السويداء السورية.. حادثة عبد الباقي تثير مخاوف الاغتيالات الهادئة
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
منذ انطلاق حراك السويداء ضد النظام السوري كان لقائد "تجمع أحرار جبل العرب"، سليمان عبد الباقي دور بارز لم يقتصر على المشاركة في الهتاف مع بقية المحتجين فحسب، بل وصل إلى حد تقديم الحماية لهم مع أفراد مجموعته واستلامه دفة الخطابات التي تنادي بإسقاط بشار الأسد، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة الحل السياسي في البلاد.
ولأكثر من مرة خرج على وسائل الإعلام وانتقد النظام بقوة على العلن، في وقت كان اسمه حاضرا في عدة حوادث عندما شارك في استهداف شبكات تهريب وترويج المخدرات واحتجاز ضباط من جيش النظام للتفاوض عليهم مقابل الإفراج عن معتقلين، مما وضعه في قائمة الاستهداف، وفق صحفيين ومراقبين تحدث إليهم موقع "الحرة".
وتعرض عبد الباقي، قبل يومين، لمحاولة اغتيال نجا منها "بأعجوبة" بحسب مقربين منه، وبينما سجلت ضد مجهولين عصر يوم الثلاثاء وجهت المجموعة التي يقودها القيادي البارز يوم الأربعاء أصابع الاتهام للنظام السوري.
كما جاء في بيان المجموعة (تجمع أحرار جبل العرب) أن "التجمع نادى بالسلمية والتغيير السلمي وفق معايير السلام العامة، لكن النظام حاول مرارا عسكرة ثورة السويداء، واستمر في محاولات اغتيال الشرفاء".
ولا تعتبر محاولة اغتيال عبد الباقي الأولى من نوعها في السويداء منذ عام 2011.
وكانت سبقتها عدة حوادث بعد اندلاع الثورة، وراح إثرها مؤخرا القيادي البارز في المحافظة والمشارك الرئيسي في الاحتجاجات المناهضة للنظام، مرهج الجرماني، يونيو الماضي.
سوريا.. مستقبل الحراك السلمي بالسويداء عقب محاولة اغتيال قيادي بارز؟ لا تزال أجواء الحذر والترقب تخيم على محافظة السويداء، جنوبي سوريا، عقب محاولة اغتيال فاشلة استهدفت قائد "تجمع أحرار جبل العرب"، الشيخ سليمان عبد الباقي، وفقاً لما نقله نشطاء لموقع "الحرة".يقطن في السويداء غالبية درزية، ومنذ أكثر من عام تشهد احتجاجات شعبية مناهضة للنظام السوري، ويطالب المحتجون فيها بإسقاط رئيسه بشار الأسد وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالحل السياسي في البلاد.
ولم يبد النظام خلال الأشهر الماضية أي استجابة لمطالب المتظاهرين بالسلب أو الإيجاب، لكن وبوجهة نظر نشطاء في الحراك كان الأخير اتبع "سياسة هادئة" وترجمها بعدة حوادث، يعتقد أن آخرها محاولة اغتيال الشيخ عبد الباقي.
لماذا النظام السوري متهم؟ويقود عبد الباقي فصيلا محليا يطلق عليه اسم "تجمع أحرار جبل العرب"، ويعتبر الشيخ من أبرز قادة المجموعات المحلية المعارضة في السويداء، منذ سنوات، كما يوضح مدير تحرير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف لموقع "الحرة".
ويقول معروف، بحسب مصادر خاصة، إنه لدى فصيل عبد الباقي معطيات بأن منفذي عملية الاغتيال "أذرع محلية" معروفة بتبعيتها لأجهزة النظام السوري.
ويضيف الشيخ ماهر فلحوط، وهو أحد قادة المجموعات المحلية في السويداء، لموقع "الحرة" أن "محاولة اغتيال عبد الباقي هي استهداف لكل حر وقف وقفة كرامة"، على حد تعبيره.
وبالنسبة للمنفذين يقول فلحوط، وهو المقرب من عبد الباقي، "بات معروفا بالاسم ولمن يتبع. يشغلونهم أفرع الأمن، وسيكون هناك رد على التصرف".
وما يزال عبد الباقي في مشفى بمدينة السويداء، وبعد نقله إليها أجريت له عمليات جراحية، من أجل وقف النزيف، الذي أصابه نتيجة إصابته برصاصتين، واحدة نافذة، والثانية استقرت في الكتف.
ويتابع فلحوط: "نعرف أن هناك قائمة تصفية لدى النظام.. ومع ذلك أرواحنا بيد عزيز مقتدر"، كما اعتبر أن النظام "يسعى بكل الجهد لشيطنة الحراك الشعبي السلمي في السويداء وكانت آخر محاولة له في ذلك هي خلق فتنة وحرب أهلية بين السهل والجبل".
ونادرا ما يعلّق النظام السوري على ما يجري في السويداء من حوادث اغتيال واحتجاجات، رغم أن المحافظة لم تخرج عن سيطرته العسكرية والأمنية.
ومع ذلك، كانت ارتسمت صورة "استثنائية" لطبيعة السيطرة على المحافظة ذات الغالبية الدرزية منذ سنوات. ودائما ما كانت هشة واسمية دون أن تكون فعلية كما باقي المناطق السورية.
"وتيرة هادئة"ويوضح الصحفي السوري، نورس عزيز أن للشيخ عبد الباقي "أعداء كثر"، من النظام وصولا إلى المجموعات المحلية الممولة من الإيرانيين.
ويقول لموقع "الحرة": "كان خطابه خلال السنوات الماضية جريئا. دائما ما تحدث بسقف عالي والكل له مصلحة بتصفيته".
ويعتمد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري على عبد الباقي في عدة أمور ومواضيع، وكان زاره في المشفى يوم الأربعاء، وبعدما تمنى له الشفاء قال بجانب عبد الباقي: "الله على الظالم".
ويعتقد الصحفي عزيز أن استهداف عبد الباقي قد يكون نتيجة مواقفه.
ويشير إلى أنه كان وراء كشف عصابة مخدرات مرتبطة بأفرع الأمن، كما انخرط أيضا بعمليات احتجاز ضباط لمبادلتهم بمعتقلين سياسيين من أبناء السويداء، وعلى أساس ذلك يتوقع أن يكون هناك "أكثر من فريق له مصلحة بتصفيته".
ومنذ بداية الحراك الشعبي العام الماضي، سعى النظام لإعادة هيكلة الميليشيات الموالية له بالسويداء، ومدهم بالسلاح وبالتدريب، وكان هذا الأمر يجري بوتيرة هادئة، لاستخدامهم عند ما تقتضي الحاجة، كما أخبر الصحفي معروف موقع "الحرة".
ويضيف الصحفي أن عبد الباقي برز مؤخرا بعدة مواقف، منها احتجاز ضباط لأكثر من ثلاث شهور مقابل معتقلين.
وبعدما رفض النظام التفاوض مع عبد الباقي طيلة هذه الفترة وافق أخيرا على عملية التبادل قبل حوالي أسبوعين، وبعد زيارة وفد من وجهاء الطائفة العلوية في حمص للسويداء ولقائه عبد الباقي.
ويوضح معروف أن ما سبق "خلفية ربما تكون أحد أسباب محاولة اغتياله، في حال كان فعلا النظام يقف خلفها".
ما الذي تراهن عليه تركيا في سوريا بعد فوز ترامب؟ رغم تعدد الملفات العالقة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية كان لافتا خلال الأيام الماضية أن توقعات أنقرة بشأن العلاقة المقبلة مع إدارة دونالد ترامب ارتبطت على نحو محدد وخاص بسوريا ومستقبل الهيكل العسكري الذي تدعمه واشنطن في مناطقها الشمالية والشرقية، المتمثل منذ سنوات بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).ويرى من جانب آخر أن "المقلق بهذا النوع من الاغتيالات هو أنها يمكن أن تفتح الباب لسلسلة متتابعة من الاغتيالات قد تطال شخصيات معارضة وحتى شخصيات موالية. هذا ما نلاحظه في درعا منذ عدة سنوات".
ووفقا لذات الصحفي فإن "محاولات إحداث فوضى الاغتيالات أمر مقلق جدا"، ويعتقد أن "استهداف عبد الباقي يندرج في هذا السياق".
هل من أثر على الحراك؟وسبق أن صرح عبد الباقي لقناة "الحرة" بأن المحتجين في السويداء "يطالبون بالعيش في دولة عدل وقانون. النظام المجرم أغرق البلاد بالمخدرات والقتل والإرهاب".
وأكد الشيخ أيضا أن المحتجين "لن يخرجوا من الساحات قبل إسقاط نظام الأسد".
ويقول الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط إن محاولة الاغتيال التي استهدفت عبد الباقي "كانت نتيجة مواقفه ضد نظام الأسد، رغم أنها كانت سلمية وبعيدة عن العنف".
ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن "النظام لديه مخطط للنيل من السويداء والحراك، من خلال التركيز على بعض الرموز المحركة والحامية له أو التي تحظى بثقل اجتماعي داخل المحافظة".
ولا يفصل قرقوط ما تعرض له عبد الباقي عن التطورات التي عاشها الحراك السلمي قبل أكثر من عام، ويوضح أن النظام السوري كان اتبع "سياسة هادئة" على مراحل.
شملت تلك السياسة إصدار قرارات بالسيطرة على أملاك مشاركين في الاحتجاجات وفصل آخرين من دوائره الحكومية، وصولا إلى إقدامه على زيادة عدد الحواجز الأمنية والعسكرية في المحافظة.
ورغم كل ذلك، يضيف الناشط السياسي: "لم يتراجع المحتجون والمستهدفون إلى الخلف. مازالوا في ساحة الكرامة يؤكدون على مطالبهم بأن السلمية هي الباب الوحيد لإسقاط النظام السوري".
من جهته يوضح الناشط السياسي، صالح النبواني أن محاولة اغتيال عبد الباقي كانت متوقعة، بناء على التهديدات والحوادث التي سبقتها، آخرها مقتل الناشط في الاحتجاجات، مرهج الجرماني.
ويقول النبواني لموقع "الحرة" إن اتهام النظام السوري يرتبط بكون الشيخ عبد الباقي داعم للحراك السلمي وللانتفاضة المستمرة.
"الساحة متماسكة في المحافظة وهناك قدرة على الانسجام ما بين المجموعات المسلحة والحراك السلمي. وقدرة على التوازن والاستمرار بالأهداف التي خرج عليها المحتجون"، بحسب الناشط السياسي.
لكنه يشير إلى "لعبة أمنية للتأثير على المحتجين، من خلال الاغتيالات وإثارة الفتنة داخل السويداء وخارجها".
الحراك السلمي في السويداء، الذي انطلق في أغسطس 2023 كان أخذ خلال الأشهر الماضية عدة أشكال.
وكان اللافت منها إقدام المحتجين على تخريب مقار "حزب البعث" وحرق صور بشار الأسد، وأبيه حافظ، وصورة "الدولة الأمنية"، أو كما يصفها الموالون بـ"دولة الأسد".
وتبع ذلك اتجاه المحتجين والقائمين على الحراك إلى مسار تنظيمي تمثل بتشكيل هيئة عامة وسياسية ولجنة إعلامية، بحسب الناشط السياسي، قرقوط.
ويقول قرقوط: "هنالك قرار داخلي في السويداء بأن أي تراجع عن الحراك يعني خطر أكبر".
وفي حين أن زخم المشاركة لم يكن كما في الأشهر السابقة يعتبر الناشط السياسي أن "السويداء برموزها ومشايخها الأساسيين اتخذت القرار ولن تتراجع عنه. الرسالة هي الصوت القوي ضد الأسد ولا تختصر بعدد".
كما اعتبر قرقوط أن الزيارة التي أجراها الشيخ الهجري – الداعم للحراك- للشيخ عبد الباقي داخل المشفى تبعث برسالتين، الأولى للقيادي والثانية للنظام السوري بأن السويداء "لن تسمح للأخير بتفتيتها".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الناشط السیاسی النظام السوری محاولة اغتیال الحراک السلمی فی السویداء عبد الباقی
إقرأ أيضاً:
إسناد مرحلة الطمأنة السورية بالسلع
أحسنت الإدارة الجديدة لسوريا حينما أتاحت المجال للوزراء الجدد الحديث إلى وسائل الإعلام، لطمأنة السوريين على إداركهم للمشاكل المتعلقة بشؤون وزاراتهم وسيرهم في طريق تخفيفها خلال الفترة الانتقالية، على أن تكون هناك خططا شاملة للتطوير خلال المرحلة المقبلة، وعرض الواقع الصعب الذي استلموه من النظام السابق، والذي يحتاج إلى نفقات كبيرة لتغييره وإلى بعض الوقت، حتى لا يتعجل الجمهور حصاد ثمارا سريعة من تراكمات سلبية ظلت لعقود وحتى ينخفض سقف توقعاتهم حاليا.
فهذا وزير النقل يشير إلى الواقع المزرى للسكك الحديدية، والذي لا يصلح معه شراء قطارات جديدة حيث يتطلب الأمر تغييرا شاملا للبنية التحتية المتمثلة في القضبان، كما يشير إلى سرقة بعض المُهمات من مطار دمشق يتطلب الأمر تعويضها حتى يمكن إعادة الرحلات إلى دول العالم، وها هو وزير الزراعة يشير إلى معاناة المزارعين في شراء التقاوي والأسمدة وحاجتهم لقروض مصرفية لشرائها، ومشكلة نقص المياه المرتبطة بتركيا دولة المنبع للنهرين أو من سيطرة الأكراد على مسار مجرى مائي.
ويشير وزير التجارة إلى أن كثيرا من المصانع مغلقة وكثيرا من المعامل تحتاج لتكهينها لقدم آلاتها لعقود ماضية، ويذكر وزير التعليم أن هناك 6500 مدرسة قد دمرت كليا أو جزئيا بسبب الحرب خلال السنوات الماضية، من بين إجمالي 18 ألفا و400 مدرسة في للبلاد مما سيدعو إلى العمل فترتين دراسيتين لاستيعاب الطلاب البالغ عددهم أربعة ملايين.
وهكذا نجم عن تنوع المتحدثين تناول العديد من القطاعات من حيث التركة الموروثة، أو الإجراءات العاجلة التي تمت لتوفير الأمن للأفراد والمنشآت، وتوفير الخدمات من خبز ومياه وكهرباء واتصالات، مع تكفل القائد العام أحمد الشرع بإرسال رسائل الطمأنة للداخل والخارج، سواء بالنسبة لاستيعاب الجميع داخل النظام الجديد واحترام المرأة، أو عدم تصدير الثورة السورية إلى أية بلدان أخرى، وحرصه على التعاون مع دول الخليج، والحرص على العلاقات الطيبة مع الجميع خاصة دول الجوار التي أكد عدم التدخل في شؤنها.
الممارسة العملية تزيد خبرة الوزراء
وقد يرى البعض أن بعض الوزراء ليست لديهم مهارات الحوار الإعلامي بشكل محترف، يجاري الإعلاميين القادمين من فضائيات عربية أعلى مهنية مما تعودوا على لقائه في إدلب من قبل، أو أن حديثهم يخلو من البيانات الرقمية الدقيقة للأمور التي يتناولونها، أو أنهم قد غضوا أبصارهم عن النظر إلى المذيعات اللاتي حاورنهم، مما أفقد الحوار خاصية التواصل البصري بين المحاور والضيف، وربما رأى البعض أن بعضهم يفتقد إلى النظرة المستقبلية لمجال تخصصه من خلال تركيزه على المسائل الجزئية الحالية.
وكل ما سبق فيه الكثير من الصحة، مع الأخذ في الاعتبار أعمار الوزراء المتوسطة وقلة سنوات خبرتهم في وزارة الإنقاذ في إدلب، وقصر فترة توليهم لمناصبهم الجديدة التي تبلغ أسبوعين فقط، ولهذا ستزيد خبرتهم الإعلامية والعملية مع الممارسة. وأتذكر هنا ما حدث في لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى المصري في فترة الرئيس محمد مرسى، حينما سعت لتطوير المؤسسات الصحفية الحكومية، وطلبت الإطلاع على دراسة لأوضاع تلك المؤسسات قام بها مكتب محاسبة شهير بتكليف من مجلس الشورى، ولكنها فشلت في مسعاها، لتعرف بعد ذلك أنه كانت هناك تعليمات من جهات بالسلطة بمنع إمدادهم بأية معلومات.
وهنا نذكر واقع عمل وزارة الداخلية في النظام الجديد، التي لم تجد من يستقبلها من العاملين القدامى حتى يسلموها الملفات التي يبنون عملهم على أساسها، حيث وجدوا أبنية مهجورة ليس فيها أحد وتم حرق بعضها خلال حرق الملفات الموجودة فيها لطمس الدلائل على تصرفات القيادات، ولعل ذلك يفسر لماذا لجأت الإدارة الجديدة للإستعانة بوزراء حكومة الإنقاذ في إدلب، لتولي مهمة حكومة تصريف الأعمال في دمشق حتى بداية آذار/ مارس المقبل.
مخاوف التضخم مع زيادة الأجور
وأتصور أن هناك جهات داخل النظام الجديد تختص بالرؤية الشاملة لمستقبل سوريا من مختلف النواحي، مع تكفل الوزراء بالنواحي التنفيذية اليومية، ويرجح ذلك ما تردد عن إجراء حوار وطني أوائل العام المقبل، والتدرج في استكمال المناصب الإدارية كما حدث مؤخرا بتعيين وزير للدفاع وآخر للخارجية ومسؤولة لمكتب شؤن المرأة، وكذلك التصريح بالاتجاه إلى مضاعفة أجور العاملين في الوزارات بنسبة 400 في المائة، والتوجه إلى تحرير الأسعار في الأسواق.
وأتوقف عند قرار مضاعفة أجور العاملين بالحكومة أربعة مرات مع نهاية الشهر كما تردد، وتبرير بعض الخبراء ذلك بأنه لن يتسبب في رفع الأسعار المرتفعة أصلا، بدعوى أن التضخم الموجود في سوريا ليس ناجما عن كبر الطلب وإنما بسبب نقص العرض للسلع، وهنا نذكر بأن زيادات الأجور التي قررها الرئيس التركي قد ساهمت في استمرار ارتفاع معدلات التضخم بتركيا، وهو ما حدث في مصر أيضا مما دفع صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة المصرية لتقليل إصدار النقد وعدم التوسع في زيادات الأجور.
فحتى يتم حصار التضخم والذي يمثل المشكلة الرئيسية لدى الأسر السورية حاليا، فلا بد أن يصاحب رفع الأجور المرتقب بسوريا، زيادة كمية المعروض من السلع والخدمات، لأن زيادة الأجور وحدها تعي أن تطارد أموال كثيرة سلعا قليلة مما يؤدى للمزيد من التضخم. ولا يكفي ما ذكره وزير التجارة من أن إزالة الحواجز في الطرق قد زاد من حركة التجارة بين محافظات سوريا مما زاد من المعروض السلعي، وكذلك حديثه عن أن مواجهة الفساد والإتاوات المفروضة على السلع قد قلل من قيمتها لدى التجار، فالأمر يتعلق بزيادة المعروض من السلع والخدمات بكم أكبر يوازى كمية الأموال الضخمة التي سيحصل عليها العاملون بالحكومة.
وهو أمر تكتنفه الصعاب من حيث تدبير العملات الأجنبية لاستيراد الطعام والوقود، كما أن غالب انتاج النفط والغاز الطبيعي والسلع الزراعية يقع في نطاق المنطقة التي يحكمها الأكراد، كما يتطلب الحصول على المنتجات الزراعية من الأراضي الخاضعة لسلطة النظام الجديد عدة أشهر حتى يتم الحصاد، ونفس الأمر لدورة التشغيل داخل المصانع، وتوافر المحروقات لنقل البضائع وانتقال العمالة.
البحث عن تعويض لغير الموظفين
وهنا يصبح الاستيراد هو الحل الأسرع لزيادة المعروض السلعى خاصة من دول الجوار الجغرافي لأن الاستيراد من دول بعيدة جغرافيا سيستغرق بعض الوقت إضافة إلى استمرار عقوباتها المفروضة على سوريا، وهنا نخشى من تأثير العوامل السياسية على إمداد سوريا باحتياجاتها الغذائية، خاصة من دول مثل مصر والأردن ما زال إعلامها المعبر عن سلطاتها يتخذ موقفا متشددا من النظام السوري الجديد، وهنا يمكن التدخل من قبل هؤلاء لتفضيل تصدير الخضر والفاكهة الأردنية إلى إسرائيل مثلا، على تصديرها إلى سوريا بحجة قوة العملة الإسرائيلية بالمقارنة لضعف العملة السورية.
لكن تعدد دول الجوار يمكن أن يساهم في تجزئة وتوزيع الاحتياجات عليها، وأبرزها تركيا التي بلغت قيمة صادراتها في العام الماضي لسوريا حسب البيانات التركية مليارين و38 مليون دولار، ذهب معظمها لمنطقة إدلب والشمال السوري، مما يعني زيادة الاحتياجات منها حاليا، ولأن تركيا دولة مستوردة للنفط والغاز الطبيعي مثل الأردن ولبنان يتطلب الأمر تعدد الموردين.
وكانت الصادرات المصرية لسوريا خلال العام الماضى قد بلغت حسب البيانات المصرية 305 ملايين دولار، كما بلغت الصادرات الأردنية لسوريا حسب البيانات الأردنية في العام الماضي 118 مليون دولار، وبلغت الصادرات اللبنانية لسوريا 126 مليون دولار ولا تتوافر بيانات عن قيمة الصادرات العراقية لسوريا. وتشير الأرقام السابقة إلى إمكانية زيادة قيمة تلك الواردات السورية من دول الجوار، حيث أشارت البيانات الأمريكية إلى أن النصيب النسبي للدول التي استوردت منها سوريا عام 2022، كانت بنسبة 45 في المائة من تركيا، و20 في المائة من الإمارات، و9 في المائة للصين و8 في المائة للبنان و7 في المائة لمصر.
ولعلنا نركز على أهمية تعزيز المعروض السلعى بالأسواق السورية بالتزامن مع زيادة الأجور وحرية التسعير للسلع التي أعلن عنها، لأن تسبب زيادة الأجور وحدها في ارتفاع معدلات التضخم سيؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في النظام الجديد، وإمكانية زيادة عوامل عدم الاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن البيانات الرسمية السورية لعام 2022 قد أشارت إلى أن عدد المشتغلين في سن 15 عاما فأكثر قد بلغ 4 ملايين و551 ألف شخص، موزعين ما بين: مليون و697 ألفا يعملون في الخدمات، و850 ألفا بالتجارة والفنادق والمطاعم و 672 ألفا بالزراعة و500 ألف بالصناعة، و483 ألفا بالتشييد والبناء و294 ألفا بالنقل والتخزين والاتصالات، و56 ألفا بالمال والتأمين والعقارات.
وبلغ عدد العاملين في الدولة 912 ألفا، منهم 472 ألفا من الذكور و440 ألفا من الإناث، ليجيء تصريح الوزراء الجدد بعدم دوام جانب من العمالة الحكومية بالوزارات بعد سقوط الأسد، مما يعني أن العدد الموجود حاليا أصبح أقل، فعندما تقوم حكومة تسيير الأعمال برفع الأجور للموظفين بالحكومة بنسبة 400 في المائة، والذي نتوقع أن يتسبب في ارتفاع الأسعار، فماذا تفعل باقي الشرائح العاملة خارج الحكومة وهي الأكثر عددا لمواجهة الأسعار المتوقع ارتفاعها؟
x.com/mamdouh_alwaly