تغيير السردية التاريخية للمنطقة
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
لم يعد تحقيق الانتصارات في المعارك بين الدول تعتمد بشكل كامل على الجيوش فقط وإن بقت هي الوسيلة العملية والحقيقية في الضرورات، ولكن باتت القدرة على إعادة صناعة الصورة وتقديم رواية أو “محتوى إعلامي” مقنع للرأي العام العالمي وفق عصر المعلومات هي السلاح الحقيقي إن تم إجادته.
فمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي الست لم تعد منطقة أزمات وكوارث كما اعتاد البعض على الترويج عنها وفق أجنداته السياسية وإنما باتت السمة الرئيسية هي: مستقبل العالم.
ففي الوقت الذي “يلتهب” العالم في كل أنحاءه بأزمات ومشاكل مختلفة تعمل دول المنطقة كلها وليس دول مجلس التعاون الخليجي الست فقط على تغيير السردية التاريخية العالقة في أذهان البشر في العالم؛ بأن هذه الدول تزدحم فيها النزاعات والحروب أو أنها تصدر المتطرفين للعالم بل هي تُبرز نفسها بأنها منصات للدبلوماسية العالمية من أجل إيجاد حلول للأزمات العالمية أخرها تلك المحاولات القمة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في أغسطس الماضي من أجل التباحث في أساليب إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية وتحقيق السلام، هذا غير أن هذه الدول باتت تفرض نفسها على القضايا الدولية والإنسانية مثل قضية احترار المناخ حيث تستضيف دولة الإمارات خلال شهر نوفمبر المقبل قمة COP28.
إن مصداقية دول المنطقة في الالتزام بتعهداتها تتصاعد في المحافل الدولية، بل إن قدرتها في إدارة الملفات الاقتصادية والمنافسة على تحقيق انتصارات في الاستثمارات تتزايد، مما ضاعف من تأثيرها الإيجابي في دوائر صناعة القرارات الدولية وهو ما دفع في المقابل إلى تراجع الدور الغربي بالكامل ليس برغبتها بقدر ما يعني تصاعد النشاط الدبلوماسي الإقليمي لدول هذه المنطقة في الساحة الدولية حتى صار الحديث اليوم عن إشراك هذه الدول في ترتيبات تشكيل النظام الدولي القادم متداول؛ إن لم يكن ذلك بطريقة مباشرة فمن خلال سياسة الدعم للشركاء الإقليميين مثل: تصاعد الدور الهندي وعودة الدور التركي وهذا بفضل دعم هذه الدول.
من ذلك الواقع الجديد أعاد الإعلام الدولي رسم لغة خطابه عن دول هذه المنطقة في ملاحظتين اثنتين هما. الملاحظة الأولى: محاولة لخلق قصصاً إعلامية مفبركة عن وجود خلافات بين دول المنطقة، في إشارة واضحة إلى الرغبة في إحداث أزمات دبلوماسية وشرخ سياي بين الدول التي تقود العمل العربي مثل ذلك التقرير الذي أبرزته صحيفة “وول ستريت جورنال” في يوليو الماضي وقبلها صحيفة “فايننشيال تايمز” عن خلاف إماراتي- سعودي.
الملاحظة الثانية: حالة التجاهل الخليجي والعربي عموماً لما تنقله وسائل الإعلام الغربية والمتحدثين الرسميين لحكوماتهم حول القضايا التي اعتادوا على المتاجرة بها مثل حقوق الإنسان والحريات فقد افتضحت مواقفهم في العديد من الملفات وتأكد للجميع أن دعم هذه القضايا ليس إلا من باب المخادعة والابتزاز لذا نجد أحياناً كثيرة أن هناك حالة من “التيه السياسي” في مواقفهم السياسية، وربما أفضل مثال في ذلك تراجع الدور الفرنسي في المنطقة وأفريقيا.
يبقى أن قوة الخطاب السياسي العربي في مسائل الأساسية للإنسان في المحافل الدولية مع إبراز الحقائق من خلال المواقف الحقيقية كتلك التي حدثت أثناء أزمة فيروس كورونا عندما قدمت الإمارات مساعدات لجميع دول العالم مع بروز مواقف دول المنطقة الصريحة في الأزمة الأوكرانية غيرت من نظرة الرأي العام العالمي تجاه مواقف حكوماتهم بل وأجبرت وسائل إعلامها على نقل الحقائق كما هي مما أدرك الجميع أن المستقبل في هذه المنطقة من العالم، وهو ما يعني أن المنتوج السياسي والثقافي لدول هذه المنطقة في طريقة نحو التغير.
أكبر دليل على ما سبق طرحه، أن تفضيلات شعوب العالم تتجه إلى هنا سواءً للعيش والاستقرار أو العمل وتحسين المعيشة أو حتى للسياحة فقدي باتت بيئة جاذبة بفعل الإنجازات وليس شعارات.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الرياضة في "اقتصادية الدقم"
أحمد السلماني
في ظل التوجهات الطموحة لسلطنة عُمان نحو التنويع الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات، تبرز المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم كإحدى الركائز الاستراتيجية لتنمية البلاد. فبفضل موقعها الجغرافي الفريد على بحر العرب، ومرافقها المتطورة، مثّلت محطة تعنى بجذب الاستثمارات في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاعين السياحي والرياضي.
وتمتلك الدقم إمكانيات سياحية هائلة تؤهلها لأن تكون وجهة عالمية للسياحة والترفيه؛ حيث تتميز بشواطئها البكر، ومناظرها الطبيعية الخلابة، ومناخها المعتدل. إن إقامة مشاريع سياحية متكاملة، تشمل المنتجعات الفاخرة، والمرافق الترفيهية، والبنية الأساسية المتطورة، ستجعلها مركزًا سياحيًا بارزًا يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
وفي ظل الاهتمام العالمي بالاقتصاد الرياضي، يمكن أن تتحول الدقم إلى وجهة رياضية رائدة من خلال إقامة بطولات رياضية دولية في مختلف الألعاب، سواء على مستوى كرة القدم، أو الرياضات البحرية مثل التجديف وسباقات القوارب الشراعية، أو حتى رياضات التحمل والمغامرات الصحراوية. شريطة تشييد بنية رياضية أساسية ولا بأس من إقامة مجمع رياضي متكامل بملعب كرة قدم بمواصفات حديثة، هذه الفعاليات ستسهم في الترويج للمنطقة وزيادة عدد الزوار، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي من حيث الترويج للمنطقة ولسلطنة عُمان عموما.
ولقد سُعدتُ جدًا بتنظيم المنطقة لملتقى الدقم الرياضي الأول؛ فالفكرة جميلة ويمكن أن تكون نواة لمشروع استضافة وتنظيم البطولات الرياضية والثقافية وعلى مستوى دولي شريطة إشراك الإعلام الرياضي والشركات المتخصصة في الترويج والتسويق واستضافة الإعلام من مختلف دول العالم الشقيقة والصديقة.
لا يقتصر دور الدقم على السياحة والرياضة فقط؛ بل يمكن أن تصبح مركزًا إقليميًا للمؤتمرات والفعاليات الثقافية، مستفيدة من بنيتها الأساسية الحديثة والموقع الاستراتيجي الذي يربط بين آسيا وأفريقيا. وإقامة المعارض الاقتصادية والمنتديات الاستثمارية والمؤتمرات الدولية ستجعل الدقم محط أنظار رجال الأعمال والمستثمرين، وتعزز من مكانتها كوجهة اقتصادية عالمية.
إنَّ تحويل الدقم إلى مركز سياحي ورياضي عالمي سيدعم "رؤية عُمان 2040"، وسيسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي عبر جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل جديدة. كما أن تطوير قطاع الضيافة والترفيه والفنادق بمختلف فئاتها سيدعم الشركات المحلية، ويعزز من مكانة السلطنة على الخريطة الاقتصادية والسياحية العالمية.
بوجود رؤية واضحة واستثمارات مدروسة، يمكن أن تصبح الدقم واحدة من أهم الوجهات السياحية والرياضية في المنطقة، ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في النمو الاقتصادي للسلطنة، فهل نشهد قريبًا تحولات كبيرة تجعل من الدقم مقصدًا عالميًا ينافس أبرز المدن الاقتصادية والسياحية في العالم؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال.
رابط مختصر