صحتك النفسية والأخبار المروعة.. كيف توازن بينهما؟
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
تجعل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من المستحيل تقريبا تجنب التدفق المستمر للأحداث السياسية الكبيرة، والصور المروعة للحروب المنتشرة.
وتترك كل التوقعات الجيوسياسية المروعة وصور الأشخاص الذين يبكون أمام الجثث في مناطق الحروب، أثرا على صحة المرء النفسية.
وعام 2021، خلصت دراسة إلى أن الاطلاع على أخبار جائحة كورونا لمدة دقيقتين فقط كان كافيا لقتل الشعور بالتفاؤل لدى المرء، و"الانخفاض الفوري والكبير في التأثير الإيجابي".
وتقول ناتالي كراه عضوة الرابطة المهنية لعلماء النفس الألمان: "من وجهة نظر الصحة النفسية، يجب أن يبتعد المرء عن هذه الأمور لفترة، خاصة الصور".
كما تقول الأستاذ في علم النفس بجامعة "إف أو إم" الألمانية للعلوم التطبيقية للاقتصاد والإدارة نورا فالتر، إن حقيقة أنه من المرجح أن ينجذب الأشخاص بصورة أكبر للاطلاع على الأنباء السيئة يعد أمرا تطوريا.
وأضافت: "نحن ننقر على عناوين أخبار الكوارث للبحث عن معلومات تحمينا من تهديد محتمل، لكن إذا أحاط المرء نفسه بصورة دائمة بالأنباء السيئة فقط فسيظهر خطر أنه لن يتمكن بعد الآن من التفكير بصورة إيجابية".
كما خلصت دراسة عام 2022 إلى أنه يمكن أن تكون هناك صلة بين الرغبة القهرية للاطلاع على الأخبار والمشاكل الصحية.
وعلى سبيل المثال، فإن الذين يتأثرون بـ"استهلاك الأخبار المثيرة للمشاكل"، أي يقومون بتفقد الأخبار بصورة خارجة عن السيطرة، يجدون صعوبة في الانفصال عنها، ويستمرون في التفكير في الأحداث التي قرأوا بشأنها بعد مرور فترة طويلة على وقوعها.
ويقول براين ماكلفلين من جامعة تكساس تيك، أحد المشاركين في وضع الدراسة التي أعقبت جائحة كورونا: "مشاهدة وقوع هذه الأحداث في الأخبار يمكن أن تسبب حالة دائمة من التأهب لدى بعض الأشخاص، وتعزز من دوافعهم للمراقبة إلى أقصى حد، كما تجعل العالم يبدو كمكان مظلم وخطير".
لكن كيف يمكن أن يتعامل المرء مع ما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده على منصات التواصل الاجتماعي من أجل حماية صحته العقلية؟
عندما يرى الإنسان منشورا به صور مروعة، من الشائع أن يبحث عن مزيد من المعلومات والمقالات أو المنشورات، وبما أنه يبدو أنه يسعى للتأكد مما رآه فهو يبحث عما يدعم صحته من خلال مزيد من الصور والمعلومات، وهذه القراءة اللانهائية للأخبار السلبية على الإنترنت تعرف باسم "التصفح المهلك".
وتقترح ناتالي كراه 3 حلول، الأول هو الابتعاد عن مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو، و"من أجل الصحة النفسية للمرء يتعين ألا يستمر المرء في البحث عن الصور أو مقاطع الفيديو المزعجة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أنها تسبب ألما نفسيا أكثر من المعلومات المكتوبة".
والحل الثاني من وجهة نظرها هو التواصل مع المقربين، فهذا "يتيح للمرء التخلص من العبء الذي يشعر به وأن يشارك مشاعره ويتعلم كيف يتعامل الآخرون مع الأمور المروعة في الأخبار".
والحل الثالث هو "التساؤل بشأن دوافع الأشخاص الذين يبثون المحتوى، فإذا كان المرء يتبع مجموعات معينة على قنوات التواصل الاجتماعي، عليه أن يسأل نفسه دائما لمصلحة من يتم تداول هذه الصور. وهل هي قضية يريد تأييدها؟ إذا كانت الإجابة لا، فلا يتعين أن يشاركها".
وهذا لا يعني أن يتوقف المرء تماما عن الاطلاع على الأخبار والمعلومات، ففي نهاية المطاف هي مهمة للمساعدة في تشكيل الرأي.
وفي بعض الأحيان تكون مواقف الأشخاص متباينة، فكيف يمكن للشخص التعامل مع هذا الأمر إذا وقع داخل أسرته أو دائرته المقربة أو أصدقائه أو زملائه في العمل؟
هذا أمر شائع منذ ذروة جائحة كورونا، فالبعض أيد الحصول على اللقاحات في حين رفضها آخرون، لكن هناك حركة مختلفة الآن، حيث تجمعنا تفضيلات واهتمامات مع أشخاص آخرين قبل أن نشكل مواقف بشأن الحروب الدائرة حاليا.
3 حلول
هنا تقترح كراه أيضا 3 حلول، الأول إذا لم يستطع المرء التوصل لاتفاق بشأن الخلافات السياسية، سواء كانت الحرب في أوكرانيا أو صراع الشرق الأوسط أو كليهما، يمكن أن يلتزم بالموضوعات الأقل انقساما، طالما كان الآخر قادرا على القيام بذلك أيضا.
وثانيا، يمكن أن يؤدي الفحص النقدي لمواقف الإنسان للتقارب، فالكثير من الخلافات في الرأي تصل لطريق مسدود ليس بسبب الجوهر، لكن بسبب تردد الأطراف في الاعتراف بأخطائهم.
الحل الثالث هو "إدراك ما إذا كانت أمور غير ذات الصلة هي ما تعزز الخلاف، فيمكن أن يكون المرء تحت ضغط كبير في الأسرة أو العمل، وينفس عن غضبه من خلال التمسك بموقفه تجاه هذه الحرب أو ذلك الصراع بصرامة عندما يتم طرح القضية".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات مناطق الحروب دراسة جائحة كورونا الصحة النفسية أخبار الكوارث منصات التواصل الاجتماعي الصحة النفسية الأخبار السيئة ضحايا الحروب علم النفس مناطق الحروب دراسة جائحة كورونا الصحة النفسية أخبار الكوارث منصات التواصل الاجتماعي صحة التواصل الاجتماعی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
أمراض ثقافـية
يظل الإنسان إنسانًا مهما بلغ من العلم والمعرفة والثقافة وسعة الاطلاع، فهو إنسان بنقائصه قبل الكمال، وإنسان بنزوع نفسه إلى الشر كما نزوعها إلى الخير؛ ولكن كما قال الشاعر، وهو المتنبي «ألزمتَ نفسك شيئا ليس يلزمها»، فالإنسان بخياراته واختياراته فـي هذه الحياة، يُلزِمُ نفسه بأمور لم يلزمه إياها أحد، إنما كانت بمحض إرادته واختياره. ومن تلك الأمور، الثقافة. إن الإنسان العادي يتوقع مِن من يُشار إليه بأن له علاقة بالثقافة أو نال حظا منها، صفات وأخلاقا تدل على ما اكتسبه من ثقافته وجَودةِ ما اكتسبَ. ومن ذلك سعة الصدر، وإيجاد المخارج فـيما له مخرج ومنفذ، وتقبُّل الآراء المختلفة المتضادة المتنوعة، والاستزادة من العلم والمعرفة، وحب الخير، والنقد المنهجي للثوابت التي لم تمر من قبل عبر مصفاة النقد والتمحيص، فأُخِذَت على عواهنها دون رويّةٍ يعرِف بها المرء صوابه من خطئه. لأجل هذا كله، كان المثقف أشمل رؤية وأنفذ بصيرة، وهو قادر على تذليل تلك المعرفة وتطويعها فـي سبيل الخير، أو استعمالها فـي الشر!. كُلٌّ حسب نفسه ومقدرته على كبح جماحها، أو إطلاق العنان لها. لكن، ماذا لو كانت الثقافة مبنيّةً كما تبنى المهن؟ بعبارة أخرى، ماذا لو كانت الثقافة محض ثوب يلبسه المرء حين يريد، وينزعه عن نفسه وفقا للمكان والزمان. فاليوم يكون المثقف الداعي إلى احترام الضعفاء ومساعدتهم والرأفة بهم، وغدا يمسك بسياط الكراهية يضرب بها من شاء وحيث شاء؛ هنا يتوقف المرء لينظر فـي المُدخلات التي جعلت المرء المُتَوَسَّمَ فـيه الخير يكون بهذه الصورة المشوهة والمعاكسة للتصور، واحدة من أمراض الثقافة التي سبق أن تحدثت عنها سابقا، هي الشللية، وليست الشللية سيئة حين تكون بمعناها الحميد المتمثل فـي الجماعات الأدبية أو الفكرية أو الثقافـية التي تتناقش وتتحاور وتفتح آفاقا أخرى جرّاء المطارحات الجادة؛ لكنها سيئة حين يتبنى أفرادها مجموعة من القيم والمفاهيم المريضة، كالحقد والحسد والهمز واللمز. كثيرا ما سمعت عبارة من قبيل «أستطيع أن أفعل هذا لو أردتُ ذلك» أو «إنه أمر سهل يستطيع الجميع فعله». إن هذه العموميات التي يشطب بها شخص ما عمل شخص آخر فـي جلسة تعزيز له ولمن حوله، منبت للضغائن ومنشأ لثوابت لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وأصبحت إطارا مُسلَّما بصحته!. من تلك المسلَّمات «يجب أن يكون الشاعر نرجسيا ليكتب الشعر». وهذا معناه، يجب أن يكون مريضا مرضا نفسيا ليكتب الشعر، وإلا لما كتب الشعر!. وهذه حماقة لا يدري المرء من أين تسرّبت إلى الأذهان وصارت مسلّمة لا جدال فـيها. وإذا ما أردنا معرفة المرض معرفةَ علمية، فإن «اضطراب الشخصية النرجسية هو حالة صحة نفسية تتميز بنمطٍ مستمر من الشعور بالفخامة أو العَظَمة، والحاجة إلى الإعجاب، والافتقار إلى التعاطف». وذلك وفقا لأدلة MSD الإرشادية، التي أوردت بعضا من الأمثلة التي يستطيع المرء إسقاطها على الواقع، وله أن يتفاجأ بتطابق التشخيص والأمثلة فـي بعضها مع كلام أناس محددين وطريقة تعاملهم مع الآخرين. وعلى سبيل المثال، أورد الدليل السابق تشخيصا للمصابين بهذه الحالة، «يبالغ الأشخاصُ المصابون باضطراب الشخصية النرجسية فـي تقدير قدراتهم، ويبالغون فـي مُنْجَزاتهم، ويميلون إلى التقليل من شأن قدرات الآخرين». وللقارئ أن يتأمل!. وما جعلني أفكر فـي هذه الخصلة تحديدا، التفكر فـي أخبار فحول الشعراء والأدباء، فترى الأخبار التي تتحدث عن سؤالِ بعضهم لجرير أو الفرزدق أو الأخطل عن واحد منهم، وأيهم أشعر؛ فـيجيب الآخر بأن فلان أشعر منه إطلاقا أو أشعر منه فـي القول الفلاني أو الصنف الفلاني، مع ما بينهم من الخصومة والتحدي والتسابق فـي صدارة الشعر ورياسته، وانظر إلى الخبر المنسوب إلى المعري -مع حبه وإخلاصه وتعصبه الشديد للمتنبي- حين سئُل عن أبي تمّام والبحتري والمتنبي؛ أيهم أشعر؟ فأجاب، حكيمان والشاعر البحتري. وليس هذا فـي ثقافتنا العربية فحسب، بل هي خصلة حميدة -التواضع والإنصاف- يتصف بها الكبار فـي شتى أنحاء المعمورة. فهذا ميخائيل باختين فـي حواره الطويل مع فـيكتور دوفاكين فـي سياق الحديث عن فـيتشيسلاف إيفانوف، يصفه بادئ الأمر بأنه «شخصية معقدة للغاية» وأورد بعد ذلك بعض الصفات السيئة التي تركها بلا نسبة إلى قائليها، ولكنه استدرك بقوله «..كان بالفعل يتمتع بقدر من العظمة فـي شخصيته، وفـي رأيي أن هذا الجانب كان الجانب الرئيسي فـيه على أي حال». إن قبولنا بالمسلمات فـي الحياة اليومية أو فـي أي مجال آخر، هو شكل آخر من أشكال الركود، ولنا فـي العلوم أنموذج شاهد ودليل. والثقافة جزء من الحياة، فالثقافة أسلوب للتفكير، أسلوب للعيش، للحياة. فبقدر ما يزداد المرء ثقافة، يزداد تواضعا؛ لأنه يعرف أن ما لا يعرفه أكثر مما يعرفه بالفعل.ولا أعتبر أيا من الأمراض مزية يمتاز بها أناس ويرتفعون بها عن البقية، أكانت النرجسية أو ثنائي القطب أو الاكتئاب -تحدثت عن هذا الأمر فـي مقالتي رمنسة البؤس- أو غيرها من الأمراض النفسية الأخرى. إن الثقافة فعلٌ وأعرفُ الفعلَ الجيد من الرديء بعواقبه وما يترتب عليه، والفعل أفضل وأسلم من الركود حتما، أولا يفسد الماء إن كان راكدا لا يتحرك؟. |