إسطنبول– تقترب تركيا من تحقيق طموحها في أن تصبح مركزا إقليميا لتجارة الغاز، وسط توقعات بأن تصل إلى هدفها بحلول العام المقبل، مع تقدم محادثات أنقرة وموسكو في هذا الشأن.

وأعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار مؤخرا أن المحادثات مع روسيا بشأن إنشاء مركز لتجارة الغاز في إسطنبول تسير بخطى حثيثة، ويأتي المشروع ضمن جزء من رؤية أوسع لجعل تركيا مركزا إستراتيجيا لتجارة الطاقة في المنطقة، في وقت تسعى فيه روسيا لتعويض خسائرها في السوق الأوروبية.

مفاوضات حثيثة

تأتي هذه الخطوة في إطار مساعي أنقرة لتعزيز دورها كمحور رئيسي في سوق الطاقة الإقليمي والعالمي.

وقال وزير الطاقة التركي، في مقابلة مع صحيفة "ميليت" التركية، إن تركيا أعدّت بنية تحتية قوية لمنصة تجارية، بالتعاون بين شركتي "بوتاش" التركية و"غازبروم" الروسية، ستعمل ضمن مركز إسطنبول المالي.

وأكد بيرقدار أنه تم إرسال مذكرة تفاهم إلى الجانب الروسي، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى تعليمات لغازبروم للعمل على المشروع.

وأضاف أنه سيتم استحداث مؤشر إسطنبول للغاز، مما يعني أن أسعار الغاز ستُحدد في إسطنبول، وستبيع روسيا الغاز بناء على الأسعار الواردة في المؤشر.

وأشار الوزير إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي تركيا لأن تصبح مركزا إقليميا للغاز الطبيعي، إذ تواصل التفاوض مع منتجين ومستهلكين عالميين، وتستهدف زيادة وارداتها وصادراتها من الغاز الطبيعي.

جدير بالذكر أن فكرة إنشاء هذا المركز تعززها رغبة موسكو في تعويض المبيعات التي خسرتها في الأسواق الأوروبية.

مركز الطاقة العالمي

وفي ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية، يبرز دور تركيا كلاعب إستراتيجي محوري في تجارة الغاز الطبيعي.

ويرى الباحث الأكاديمي إسماعيل كاواز أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي يجعلها جسرا طبيعيا بين الدول المنتجة للطاقة والدول المستهلكة لها، وهذا الموقع الفريد يمنحها ميزة تنافسية مقارنة بمراكز تجارة الغاز الطبيعي الأوروبية، مثل النمسا وفرنسا وهولندا، التي تعاني من بعد جغرافي عن الدول المصدرة للطاقة.

ويوضح كاواز في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن هذا القرب من الدول المنتجة يتيح لتركيا الحصول على الغاز الطبيعي بتكلفة أقل، مما يعزز قدرتها على تقديم أسعار تنافسية ويسهم في تحقيق استقرار إقليمي وعالمي في مجال الطاقة.

ويؤكد الأكاديمي المختص في الاقتصاد والطاقة أن إنشاء بورصة تداولية للغاز الطبيعي سيمكن تركيا من التحول إلى مركز رئيسي لإعادة تسعير الغاز الطبيعي المستورد وإعادة تصديره، مما يحقق لها فوائد اقتصادية كبيرة.

ويرجح كاواز أن يسهم هذا التحول في جذب استثمارات أجنبية ضخمة ويفتح المجال أمام شركات الطاقة العالمية للتعاون مع تركيا، وذلك بفضل بنيتها التحتية القوية، التي تلعب دورا حيويا في أسواق الغاز العالمية التي تعتمد على العقود طويلة الأجل وسوق العقود الآجلة للغاز الطبيعي المسال.

ويشير إلى أن تركيا تعتمد على شبكة قوية من خطوط الأنابيب الوطنية والدولية لدعم دورها كمركز إقليمي للطاقة، ومن بين المشاريع البارزة التي تساهم في تحقيق هذا الهدف مشروع "تركستريم"، و"التيار الأزرق"، وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (تاناب).

ويشدد كاواز على أهمية زيادة السعة التخزينية للغاز الطبيعي، حيث تخطط تركيا لرفع قدرتها التخزينية إلى 12 مليار متر مكعب بحلول عام 2028، وهذا التوسع في التخزين يدعم استدامة استهلاك الغاز محليا ويقوي موقف تركيا كمحور طاقوي عالمي.

ويلفت إلى أن شبكة خطوط الأنابيب الحالية في تركيا، مثل خط باكو-تبليسي-أرزورم "بي تي سي" (BTC) وخط تركيا-اليونان، تعزز من قدرتها على لعب دور محوري في تجارة الغاز، كما تمتلك تركيا وحدات تخزين وإعادة تشغيل الغاز الطبيعي المسال مثل محطة "دورطول" و"أرطغرل غازي".

وبشأن تأثير الحرب الأوكرانية على العلاقات الطاقوية بين تركيا وروسيا، يشير كاواز إلى أن تصريح الرئيس الروسي بوتين في نهاية عام 2022 حول إمكانية إنشاء مركز تجاري للغاز الطبيعي في تركيا يعكس الثقة بقدرتها على تحقيق هذا المشروع.

ويضيف الأكاديمي التركي أن التوترات بين روسيا وأوروبا دفعت تركيا إلى الواجهة كوسيط موثوق في تأمين إمدادات الطاقة، مما عزز مكانتها في المعادلة العالمية في هذا الصدد.

ويؤكد أهمية دور تركيا في تنويع مصادر الطاقة الأوروبية، خاصة مع الاعتماد الكبير على الغاز الروسي، إذ توفر منطقة بحر قزوين وشرق المتوسط بدائل مهمة، مما يجعل تركيا حلقة وصل أساسية لنقل موارد الطاقة من الدول المنتجة إلى الأسواق الأوروبية.

ويوضح كاواز أن هذا المشروع يشكل نموذجا لمبدأ "الربح الثلاثي"، الذي يحقق فوائد لتركيا والدول المنتجة والمستهلكة للطاقة على حد سواء.

الخيار الوحيد

مع تعقّد مسارات نقل الغاز الروسي التقليدية نتيجة الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية، أصبحت تركيا الخيار المنطقي الوحيد لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بحسب رأي الخبراء.

ويشير رئيس مركز أبحاث وسياسات وإستراتيجيات الطاقة التركية في جامعة الشرق الأوسط التقنية، أوغوزهان أكينر، إلى أن المحادثات بين تركيا وروسيا بشأن إنشاء مركز تجارة الغاز الطبيعي ليست جديدة، بل امتدت لسنوات، لكنها اكتسبت زخما كبيرا في الفترة الأخيرة بسبب الأوضاع الجيوسياسية المتوترة، وقد تتسارع بعد فوز ترامب بالرئاسة الأميركية.

ويؤكد أكينر لـ"الجزيرة نت" أن هذا المشروع يعد الخيار الأكثر منطقية في ظل التحديات التي تواجه مسارات نقل الغاز الروسية التقليدية، خصوصا بعد تفجير خطي نورد ستريم وانتهاء صلاحية مسارات أخرى عبر أوكرانيا وبيلاروسيا.

ويوضح أكينر أن العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا دفعت أوروبا لمحاولة تنويع مصادرها الطاقوية، ولكنها لا تزال تعتمد على الغاز الروسي بسبب استدامته وكلفته الاقتصادية المنخفضة مقارنة بالغاز الصخري الأميركي.

ويشير خبير الطاقة إلى أن انخفاض الطلب الأوروبي على الغاز بشكل مؤقت قد لا يستمر طويلا، خاصة مع قدوم الشتاء القارس، مما سيؤدي إلى استنزاف المخزونات بسرعة وعودة الطلب إلى الارتفاع.

ويبيّن أكينر أن خط "ترك ستريم" الحالي يعدّ البوابة الوحيدة لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، ويتكون الخط من مسارين بسعة إجمالية تصل إلى 31.5 مليار متر مكعب سنويا، مع خطط طموحة لزيادة هذه السعة إلى الضعف عبر إضافة مسارات جديدة.

ويؤكد أن مشروع مركز تجارة الغاز الطبيعي في إسطنبول يتماشى مع الخطط الروسية القديمة التي تسعى إلى جعل تركيا مركزا إقليميا لتوزيع الغاز، وهو ما تم طرحه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية.

ويعتقد أكينر أن تركيا باتت الخيار الوحيد أمام روسيا لتأمين إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، إذ إن إنشاء مركز تجارة الغاز في إسطنبول سيضمن تحقيق أهداف موسكو في الحفاظ على أسواقها الأوروبية، ويعزز من مكانة تركيا كحلقة وصل رئيسية بين منتجي ومستهلكي الطاقة، مما يعزز الاستقرار الطاقوي في المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تجارة الغاز الطبیعی للغاز الطبیعی الدول المنتجة الغاز الروسی إنشاء مرکز فی إسطنبول على الغاز إلى أن

إقرأ أيضاً:

وزارة البترول تعلن عودة نظام تقسيط توصيل الغاز الطبيعي للمنازل

في إطار ما ورد إلى الوزارة عبر قنوات التواصل المتعددة، سواء عبر بوابة الشكاوى الحكومية الموحدة أو اللقاءات الدورية مع نواب البرلمان، وآخرها اجتماع وزير البترول والثروة المعدنية مع نواب البرلمان يوم 13/11/2024 بمقر وزارة البترول والثروة المعدنية، وكذلك الاجتماع يوم 18/11/2024 مع رؤساء اللجان البرلمانية والأعضاء  بحزب مستقبل وطن، فقد ورد إلى الوزارة عدة شكاوى بشأن إلغاء نظام تقسيط مساهمة عملاء المشروع القومي لتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل، والذي ألغي في شهر يونيو الماضي.

وفي ظل حرص وزارة  البترول والثروة المعدنية على الاستماع للمواطنين وممثليهم من النواب، وبذل الجهود الممكنة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطن، فقد تقرر عودة نظام تقسيط مساهمة عملاء المشروع القومي لتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل كسابق عهده، بتطبيق نظام التقسيط دون مقدم أو فوائد، مع تحصيل الأقساط مع فاتورة الاستهلاك الشهري على 7 سنوات، على أن يتم تمويل المساهمة لشركات التوصيل التابعة للقطاعين العام والخاص بواسطة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية.

غرفة الصناعات الغذائية تطلق برنامجاً تدريبياً لسلامة الغذاء شركة تركية تخطط لإنشاء مصنع في مصر باستثمارات 60 مليون دولار


وتود وزارة البترول والثروة المعدنية الإشارة إلى أن أية تعاقدات سابقة تمت بعد إلغاء نظام التقسيط بشهر يونيو الماضي، سيتم إدراجها ضمن نظام التقسيط مرة أخرى، وعلى الشركات المنفذة للتعاقدات اتباع الإجراءات المنظمة لذلك.

ختامًا، أكدت وزارة البترول والثروة المعدنية حرصها الدائم على تلبية احتياجات المواطنين والاستجابة لمطالبهم، مع متابعة تنفيذ هذه الإجراءات بشكل منتظم، في إطار تعزيز التواصل الفعال بين الوزارة والمواطنين والنواب ومختلف أجهزة ومؤسسات الدولة.

مقالات مشابهة

  • وزارة البترول تعلن عودة نظام تقسيط توصيل الغاز الطبيعي للمنازل
  • إعادة العمل بنظام تقسيط توصيل الغاز الطبيعي للمنازل
  • في 3 خطوات.. قدم طلب لخدمة عملاء شركات الغاز الطبيعي
  • بعد الاجتماع الوزاري.. مزايا بالجملة لتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي
  • مصر والغاز الطبيعي.. نحو تحول كبير في سوق وطريقة الشراء
  • «مدبولي»: تحويل 250 ألف سيارة تعمل بالبنزين إلى الغاز الطبيعي
  • مصر والغاز الطبيعي.. تحول كبير في سوق وطريقة الشراء
  • الأردن يعلن اكتشاف احتياطات جديدة للغاز الطبيعي
  • تركيا تستعين بجمعية مصدّرين لوقف ما تبقى من تجارة مع إسرائيل
  • نفط الهلال: تريليونا دولار استثمارات مطلوبة لتحويل محطات الفحم إلى الغاز الطبيعي