سودانايل:
2025-03-18@06:03:39 GMT

الدرديري.. كيف أنزلتم “عربان الشتات” من السماء؟

تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT

صلاح شعيب

هذا المقال لا يحاجي كثيراً حيثيات وزير الخارجية الإنقاذي الأسبق د. الدرديري محمد أحمد في ما سماه مخطط عربان الشتات لجعل السودان وطناً بديلاً لهم بمعاونة فرنسا، وقوى الحرية والتغيير، والإمارات العربية المتحدة، كما قال. وإنما يدور المقال حول الأسباب التي منعت قيام حركته الإسلامية بإيقاف هذا المخطط، وهو بهذه الخطورة التي أبانها الدرديري في كتاباته، وتسجيلاته الأخيرة.

فالدكتور يدرك أن برلمان الحركة الإسلامية هو الذي قنن وجود الدعم السريع - لا قوى الحرية والتغيير - وأن البرهان سحب المادة خمسة - لا الدقير - وأن الشيخ عبد الحي يوسف - لا العلامة عبد المحمود أبو - هو الذي شكر الله لكونه أرسل الدعم السريع هديةً من السماء لفض اعتصام القيادة العامة. فضلاً عن ذلك فإن اللائي وصفن جنود الدعم السريع بالأشاوس هن نساء المؤتمر الوطني في احتفالهن بقاعة الصداقة، وليس نساء منظمات المجتمع المدني اللائي شاركن في إسقاط المشروع الحضاري. كل هذه الشواهد، وأخرى كثيرة، تنسف حجج الدرديري، وتجعله مجافٍ لتبيين الحقائق. ذلك حين عمل على تحميل وزر التآمر مع عرب الشتات على قوى الثورة، والتي لم توظف مليارات الدولارات لصنع المليشيات كما فعل المؤتمر الوطني، وما يزال الدرديري بالضرورة يعلم الآن أن هذا النهج الخبيث لزملائه في استنساخ المليشيات سائد إلى يوم الناس هذا. ولكن يسكت الدرديري الآن عن نقد إعادة إنتاج قوى عسكرية تحارب لصالح الجيش ما دام هذا الاتجاه الذي أوصلنا للحرب يخدم تنظيمه. ولعل الأستاذ الجامعي سيخرج يوماً للناس متأخراً ليقول بأن الحركات المسلحة الداعمة للجيش ليست سوى حركات لها أجندات جهوية إن لم تكن قبلية. فوزير الخارجية الأسبق كان مع نظامه يتحالفون مع روسيا للوقوف ضد إدانة الدعم السريع حينما كنا ننتقد انتهاكاته، وكانت أداة الدفاع الأولى للوزير الدرديري في الأمم المتحدة هو السفير دفع الله الحاج علي الذي استمات في تمثيل الدرديري في محاشاة النقد الذي وُجه للنظام السابق، وهو يوظف الدعم السريع لارتكاب جرائم أرادها ضد المدنيين. إن الدرديري بجانب القيام بأعباء هذا المنصب الذي يمثل خط الدفاع الأول إزاء المؤامرات المحاكة ضد تنظيمه كان أيضاً من المتنفذين الكبار القانونيين داخل النظام الذي رعى الدعم السريع بذرة حتى غدا شجرةً ليحقق تطلعات المخدم أولاً، وتجذير المخدمين أنفسهم في المشهدين السياسي والعسكري، ولاحقاً الاقتصادي. وذلك دون التبصر لانتقادات قوى الثورة لهذا النهج الذي رأت أنه يعقد مشكل البلاد. ولكن الدرديري آنذاك كان يرى في الدعم السريع الأداة التي تحمي المشروع الحضاري الخرب من جهة، وتقلم أظافر الثوار الذين يصوبون على حائط المدينة من الجهة الأخرى. الحقيقة أن مشكلة الإسلاميين كما نقول دائماً تتمثل في افتقادهم للصدق مع الله، وشعبهم، وأنفسهم، ومراهنتهم على إمكانية تغييب عقلية الشعب السوداني، ذلك برغم أن الوسائل التي يتخذونها لتمرير حججهم، وأكاذيبهم، لا يمكن أن تنطلي على ذهن الرأي العام السوداني المؤثر. فمسؤولية الدرديري وفقاً لوقائع الحال قد تقصرت آنذاك في إحاطة حزبه بتآمر عرب الشتات، وعندئذ يبقى لو أنه أخفى حقيقة وعيه بتآمرهم فإنه يغدو من الخائنين للتنظيم، والوطن معاً. وأما لو سكت بحجة أن الدعم السريع قد خلقه رئيسه البشير ليكون أداة باطشة توطن للاستبداد، فهنا تسقط حجج الدرديري الأخلاقية المطروحة الآن لرمي الآخرين بالداء لينسل. ذلك لأن انتهازيته منعته من كشف مخبوء التآمر على البلاد، ففضل الصمت حتى يترقى وزيراً يوماً. ولكل هذا يكون الوزير السابق مفارقاً للأمانة الدينية والعلمية والأخلاقية وهو يلقّي مسؤولية استشراء الدعم السريع في المشهد السوداني على قوى سياسية هي نفسها ضحية لاستبداد إسلاموي مدعوم بمليشياته. إن عقلية الدرديري التي تتكسب بتشويه الحقائق لا تختلف عن عقلية زملائه الذين كانوا أيام الحراك الثوري قد ركبوا الموجة، ولكن بهدف تشتيت أهدافها. إذ حاولوا تحميل أزمات البلاد للرئيس السابق عمر البشير، وليس الحركة الإسلامية. بل أنكر أحد الأكاديميين الإصلاحيين البدريين حقيقة انتماء البشير للحركة الإسلامية أصلاً. ذلك رغم أن الترابي في شهادته لقناة الجزيرة قال إن الجبهة الإسلامية القومية أرسلت للبشير عربة لتقلّه إلى الخرطوم قبل الانقلاب بيومين. سعي الدرديري لتحميل قوى الثورة مسؤولية الفشل الحربي لتنظيمه في القضاء على الدعم السريع لا يمثل إلا نوعاً من الكسل الذهني، والتهرب من نقد زملائه الذين دبروا لهذه الحرب. فتعليق المشجب على قوى الثورة لا يساعده في محو الحقيقة المعروفة، وهي أن من يسميهم عربان الشتات ليسوا كائنات فضائية هبطت من السماء. فهم سودانيون مهمشون موجودون في باديتهم القصية، إذ لا يملكون قبل الإنقاذ سلطة تخول لهم الاستحواذ على السلطة. ولكنه هو إجرام قادة الحركة الإسلامية الذين سعوا إلى تجنيدهم للدفاع عن السلطة الشمولية، بذات الكيفية التي أعاد بها الإسلاميون إنتاج تجنيد موسى هلال أثناء هذه الحرب، بيد أن قادته العسكريين أخذوا سلاح الجيش، ووقفوا مع أبناء عمومتهم. والدرديري كما نعلم كان يتابع هذا المشروع العرباني من أوله إلى آخره، ولم يفتح الله عليه أن ينبس ببنت شفة. والآن فقط اكتشف أن مشروع تقنين المؤتمر الوطني للدعم السريع في التربة السياسية ليس سوى مؤامرة من قوى الثورة بجانب آخرين لتغيير الطبيعة الديمغرافية لأرض الهجرتين، والتي استوعبت الدرديري كما استوعبت غالب السودانيين منذ أزمان سحيقة. إذن فلماذا استخدام خطاب الكراهية ضد أهله الممتدين على مستوى الحزام السوداني، والذين منعت الحكومات المتعاقبة حصولهم على فرص التعليم والتنمية ليتطوروا حتى يندمجوا في بنية المجتمع وتتوفر أمامهم فرص التوظيف، والتي أتيحت للدرديري لكونه إسلاموياً، وخادماً للنادي السياسي المركزي. أوليس الدرديري يعلم أن وضعية هؤلاء العربان تخلقت ضمن تفاعلات وتعقيدات علاقات الإنتاج التي تحتكرها السلط المهيمنة في البلاد. وهي التي قادت الدرديري لتسنم المنصب الذي لا يمكن أن يحوز عليه حفدة هؤلاء العربان في المستقبل إلا إذا استوت البلاد على هدى شعار حرية، سلام، وعدالة. إن مصطلح عربان الشتات - من جانب آخر - لا يقوم من الناحية العلمية على أساس معرفي غير أنه صادر عن ذهنية جاهلة تجلد ذاتها ثم تحمل مسؤولية أفراد من القبيلة على المجموع من قبائل، وهي كلها تعاني التهميش من نخب كل دول الحزام السوداني. بل ويوظفونها في صراعاتهم للإبقاء على ديكتاتوريات غليظة الطبع على مجمل سكان القطر. الدرديري كعادة الكيزان وظف - وهو القانوني المحاضر - شواهد هي الأخرى محل شك في صدقيتها لكونها منتجة بواسطة استخبارات نظامه الذي يغذي خطاب الكراهية، ويفتت وئام المجتمعات السودانية. وقد شاهدنا الدرديري يرفض تحميل د. عشاري محمد محمود قبيلته مسؤولية انتهاكات الدعم السريع، ويعده منتجاً لخطاب الكراهية بينما يسهل، ويجوز، له تحميل من يسميهم عربان الشتات كامل مسؤوليات انتهاكات الدعم السريع. وذلك هو عوج التعميم المخل الذي يبقي الخلاف مع مجموعة منهم هم من أبناء السودان، ولا يمثلون - عند ضرورة النظر لوضعهم قانونياً - غالبية هذا المكون الإثني في السودان، وخارجه. ولكنه الدرديري هنا يقع تحت ضغط مفاهيم مركزية توطنت بان كل عمل يقف وراءه أبناء غرب السودان ومناطق النزاع إنما هو مؤامرة عنصرية. وقد وقفنا على وصف مركز السلطة الديكتاتوريين لانقلاب حسن حسين ومذبحة قصر الضيافة ويوليو ١٩٧٦ وانقلاب فيليب غبوش والذراع الطويل للعدل والمساواة وربط حراك سبتمبر بالحركات المسلحة. في كل هذه الحركات المطلبية المسلحة يغدو المؤامرة التي تماثل مؤامرة الجنوبيين وأبناء مناطق النزاع الوصمة التي تقابلهم. والدرديري متعلم مطيع لهذه الشفرات العرقية التي تستخدمها الدولة لا بد، ولذلك يضحي بمن يجمعه معهم الرحم حتى يثبت إخلاصه لشروط النادي السياسي. وكذلك يتحايل الدرديري على هذا التناقض في حكمه فيخلص إلى توجيه رسالة للخلص من عربان الشتات ليلتزموا بما يرى. فإذا كان يوقن حقاً أن من بينهم الخُلص فما الذي لا يحمله على الاختلاف معهم كأبناء وطن مثلما يختلف السودانيون مع الرموز والقادة السياسيين للبلد دون أن يحملوا قومياتهم مسؤولية وزرهم، وهم ذات الجماعة الإثنية التي اعترف بها المؤتمر الوطني وجندها لخدمته. لكن يبدو أن الدرديري يقفز بعقله الإسلاموي المغرض فوق أدبيات الخلاف السوداني - السوداني، وبالتالي ينتقم من عربان الشتات بعقلية إسلاموية لكونهم "فقط" ساهموا في إنهاء المشروع الحضاري أكثر من كونهم يسعون لابتلاع كامل البلد، وتوطين أنفسهم فيها، أكثر مما وطنتهم وزارات داخلية الإسلاميين وحمتهم خارجيته، وسمسرت في بعثهم لليمن كسودانيين بأرقام وطنية، وليسوا كعربان شتات. كذلك فإنه من حيث أراد الدرديري الإساءة لهذه الجماعة الإثنية التي يعرف الدرديري وجود إداراتها الأهلية داخل البلاد فقد أساء لأبناء من عربان الشتات أنفسهم الذين يقفون الآن بجانب الدولة، ويقتتلون للزود عن حياضها. فنحن نعرف أن الدرديري نفسه هو منتج جيني لما يسميه عربان الشتات، وإن توفرت له ظروف اجتماعية محددة وصار دكتوراً، فإن درجته العلمية لا تلغي حقيقة أنه ابن الحزام السوداني، وهو ذات الحزام الذي يجمعه إثنياً مع هؤلاء العربان. وهم في الواقع لا يختلفون عن العرب الذين حاول الدرديري تمييزهم عن العربان بشكل لا يستقيم جينياً، أو لغوياً، أو لسانياً. فالعربان هم عرب على كل حال، ففيهم الطالح، وفيهم الصالح، اللهم إلا إذا كان الدرديري بسكه لهذا المصطلح ينوي عدم النظر إليهم كجماعة عرقية أوجدتها حكمة الله على امتداد الحزام السوداني ليندمج في دورة الوطنية من لقي الحظوة التعليمية والخدمية مثل الدرديري، ويلقي حتفه في جبال اليمن. ولو أن من الحكمة القول إن تعرض عرب الحزام السوداني للإهمال الحكومي في كل الدول التي ينتمون إليها مما يجب تعميق درسه، فهم أصلاً ضحايا الاستعمار، فهم كذلك ضحايا المناخ، والطبيعة من ناحية، وسلطات الاستبداد التي تستخدمهم لأداء الدور الارتزاقي في اليمن من ناحية أخرى. ومن ناحية ثالثة فهم بالكاد ضحايا النخبة المثقفة في هذه الأوطان التي لم تسع للاعتناء بهم تنموياً ضمن اعتنائها بمركباتها المجتمعية، وتوفير مناحي الصحة والتعليم في بواديهم حتى ينجحوا كما نجح الدرديري في تجاوز خيار العسكرية المتاح فقط أمام أبناء المسيرية الذين يقتتلون بعضهم بعضاً في جانب، وضد مكونات عرقية في وطنهم كما أرادت الدولة المركزية في الجانب الآخر. لم يكن الدرديري ليملك مسلكاً معرفياً في محاولته فذلكة مصطلح العربان ليربطهم فقهياً بمصطلح الأعراب الذي حمله مدلولات سالبة وفق بعض التفسيرات الدينية. ذلك إلا إذا كان الدرديري يريد بذلك تغذية خطاب الكراهية الذي رمى به عشاري، بحيث أن يحمل أهله عرب السودان، والنيجر، وتشاد، ومالي، مسؤولية أخطاء جسيمة مسؤولة عنها الحركة الإسلامية بدرجة أولى. وهي ذات التنظيم الذي صنع شعبة القبائل في جهاز الأمن لخلق الصراعات القبلية في عموم السودان حتى يستطيع الإسلاميون اختراق هذه القبائل، وتجييرها لصالح مشروعهم السياسي. إن الدرديري نفسه ضحية وعيه، فلا أسباب تحصيله العلمي، ولا القانوني، ولا الإنساني، أسعفته على مخاطبة جذور الأسباب التي مكنت من سماهم عربان الشتات في دعم الكيزان أولاً ثم منازلتهم بشراسة، ولا وجد منهجاً جامعاً يقارب به أزمة الوجود السوداني الذي سببه شبق النخب المركزية التي رأيناها تاريخياً تضرب المكونات المجتمعية للوطن بعضها بعضاً حتى يتيسر لها حيازة السلطة، والثروة، والنفوذ. فالفشل في مقاربة حقيقة عربان الشتات - بكل ذيولها المجتمعية المعقدة المنتجة عبر الظاهرة الاستعمارية للأوطان الأفريقية - يكمن في استمرار العقلية المركزية الانتهازية التي ورثها الإسلاميون، وطوروها لاستدامة عمر الأزمات في الدولة القطرية، عوضاً عن اجتراح منظور سياسي حديث يعالج الإشكالات التاريخية ببصارة العلوم السياسية الحديثة. ولكن أنى للدرديري، وبقية زملائه، التفكير في حل هذه الأزمات من خارج مربع الصندوق الأيديولوجي الذي يجعل من الدرديري نفسه، ونخب الهامش والمركز، أدوات طيعة للأوليغارشيا المركزية المتوطنة بأسباب الاجتماع، والاقتصاد، واستغلال الدين، ضمن تحالفاتها الطفيلية المحلية، والإقليمية، والدولية. اعتقد أن القراءة الجادة والعملية لحالة بروز الدعم السريع والحركات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها في سطح الممارسة السياسية للمشروع الحضاري الطفيلي ستجوهر هذه الأجسام العسكرية كأعراض لأزمة وطنية أكثر من كونها مرتبطة بأحداث التاريخ، والذي يغير مجراه جدية الكاريزمات الفكرية والسياسية في مركز السلطة. ولذلك تبقى معالجة هذا المشكل المجتمعي من زاوية إبستيمية تأخذ بأسباب تعقيدات الظروف التاريخية والاجتماعية التي نشأت فيها عرب الحزام السوداني. إذ لا منجاة من استخدام الإطار المعرفي الأوسع الذي يبتعد عن عرقنة الصراع، والنظر إلى قضايانا المعقدة من هذه الزاوية الضيقة. ولكن الثقوب في معرفة الكادر الإسلاموي، وعجزه عن امتلاك أدوات معرفية، تقوده دائما إلى تفجيره الأزمات في الدولة القطرية السودانية، ومناطق أخرى من الكون. ولو فقد السلطة فإنه بكل خفة ذهنية يعمل على التهرب من أفعاله المنكرة ليرمي إخفاقه على الآخر الذي صنعه بعقله الشرير. فالدرديري مثقف القبيلة، والتنظيم، والسودان، المفترض فيه توظيف العلوم الإنسانية لبحث ظاهرة الدعم السريع لا يقوده صدقه إذا أعمله بجدة إلا لمراجعة جرم الذات، وكذلك خبل النظرية الفكرية التي اعتمد عليها تنظيمه في مقاربة القضايا السودانية. وعندئذ ستتمظهر له أن ما فعله الإسلام السياسي في أرض السودان جعله هو الأزمة، وليس الحل. ولكن من أين يتأتى للدرديري، وسائر الإسلاميين، إمكانية نقد ذواتهم بأمانة علمية، وجرأة فكرية، ومساءلة ضمائرهم الشريرة في تعميق مشاكل البلد التي أورثوها حتى طغى الدعم السريع على الجيش ميدانياً. الدرديري مما بدا بهذه المحاجة بحاجة إلى أن يفارق ضعفه الفكري، والأخلاقي، حتى لا يحمل فشل الإسلاميين في السلم والحرب على قوى ثورة ديسمبر ليقول بأنهم متآمرون مع عربان الشتات لتوطينهم في البلاد. ذلك لأن أحزاب قوى الثورة جميعها كانت تنتقد اعتماد نظام المؤتمر الوطني على الدعم السريع لترسيخ الشمولية، فيما كان الدرديري القانوني يصمت أثناء زهو الإسلاميين بسلطان الاستبداد، وتمرير برلمان حزبه الذي قنن وجود الدعم السريع، ووفر له الغطاء الاقتصادي، المحلي - جبل عامر، والإقليمي - حرب اليمن، ودولياً سمسروا به لدى الاتحاد الأوروبي لإيقاف الهجرة لأوروبا، وأكثر من ذلك بأن جعل مرؤوسو الدرديري الدعم السريع قادراً على حماية توزير الدرديري قبل أن تطيح الثورة الظافرة بكامل الوضع السياسي الذي فيه برز كقانوني، ودبلوماسي، وسياسي، خالٍ من القدرة على امتلاك العرفان الإنساني، والصدق الأخلاقي، لمراجعة تجربة سياسية قميئة أنتجت مليشياتها لصالح استبداد قاتل لا يماثله سوى فعل النازية.

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة المؤتمر الوطنی الدعم السریع عربان الشتات الدردیری فی قوى الثورة على قوى

إقرأ أيضاً:

فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع

بقلم: على كمنجة

تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .

ولنا عودة

aosman@alhagigasouthsudan.com  

مقالات مشابهة

  • اشتباكات بالأسلحة الخفيفة بين عناصر مليشيا الدعم السريع بحي “مايو” جنوب الخرطوم
  • شاهد بالفيديو.. سودانيون بمدينة شيفلد البريطانية يفضون إفطاراً رمضانياً نظمه أنصار “الدعم السريع” وسخرية كبيرة من الجمهور بعد الهروب الجماعي للدعامة من ساحة الإفطار
  • الجيش السوداني يحاصر الدعم السريع بالخرطوم والسلطات تكتشف مقبرة جماعية
  • الجيش السوداني يضيق الحصار على الدعم السريع ويقترب من القصر الرئاسي
  • قتلى وجرحى معظمهم أطفال بسبب قصف مدفعي لـ”الدعم السريع” على كرري
  • ضبط مخزن أسلحة ومحكمة عشوائية لـ”الدعم السريع” 
  • فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
  • شاهد.. فيديو نادر لقائد الدعم السريع “حميدتي” يظهر من خلاله وهو يقود المعارك بنفسه في الأيام الأولى للحرب ويستعد لدخول القصر لإذاعة بيان إستلامه السلطة
  • الجيش السوداني يتقدم بالفاشر والدعم السريع يقتل 8 مدنيين بالخرطوم
  • عقار.. التفاوض مع الدعم السريع صعب لأن قيادتها ليست موحدة بجانب الأعداد الكبيرة من “المرتزقة” التي تقاتل في صفوفها