الوقت ليس في صالح القضية.. وفقدنا الثقة في المنظمات الدولية

نقاوم بالثقافة.. قوتنا في حقنا وروايتنا.. وترجمات عالمية لمنشورات كتابنا

المستوطنون يسرقون حجارة المباني القديمة كمحاولات سطوهم على الحمص والفلافل

لدينا التصميمات التاريخية الكاملة للمسجد العمري في حالة إعادة ترميمه

لم يكن اللقاء مع وزير الثقافة الفلسطيني، د.

عماد حمدان، عادياً، ولم يكن مقر السفارة الفلسطينية الجديد من قلب القاهرة، الذي احتضن اللقاء، إلا قطعة من وطن لا ترفع فقط صوت مصابه الجلل، لكنها أيضًا تحاول أن تضمد الجراح غير المعلنة، وتنشط بدأب لتمنح مواطنيها شيئًا من روحه الغائبة في ظلام الحرب والهدم.

التقينا كمجموعة محدودة من صحفيي مصر بالوزير يوم الأربعاء الماضي، بينما القصف لا يتوقف في غزة، ودماء المئات من الفنانين والمثقفين تختلط بدماء الأهل والجيران والأصدقاء في كل مكان. أكد خلال حواره أن الخسائر البشرية هي الأكبر، وأن آخر توثيق كشف عن استشهاد 174 مثقفًا ومبدعًا. وكما يُباد البشر يُباد الحجر، شاهد الإثبات المرئي الذي صمد قرونًا ليثبت للعالم كذب كل ادعاء بحق من لا حق له في فلسطين.

تطرق الوزير للمحاولات المستمرة لإبادة الهوية، قائلاً: "الوقت ليس في صالح قضية فلسطين. إذا كان الجيل السابق من الصهاينة يعرف جيدًا حقيقة أنهم جاءوا من بلدان عدة إلى أراضٍ مملوكة لفلسطينيين، فإن الأجيال التي ولدت منهم على أرضنا ترى فلسطين وطنها بالميلاد، وفي ظل الحرص على أن تتلاصق بيوتهم مع بيوتنا، أصبح الجدار الفاصل لا يمنع الأجيال الجديدة من أن تظن أن هذا هو الواقع!"

غامت ملامح الوزير وهو يجيب عن سؤالنا عن الآثار التي هدمها الاحتلال عن عمد في غزة وعن إمكانية إعادة ترميمها بعد الحرب، قائلاً: "إن ما تم هدمه من مبانٍ أثرية في غزة قد لا يمكن استرجاعه"، مؤكدًا أن المباني التي هدمت هياكلها الخارجية فقدت مقوماتها الأساسية. مشيرًا إلى أن هناك مدرستين في الترميم، إحداهما استخدام الحجارة نفسها في إعادة المبنى، والأخرى أن يجب إعادة بناء المبنى بحجارة جديدة مع التدليل على أنه في حقبة زمنية ما تم هدم المبنى وأعيد بناؤه في مرحلة أخرى، ليظل الموقع الأساسي يوثق ما حدث.

أضاف الوزير: "محاولة إسرائيل القضاء على الآثار الفلسطينية مستمرة. فقبل تولي الوزارة كنت أشغل منصب مدير عام لجنة إعمار الخليل، ومن بين الأمور التي وثقتها اللجنة كانت عملية سرقة المستوطنين للحجارة من المباني القديمة التي يهدمونها في محاولة لسرقة التاريخ كما يحاولون سرقة أكلة الحمص والفلافل والمطرزات لمضيفات العالم. وقد رصدنا أنهم يضعون رسومًا إسرائيلية كالشّمعدان الخماسي على تلك الأحجار ثم يعرضونها في أماكن عامة لاختلاق تاريخ لدولتهم."

وكما طال التدمير والاعتداءات الممتلكات الثقافية والتاريخية، أوضح "حمدان" أن الإرث الثقافي الفلسطيني خسر العديد من المبدعين في مختلف المجالات من شعراء وكتّاب وفنانين ومؤرخين ممن ارتقوا شهداء خلال الحرب، وكذلك تعمد الاحتلال تدمير المباني التاريخية والمواقع التراثية والمتاحف والمساجد والكنائس التاريخية، فضلاً عن المؤسسات الثقافية من مراكز ومسارح ودور نشر ومكتبات عامة وجامعات ومدارس وجداريات فنية.

هي إذن حرب إبادة طويلة متشعبة تخوضها إسرائيل بكل الوسائل مستهدفة البشر والحجر والذاكرة والهوية في محاولة لطمس الحقائق، وأهمها كما يرى "حمدان" طمس "السردية" الفلسطينية التي توثق جرائم المحتل وهوية البشر والحجر.

(وفق مصادر فلسطينية رسمية، تعمدت إسرائيل تدمير المعالم الأثرية الفلسطينية خلال الحرب الحالية، ومن بينها عشرات التلال والمتاحف التاريخية وأقدم المساجد وثالث أقدم كنيسة بالعالم، فضلاً عن تضرر 146 بيتًا قديمًا وعشرات المكتبات والمراكز الثقافية. وقد تم استهداف 117 مسجدًا بشكل كلي، و208 مساجد بشكل جزئي، بينهم مساجد تاريخية. وضمت قائمة الاستهداف الكنيسة البيزنطية في جباليا والتي يزيد عمرها على 1600 عام، والمسجد العمري الذي يعود تاريخه إلى 1400 عام، ويعد أقدم وأعرق مسجد في مدينة غزة، وهو أمر يخالف اتفاقية لاهاي 1954 الدولية التي توجب حماية الملكية الثقافية في الحروب والنزاعات المسلحة).

ويؤكد الوزير أن لجنة إعمار الخليل ساهمت في ترميم المسجد العمري منذ 25 عامًا، وهو ما جعل لديها المخططات الخاصة به والتدخلات التي تمت، وهنا تأتي أهمية المعلومات المتوفرة لإعادة البناء، مؤكدًا التمكن من إدراج عدد من المواقع ومنها الخليل القديمة على التراث العالمي لدى اليونسكو وهو أمر تم بمهنية عالية حتى لا يتم رفض ملف الترشح. ومع ذلك، يأتي الإسرائيلي ليهدم أحد المباني ومن الممكن أن يمنع من ترميمه بزعم الدواعي الأمنية. وعلى الرغم من تقديم الشكوى لليونسكو، إلا أن ما يصل إلينا رسالة تشكرنا على المتابعة وتتعهد بأخذ الموضوع على محمل الاهتمام وأنه سوف يبحث مع الجانب الآخر، ثم ينتهي الموضوع على ذلك.

"الثقافة في هذه اللحظة التاريخية ليست رفاهية"، هكذا وصف الوزير الفلسطيني الدور الذي تلعبه الثقافة في المقاومة، مؤكدًا أن التمسك بالتراث والموروث والرواية الفلسطينية هو نوع من أنواع المقاومة. وأن نقل السردية الفلسطينية الحقيقية النقيضة للرواية الإسرائيلية الزائفة يسهم في كسب مزيد من الأصوات الداعمة والتفاف الأصوات الحرة في العالم وتضامنها مع عدالة الحقوق الفلسطينية. وهو ما جعل الوزارة تقوم بترجمة العديد من المنشورات ليقرأها العالم، وخصوصًا منشورات كتبت بأقلام كتّاب وأدباء وشعراء من داخل قطاع غزة. وهي شهادات وروايات حقيقية من داخل المأساة والمعاناة ستترجم إلى عشر لغات لإبراز حق الشعب الفلسطيني.

أكد الوزير أنه تم منذ أسبوعين إصدار كتاب بعنوان "رمال حمراء" بأقلام ثلاثين كاتبًا من غزة، وبين كل مقطع من مقاطعه وضعت لوحة رسمت بريشة فنانين من غزة، وسيتم ترجمة الكتاب، وهي خطوة مهمة لتوثيق ما يحدث، لأن قوتنا في روايتنا وحقنا، بينما يواجه الصهاينة الصعوبة في تسويق روايتهم. وعلى صعيد موازٍ آخر، هناك محبون للسلام والعدالة من كل أنحاء العالم، ولهذا طلبنا من العديد من الأدباء "الدوليين" كتابة رسائل لنشرها، وسيتم تجميع هذه الكتابات وتوحيد اللغة ونشر هذا الإصدار.

وأكد "حمدان" أنه بالأمس القريب تم العمل على تسجيل عدة عناصر تراثية منها الكوفية الفلسطينية، والدبس الخليلي، والصابون النابلسي، والنول الغزاوي، وهذا التسجيل والتوثيق ليس فقط داخليًا وإنما سيكون أيضًا عالميًا من خلال المنظمات التي تعنى بالحفاظ على الموروث الثقافي. وفي إطار الاستمرار في تعزيز الوعي بالتراث الثقافي والهوياتي، وترسيخ الرواية الفلسطينية، قال: "رغم تزامن الاحتفال بيوم التراث الخاص بفلسطين مع ذكرى مرور عام على بدء الحرب، إلا أنهم حرصوا على إقامة فعاليات وأنشطة وتسليط الضوء على التراث وإصدار بيان تم تلاوته على الطلاب في كل المدارس، وحث الطلاب على ارتداء الزي الشعبي رغم كل التحديات. وأن ذلك تم في المناطق الخاضعة للسلطة، وتم التنسيق والترتيب مع إحدى المؤسسات في غزة، وتم تنظيم مهرجان في غزة بين الركام والخيام بما يؤكد أننا شعب جبار".

أشار "حمدان" إلى أهمية معرض الفنون التشكيلية المرسومة بأيدي الأطفال الذين خرجوا من غزة، - شاهدناه قبل دقائق من لقائنا بالوزير- وهي محاولة لتضميد جراح الطفل الفلسطيني بالفن. وأكد "حمدان" أنه من المعروف أن الفن وسيلة للتفريغ النفسي، وما رسمه هؤلاء الأطفال صادم لكنه واقعي، ويعبر عما بداخل هؤلاء الأطفال، الذين خرجوا من غزة وأيديهم متشابكة، وشاهدوا الشهداء و"الزنانات" والمقطعين والهدم، وهو رسم يختلف عما يمكن أن يرسمه الطفل في دولة أوروبية، الذي يمكن أن يرسم البحر والألعاب وما يعيشه من رفاهية.

أكد حمدان أن الفلسطينيين فقدوا الثقة بكل المنظمات الدولية التي تغاضت عن ذبح النساء وأشلاء الأطفال والمقعدين. ولعل كثيرين لا يدركون أن المعاناة في غزة وصلت إلى أمور صعبة التخيل، ومنها أن مكفوفين فقدوا عصيهم. حيث كنت من فترة قريبة افتتح مكتبة صوتية للمكفوفين في منطقة كفر عقب تشرف عليها جمعية فلسطين للمكفوفين، وأخبرني المسؤول عن هذه الجمعية أنهم يحاولون تمرير 2000 عصا لإخواننا المكفوفين في غزة، فمن يشعر بهؤلاء؟ فإذا كان المبصر لا يستطيع الآن تلمس طريقه وسط الهدم والخراب في غزة، فما حال المكفوف الذي لا يمكنه تلمس الطريق لقضاء حاجاته الضرورية دون عصاه؟!

جاء لقاء وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان بعدد من الصحفيين والإعلاميين بمقر سفارة فلسطين الجديد بالتجمع الخامس خلال تواجده بالقاهرة للمشاركة في المنتدى الحضري العالمي.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلي القضية الفلسطينية وزير الثقافة الفلسطيني من غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

وزير التربية والتعليم يلتقى مدير العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الألمانية

التقى محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، اليوم الأربعاء، رالف بيسته مدير قطاع العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الألمانية، وأنكا رايفنشتول مسئولة السياسات الثقافية بالخارجية الألمانية، لبحث تعزيز سبل التعاون في مشروعات التعليم المشتركة.

جاء ذلك بحضور الدكتور محمد البدري سفير مصر بدولة ألمانيا الاتحادية، فى إطار زيارة الوزير إلى العاصمة الألمانية "برلين".

وزير التربية والتعليم يتطلع لمزيد من التعاون مع ألمانيا 

وأكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أهمية العلاقات بين مصر وجمهورية ألمانيا الاتحادية والتعاون المثمر والبناء، وتطلع الوزارة إلى المزيد من التعاون مع الجانب الألماني من خلال تفعيل برامج جديدة؛ نحو تحقيق رؤية مصر للتنمية المستدامة ۲۰۳۰.

وأكد رالف بيسته مدير قطاع العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الألمانية، على أن مصر تعد شريكًا هامًا لألمانيا في عدة مجالات أبرزها مجال التعليم، معربًا عن حرصه على مواصلة تعزيز العلاقات الألمانية المصرية الوثيقة وسبل التعاون بين البلدين.

ودار اللقاء حول مناقشة أوجه التعاون في المشروعات المشتركة بين البلدين التي تسهم في تطوير العملية التعليمية ودعم إصلاح التعليم بصفة مستمرة، وكذلك فرص التعاون المستقبلية.

كما تم مناقشة آليات مشروع (۱۰۰) مدرسة مصرية ألمانية والتي تم الانتهاء من وضع بنود اتفاقية جديدة لإنشائها من خلال صيغة للتعاون المشترك، كما تم استعراض آخر مستجدات هذا المشروع والسعى نحو الانتهاء منه بخطى واسعة.

وشهد اللقاء كذلك مناقشة التعاون فى مجال التعليم الفنى، ودعم الجانب الألماني في التوسع وضمان الجودة لمدارس التكنولوجيا التطبيقية، وإعداد وتأهيل طلاب التعليم الفني بجانب تنمية مهاراتهم.

كما تناول اللقاء مناقشة أوجه دعم فئة ذوى الإعاقة ودمجهم فى نظام التعليم والعمل، وتعزيز حقوقهم وتمكينهم من المشاركة الفعالة في مختلف المجالات.

مقالات مشابهة

  • الثقافة المصرية تشهد حراكا مميزا .. وأسباب زيارة مؤسسة الأزهر.. شاهد أهم تصريحات الوزير فؤاد هنو
  • زكريا الزبيدي حرا.. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
  • معرض الكتاب يسلط الضوء على العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية.. صور
  • زكريا الزبيدي حر .. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
  • "70 عامًا" السيسي يوضح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني
  • وزير التعليم يبحث تعزيز التعاون مع مدير العلاقات الثقافية بالخارجية الألمانية
  • وزير التعليم يبحث مع مدير العلاقات الثقافية الألمانية تعزيز التعاون
  • وزير التربية والتعليم يلتقى مدير العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الألمانية
  • الخارجية الفلسطينية: وقف عمل «الأونروا» امتداد للإبادة ومخططات تصفية القضية
  • وزير الخارجية: ندعم الحكومة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الرافض للتهجير