إمعان في تهويد القدس بعد 36 عاما على إعلان وثيقة الاستقلال
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، وقف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في العاصمة الجزائرية وأعلن قيام دولة فلسطين، وجاء في كلمته الشهيرة أن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ19 يعلن "قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
كما جاء في الإعلان أن دولة فلسطين "هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية".
تفاءل المقدسيون بهذا الإعلان آنذاك، واصطفوا خلف قرارات منظمة التحرير الفلسطينية، لأنهم رؤوا فيه خطوة على طريق التحرر من الاحتلال.
في الذكرى الـ36 لإعلان الاستقلال، استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من المقدسيين، ووجدت أن أيّا منهم لم يشعر يوما بأي مظهر من مظاهر الاستقلال والتحرر، بل بتعمّق سياسات الاحتلال، والانصياع لها قسرا في سبيل الثبات في المدينة المقدسة وعدم الهجرة منها.
منذ إعلان وثيقة الاستقلال عام 1988 تركت القدس وأهلها لمصيرهم، وفق مواطنة مقدسية (الجزيرة) لا مظاهر للاستقلالوجدت "س. أ." وهي مواطنة مقدسية -طلبت عدم الإفصاح عن اسمها- في السؤالين اللذين طرحتهما عليها الجزيرة نت فرصة "للفضفضة والبوح بالألم" كما قالت.
فعندما سُئلت "ما حال القدس بعد 36 عاما من إعلان الاستقلال؟ وهل ترين أننا إلى الاستقلال أقرب بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023؟"، أجابت السيدة المقدسية أن السؤال الأول "قد يبدو مضحكا مبكيا لأي مقدسي لأن أيّا منّا لم يشعر بالاستقلال يوما، فالأعلام الإسرائيلية تحيط بنا من كل جانب والجوانب الثقافية والفكرية والتعليمية والاقتصادية يسيطر عليها الاحتلال بقبضة حديدية، وهو الأمر الذي لا يدع مجالا للشك أن القدس محتلة".
وتُركت المدينة المقدسة وأهلها -من قبل معلني الوثيقة أولا وكل العالم ثانيا- لمواجهة مصيرهم وحدهم، وفقا لهذه السيدة. وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023، أمست القدس "أبعد ما يكون عن الاستقلال، إذ استغل الاحتلال انشغال العالم بإبادة غزة وما يحدث في الضفة الغربية ليحكم سيطرته وقبضته على المدينة وللمضي في تنفيذ أجندته التهويدية التي لم تتوقف منذ عام 1967".
وتضيف "من يتابع الميدان في القدس يرى تسارعا في الاستيلاء على المنازل أو هدمها أو تسريبها، ويرى أن المسجد الأقصى نُفذت فيه كل الطقوس التوراتية التي كانت تحلم بها جماعات الهيكل المتطرفة باستثناء ذبح القرابين الحيوانية، ويرى أن لا شرقي القدس ولا غربيها بأيدي الفلسطينيين".
ورغم ذلك لا يزال المقدسيون صامدين ويتحدثون بلهجتهم ويتشبثون بتعليمهم الفلسطيني، لكن هذه المواطنة تقول "إذا تُركت المدينة وحدها في العقد القادم فإن الكفة الديمغرافية سترجح لصالح اليهود فيها، وسيكون المشهد أكثر سوداوية لأن صمود أهل المدينة لا يكفي لمواجهة سياسات الاحتلال دون أي إسناد".
وفي إجابتها عن السؤال الثاني، قالت إن الوقائع الميدانية لا تشير إلى انفراجة أو استقلال قريب، لكن هناك من يقول" اشتدي أزمة تنفرجي"، ولعلّ هذه القبضة القاسية ستكون مقدمة لانفراجة.
وختمت حديثها بتعداد الإجراءات العقابية والانتقامية التي يتعرض لها المقدسيون يوميا على صعيد السكن والاقتصاد والتعليم والثقافة، وقالت إن الاستقلال الحقيقي يعني "تحرير القدس بشرقيها وغربيها من الاحتلال، فلا استقلال بشق دون آخر أو بوجود احتلال أو بمنع المسلمين والمسيحيين من دخول المسجد الأقصى وكنيسة القيامة".
محمود شقير: على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا ويصححوا أوضاعهم ليكونوا أقرب إلى الاستقلال (الجزيرة) تحديات الاستقلالأما الأديب المقدسي محمود شقير، فاستهل حديثه للجزيرة نت بالقول إن حال القدس بعد 36 عاما من إعلان الاستقلال لا يسر وهو غير مريح بسبب الاحتلال والإجراءات القمعية التي يقوم بها ضد المواطنين، مثل فرض الضرائب الفادحة وهدم البيوت والاعتقالات، وأسباب كثيرة تجعل وضع القدس وسكانها مأساويا وقاسيا.
"بعد حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال في غزة والتصعيد في الضفة الغربية، هناك إجراءات مشددة ضد المقدسيين مما يتطلب رفع الظلم وإنهاء الاحتلال عن الفلسطينيين كافة"، وفق الأديب المقدسي.
أما بخصوص تحقيق الاستقلال "الحقيقي" فيشير شقير إلى صعوبات كثيرة أمام ذلك؛ "لأن الإسرائيليين يريدون ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، والقدس أصبحت في عرفهم عاصمة أبدية لدولتهم وهناك إجراءات من الحكومة العنصرية المتشددة ضد أي مظهر من مظاهر الحرية والاستقلال".
ورغم ذلك يؤكد الأديب المقدسي أن حق الفلسطيني في الحرية "لا يمكن أن يغيب أو يتبدد، وسيظل هذا الحق قائما إلى أن يتحقق، لكن على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا وينهوا انقسامهم ويصححوا أوضاعهم ليكونوا أقرب إلى الاستقلال، خاصة في ظل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي تريد أن تبيد الفلسطينيين وتُهجّر من يبقى منهم حيّا".
ولأن الاستقلال حُلم يراوده منذ طفولته كتب الأديب شقير عن الحرية كثيرا ومررها لقرائه الأطفال والبالغين على حدّ سواء. وقال إن أغلب كتاباته ركزت على القدس وحرية الشعب الفلسطيني وضرورة أن يكون لهذا الشعب مكان بين الأمم، وأن يمارس أطفاله وشبابه ورجاله ونساؤه كل الحريات المطلوبة وأن ينعموا بالكرامة، "كتبت كثيرا عن الحرية وحتى الآن لا يزال الحلم غير متحقق".
تحقيق الاعتراف
بدوره، يرى الناشط المقدسي أحمد الصفدين، أن إعلان الاستقلال كان مهما من الناحية السياسية والدبلوماسية والمعنوية، وأنه أدى حينها لاعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين، لكن على الأرض عمل الاحتلال بكل قوته على منع إقامة دولة فلسطينية، وعلى استخدام الاتفاقيات السلمية اللاحقة كافة، كأوسلو وباريس الاقتصادية لتركيع الشعب الفلسطيني وتعميق الاستيطان وتقويض حل الدولتين.
ومن ثم، لم يشعر المقدسيون يوما بالاستقلال بل بمزيد من المعاناة جراء الإجراءات القمعية الرامية لتهجيرهم من المدينة، وفق الناشط المقدسي.
ووصف الصفدي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بـ"الفارق والمفصلي لمساهمته في إعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة، وإلى اعتراف مزيد من الدول كإسبانيا والنرويج وأيرلندا بفلسطين، الأمر الذي أغضب أميركا وإسرائيل".
وعليه، "أرى أننا أقرب إلى الاستقلال رغم المؤامرات الكبيرة الرامية لتصفية القضية، فصمود الشعب الفلسطيني يجعل الأمر ممكنا، والحراك الذي انطلق في الجامعات الأميركية والأوروبية أثر بشكل إيجابي"، حسبما يضيف ابن مدينة القدس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إعلان الاستقلال إلى الاستقلال دولة فلسطین
إقرأ أيضاً:
صبري: مؤامرات تهدف إلى تسليم الأقصى لليهود
حذر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري من أن "كل المؤامرات الحالية"، وحتى "صفقة القرن" التي طرحها سابقا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تستهدف تسليم "الأقصى" لليهود.
وتولى ترامب الرئاسة بين عامي 2017 و2021، ويبدأ فترة رئاسية ثانية في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، إثر فوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وألقى الشيخ صبري كلمة في إسطنبول، خلال لقاء مع جمعية "جيهان الأمة" (أهلية) أمس الثلاثاء حول موضوع "فلسطين حقنا"، تحدث خلالها عن حقوق المسلمين في فلسطين.
وقال إن "فلسطين حقنا، وعندما نقولها نتكلم باسم جميع المسلمين في أرجاء المعمورة، لا نتكلم باسم الفلسطينيين فقط، نقول حقنا بأدلة وليس مجرد عواطف".
وأضاف "نحن كمسلمين جميعا نحب القدس والأقصى، ولكن العاطفة هذه لا تكفي".
صبري: التزم عمر بن الخطاب بالحفاظ على الكنائس، ولم يكن هناك كنس يهودية (الجزيرة) دفاع بالأدلةوأوضح أنه "لا بد أن يكون دفاعنا عن حقنا بالأدلة والبراهين، وحقنا يتضمن مجموعة حقوق وليس جانبا معينا، وأول هذه الجوانب الحق العقدي الإيماني بأن فلسطين هي جزء من عقيدتنا".
وأكمل "المفسرون قالوا إن القدس هي بوابة الأرض للسماء بعروج سيدنا محمد (منها)، وبوابة السماء للأرض بنزول الأنبياء والرسول، وأرض فلسطين هي أرض المحشر والمنشر وجزء من يوم القيامة ومعجزة وارتباط بعقيدتنا".
إعلانوعن الحق الثاني أفاد بـ"ارتباط فلسطين بالعقيدة وهناك ارتباط بالعبادة، فالصلاة (في الأقصى) بحسب الرسول الكريم كل ركعة تعادل 500 ركعة في مكان آخر، والصلاة شرعت في سماء فلسطين ليلة الإسراء والمعراج".
و"الحق الثالث، وهو الارتباط السياسي والفتح السياسي، في معجزة الإسراء والمعراج كان فتحا روحيا، وعلى يد عمر بن الخطاب كان فتحا سياسيا وسياديا، دخلها مشيا على الأقدام للدلالة على أنه دخلها بسلاسة وسلم لم يستخدم القوة"، كما أكد صبري.
واستطرد "التزم عمر بن الخطاب بالحفاظ على الكنائس، ولم يكن هناك كنس يهودية، لو كانت هناك لكانت في العهدة العمرية، استلام المدينة كان من الرومان، وادعاء اليهود أن المسلمين اغتصبوا البلاد منهم هذا ليس بحقائق ولا يوجد ما يدل عليه".
سلطات الاحتلال كثفت إجراءاتها في القدس منذ احتلالها وفق خطيب الأقصى (وكالة الأناضول) منع الأذانوبشأن ما تتعرض له القدس حاليا، قال صبري "يحاول الاحتلال منع رفع الأذان، وخاصة الفجر والعشاء، بحجة أنه يزعج المستوطنين الذين أتوا غرباء لفلسطين، حاولوا منع الأذان عدة مرات وفشلوا، فإن نداء الله أكبر سيبقى قائما حتى يوم القيامة".
وأردف صبري "مَن ينزعج من الأذان عليه أن يرحل، أما نحن فمتجذرون بأرضنا ومتمسكون بحقنا".
وتابع "ونطمئن جميع المسلمين بأن شعب فلسطين متمسك بحقه ملتزم بدينه لن يستسلم، رغم ما حصل ويحصل الآن في غزة العزة، إننا أقوياء في حقنا، لأن صاحب الحق قوي".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أميركي حرب "إبادة جماعية" على غزة، أسفرت عن أكثر من 156 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وشدد صبري على أن "ثبات أهل فلسطين ثبات إيماني، ولو أن المؤامرات التي لحقت بفلسطين أصابت دولا أخرى لانقرضت، ولكن القضية الفلسطينية منذ 100 عام بقيت قائمة، لأن الأقصى في قلب فلسطين".
خطيب الأقصى: سلطات الاحتلال تضيق على الأتراك القادمين للأقصى (الجزيرة) مؤامراتوحذر خطيب الأقصى من أن "جميع المؤامرات الحالية تستهدف الأقصى حتى صفقة القرن، التي ينادي بها الرئيس الأميركي (المنتخب ترامب) تهدف للسيطرة على الأقصى وتسليمه لليهود".
إعلانوأرجع ذلك إلى أن "المسلمين مرتبطون بفلسطين من أجل الأقصى، ويحبون فلسطين لوجود الأقصى، فيتآمرون (إسرائيل وحلفاؤها) على الأقصى لقطع علاقة المسلمين به".
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن ترامب ما تُعرف إعلاميا بـ"صفقة القرن"، وهي خطة لتسوية سياسية رفضها الفلسطينيون لأنها مجحفة بحقهم ومنحازة لإسرائيل.
وعن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، قال صبري إن "سلطات الاحتلال تضيق على الأتراك القادمين للأقصى، وخاصة خلال حرب غزة، ولكن أقول لا تستلموا، وحاولوا مرة تلو أخرى، فلديكم العزيمة والوفاء للأقصى".
وأضاف أنه "بالحفريات أسفل الأقصى ومحيطه لم يجدوا (الإسرائيليون) حجرا واحدا له علاقة بالهيكل (المزعوم) ولا بالتاريخ العبري القديم، والادعاء باطل لا دليل له، لكن يستخدمون القوة الظالمة في سيطرتهم على الأقصى".
وتابع "لا نيأس وعلينا أن نثبت، والمفاجآت قد تحصل بين الفترة والأخرى، ولم نكن نصدق ما حصل في سوريا وحصل"، في إشارة إلى الإطاحة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بنظام بشار الأسد (2000-2024).
وأكد أنه "في فلسطين لا نستطيع أن نحكم ماذا (قد) يحصل، وعلينا أن نثبت على حقنا حتى يفرج الله الكرب".