العراق: قانون الانتخابات بوصفة أداة سياسية!
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
جرت انتخابات مجلس النواب العراقي وفقا للدستور العراقي الحالي، منذ أول انتخابات عام 2005 وانتهاء بآخر انتخابات جرت عام 2021، ببدعة القانون الجديد، أو التعديل الجوهري على قانون سابق، وهذه البدعة تهدف، حقيقة، إلى خدمة مصالح الفاعلين المهيمنين على القرار السياسي في مجلس النواب لحظة تشريع ذلك القانون، ولا تهدف قطعا إلى ضمان انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة، أو ضمان تمثيل حقيقي للجمهور!
بنهاية عام 2005 جرت أول انتخابات لمجلس النواب العراقي بموجب قانون رقم 16 لعام 2005 بموجب نظام القائمة المغلقة، وعُد العراق كله دائرة واحدة.
وكان وراء هذه التعديلات مصالح سياسية مباشرة، فقد ألغي تخصيص مقاعد انتخابات الخارج بسبب الاعتقاد أن هذه المقاعد ستذهب معظمها للسنة الذين غادر الكثير منهم العراق بعد 2003، وهو ما دفع الفاعل السياسي الشيعي لالغائها!
وجرت انتخابات عام 2014 بموجب القانون رقم 45 لسنة 2013، حيث زاد عدد مقاعد مجلس النواب بشكل اعتباطي من 325 إلى 328 استجابة لعلاقات القوة وشروطها، وتوزعت المقاعد وفق معادلة سانت ليغو بعد تعديلها بزيادة الرقم الأول الذي سيتم تقسيم الأصوات عليه من 1.4 إلى 1.6 من أجل منع الكيانات الصغيرة من الحصول على مقاعد في مجلس النواب!
وجرت انتخابات عام 2018 وفق القانون نفسه، بعد إجراء تعديلات جوهرية عليه، أبرزها زيادة الرقم الأول الذي تُقسَم عليه الأصوات وفقا لمعادلة سانت ليغو لتصبح 1.7 من أجل مزيد من احتكار المقاعد النيابية من الكتل الكبرى، وتقليل فرص الكتل الصغيرة من الحصول على أي مقعد. ورفع عدد مقاعد مجلس النواب بصورة اعتباطية مرة أخرى ليكون 329 مقعدا، من أجل زيادة الحصة الشيعية في مجلس النواب (منح مقعد كوتا للكرد الفيلية الشيعة في محافظة واسط، ولم يحسب المقعد من مقاعد المحافظة كما هو الحال مع مقاعد الكوتا الأخرى!).
وجرت انتخابات عام 2021 المبكرة وفق القانون رقم 9 لعام 2020، وفيها اعتُمد، لأول مرة، على الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة، وفردية الترشيح في الدائرة الانتخابية. وكان من أبرز مظاهر هذا القانون توزيع الدوائر بطريقة اعتباطية، دون أي معيار منطقي، وفقا لمصالح الفاعلين السياسيين المهيمنين على القرار داخل مجلس النواب.
وهذا النوع من التقسيم السياسي للدوائر الانتخابية يعرف بمصطلح Greeymanderin نسبة إلى واضعه البرج غيري الذي كان حاكما لولاية ماساتشوستس الأمريكية بداية القرن التاسع عشر، والذي قام بتقسيم الدوائر الانتخابية في منطقة بوسطن بطريقة تمنع الأقلية السوداء من الفوز بأي مقعد أولا، كما تضمن فوز الحزب الذي ينتمي اليه بغالبية المقاعد!
وفي عام 2023 عُدل قانون الانتخابات مرة أخرى ودُمجت هذه المرة، اعتباطيا، انتخابات مجالس المحافظات بانتخابات مجلس النواب، وألغيت، بموجبه، فكرة توزيع المحافظات إلى دوائر متعددة، وألغي نظام الترشيح الفردي أيضا، وأعيد نظام المحافظة كدائرة واحدة، واعتماد نظام التمثيل النسبي وفقا للقوائم مرة أخرى.
وكان السبب الأساسي خلف هذا التعديل كان منع التيار الصدري من الحصول على المقاعد التي حصل عليها عام 2021 (حصل على 72 مقعدا) وإعادته إلى عدد المقاعد التي كان يحصل عليها فيما سبق (بين 32 و 45 مقعدا)!
لكن نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جرت عام 2023 التي جرت بموجب القانون نفسه، والتي أفرزت ظاهرة المحافظين المتمردين على الإطار التنسيقي الذين استطاعوا أن يحصدوا أصواتا منحت قوائمهم مقاعد كثيرة مكنتهم من التمرد على الإطار التنسيقي (الذي يضم القوى الشيعية الرئيسية ما عدا التيار الصدري) ثم الصراع الحاد بين العرابين الرئيسيين داخل الإطار التنسيقي مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني من جهة أخرى، والخشية من أن يدخل السوداني نفسه بقائمة انتخابية خاصة به يستطيع أن يحصل من خلالها على مقاعد أكثر من الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها بمفرده، أو الخشية من أن يتحالف مع المحافظين المتمردين وضم مقاعدهم من جهة ثانية.
كل هذه الوقائع، دفعت بعرابي الإطار التنسيقي الكبار الذين يحتكرون عمليا القرار داخل مجلس النواب، إلى التفكير بقطع الطرق على هؤلاء من خلال قانون جديد يعتمد على تقسيم المحافظات مرة أخرى إلى دوائر متعددة، ويخصص 20٪ من المقاعد للأفراد الذين يحصلون على أعلى الأصوات، مع تخصيص الـ 80٪ المتبقية من المقاعد للقوائم الانتخابية بعد حذف الأصوات التي حصل عليها الفائزون الأوائل، الأمر الذي سيمنع رئيس مجلس الوزراء والمحافظين من ضمان حصول قوائمهم على مقاعد كثيرة!
تتنافس الطبقة السياسية في العراق على انتاج نظام انتخابي يديم هيمنتهم
قلنا في مقال سابق إن القانون في العراق ليس قاعدة عامة مجردة هدفها الصالح العام، كما يَفترضُ تعريفه، بل هو في ذهنية الطبقة السياسية، اتفاق سياسي تُنتجه علاقات القوة في مجلس النواب في لحظة إقراره، وهو أداة تضمن مصالح الفاعلين السياسيين الأقوى.
فبدلا من السعي إلى إنتاج نظام انتخابي عادل يحقق هدف الانتخابات الجوهري وهو تمثيل حقيقي للقوى السياسية/ الاجتماعية، وضمان العدالة والنزاهة والشفافية للجميع، تتنافس الطبقة السياسية في العراق على انتاج نظام انتخابي يديم هيمنتهم، ويمكنهم من السيطرة على مخرجات الانتخابات من خلال التزوير المنهجي والتلاعب بالنتائج.
كانت هناك عبارة أطلقها الرئيس الأسبق صدام حسين حول مفهومه للقانون، وهو أنه «سطر نكتبه وسطر نمسحه». ومن الواضح أن هذا المفهوم ما زال حاكما في العراق، فالقانون مجرد سطر يكتبه القابضون على السلطة وسطر يمسحونه متى شاؤوا، تبعا لمصالحهم ورغباتهم ونزواتهم وحتى استثماراتهم في المال العام!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي قانون الانتخابات العراق قانون الانتخابات المحاصصة الطائفية سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإطار التنسیقی فی مجلس النواب انتخابات عام جرت انتخابات فی العراق مرة أخرى
إقرأ أيضاً:
لعبة القوانين.. هل يكون تعديل الانتخابات بداية لإقصاء المنافسين؟
18 فبراير، 2025
بغداد/المسلة: طرح تعديل قانون الانتخابات مجدداً وسط أجواء سياسية مشحونة، حيث يصطدم المشروع بصعوبات تمنع تمريره رسمياً داخل البرلمان.
و لا يتوقف الجدل عند الجوانب الفنية للتعديل، بل يمتد إلى المخاوف من استغلاله من قبل بعض الأطراف السياسية لاستهداف خصومها انتخابياً، مما يضعف فرص الوصول إلى توافق حول التعديلات المقترحة.
و أكدت مصادر أن رئاسة الجمهورية بصدد تقديم مشروع تعديل قانون الانتخابات إلى البرلمان من أجل التصويت عليه، في خطوة يرى البعض أنها قد تسرّع إقرار التعديلات أو تعرقلها وفقاً لمواقف الكتل المختلفة.
وفي ظل هذا الوضع، تواصل المفوضية العليا للانتخابات تحضيراتها، حيث أوضح رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية أن عملية تسجيل الناخبين مستمرة، وأن مراكز التسجيل تعمل طيلة أيام الأسبوع باستثناء الجمعة والسبت.
و ينص الدستور والقانون الانتخابي على حق أي مجموعة من أعضاء مجلس النواب في تقديم مقترح لتعديل قانون الانتخابات، غير أن الإطار الزمني لذلك يظل موضع نقاش، إذ يقتضي التعديل أن يتم في توقيت لا يؤثر على جدول العمليات الانتخابية، تفادياً لعرقلة إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها المحدد. الالتزام بالقانون الانتخابي النافذ رقم 12 لسنة 2018 يشكل أولوية للمفوضية، التي تؤكد أنها ستعمل وفقاً للقواعد الحالية ما لم يتم تمرير التعديل رسمياً.
و أوضح عضو مجلس النواب عارف الحمامي أن بعض الكتل السياسية تدفع باتجاه التعديل، وأنه لا يزال قيد النقاش والتنضيج، دون أن يتضح بعد إن كان التعديل سيحظى بالدعم اللازم داخل قبة البرلمان.
وعلى الرغم من أن القانون الانتخابي يشترط تحديد موعد الانتخابات بقرار من مجلس الوزراء بالتنسيق مع المفوضية، فإن الحسابات السياسية تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل أي تعديل مقترح.
و يبدو أن مسار تعديل قانون الانتخابات لن يكون سهلاً، إذ يتداخل فيه البعد القانوني مع المصالح السياسية للأحزاب والكتل المختلفة. كل تعديل انتخابي يحمل في طياته إعادة توزيع النفوذ السياسي، وهو ما يجعل التوافق عليه تحدياً حقيقياً، خاصة في ظل انعدام الثقة بين الأطراف المتنافسة.
يشكلو توقيت التعديل عقبة أخرى، إذ أن أي تغيير قريب من موعد الانتخابات قد يُتهم بأنه محاولة لخدمة طرف معين على حساب آخر.
المفوضية العليا للانتخابات، من جهتها، تبدو حذرة في التعامل مع أي تعديل قد يربك تحضيراتها، فهي مطالبة بإدارة العملية الانتخابية وفق جداول زمنية صارمة.
الجدل حول التعديلات الانتخابية ليس جديداً، إذ سبق أن شهدت البلاد خلافات مماثلة عند كل استحقاق انتخابي، حيث تسعى القوى المتنافسة إلى تعديل النظام الانتخابي بما يتناسب مع مصالحها. وعليه، فإن تمرير أي تعديل لن يكون محسوماً إلا إذا تم التوصل إلى صفقة سياسية تشمل جميع الأطراف الفاعلة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts