خطيرة. تمكّن بحكمته ودرايته وإرادته من إعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان ودول الخليج.
حاول المستحيل. نجح مرّات كثيرة في إطفاء الحرائق المتفرقة، وكان يريد أن يرى ما عمل له منجزًا بالكامل، لكن الظروف عاكسته ووقفت حجر عثرة في طريقه.
أدّى قسطه للعلى. ولو طُلب منه إعادة الكرّة لفعل الشيء نفسه، وهو المؤمن بربه أولًا وبوطنه ثانيًا، وبالشعب اللبناني وبحقّه في أن يعيش بطمأنينة وسلام، واستقرار، وبحبوحة أولًا وأخيرًا. المصدر: خاص "لبنان 24"