يواجه عشرات آلاف اللاجئين السودانيين إلى أوغندا مصاعب حياتية متعددة، خصوصاً في مخيمات اللجوء بمدينة بيالي (شرق)، والتي تبعد أكثر من 300 كيلومتر عن العاصمة كمبالا حيث وصل أكثر من خمسين ألف سوداني إلى أوغندا، بينما ما زالت الدولة تستقبل المزيد من اللاجئين الفارين من الصراع المتواصل في بلادهم عبر المعابر البرية والجوية.

وأكثر ما يميز أوغندا هو سرعة الحصول على تأشيرة الدخول، وسرعة التسجيل لدى مفوضية شؤون اللاجئين، إذ يمنح اللاجئ السوداني إقامة فورية لمدة خمس سنوات يتمتع فيها بكل الحقوق.
تمنح الحكومة الأوغندية اللاجئ قطعة أرض لاستخدامها في السكن والزراعة، وتتيح للتلاميذ السودانيين فرص التعليم، فيما تقدم منظمات دولية مساعدات غذائية ومالية شهرية، وينشط سودانيون متطوعون في توفير وجبات مجانية بمخيمات اللجوء بدعم من منظمات وخيّرين.
ويتوزع غالبية اللاجئين السودانيين بين العاصمة كمبالا ومدينة بيالي، وهم في كمبالا يفضلون تأجير شقق أو منازل خاصة رغم ارتفاع قيمة الإيجارات، كما يحاول الكثير منهم الالتحاق بسوق العمل رغم قلة الوظائف، ولجأ بعضهم إلى تأسيس أعمالهم الخاصة، فانتشرت المطاعم والمخابز والمحال التجارية التي يملكها سودانيون، والتي تستقطب اللاجئين زبائن دائمين، وتوفير المنتجات السودانية.
وينتشر في أنحاء مدينة بيالي آلاف اللاجئين من ولايات السودان المختلفة، مثل دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم وسنار، وقد قطع هؤلاء مئات الأميال للوصول إلى المدينة التي افتُتح فيها مكتب لمفوضية شؤون اللاجئين، مهمته استقبال السودانيين واستضافتهم خلال الأيام الأولى في مخيمات، لحين استكمال إجراءات تسجيلهم، وحصولهم على الوثائق الضرورية، وتسليمهم دعماً مالياً، قبل توزيعهم على أراض خصصتها لهم حكومة أوغندا.
تمثل صعوبة الاندماج في المجتمع الأوغندي، وخوف الأسر اللاجئة على أبنائها وبناتها أبرز الصعوبات، يضاف إليها قلة فرص العمل، وارتفاع إيجارات المساكن. يقول اللاجئ الشاب أنس الحسين لـ"العربي الجديد": "فرص العمل محدودة، والمتوفر منها غير مجز، وقد عملت مرتين، مرة في أحد المصانع، والثانية في شركة لتوزيع المواد الغذائية، وفي النهاية اخترت فتح محل تجاري صغير في إحدى ضواحي بيالي، يمكنني من خلاله الإنفاق على أسرتي والتكفل بالمصروفات الدراسية والعلاجية".

بالقرب من مكاتب استقبال اللاجئين في بيالي، يتجمع المئات من السودانيين في مقاه ومطاعم، معظمها سودانية، بينما يتوزع اللاجئون على نحو 11 حياً، وشيد بعضهم خياماً من عيدان خشبية تتدلى فوقها مشمعات، وهؤلاء يشتكون من عدم وجود مراحيض، ومن كون المستشفى بعيداً، فيما تعرض عدد منهم إلى اعتداءات ونهب من قبل عصابات.
يعيش أبكر أرباب مع زوجته وثمانية أبناء داخل مخيم استقبال اللاجئين، ويروي لـ"العربي الجديد"، قصة رحلته الطويلة التي استمرت لنحو شهر كامل، والتي بدأت من حي مايو في جنوب الخرطوم، إلى مدينة ربك بولاية النيل الأبيض، ثم مدينة الرنك بدولة جنوب السودان، ثم إلى ملكال ومنها إلى العاصمة جوبا، وصولاً إلى نمولي، قبل أن يعبر الحدود السودانية الأوغندية، ليستقبله موظفو مفوضية اللاجئين، وينتقل إلى بيالي.
يقول أرباب: "الرحلة استنفدت كل ما لدي من أموال، وأنهكتني وأسرتي جسدياً، لكننا حصلنا على بطاقة لاجئ، وتسلمنا دعماً مالياً، ونستعد لاستخدامه في شراء مواد بناء بعد منحنا قطعة أرض، وأخطط لزراعتها لتوفير ما يمسك رمق أسرتي، وأنا متفائل بسبب خبرتي في الزراعة، على عكس كثير من اللاجئين، كما وزعت منظمات خيرية علينا مساعدات إنسانية".
بدورها، جاءت الفتاة السودانية تنزيل من ود مدني (وسط)، إلى أوغندا بحثاً عن فرصة لاستكمال المرحلة الثانوية، وسجلت لامتحان الشهادة السودانية، وهي تنتظر حالياً وصول بقية أهلها.

من جانبها، تبدي اللاجئة السودانية مروة الفارسي أسفها على ما آل إليه حال السودانيين الذين "اكتووا كثيراً قبل الحرب، وهم يكتوون بعدها"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنها غادرت بيتها في الخرطوم لجملة من الأسباب، منها أن أطفالها كانوا يشعرون بالهلع كلما سمعوا أصوات الرصاص أو القصف، لكنها حالياً تفتقد حياتها في السودان، مؤكدة أنهم يواجهون في أوغندا الكثير من المصاعب، وأن ما يبقيهم فيها هو توفر الأمن.
يقول طالب هندسة البرمجيات، محمد المنتصر حسين، إنه جاء مع مجموعة من أصدقائه من أم درمان، بعد أن سمعوا أن اللجوء إلى أوغندا قد يتيح لهم الحصول على إعادة توطين في دولة أوروبية، فخاضوا رحلة طويلة شاقة تعرضوا فيها للكثير من المخاطر حتى وصلوا إلى منطقة جموني الحدودية، وقضوا أربعة أشهر في معسكر نيومانزي، وبعدها جرى نقلهم إلى بيالي، ومنحهم أرضاً للسكن والزراعة، ومضى عليهم عشرة شهور في بيالي، ولم يتمكنوا من استكمال مشوارهم الدراسي، بينما مفوضية اللاجئين تدعمهم شهرياً بـ14 ألف شلن أوغندي، ما يعادل أربعة دولارات للفرد الواحد، وهو مبلغ لا يكفي ليومين فقط، لكنهم يتكافلون بينهم لإكمال بقية أيام الشهر.
يؤكد رفيقه أبوبكر جلال، وهو أيضاً طالب جامعي ينحدر من منطقة الكلالكة جنوبي الخرطوم، قلة فرص العمل في ظل كون دعم المفوضية محدوداً، ويشكو لـ"العربي الجديد"، من مشكلة التعليم في الجامعات الأوغندية، فهو كونه طالب هندسة طبية، أكمل السنة الثالثة قبل توقف الدراسة، ولديه 14 شهادة من دورات تدريبية، لكنه لم يجد طريقة للحصول على منحة دراسية.

تقديرات بأن قتلى حرب السودان أعلى بكثير من المسجل

بدوره، لجأ الموسيقي السوداني سعود إمام، إلى بيالي بعد سلسلة من العذابات، وهو يسرد عدداً من المشكلات، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الفترة الأولى كانت صعبة، خصوصاً أن الأرض التي منحت لنا تتوسط كثافة زراعية، ومساحتها ضيقة، وممتلئة بالحشرات، كما واجهنا مشكلة نقص الغذاء، إذ كان يتم تسليمنا سلة غذائية تكفي لشهر، لكنها استبدلت بأموال شهرية غير كافية، وهناك مشكلة أكبر في الحصول على المياه، إذ يمشي الشخص لعدة كيلومترات للحصول على المياه يومياً".
يضيف إمام: "حين وصلت إلى بيالي وجدت أن بعض من سبقوني يعانون انهياراً نفسياً، فلجأت إلى تنظيم حفلات غنائية، وأسست كورالاً للأطفال، وآخر للكبار، ونظمت ليالي ثقافية للتخفيف عن الناس، ومساعدتهم على التعافي، إيماناً مني بأن الموسيقى أحد العوامل المؤثرة في تغيير النفسيات، ونسيان الحرب وويلاتها".

كانت منار محمود، ناشطة في مجال حقوق الإنسان، وحصلت بعد الحرب على منحة لإجلائها من مناطق النزاع، ووصلت إلى بيالي عبر جنوب السودان، لكنها لم تجد فرصة عمل، فاضطرت إلى العمل بائعة شاي وقهوة أمام مركز استقبال اللاجئين التابع لمفوضية اللاجئين. تقول لـ"العربي الجديد": "إنها المهنةُ الضرورةُ، وقد مكنتني من تصريف شؤون حياتي والاعتماد على نفسي. أواجه جملة من المصاعب، من بينها عدم وجود فرص عمل، وتحمل أعباء الأسرة لغياب الأب، عدا عن الواقع الاجتماعي والثقافي المختلف، والمصاعب أكبر عادة بالنسبة للنساء، لكننا نحاول التأقلم".

العربي الجديد  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العربی الجدید إلى أوغندا

إقرأ أيضاً:

أزمة سيولة خانقة تفاقم معيشة السودانيين

تشهد غالبية ولايات السودان أزمة سيولة حادة وازدحاماً غير مسبوق أمام المصارف للحصول على السيولة النقدية "الكاش" لتغطية نفقات الحياة المعيشية اليومية، في وقت وجه البنك المركزي السوداني المصارف إلى منح المودعين 200 ألف جنيه فقط يومياً، لكن المصارف عجزت عن صرف مبالغ كافية للمواطنين.
من جانبه، أقر المدير العام للمصرف الإسلامي السوداني فرع بورتسودان عاطف حامد يس، في تصريحات مؤخراً، بتخفيض حجم السحب اليومي إلى 100 ألف بدلاً من 200 ألف. وفي المقابل، أكد وزير المالية جبريل إبراهيم، سعي الحكومة لجذب مدخرات المواطنين إلى المصارف والتوسع في التعامل الرقمي.
وشكا مواطنون من عدم تمكنهم من شراء أبسط الأشياء الضرورية مثل السلع والخبز، ما دفعهم إلى استخدام تطبيقات مصرفية للشراء، ولكن بعض التجار لا يتعاملون بالتطبيقات المصرفية لأنهم لا يملكون أجهزة اتصال يتوفر فيها التطبيق، ووصلت نسبة صرف الكاش مقابل تحويل التطبيق إلى 20%.
وقال المواطن ياسين عبد الله من أم درمان لـ"العربي الجديد" إن مشهد عدم توفر السيولة يذكرهم بأيام نظام عمر البشير السابق حيث انعدم الكاش في المصارف لأن المواطن يورد المبلغ إلى المصرف ولا يستطيع استرداده.

وأضاف أنّه لا يمكن أن تورد مبلغ مليون جنيه وتسحب 100 ألف فقط، الأمر الذي جعل الناس تعود إلى المعاملات الربوية وأصبح بيع المليون مقابل 800 ألف، مضيفاً: كثير من التجار لديهم معاملات خارجية وفى كل مليون يخسرون 20%.
تابع: "هنالك تجارة أمام المصارف في النقود، حيث يمتلك شباب كميات من الفئات القديمة الصغيرة ويبيعون كاش (سيولة) مقابل تحويلات التطبيقات بسعر أعلى". وأردف: "طبعاً الأمر انعكس على قيمة السلع ارتفاعاً، عدا عن شح كثير من السلع القادمة من بعض الولايات".
من جانبه، أكد التاجر محمد زين لـ"العربي الجديد" أن هنالك مشكلة أخرى متمثلة في وقف التجارة بين ولايات دارفور والولايات الشمالية بسبب العملة، لأن مليشيا الدعم السريع رفضت التعامل بالعملة الجديدة وهددت التجار بملاحقتهم، ولذلك سوف تتفاقم الأوضاع أكثر.

تداعيات شح السيولة في السودان
وأثرت مشكلة شح السيولة في المصارف على موسم الحصاد، إذ يقول المزارع مبارك النور عبد الله لـ"العربي الجديد" إن المزارعين لن يتمكنوا من حصد محاصيلهم بسبب عدم توفر السيولة علماً بأن أغلب العمالة التي تستخدم في موسم الحصاد من العمالة الأجنبية من دول الجوار مثل إثيوبيا، وبحسب قانون مصرف السودان لا يحق لهم فتح حسابات. أضاف: "الكثير من المناطق الزراعية لا يوجد بها شبكات اتصال ومصارف وهي مناطق نائية تبعد عن المدن التي بها المصارف مئات الكيلومترات". وحمّل النور فشل الحصاد للجنة العليا لاستبدال العملة.

اقتصاديون سودانيون قالوا إن استبدال العملة فاقم مشكلات السيولة لأن الكميات المطبوعة غير كافية لمقابلة سحوبات العملاء.

وقال الباحث الاقتصادي هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" إن أزمة السيولة فاقمت مشاكل المواطنين وعرقلت حصولهم على احتياجاتهم الأساسية من السلع الاستهلاكية.

وأشار إلى أن هناك أزمة في المناطق التي تشهد صراعات بسبب صعوبة الحصول على العملات الورقية، وهذا الأمر يمكن أن يفاقم مشاكل تزوير العملة، خاصة أن غالبية الصرافات الآلية متوقفة منذ اندلاع الحرب بسبب السرقة أو التدمير الذي لحق بها.

وقال إن التحول من التعاملات الورقية إلى التعاملات الإلكترونية يحتاج إلى وقت حتى تستقر الأوضاع، كما أن استبدال العملة في هذا التوقيت فاقم أزمة السيولة وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع، إذ تختلف الأسعار من البيع كاش أو عبر التطبيقات بنسبة تراوح بين 10 و20% وتختلف الأسعار بين تاجر وآخر وبين منطقة وأخرى.

يذكر أن مصرف السودان المركزي شرع في مباشرة أعماله بولاية الخرطوم، وفتح نافذة له في مدينة أم درمان، لمساعدة المصارف في عمليات السحب والإيداع النقدي وتغيير العملة وحماية المستهلك، لأول مرة منذ بدء الحرب في منتصف إبريل/ نيسان 2023.

العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • بعد اعتقاله.. صعوبات ذات أبعاد سياسية وأمنية كادت تحول دون إيقاق الرئيس الكوري الجنوبي المعزول
  • أحمد موسى: 5 آلاف شركة مصرية قادرة على إعادة الإعمار في أي دولة بالعالم
  • آلاف يفرون من بلدتين في دارفور بسبب المعارك
  • 38% من اللاجئين في مصر.. موسى يكشف تفاصيل الدعم المصري للسودانيين
  • نقابة الصحفيين السودانيين تدين الجرائم في ود مدني وتدعو إلى سيادة القانون والمساءلة
  • أزمة سيولة خانقة تفاقم معيشة السودانيين
  • أحمد سعد يُطلق ألبومه الجديد "حبيبنا" مع نخبة من كبار صناع الموسيقى في الوطن العربي
  • السودان الجديد: لوحة فسيفسائية من التنوع والتحديات الاجتماعية
  • وفد من الإعلاميين والصحفيين السودانيين يزور مقر السفارة الجديد بالقاهرة الجديدة
  • سابقة في روسيا..غازبروم تسرح موظفين بسبب صعوبات مالية