المكسيك وفنزويلا تواجهان امتحاناً صعباً
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
لا مكان للمنطقة الرمادية في علاقات زعماء أميركا اللاتينية بالفائز حديثًا برئاسة الولايات المتحدة، حيث لا هروب من التعامل مع واشنطن، الساهرة على إتقان دور "الوصاية" على بقية بلدان القارة.
فمهما تنوعت نبرة التهاني التي انهالت على الرئيس المنتخب ترامب، فإنها بالتأكيد، تعكس إلى حدّ كبير مستوى الانسجام أو النفور بين زعماء المنطقة وترامب، وتوحي بشكل العلاقة بين هذه البلدان والإدارة الأميركية خلال السنوات الأربع القادمة.
المؤكد حتى الآن، أن فوز ترامب يمثل أسوأ سيناريو بالنسبة للمكسيك، تليها فنزويلا. في المقابل، يعتبر رئيس الأرجنتين والمعارضة البرازيلية بقيادة الرئيس السابق بولسونارو، أهمّ حلفاء ترامب في المرحلة القادمة.
فالمكسيك، بقيادة رئيستها المنتخبة حديثًا، كلوديا شينباوم، تواجه امتحانًا صعبًا، يفترض الامتثال لأوامر الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، في إدارة ملف الهجرة غير النظامية وعصابات المخدرات والتجارة بين البلدين؛ لتجنب التهديدات الجدّية التي لوّح بها خلال حملته الانتخابية.
وهو في الحقيقة امتحان نجح في تأجيله سلفها الرئيس السابق أندراس أوبرادور، وتوصّل بشأنه إلى حلّ وسط مع الرئيس بايدن، على أمل طرحه ثانية مع تجديد ولايته الثانية، لكن ذلك لم يحدث.
فالمكسيك التي تجمعها حدود بطول 3000 كيلومتر مع الولايات المتحدة، مهددة اليوم برفع رسوم جمارك سلعها المُصدّرة إلى السوق الأميركية، بنسبة 25%، إذا لم تتحكم في تسلل جحافل المهاجرين غير النظاميين، من حدودها إلى داخل التراب الأميركي، وفقًا لإنذار الرئيس ترامب، الذي لوّح أيضًا بتجميد اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي شارفت على التوقيع.
كما حرص خلال حملته الانتخابية على تحميل المكسيك مسؤولية ملاحقة عصابات المخدرات، من خلال غضها الطرف عن جرائم تهريب المخدرات إلى الأراضي الأميركية، في محاولة للتنصل من مواجهتهم.
والواضح أن الحكومة المكسيكية أخذت تهديدات ترامب على محمل الجد؛ لأنها تعلم جيدًا أن تنفيذها يمكن أن يتمّ غداة توليه المنصب. وهو ما يفسر نبرة التهنئة المتروّية التي تقدمت بها الرئيسة كلوديا شينباوم، للرئيس ترامب، في محاولة لتهدئة السوق المكسيكية، وطمأنة فئة المصدّرين الجزعين على معاملاتهم التجارية مع أهم شريك اقتصادي للمكسيك.
أما فنزويلا، فقد وجّه رئيسها نيكولاس مادورو، خلال حوار تلفزيوني، بعد إعلان فوز ترامب، تهنئة رسمية، ورسالة قال فيها: "على واشنطن أن تسلك طريقة جديدة مع بلدان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي: طريق التفاهم حتمًا"، وذكّر الرئيس ترامب بوعوده خلال حملته الانتخابية التي ركزت على استعادة الولايات المتحدة حجم اقتصادها وريادتها في مجال التكنولوجيا، وتعهده بوضع حد للحرب التي يتعرض لها أهالي غزة، والحرب بين أوكرانيا وروسيا.
وفيما يتعلّق بالعلاقات الثنائية بين فنزويلا والولايات المتحدة، أعرب الرئيس الفنزويلي عن استعداده للحوار، في إطار الاحترام والحكمة، مشيرًا إلى أن فنزويلا ترحّب بالتعاون مع كل الأطراف الذين يلتزمون باحترام هويتها وشؤونها الداخلية.
في المقابل، تقدم مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس بتهنئة للرئيس ترامب، متحدثًا بصفته رئيسًا منتخبًا، قام الرئيس مادورو بالالتفاف على فوزه. وعززت زعيمة المعارضة ماريا ماتشادو تلك التهنئة، بتذكير للرئيس ترامب على الدعم الذي خصهم به في السابق، وتعويلهم على الاستمرار فيه؛ بهدف استعادة فوزهم.
من جانبه، اكتفى الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو بتهنئة مقتضبة للشعب الأميركي والرئيس ترامب، بدأها بالجملة التالية: "ترامب يقول إنه لم يأتِ ليبدأ حروبًا، بل جاء ليوقفها. إذا كان الأمر هكذا، فيمكنك التعويل علي! لنوقف الحرب في أوكرانيا وفي السودان وفي لبنان وفي فلسطين".
وأردفها بدعوة غير مباشرة للرئيس ترامب، لمراجعة حلوله لموجات الهجرة نحو الشمال، قائلًا: إن الحل يكمن في دعم التنمية في مناطق الجنوب لتلزم الشعوب أماكنها، ووضع حدّ لسياسات الحصار؛ لأن الرؤية التقدمية لايحق لها التصفيق لجريمة الإبادة في غزة.
وبعيدًا عن رسائل التهنئة الدبلوماسية المتشابهة في مجملها، من قبل رؤساء تشيلي، وبوليفيا، والبرازيل، التي كانت أكثرها اقتضابًا، اتسمت تهاني رؤساء السلفادور، وبنما، والإكوادور، بعبارات الإطراء والمدح والرغبة في تحقيق مزيد التقارب.
غير أن تهنئة رئيس الأرجنتين، فاقت كل المستويات، وأثارت جدلًا واسعًا في وسائل الإعلام اللاتيني، حيث أغرق الرئيس ميلي حسابه على منصة "إكس" بما يقارب 20 تغريدة، باللغتين: الإسبانية والإنجليزية، صاحبت أغلبها صور تجمعه بالرئيس ترامب، أثارت موجة من التهكم، بسبب تأويلاتها.
وحرص في تهنئته باللغة الإنجليزية على وصف فوز ترامب بالهائل والمُذهل، وناشده جعل أميركا عظيمة من جديد، داعيًا إياه للتعويل عليه في مهمته. ويبدو أن نعت ردّة فعل الرئيس الأرجنتيني على فوز ترامب بـ "النشوة" و"الغبطة المبالغ فيها"، من قبل الإعلام، لا تفي مضمون ما نشره حقه، وهو سلوك ليس بالغريب على رئيس انفعالي، غريب الأطوار كان الجميع في الأرجنتين يدعوه بـ"المجنون"، بمن فيهم هو نفسه.
وغير بعيد عن رئيس الأرجنتين اليميني المتطرف، نشر زعيم المعارضة البرازيلية، الرئيس السابق جايير بولسونارو، عددًا من التغريدات، تقدم فيها بتهنئة مفعمة بعبارات المودة لـ"صديقه" ترامب، مُذكّرًا باستعادة فوزه بعد تعرضه في 2020 "لانتخابات وحشية واضطهاد قضائي جائر"، وفق قوله. وأضاف في تغريدة أخرى أن ابنه، البرلماني إدواردو، يعيش أجواء الانتصار بمقر حملة ترامب؛ نظرًا للعلاقة القوية التي تربط العائلتين.
تجدر الإشارة إلى أن اليميني المتطرف، بولسونارو الذي تولى رئاسة البرازيل من 2019 إلى يناير/ كانون الثاني 2022، وانهزم خلال انتخابات ملحمية، أمام خصمه لولا دا سيلفا في أواخر 2022، يستعد لخوض غمار الانتخابات القادمة في أواخر 2025، رغم أن الأحكام القضائية الصادرة ضده، منعته من الترشح.
ويبدو، أن الرجل مُقدم على فوز موعود وغير مفهوم، برئاسة البرازيل من جديد لا سيما بعد نتائج الانتخابات البلدية التي شهدتها البرازيل الشهر الماضي، وفاز فيها حزب بولسونارو ببلدية العاصمة ساو باولو.
في إحدى تغريدات الرئيس الأرجنتيني ميلي، الموجهة إلى الرئيس ترامب، قال فيها إن منطقة أميركا اللاتينية مستبشرة بفوزه؛ لأنها ستستعيد بذلك زمن المجد اليميني، من خلال دحر تيار اليسار الاجتماعي.
وليس ذلك بصعب في الحقيقة، فالأجواء في البرازيل توحي بعودة بولسونارو، وتشيلي كذلك تتقدم بخطى ثابتة لطي صفحة الرئيس الشاب اليساري بوريش، والمعارضة اليمينية الصلبة في كولومبيا لم تعد تطيق صبرًا على صمود الرئيس بيترو إلى نهاية فترته الانتخابية، وكذلك تعوّل المعارضة الفنزويلية على نيل رهاناتها التاريخية بمعجزة من ترامب.
سيناريوهات، قد تتحقق بالدعم الأميركي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، حرص ترامب على الوقوف في وجه التغلغل الاقتصادي للصين في المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رئیس الأرجنتین الرئیس ترامب للرئیس ترامب فوز ترامب رئیس ا
إقرأ أيضاً:
نيوزويك: عطلة نهاية الأسبوع التي صنعت ظاهرة ترامب وغيرت التاريخ
إذا كان مقتل ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند يوم 18 يونيو/حزيران 1914 هو الشرارة التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، فإن نهاية عطلة أسبوع في ربيع 2011 مثلت نقطة تحول كبرى في التاريخ القريب للسياسة الأميركية الحالية، إذ أطلقت سلسلة أحداث لا تزال تتكشف يوما بعد يوم حتى الآن رغم مرور 14 عاما على وقوعها، حسبما أوردته مجلة نيوزويك الأميركية.
وأوضحت المجلة -في مقال مطول للكاتب كارلو فيرسانو- أنه خلال تلك العطلة، أصدر الرئيس الأميركي وقتها باراك أوباما أمرا بقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ثم ما لبث أن انطلق يجهز خطابه الساخر الذي سيلقيه في اليوم الموالي خلال حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض، تضمن انتقادات لاذعة لرجل أعمال اسمه دونالد ترامب، كان قد سخر في وقت سابق من أوباما وشكك في أهلية حكمه للولايات المتحدة مرددا مزاعم بأنه ولد خارج البلاد، ومن ثم فليس أميركيًا بالولادة.
REMINDER: Pres Obama at the 2011 White Correspondent’s Dinner absolutely DESTROYS Donald Trump! I’m betting Trump is still angry about this today as the entire audience laughs at him! #Priceless #WHCD pic.twitter.com/24kxy3oIAi
— (((DeanObeidallah))) (@DeanObeidallah) April 30, 2022
سخرية لاذعةوحسب الكاتب، فقد كان على أوباما أن يتصرف خلال الحفل بشكل طبيعي وعادي حتى لا يلفت الانتباه، إذ إن عملية قتل بن لادن ظلت محاطة بسرية شديدة، وكان عليه بذل جهد كبير خلال إلقاء خطاب يفترض أنه ساخر، ويتضمن انتقادات لاذعة لغريمه ترامب الذي قاد حملة دعوة البيت الأبيض للكشف عن شهادة ميلاد أوباما.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: صبر ترامب نفد وأوهام سموتريتش لن تتحققlist 2 of 2نظرة على معاهدة نهر السند التي قد تشعل حربا بين الهند وباكستانend of list إعلانوحرص أوباما على انتقاد ترامب، وقال إن نشر شهادة ميلاده أخيرا ستضمن للملياردير الأميركي سعادة بالغة، إذ ستجعله يتفرغ "لقضاياه المهمة، مثل هل قمنا بتزوير هبوطنا على القمر، وأين بيغي وتوباك؟".
وزاد بعض الكوميديين الذين شاركوا في الحفل الوضع سوءا بالنسبة لترامب الذي بدا وكأنه يغلي من السخرية منه، وبينهم سيث مايرز -صاحب برنامج توك شو شهير- الذي قال إن ترامب "صرح مؤخرا بأن لديه علاقة رائعة مع السود، وأظنه مخطئا إلا في حالة أن السود الذين يتحدث عنهم هم عائلة من البيض، أعتقد أنه مخطئ".
الترشح للرئاسةورغم أن شهادات كثيرة أوردتها نيوزويك تؤكد أن ترامب كان يغلي غضبا من السخرية اللاذعة الموجهة إليه، فإنه دأب على نفي ذلك موضحا أنه كان مستمتعا بفقرات الحفل.
وتوضح المجلة الأميركية أن ترامب كان قد تحدث علنا عن فكرة الترشح للرئاسة منذ الثمانينيات، لكن عديدا من مستشاريه السابقين قالوا، في تصريحات لنيوزويك ووسائل إعلام أخرى، إنهم يعتقدون أن الإهانة العلنية التي تعرض لها في تلك الليلة هي التي حسمت قراره في النهاية بالترشح بجدية لأعلى منصب في البلاد.
ونقلت المجلة عن دان فيفر -مستشار الاتصالات السابق في البيت الأبيض- حديثه الذي نشر في مجلة بوليتيكو الأميركية عام 2021، والذي قال فيه: "كان في ذلك الوقت الخطاب الذي اعتقدنا أنه الأكثر نجاحا لنا، سواء كان ذلك في النهاية، ربما، قد دفع دونالد ترامب للترشح للرئاسة.. هذا شيء يمكن للتاريخ أن يحكم علينا بخصوصه، لكن شعورنا كان رائعا".
وأوضح الكاتب أن خبراء ومستشارين مقربين من أوباما كشفوا عن أن إدارته كانت تتبع إستراتيجية سياسية علنية لرفع مكانة ترامب وغيره من العناصر التي كانت تُعَد حينها أقصى اليمين الهامشي، حتى بدا وكأنه أبرز معارض للرئيس بغرض استغلال الواقعة لمصلحتهم، لكن كل شيء ذهب في الاتجاه المعاكس، إذ ترشح ترامب للرئاسة بعدها بـ5 سنوات، وفاز بالرئاسة في سباق مثير لم يتوقع أحد نتيجته.
إعلانوذكر الكاتب كارلو فيرسانو أن الجميع الذين خططوا وأيدوا رفع ترامب إلى مكانة زعيم المعارضة لأوباما، تبرؤوا من ذلك لاحقا، وكل واحد منهم بدأ يصرح: "ليست غلطتي، هكذا تعمل دواليب السياسة".
وعاد الكاتب إلى قصة حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض، وقال إنه في الوقت الذي كان فيه الضيوف لا يزالون يعانون من آثار السهرة الطويلة صبيحة الأول من مايو/أيار، بدأت وكالات الأنباء تتناقل خبر مقتل بن لادن.
وتابع أن عددا من الشخصيات السياسية لا تزال تعتقد حتى الآن أن أوباما ارتكب خطأ جسيما بعدم استخدام مقتل زعيم القاعدة لإنهاء حرب أفغانستان، وترك عبئها يثقل كاهل رفيقه في الحزب جو بايدن لاحقا.